بسم الله الرحمن الرحیم
إنها لجلسة جد عظیمة و رائعة، سواء من حیث الظاهر أو من حیث المعنی. الأعداد الهائلة للمعلمین فی هذه المحافظة - معلمی التربیة و التعلیم و أساتذة الجامعات - تملأ العین و تبهج الفؤاد. الکلام الذی قیل هنا کان الکثیر منه مدروساً و ناضجاً و حرفیاً و خبرویاً تماماً. یبتهج المرء لأن یشاهد کل هذه الأفکار الجیدة و الآراء المشرقة و الکلام الناضج الخبروی فی هذه المحافظة التی تعدّ بلا شک من حیث النواحی المادیة و الإمکانات من المحافظات الفقیرة فی البلاد، رغم أنها من حیث المواهب و الطبیعة غنیة جداً. ثقوا أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء أن هذه الجلسة کانت بالنسبة لی هدیة إلهیة، و أنا أشکر الله تعالی جزیل الشکر علی لقائی بکم هنا و استماعی لهذا الکلام الحسن.
ما کان فی اقتراحات الأصدقاء، بعضه کان مرتبطاً بالأجهزة التنفیذیة و مسؤولی القطاعات المختلفة، و من عادتنا نقل هذه الاقتراحات للأجهزة و المؤسسات ذات الصلة، و لیست لدینا نحن أنفسنا خطوات نتخذها اتجاه هذه الاقتراحات، لکن بعض هذه الاقتراحات کانت اقتراحات أساسیة و جذریة. ما قالته هذه السیدة المعلمة کان صحیحاً جداً و مدروساً و منطقیاً جداً. کذلک بعض الاقتراحات الأخری التی ذکرت هنا - و قد سجّلتها - کلها جدیرة بأن تدرس و ینظر و یفکر فیها و یعمل لها. نسأل الله تعالی أن یوفقنا لنستطیع الاستفادة إن شاء الله من نتاجات أفکارکم هذه، و نستفید منها بقدر المقدرة و الإمکانیات و التوفیق الذی یمنّ الله به علینا فی جوانب من إدارة المجتمع تلک التی تتعلق بنا.
و أشیر إلی نقطة معینة. أنشدوا هنا نشیداً جمیلاً بلحن حسن، و کان فی هذا النشید أشیاء مفیدة. أذکر هذه النقطة لا لهذه الجلسة فقط بل أرغب أن تنتشر مثل هذه الأمور علی مستوی البلاد و علی مستوی المجتمع. إبداء المودّة بین المسؤولین و الناس و خصوصاً النخبة منهم شیء جید حسن. أن یبدی عدد من النخبة و التربویین و الأساتذة و المعلمین مودّتهم تجاه أحد الخدم الذین یتولون مسؤولیة معینة فهذا شیء محبّذ جداً، و هو قائم فی بلادنا، و لا یوجد فی الکثیر من أنحاء العالم، و هذا من برکات الإسلام و برکات التدیّن، و هو قائم بین الطرفین. لیست المودّة بین المسؤولین و الناس أو النخبة من جهة واحدة، بل لیس من الممکن أن تکون المودّة من جانب واحد. إذا لم یکن الانجذاب من الطرفین فسرعان ما ستخبو المودّة ذات الاتجاه الواحد و تزول. إذن، المودّة بین الطرفین. لکن النقطة التی أروم ذکرها هو أن إبداء المودّة و المحبة هذه یجب أن لا یؤدی إلی إلی ذکر تعابیر و کلمات من الواضح للجمیع أن فیها مبالغة. و الشعر طبعاً موطن البالغة و الإغراق، لکن أن یذکر أشخاص صغار و ناقصون مثلی بتعابیر خاصة بعظماء عالم الخلقة و المعصومین و الأنبیاء و الأولیاء فهذا لیس بالشیء الحسن. یجب أن لا نروّج لهذه الثقافة فی المجتمع. و إلغاء مثل هذه التعابیر لا یتنافی أبداً مع المحبّة و المودّة القائمة بین الجانبین.
