بسم الله الرحمن الرحیم
أرحّب أولاً بکم أیها الضیوف الأعزاء من مختلف البلدان، و کذلک الأساتذة الأعزاء المحترمون من جامعات بلادنا.
أقیمت منذ نحو عام و إلی الآن لقاءات و مؤتمرات و ملتقیات عدیدة حول الصحوة الإسلامیة فی طهران، و لکن یلوح لی أن مؤتمر أو ملتقی الأساتذة یتمتع بأهمیة خاصة، إذ أن خلق الأفکار و الخطابات و التیارات الفکریة فی المجتمع یحصل علی أیدی الخواص و المفکرین فی ذلک المجتمع. هم الذین بمستطاعهم توجیه و هدایة أفکار الشعوب نحو جهة معینة تنقذ تلک الشعوب، کما یمکنهم - لا سمح الله - أن یوجّهوا الأفکار نحو جهة تتسبّب فی تعاسة الشعوب و بؤسها و وقوعها فی الأسر. و هذه الثانیة حصلت طوال الأعوام السبعین أو الثمانین الأخیرة فی بعض البلدان، و منها بلدنا.
هناک حدیث عن رسول الإسلام المکرّم سیدنا محمد بن عبد الله (ص) یقول فیه: «لا تصلح عوامّ هذه الأمة إلا بخواصّها» قیل یا رسول الله و من خواصّها؟ قال: «العلماء». ذکر العلماء أولاً، ثم ذکر عدة فئات أخری. و بالتالی فإن أساتذة الجامعات و الواعین و النخب العلمیة فی أی بلد بوسعهم الإمساک بزمام تحرّک الشعب و ریادته، شریطة الإخلاص و الشجاعة و عدم الخوف من الأعداء. إذا کان ثمة خوف أو طمع أو غفلة أو کسل فإن الأمور سوف تفسد و تتعرقل. و إذا لم یکن هناک خوف، و کانت ثمة شجاعة، و إذا لم یکن هناک طمع أو غفلة، و إذا توفرت عناصر الوعی و الیقظة فإن الأمور سوف تصلح و تتقدم إلی الأمام.
فی بدایات الثورة، أی قبل نحو إحدی و ثلاثین سنة، توجّهت أنا و شخصان آخران کنا یومها أعضاء فی شوری الثورة، من طهران إلی قم للقاء الإمام الخمینی - و کان الإمام الخمینی حینها لا یزال فی قم و لم یأت للسکن فی طهران - لنسأل رأیه حول قضیة و خطوة مهمة. و حین شرحنا له القضیة التفت لنا الإمام الخمینی و قال: هل تخافون من أمریکا؟ فقلنا له: لا. فقال: إذن اذهبوا و تصرفوا کذا و کذا. و عدنا و تصرفنا کما أوصانا و نجحنا. إذا کان ثمة خوف و هلع، و إذا کان هناک طمع أو غفلة أو توجّهات منحرفة فإن الأمور و الأعمال سوف تتعقد و تفسد.
یواجه العالم الیوم حدثاً عظیماً. و الحدث العظیم هذا عبارة عن الصحوة الإسلامیة. هذه حقیقة. لقد استیقظت الشعوب و الأمة الإسلامیة تدریجیاً. و لم یعد التسلط علی الشعوب المسلمة بالسهولة التی کان علیها بعد الحرب العالمیة الأولی أو فی فترة القرنین التاسع عشر و العشرین. إذا أراد مستکبرو العالم فی الوقت الحاضر السیطرة علی الشعوب المسلمة فسیکونون أمام مهمة عسیرة. لقد تغلغلت الصحوة فی الأمة الإسلامیة و نفذت و ترسخت فیها. و فی بعض البلدان تحوّلت هذه الصحوة إلی ثورةغیّرت الأنظمة الفاسدة العمیلة. لکن هذا جزء من الصحوة الإسلامیة و لیس کلها. الصحوة الإسلامیة واسعة و عمیقة.