من بین الآراء التی ذکرها الأعزاء - سواء الأعزاء الذین تحدّثوا عن الجامعات أو الأصدقاء الذین ذکروا نقاطاً حول التربیة و التعلیم - کانت ثمة نقاط جیدة جداً و دقیقة. نحن حقاً بحاجة إلی العمل علی ازدهار قطاع التربیة و التعلیم فی بلادنا. قضیة الثورة الإسلامیة و نظام الجمهوریة الإسلامیة لم تکن لا فی السابق و لا فی الحاضر مجرد أن یکون بلد فی عداد البلدان الأخری و فی سباق معها من حیث التقدم المادی و العلمی و العسکری و السیاسی، بالشکل الذی یسعی له رؤساء الدول و البلدان عادة. قضیة الإسلام و تأسیس نظام الحکم فی الإسلام قضیة صیرورة و تحول فی داخل الإنسان. ثمة فی داخلنا عناصر ملائکیة و عناصر عتوّ و شرّ.. «لقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم، ثم رددناه أسفل سافلین» (1). بمعنی أن مواهب السموّ و الرقیّ و التعالی و قابلیات الهبوط و السقوط یمکن القول إنها موجودة فی أفراد البشر إلی ما لا نهایة له تقریباً.
فلسفة خلقة الإنسان هی تغلیب تلک المواهب الممیزة الإیجابیة المفیدة الممتازة من حیث القیم الإلهیة، باختیار الإنسان نفسه و بجهاد الإنسان، علی تلک الخصال الحیوانیة العاتیة. و إذا تغلبت تلک علی هذه عندئذ تکتسب کل الخصال الحیوانیة اتجاهاً صحیحاً. روح التطاول و العدوان إذا خضعت لخدمة التقوی فسوف تحول دون التعرّض للحرمات المقدسة - الحرمات الإنسانیة و الاجتماعیة و الأخلاقیة - و تتجّه باتجاه صحیح، و تستخدم فی الدرب الصحیح. هناک فی القرآن الکریم و الإسلام أوامر بالقتال. و القتال یعنی القتل و مواجهة القتل، لکن هذا القتال یعنی الاستفادة الحسنة من تلک الروح و النزعة الموجودة لدی الإنسان فی خدمة هدایة البشریة، و خدمة بناء عالم عامر و حرّ و متسام. هذا القتال هو فی الواقع بمعنی القضاء علی الحجب و العقبات التی تمنع الإنسان من الارتقاء إلی قمم الکرامة البشریة و الإنسانیة الرفیعة. إذا تمّ ترجیح هذه الخصال و الأخلاق و المواهب الکریمة السامیة فإن العالم سیکون عالماً صالحاً حسناً سعیداً. و لن یکون فی هذا العالم عدوان و تطاول أو انحطاط و خسة، و لن یکون فیه تعطیل للمواهب الإنسانیة أو تحریف لها. و لن یکون فی هذا العالم فقر أو تمییز. لاحظوا أی عالم حسن سیکون ذلک العالم. فی ذلک العالم سیستطیع الإنسان الاستفادة من کل إمکانیاته و قدراته و مواهبه. لیست قدراتنا و إمکانیاتنا ما توصلت له إلی الیوم العلوم البشریة و التجارب الإنسانیة. إنما الإمکانیات و القدرات أکثر من هذا بکثیر. إننا نعانی من ضیق فی الأفق حتی بالنظر لإمکانیاتنا الجسمیة. إننا لم نعرف بصورة صحیحة حتی قدراتنا الجسمیة.
سقت مراراً هذا المثال و قلت خذوا إلیکم لاعب جمناستیک، فهل یخطر بذهن إنسان غیر ریاضی لم یربّ جسمه أن بالإمکان أن یحرّک الإنسان جسمه بهذه الصورة؟ لکن بالتمارین یمکن لإنسان لیس استثنائیاً کثیراً و لا یختلف کثیراً عن غیره من الناس أن یقوم بهذه الحرکات بجسمه. و لکم أن تسحبوا هذه المقدرة علی کل إمکانیات الإنسان التی تصل إلی الآلآف، و سترون ما هو الإنسان، و ماذا یمکن أن یکون، و أیة قدرات عظیمة یمکنه أن یطلقها. تتحقق هذه کلها فی العالم الذی تتغلب فیه الخصال الإلهیة و الإنسانیة فی الإنسان علی الخصال الدنیئة. هذه هی الرسالة و هذا هو الهدف. إذا کان هذا هو الهدف، إذن یجب بذل الکثیر من الجهد.
إننا فی الخطوات الأولی فی طریقنا هذا مهما تقدمنا إلی الأمام. لا أننا لا نهتمّ لهذا التقدم العلمی. تلاحظون کم أننا نفخر بهذا التقدم، و لدینا تقدم علمی و تقدم تقنی و تقدم سیاسی و تقدم فی البناء و تقدم وطنی و عزة عامة. هذه أحوال قیّمة جداً، لکنها الخطوات الأولی فی الدرب.
حینما ینظر الإنسان لرسالة البلاد و رسالة الشعب الإسلامیة من هذه الزاویة - و هی صیرورة شاملة جامعة للبلاد - عندئذ یتجلی دور التعلیم و التربیة و دور المناخات التعلیمیة، و عندها ستکتسب التربیة و التعلیم و التعلیم العالی أدوارها فی بلادنا.
و أقولها لکم: الهدف من إقامة هذه الجلسات و الاجتماعات مع الأساتذة و الطلبة الجامعیین - و خصوصاً مع الأساتذة و المعلمین - هنا و فی طهران، هو قبل أن یکون کلمات نقولها أو نسمعها من الأعزاء - و هذا مفید أیضاً - الهدف هو تکریس احترام المعلم و الأستاذ و تقدیره و تکریمه فی المجتمع. نحن بحاجة لهذا. نرید أن یُعرف قدر المعلم - سواء المعلم فی التربیة و التعلیم أو فی الجامعات - و حین یُعرف قدر المعلم، فإن المعلم نفسه یجب علیه أن یثمّن هذا القدر و یستخدم کل طاقاته فی التربیة و التعلیم، و یزید من هذه الطاقات باستمرار. و بالتالی فإن هدفنا الرئیس فی هذه الجلسة هو التعبیر عن احترامنا لمجموعة المعلمین فی هذه المحافظة الحدیثة التأسیس، و یری الإنسان و الحمد لله ما هی مستویاتهم إن من الناحیة الکمیة و إن من الناحیة النوعیة، و سواء کانوا معلمین فی التربیة و التعلیم أو أساتذة فی الجامعات.
من النقاط التی وردت فی کلمات الأصدقاء الأعزاء، و کانت تجول فی ذهنی دوماً و اهتمّ لها اهتماماً کبیراً، هی أننا یجب علینا بالدرجة الأولی أن نعمل علی بناء الشکل الروحی لأطفالنا. إذا استطعنا تشکیل الهویة الإنسانیة لهذا الطفل منذ بدایة طفولته، و تکوین بعض الأخلاق و الطباع فیها فسوف یکون هذا نافعاً إلی النهایة. ثمة عوارض قد تترک تأثیراتها علی الأخلاق، و لکن إذا تکوّنت شخصیة الطفل منذ البدایة فإن تأثیرات العوارض ستکون أقل، و سوف تساعده العوامل المساعدة فی الطریق.
و قد أشارت هذه السیدة إلی تعبیر «التفلسف»، و هو تعبیر صحیح تماماً. من الأعمال الأساسیة و من الفروع المهمة فی البلدان المتقدمة مادیاً فی العالم الیوم تدریس الفلسفة للأطفال. الکثیرون فی مجتمعنا لا یتصوّرون أساساً أن الفلسفة ضروریة حتی للأطفال. و البعض یتصوّرون أن الفلسفة شیء معقد غامض کبیر یهتمّ به بعض کبار السن. و لیس الحال هذا. الفلسفة هی تکوین الفکر و تشکیله، و تعلیم أسلوب الفهم و تعوید الذهن علی الفهم و التفکیر. هذا شیء یجب أن یتکوّن منذ البدایة. القالب مهم، رغم أن المحتوی أیضاً مهم فی هذه الفلسفة الخاصة بالأطفال، لکن الأهم هو الأسلوب، أی أن یتعوّد الطفل منذ بدایة طفولته علی التفکیر و التعقل. هذا شیء علی جانب کبیر من الأهمیة. لقد سررت لسماعی تبیهات و أشارات إلی هذا المعنی أثناء کلمات الأعزاء.