و الأعداء طبعاً یخافون من کلمة «الصحوة الإسلامیة»، و یحاولون أن لا تستخدم عبارة «الصحوة الإسلامیة» لهذه الحرکة العظیمة. لماذا؟ لأن الإسلام حینما یظهر فی هیئته الحقیقیة و أبعاده الواقعیة فإن فرائصهم سترتعد. إنهم لا یخافون الإسلام المستعبد للدولار، و لا یخافون من الإسلام الغارق فی المفاسد و الارستقراطیة، و لا یخافون من الإسلام الذی لیس له امتدادات و نهایات فی ممارسات الجماهیر و أعمالهم، لکنهم یخافون إسلام العمل و الفعل، و من إسلام المبادرة، و من إسلام کتل الجماهیر، و من إسلام التوکّل علی الله، و من إسلام حسن الظن بالوعود الإلهیة حیث قال تعالی: «و لینصرن الله من ینصره» (1). حینما یذکر اسم هذا الإسلام، و تظهر له علامات و مؤشرات فإن مستکبرو العالم یرتعدون «کأنهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة» (2). لذلک لا یریدون لعنوان «الصحوة الإسلامیة» أن یکون. أما نحن فنعتقد أنها صحوة إسلامیة و یقظة حقیقیة قد ترسّخت و امتدت، و لا یستطیع الأعداء تحریفها عن طریقها بسهولة.
طبعاً ینبغی دراسة الآفات و الأخطار التی تهدّد هذه الصحوة، و هذه هی النقطة الأولی التی أروم ذکرها لکم. ادرسوا الآفات و الأخطار التی تهدد هذه التحرکات التی عمّت العالم الإسلامی، و هذه الثورات التی حدث فی مصر و تونس و لیبیا و أمثالها و انتصرت. ما هی الأخطار التی تهددها؟ و ما هی المشکلات التی تواجهها؟ لماذا نقول إن ما حدث هو إسلامی بلا شک؟ لاحظوا شعارات الجماهیر و دور المؤمنین بالإسلام فی إسقاط الأنظمة الفاسدة طوال هذه الفترة. لو لا المؤمنون بالإسلام و الجماعات العظیمة الهائلة ذات المکانة الممتازة بین الناس و المعتقدة بالإسلام إلی أعمق أعماقها لما تکوّنت هذه التجمّعات العظیمة فی مصر و تونس. الضغوط التی أعملتها تحرکات الجماهیر و مشارکتها فی الساحة هدمت الصروح المتهرئة لأمثال حسنی مبارک و بن علی. الجماهیر الإسلامیة هی التی تواجدت فی الساحة بشعارات إسلامیة. دور الإسلامیین فی عملیات إسقاط الأنظمة هو بحد ذاته أقوی شاهد علی أن هذه الحرکة حرکة إسلامیة. و بعد ذلک أین ما حان دور التصویت فإن الجماهیر صوّتوا للإسلامیین و عزّزوهم و رجّحوهم. و أقولها لکم: إذا أقیمت انتخابات جیدة حرّة فی أی مکان من العالم الإسلامی - و قد تکون لذلک بعض الاستثناءات القلیلة - و یشارک القادة و السیاسیون الإسلامیون فیها فإن الشعوب ستمنحهم أصواتها. هکذا هو الحال فی کل مکان. إذن، التحرّک هو تحرّک إسلامی بلا ریب.
طیّب، قلنا ینبغی أن تدرسوا الآفات و المخاطر. و إلی جانب ذلک لا بدّ من تبیین الأهداف و شرحها. إذا لم تتبیّن الأهداف فستکون هناک حیرة و اضطراب. ینبغی تبیین الأهداف. من أهم أهداف هذه الصحوة التحرّر من شرور هیمنة الاستکبار العالمی. ینبغی ذکر ذلک بصراحة. من الخطأ التصوّر بأن الاستکبار العالمی بزعامة أمریکا یمکن أن یتصالح مع الحرکات الإسلامیة. إذا کان ثمة إسلام و إسلامیة و إسلامیون فإن أمریکا ستحاول بکل ما أوتیت من قوّة أن تقضی علیهم، و طبعاً ستتبسّم فی ظاهر الأمر. لیس أمام الحرکات الإسلامیة من طریق سوی رسم حدودها الفاصلة. لا نقول یجب أن یسیروا لمحاربة أمریکا، بل نقول ینبغی أن یعلموا ما هی مواقف أمریکا و الاستکبار الغربی منهم. یجب أن یشخّصوا ذلک بدقة. و إذا لم یحصل هذا التشخیص فسوف یقعوا فی المخادعات و الحیل و الشراک بالتأکید.