النقطة التالیة هی الثقة بالذات. یجب أن نربّی الطفل منذ البدایة علی الثقة بالذات و الإیمان بهویته. و طبعاً هذا لا یختص بأطفال الابتدائیة، فالحال نفس الحال فی الإعدادیة أیضاً، و کذلک فی الجامعات. للأسف توجد فی بلادنا ثقافة تکرّست فی الماضی، و لم تزل آثارها قائمة إلی الیوم - رغم کل هذا الإعلام الذی قمنا به منذ بدایة الثورة و إلی الیوم - ألا و هی النظرة المحتاجة للغرب، و النظر له علی أنه کبیر، و علی أننا صغار فی مقابله، و للأسف فإن هذه الثقافة لم تستأصل و لا تزال موجودة. و هی بسبب غیاب الثقة بالذات. حین تلاحظون أن العلامة الأجنبیة للبضاعة الفلانیة تتطلب مالاً أکبر و لها طلاب أکثر فی أوساط طبقة معینة، و الحال أن البضاعة الداخلیة قد تکون جودتها أحیاناً أعلی، فالسبب هو هذه النظرة. هذا مرض و آفة. إذا قیل أن المتخصّص الفلانی قضی دوراته التخصصیة فی الداخل و لم قضها فی الخارج فستکون النظرة عنه سلبیة فی الوهلة الأولی. نعم، إذا کان هذا المتخصص الذی درس فی الداخل ممن استطاع أن یحطم هذه النظرة عنه بأعماله الممیزة - و هذا ما حدث بکثرة فی الأعوام الأخیرة - فهذا شأن آخر، و لکن طالما قالوا إن هذا الشخص قد درس فی الخارج و هذا الشخص درس فی الداخل فإن النظرة للذی درس فی الخارج أفضل. هذا عیب.
ربما سمعتم هذا منّی بکثرة، و هو أننا لا أعارض کسب العلم من الأجانب علی الإطلاق. قلت مراراً إننا لا نشعر بالعار من أن نکون تلامذة لأحد نتعلم منه، و لکننا نشعر بالعار من أن نتصوّر أن علینا أن ننظر دوماً نظرة احتیاج و تطلع و شعور بالدونیة و الحقارة إلی الآخرین و أفکارهم و أعمالهم. هذا شیء سیئ، و یجب استئصاله. یلاحظ المرء إننا نروم أحیاناً إیجاد خلق حسن و إفشائه فی المجتمع، فنسوق المثال فی مدح ذلک الخلق الحسن من البلدان الغربیة! ما الضرورة لذلک؟ لماذا نکرّس هذه الروح لدی مخاطبینا دوماً بأن تکون نظراتهم علی الغرب دائماً لتشخیص و تمییز الحسن من القبیح و الممتاز من غیر الممتاز؟ و هو ما ذکره بعض الأعزاء الآن: الإیمان بالغرب. و الإیمان بالذات یقف فی مقابل ذلک. و هذا لا یعنی معاداة أحد، و لا یعنی العصبیة ضد منطقة جغرافیة أو سیاسیة معینة. إنما یعنی أن الشعب إذا أعرض عن قدراته و مواهبه و منتجاته و لم یؤمن بها سیکون مصیره نفس المصیر الذی منیت به البلدان التابعة، سواء بلادنا فی العهد البهلوی أو البلدان الأخری التی نشاهدها.
یتعیّن علینا أن نعزّز الثقة بالذات لدی شبابنا و أطفالنا. تصلنی أحیاناً تقاریر بأن معلماً فی الصفّ أو أستاذاً فی صفوف الجامعات یشکک فی إنجاز علمی أکید. هذه حالات حدثت. فی مجال الخلایا الجذعیة مثلاً، و فی مجال النانوتکنولوجیا، و فی مجالات علمیة متنوعة أخری - و لحسن الحظ فإن التقدم العلمی فی البلاد کبیر جداً فی مجالات و میادین متنوعة کثیرة - تحدث منجزات و تطورات معینة حقیقیة لا تقبل التردید و الشک، و هی أمام الأنظار و فی عداد الملموسات، لکن البعض فی صفوف الجامعات أو الثانویات یشکک فیها، و یقول إن الأمر لیس کذلک و لیس من الأکید حصول ذلک. فما هو دافعنا لذلک؟ حتی لو افترضنا أن لدینا شکوکاً فی تحقق هذا الإنجاز العلمی فما الداعی لأن نوحی بذلک للشباب الذین یستمعون لنا؟ لنذهب و نحقق فی الأمر حتی تتضح القضیة لنا، و هل هذا الإنجاز تحقق أم لا. بث هذه الثقة بالذات و إیجادها من الأمور و الأعمال الرئیسیة.
النقطة الأخری هی الصبر و التحمّل. روح التحمّل و الصبر من الأشیاء التی نحتاجها فی تعاملنا الاجتماعی.. الحلم.. و لهذا ورد فی الإسلام و الأخلاق الإسلامیة کل هذا الثناء علی الحلم. عدم وجود الحلم یخلق الکثیر من المشکلات علی المستویات الدنیا و المستویات الفردیة و المستویات الاجتماعیة. و إذا تعاملت جماعاتنا و فئاتنا السیاسیة مع بعضها بالحلم فإن الأمور ستکون أفضل. المجامیع المختلفة المناصرة لهذا الطرف أو ذاک إذا تعاملت مع بعضها بالحلم لکانت الأوضاع أفضل بکثیر. التعامل بالحلم لا یعنی غضّ الطرف عن السیئات و القبائح، و لا یعنی عدم الاکتراث للأصالة و القیم التی نعتقد بها. إنما المقصود هو نوع التعامل و التصدی «أدع إلی سبیل ربک بالحکمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتی هی أحسن» (2).
القضیة الأخری هی قضیة التطلع و الفضول العلمی التی وردت فی کلمات الأصدقاء. حالة الاستفسار و الاستفهام و المتابعة. و النقطة الأخری هی العمل الجماعی و التعاون و الهمّة العالیة. لنعوّد الأطفال و کذلک الشباب منذ البدایة علی النظر بهمّة عالیة. هناک الکثیر من القضایا ینبغی النظر لها علی مستوی عالمی، و لیس علی مستوی إقلیمی، ناهیک عن أن ینظر لها المرء علی مستوی البلاد أو المحافظة. و هناک قضایا ینبغی أن ینظر لها المرء بآفاق تمتدّ لمائة عام و مائة و خمسین عاماً، و لیس ضمن أفق محدود بخمسة أعوام أو عشرة أعوام أو أقل. هذه أمور تحتاج إلی همم عالیة، و لا بدّ من النظر بهمم عالیة لمختلف القضایا و الأمور. هذا التلمیذ أو هذا الطالب الجامعی الذی تربّونه و تعدّونه الیوم سیکون بعد فترة أستاذاً أو مدیراً فعالاً أو خبیراً بارزاً، أو عنصراً مؤثراً فی الحرکة السیاسیة للمجتمع. سیکون بعد فترة وجیزة عنصراً مؤثراً فی المجتمع. ربّوه علی هذا الأساس لینشأ علی هذه الهمّة العالیة.
النقطة الأخری هی العکوف علی العمل، فمن مشکلاتنا الکسل. حالة المطالعة و قراءة الکتب مهمة. ثمة فی مجتمعنا حالة من عدم الاکتراث للکتاب. أحیاناً یشاهد المرء فی التلفزیون أنهم یسألون هذا و ذاک: سیدی کم ساعة فی الیوم تطالع، أو کم لدیک من الوقت لقراءة الکتب؟ أحدهم یقول خمسة دقائق، و الآخر یقول نصف ساعة! یتعجّب الإنسان. یجب أن نعوّد الشباب علی قراءة الکتب، و نعوّد الأطفال علی قراءة الکتب، لتبقی هذه العادة فیهم إلی آخر أعمارهم. قراءة الکتب فی مثل عمری - و أنا طبعاً أقرأ الکتب أضعاف ما یقرأ الشباب - غالباً ما تکون تأثیراتها أقل بکثیر من القراءة فی سنیّ الشباب، و سنیّ أعمارکم أیها الأعزاء الحاضرین هنا. ما یبقی للمرء دوماً هو قراءة الکتب فی السنین الأولی. لیقرأ شبابکم و أطفالکم الکتب ما استطاعوا، و لیتقنوا الفنون المختلفة و یتعلموا کل ما یستطیعون تعلمه. طبعاً ینبغی أیضاً تجنّب القراءات العبثیة، لکن هذه قضیة لاحقة، أما القضیة الأولی فهی ضرورة أن یتعلموا و یتعودوا علی مراجعة الکتب و قراءتها و النظر فیها. و بالطبع یجب أن تکون الأجهزة و المؤسسات و الأفراد علی حذر و یوجّهوا الناس نحو الکتب الجیدة، فلا یضیع العمر فی الکتب السیئة.