الاستکبار العالمی یحکم فی العالم الیوم بأدوات المال و السلاح و العلم، لکنه یعانی من فراغ فکری و توجیهی. یعانی الاستکبار العالمی الیوم من هذه المشکلة الکبری. إذ لیست لدیه أفکار للبشریة. لیست لدیه أیة فکرة لعرضها علی عموم الشعوب و الإشارة لهم إلیها، کما لیست لدیه أفکار للخواص و المثقفین منهم. أما أنتم فلدیکم أفکار لأن لدیکم الإسلام. حینما یکون لنا فکرنا و خارطة طریقنا، نستطیع أن نرسم أهدافنا و نصمد، و فی هذه الحالة فإن أسلحتهم و علومهم و أموالهم لن تعود لها نفس التأثیرات التی کانت فی الماضی. و هی طبعاً لیست عدیمة التأثیر، إنما ینبغی علینا أن نفکر لها بما یحبطها - و سوف نتناول هذا الجانب إذا کان ثمة وقت - لکن المهم بالدرجة الأولی هو أن تکون لنا أفکارنا و خارطة طریقنا و إیدیولوجیانا، و نعلم ما الذی نرید أن نفعله.
یتعیّن رسم الأهداف. من الأهداف المهمة التی یتوجّب الاهتمام بها فی هذه الثورات هو عدم خروج الإسلام عن المحوریة. یجب أن یکون المحور هو الإسلام. الفکر الإسلامی و الشریعة الإسلامیة یجب أن یکونا محوراً. هم حاولوا أن یوحوا بأن الشریعة الإسلامیة لا تتناغم مع التقدّم و التطوّر و التحضر و ما إلی ذلک. هذا کلام العدو. کلا، الإسلام ینسجم تماماً مع التقدم. و بالطبع لیسوا قلائل فی العالم الإسلامی أولئک الذین استطاعوا بروح التحجّر و الرجعیة و الجمود و عدم القدرة علی الاجتهاد أن یکرّسوا و یثبّتوا کلام العدو هذا بشکل من الأشکال. إنهم مسلمون، و لکن فی خدمة الأعداء. لدینا من هذا القبیل فی أطرافنا فی بعض البلدان الإسلامیة، و اسمهم مسلمون، لکن المرء لا یشاهد فیهم ذرة من الفکر الجدید و الفهم الجدید للمعارف الإسلامیة. الإسلام للعالم و للدنیا إلی الأبد و لکل القرون و لکل فترات التقدم البشری. إنه یلبّی احتیاجات البشر فی کل هذه العصور. ینبغی أن نجد الفکر الذی یستطیع فهم تلبیة الإسلام لهذه الاحتیاجات. البعض لا یحملون هذا الفکر، و لا یحسنون سوی تکفیر هذا و تفسیق ذاک، و یسمّون أنفسهم مسلمین. و فی النهایة یلاحظ المرء أحیاناً أنهم یتحالفون مع مرتزقة العدو! لنجعل الشریعة الإسلامیة و الفکر الإسلامی محور نشاطاتنا. هذا أحد الأهداف.