و ثمة نقطة أخری ذکرتها إحدی السیدات و سجّلتها هنا، و هی بدورها نقطة علی جانب کبیر من الأهمیة. هذه الخصوصیات و الخصال التی نروم إیجادها فی أطفالنا - و ربما کانت السیدة تقصد التربیة و التعلیم - لا تنبثق بصورة طبیعیة، إنما ینبغی العمل علیها. فمن یجب أن یعمل؟ المعلمون، سواء علی مستویات التربیة و التعلیم، أو علی مستویات الجامعات. علی المعلمین أن یکونوا مستعدین لهذه المهمة، و خبراء فیها، و هذا بحاجة إلی مؤسسة علیا توجد هذه التربیة.. نعم، هذا شیء منطقی. و وزیر التربیة و التعلیم المحترم حاضر هنا. اطرحوا هذه القضیة فی الحکومة، و انظروا أنتم أنفسکم ماذا تستطیعون أن تفعلوا علی مستوی التربیة و التعلیم. حقٌّ ما یقولون.. إذا کنا نرید إیجاد هذه الخصال الصالحة فی مخاطبینا فی صفوف الدرس، فهذا بحاجة إلی أن یعلم معلمنا ما الذی یفعله. و لیس الجمیع یعلمون ذلک. لذا ینبغی أن یتعلموا. یتعین تأسیس مرکز، و قد قیل إنها مراکز أبحاث ثقافیة للعائلة، أو ثقافة العائلة. کانت هذه من المقترحات التی قدّمها البعض. و هذا شیء حسن جداً، و هو صحیح تماماً. ینبغی العمل علی هذه الأمور. و هی بالطبع تختصّ بالأمن الأخلاقی للعائلة، لکنها ترتبط أیضاً بالمدارس و الجامعات.
طیّب، التقدم الذی حققناه فی مجالات التی نرغب فیها و ترغب فیها منظومة الشرائح الثقافیة و العلمیة فی البلاد هو للحق و الإنصاف تقدّم استثنائی. أی إننا یجب أن لا نشک إطلاقاً فی أننا قادرون. هذا شیء مشهود أمام أنظار الجمیع. فی بدایة الثورة کان هناک فی إیران نحو مائة و سبعون ألف طالب جامعی. و یوجد الیوم أربعة ملایین طالب جامعی. و کان هناک فی ذلک الوقت خمسة آلاف عضو فی الهیئات العلمیة. و أتذکر فی ذلک الحین أن عدد الخمسة آلاف هذا کان یتکرّر. البعض کانوا یرحلون و کان هذا أمراً قابلاً للحساب و العدّ، فکانوا یقولون: نقص واحد، و نقص عشرة! و عدد أعضاء الهیئات العلمیة عندنا الیوم أکثر من هذا بکثیر. لدینا لحسن الحظ عشرات الآلآف من أعضاء الهیئات العلمیة. و هناک فی الوقت الحاضر مائتا جامعة کبیر فی مختلف أنحاء البلاد، و هناک ألفا جامعة و مرکز تعلیم عالی علی مستوی البلاد. هذا لیس بالشیء القلیل. و قد أنجزنا کل هذا فی ظروف الضیق و الصعاب. هذا الحظر الذی یقال إنهم شدّدوه الآن أو إنهم یسیرون فیه نحو التشدید الدائم، کان هذا الحظر منذ البدایة. بالإضافة إلی هذا فقد کانت هناک الحرب، و بالإضافة إلی هذا کان هناک انخفاض فی أسعار النفط خلال فترات مختلفة. فرضت علینا الکثیر من المشکلات الداخلیة، و کان لدینا زیادة فی عدد السکان - کان عدد السکان فی بدایة الثورة خمسة و ثلاثین ملیوناً و ازداد إلی الضعف - کل هذه کانت مشکلات و صعوبات. و مع کل هذا تقدّمنا إلی الأمام کل هذا التقدّم و الحمد لله.
و أقولها لکم إن هذا التقدم العلمی الذی حصل لا یعود إلی وجود مساع خاصة و مکثفة و شاملة ترکزت علی نقطة معینة، لا، فی کثیر من القطاعات التی تقدمنا فیها کانت هناک جماعة موهوبة و مندفعة بدأت من نقطة معینة و حصلت علی بعض الدعم و بلغت الذروة. قبل سنوات جاء مسؤولو بلد من البلدان الصدیقة - و لا أرید ذکر الاسم - و قالوا إننا خصّصنا کذا مبلغ للمیزانیة فی الموضوع الفلانی - للبیوتکنولوجیا مثلاً - و قد رکزت البلاد کلها اهتمامها علی هذا الموضوع. و نحن لم نفعل ذلک، و ما حصل کان بسبب وجود المواهب و الاندفاع لدی مجامیع متعددة، و الکثیر من المشاریع تمّت فی ما یشبه البیوت الزجاجیة، لا أن البلد کله رکّز اهتمامه علی التقدّم فی مجال الخلایا الجذعیة مثلاً. لا، عدد من الشباب الموهوبین الراغبین المندفعین تابعوا موضوع الخلایا الجذعیة، و حصلوا علی بعض الدعم من طرف معین، و فجأة لاحظتم أنهم أصبحوا من المتمیّزین فی هذا المجال علی مستوی العالم. و کذا الحال بالنسبة لقضیة تقنیات النانو، أو المجالات و المیادین الأخری. و کذا الحال بالنسبة للصواریخ، سواء الصواریخ المختصّة بالفضاء و حمل الأقمار الصناعیة أو الصواریخ العسکریة، کلها أعمال و مشاریع حصلت بدافع الرغبة و الشوق و الهمّة من قبل جماعات و فرق بدأت مشاویرها من نقاط معینة إلی أن شاهد الجمیع النتائج. أرید القول إن المواهب و القدرات علی مستوی البلاد غیر متناهیة، و نستطیع التقدّم إلی أکثر من هذا بکثیر.
تحتلّ إیران حالیاً المرتبة السادسة عشرة فی العالم من الناحیة العلمیة. هل کان أحد یصدّق هذا؟ هذا ما أعلنته مراکز الإحصاء العالمیة المعتبرة. و ثمة مرکز یخمّن أن تصل إیران فی سنة 2018 إلی المرتبة العلمیة الرابعة عالمیاً. هکذا هی إمکانیات البلاد و قدراتها. سهم إیران فی إنتاج العلم عالمیاً هو إثنان بالمائة فی الوقت الحاضر. أی ضعف ما تستطیع إیران بشکل طبیعی إنجازه. هذه إنجازات ممتازة و مهمة.
إذن، علینا مضاعفة الأمل. هذا ما أرید أن أقوله. علینا القیام بالکثیر من الأعمال علی المستویات الحکومیة و علی مستوی المسؤولین الکبار فی البلاد. لکن أساس القضیة هو أن تنمّوا فی صفوف الدراسة، سواء فی التربیة و التعلیم أو الجامعات، الأمل بالتحرّک و العمل لدی الشباب و متلقیکم. سیکون هذا مثل رصاصة تنطلق و تتقدم إلی الأمام. إذا حدث مثل هذا فإن البلاد ستستفید منه إلی أقصی الحدود. لنحاول بث الحیویة و النشاط و الأمل. ثمة اخطار تعتور طریق الشباب، و من هذه الأخطار انقطاع الأمل، و یجب تحاشی بث الیأس و القنوط بشدة.