و من الأهداف الأخری بناء النظام. إذا لم یجر بناء نظام فی هذه البلدان التی ثارت، فإن الأخطار ستحدق بها. ثمة تجربة فی بلدان شمال أفریقیا تعود إلی قبل ستین أو سبعین عاماً، أی فی أواسط القرن العشرین. حصلت ثورة و نهضة فی تونس نفسها، و تولی الأمور بعض الأشخاص. و حصلت فی مصر ثورة و انقلاب و نهضة و تولی الأمور أشخاص - و کذا الحال فی أماکن أخری - لکنهم لم یستطیعوا بناء أنظمة، و حین لم یبنوا أنظمة فقد أدّی هذا لا إلی زوال تلک الثورات و حسب، بل و حتی الذین تولوا الأمور باسم الثورات تبدلوا و تغیّروا رأساً علی عقب. حدث هذا فی تونس و حدث فی مصر و حدث فی السودان یومذاک. فی حدود عام 1343 أو 1344 أو 1345 [1964 أو 1965 أو 1966 م ] کنت مع بعض الأصدقاء فی مدینة مشهد نستمع لإذاعة صوت العرب - و کان صوت العرب إذاعة مصریة تبثّ من القاهرة - و کانت تبثّ خطابات جمال عبد الناصر و معمّر القذافی و جعفر النمیری الذین اجتمعوا فی مکان واحد. کنا نُسحق فی مدینة مشهد تحت ضغوط الاستبداد و الدکتاتوریة، و یتملکنا الحماس و الغبطة و الهیاج من هذه الکلمات الملتهبة الشدیدة. و حینما فارق عبد الناصر الحیاة رأیتم ماذا فعل خلفاؤه. و شاهدتم ما الذی صار إلیه القذافی، و النمیری أیضاً واضح ما الذی صار إلیه. و قد تغیّرت هذه الثورات نفسها، إذ کان یعوزها الفکر و لم تستطع بناء أنظمة. یجب بناء أنظمة فی هذه البلدان التی ثارت. یتحتّم تشیید أرضیة قویة. هذه من المسائل و القضایا المهمة.
من القضایا المهمة الأخری الحفاظ علی دعم الجماهیر و مساندتهم. یجب عدم الانقطاع عن الناس. الناس لدیهم توقعاتهم و مطالیبهم و احتیاجاتهم. و القوة الحقیقیة بید الجماهیر و الشعوب. حیث یجتمع الناس و یتآلفوا، و یکونوا قلباً و توجّهاً واحداً خلف المسؤولین و قادة البلد، هناک لن تستطیع أمریکا و لا أکبر من أمریکا أن ترتکب أیة حماقة. یجب الحفاظ علی الشعب و تواجده و مساندته، و هذا ما تستطیعونه أنتم.. ما یستطیعه المثقفون و الکتّاب و الشعراء و علماء الدین. و الأکثر تأثیراً هم علماء الدین الذین یتحمّلون واجبات جسیمة. ینبغی أن یبیّنوا للناس و یشرحوا لهم و یوضحوا ما الذی یریدون، و فی أیة مراحل هذا الطریق یسیرون، و ما هی الموانع و العقبات، و من هو العدو، و یجب أن یحافظوا علی وعی الجماهیر و بصیرتهم. و عندها لن تنزل أیة نازلة و لن تصاب المسیرة بأیة أضرار.
و قضیة أخری هی التربیة العلمیة للشباب. یجب علی البلدان الإسلامیة أن تتقدّم من النواحی العلمیة و التقنیة. ذکرت أن الغرب و أمریکا استطاعوا بفضل العلم السیطرة علی بلدان العالم، و کان العلم من أدواتهم فی ذلک، و قد اکتسبوا الثروة عن طریق العلم. و بالطبع فقد اکتسبوا بعض الثروات عن طریق المخادعات و الخبث و السیاسة، لکن العلم کان مؤثراً أیضاً. یجب اکتساب العلم. هناک روایة تقول: «العلم سلطان من وجده صال و من لم یجده صیل علیه» (3). یجب اکتساب العلم و التوفر علیه. حین تکسبون العلم ستتمتعون بقبضات قویة. و حین لا یکون لکم علم فإن أصحاب القبضات القویة سیلوون أیدیکم. شجّعوا شبابکم علی العلم. هذه عملیة ممکنة، و