طبعاً، ثمة فی هذه المحافظة مشکلات من حیث الإمکانیات إن فی قطاع التربیة و التعلیم و إن فی قطاع الجامعات، و قد رفعوا لی تقاریر ذلک، و تحدث عنها الأعزاء هنا بعض الشیء. نتمنّی أن ترتفع هذه النواقص و المشکلات إن شاء الله. و نحن ننقل ذلک للمسؤولین طبعاً. الأعمال التنفیذیة و ما إلی ذلک ترتبط بمسؤولیات خاصة، و ینبغی عدم تداخل الأمور. نحن طبعاً نؤکد و نؤیّد و ننقل الصورة و نطالبهم بمعالجة الأمور فی حدود ما تسمح به إمکانیاتهم.
و من ناحیة، احذروا فی المناخات الشبابیة من الإنماط الکاذبة من العرفان، و هی تتغلغل خصوصاً فی الجامعات. من المخططات أن یدسّوا الأنماط الکاذبة من العرفان فی داخل الجامعات. هذه أیضاً من الأمور التی تسبّب الشلل. إذا وقع شخص فی أسر هذه الأحابیل التی لا أصل لها و لا أساس من أنماط العرفان الکاذبة - و معظمها وفدت من مناطق فی خارج البلاد - فإنها سوف تشلّه حقاً. المعیار الذی نمتلکه للسیر نحو السموّ المعنوی و الروحی و التقرّب إلی الله هو التقوی و الورع و العفة و الطهر. إذا تعفف شبابنا - البنات منهم و البنون - و عملوا بالتقوی، و سعوا للابتعاد عن المعاصی، و أقاموا الصلاة بتوجّه و اهتمام، و لم یقطعوا أنسهم و ارتباطهم بالقرآن الکریم فلن یقعوا أسری فی فخ هذه الأنماط الکاذبة من العرفان.
کثیراً ما أوصی الشباب بالقرآن الکریم. حاولوا أن لا نتقطع صلتکم بالقرآن الکریم. اقرأوا من القرآن و لو نصف صفحة کل الیوم. هذه کلها ممارسات تقرّب إلی الله تعالی، و توفّر للإنسان صفاء الروح و الفرج و الفتوح المعنویة. الاستقرار و الهدوء و الصبر و السکینة التی یحتاجها الإنسان - « فأنزل الله سکینته علی رسوله و علی المؤمنین و ألزمهم کلمة التقوی» (3)، النعمة التی یمنّ الله تعالی بها علی المؤمنین فیقول أنزلنا السکینة و الصبر و الهدوء و الطمأنینة منا علی الرسول و علی المؤمنین - تحصل بهذه الأمور التی ذکرتها. و هی بالدرجة الأولی السعی للابتعاد عن الذنوب.
و حین نقول الابتعاد عن الذنوب فلیس معنی ذلک أن نترک أولاً کل الذنوب لنستطیع دخول المرحلة الثانیة، لا، بل هی حالات متزامنة و متواکبة. ینبغی أن تنصبّ الهمم و المساعی علی أن لا تصدر عنا ذنوب. و هذا هو معنی التقوی. الالتزام بالتوجّه فی الصلاة و فی تلاوة القرآن و ما إلی ذلک هو ما یحقق لنا المعنویات و صفاء الروح، و یوفر لنا الهدوء و الطمأنینة و السکینة اللازمة، و لا حاجة لطرق أبواب الأنماط الکاذبة الزائفة المادیة الوهمیة الخیالیة من العرفان، و التی لا رصید لها إطلاقاً من الواقع و الحقیقة. وجّهوا الطلبة الجامعیین و الشباب فی الثانویات لهذه الجوانب من الدین و التدیّن. اجعلوا التدیّن عنصراً أساسیاً لمتلقیکم، و اعلموا أن الله تعالی سوف یمدّ لکم ید العون و المساعدة.
حسناً، لقد انتهی الوقت. نتمنی أن یجعل الله تعالی ما قلناه و سمعناه مفیداً لنا، و أن یشملکم و إیّانا بتوفیقاته لنستطیع العمل بواجباتنا إن شاء الله.
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته.‌

الهوامش:
1 - سورة التین، الآیتان 4 و 5 .
2 - سورة النحل، الآیة 125 .
3 - سورة الفتح، الآیة 26 .