قد قمنا بها نحن فی إیران. کنا قبل الثورة فی المراتب العلمیة الأخیرة الأخیرة فی العالم، و لا أحد ینظر لنا. و فی الوقت الحاضر و ببرکة الثورة و الإسلام و الشریعة الإسلامیة یقول المختصون بالتقییمات العلمیة فی العالم و ینشرون إن إیران حالیاً تحتل المرتبة العلمیة السادسة عشرة فی العالم. هذه إحصائیات تعود إلی ما قبل عدة أشهر من الآن. و قد خمّنت هذه المراکز العلمیة نفسها و قالت إن إیران بعد عدة أعوام - و قد حدّدوا عدد الأعوام فقالوا عشرة أعوام أو اثنی عشر عاماً مثلاً - ستصل إیران إلی مرتبة من رقم واحد. قالوا إنها ستتبؤا المرتبة الرابعة فی العالم. و السبب فی ذلک یعود إلی أن سرعة التقدم العلمی فی إیران عالیة جداً. و بالطبع لا نزال متأخرین عن العالم کثیراً. سرعتنا أکثر من متوسط السرعة العالمیة بأضعاف، لکننا لا نزال متأخرین. و لو واصلنا هذه السرعة فسوف نصل إلی المراتب المتقدمة. یجب أن تتواصل هذه الحرکة فی العالم الإسلامی. البلدان الإسلامیة ذات مواهب و قدرات. و هناک شباب صالحون یمثلون مواهب جیدة. ذات یوم من أیام التاریخ کان العلم فی العالم بأیدی المسلمین، فلماذا لا یکون الیوم أیضاً؟ لماذا لا نتوقع و نرجو أن یکون العالم الإسلامی بعد ثلاثین عاماً مرجعاً علمیاً فی العالم، یراجعه الجمیع فی العالم لاکتساب العلوم؟ هذا مستقبل ممکن یتطلب منا الهمم و الجهود. هذا کله یحصل ببرکة الإسلام و الثورة. لقد أثبت النظام الدینی أن بوسعه التوفر علی سرعة و تعجیل أکبر.
قضیة أساسیة أخری - و الوقت قارب علی الظهیرة و علی موعد الصلاة و یجب أن نغادر - هی قضیة الوحدة. أقولها لکم الیوم، أیها الإخوة و الأخوات.. الأداة التی یمکنها أن تکون فعالة بید أعدائنا فیستغلوها أقصی استغلال هی الاختلافات، اختلافات الشیعة و السنة، و الاختلافات القومیة و الاختلافات الوطنیة و حالات التفاخر الخاطئة. إنهم یضخّمون قضیة الشیعة و السنة، و یحاولون أن یخلقوا خلافات. تلاحظون أنهم یبثون الخلافات فی البلدان الإسلامیة و فی نفس هذه البلدان الثائرة، و یخلقون الخلافات فی مناطق أخری من العالم الإسلامی. الکل یجب أن یتحلوا بالیقظة و الوعی. الغرب و أمریکا أعداء العالم الإسلامی. یجب النظر لتحرکاتهم بهذه العین. إنهم یحرّضون و منظماتهم التجسسیة تعمل و تنشط، و یمارسون التخریب أین ما استطاعوا. مارسوا العرقلة فی قضیة فلسطین ما استطاعوا إلی ذلک سبیلاً. و قد فشلوا طبعاً. إننا نتقدم إلی الأمام و العالم الإسلامی یتقدّم إلی الأمام.
قضیة فلسطین الأخیرة هذه قضیة علی جانب کبیر من الأهمیة. وقعت لمدة ثمانیة أیام حرب بین غزة و بین الدولة الصهیونیة التی تدّعی أن لها أقوی جیش فی المنطقة. و حینما أرادوا وقف إطلاق النار کان الفلسطینیون هم الطرف الذی وضع الشروط لوقف إطلاق النار! هل هذا شیء یصدّق؟ لو قیل لکم هذا قبل عشرة أعوام من کان سیصدق أنه ستحدث ذات یوم حرب بین الفلسطینیین - و لیس جمیع الفلسطینیین بل جزء من الفلسطینیین هم أهالی غزة - و بین الکیان الصهیونی، یضع فیها الجانب الفلسطینی الشروط لوقف إطلاق النار؟ بارک الله فی الفلسطینیین، بارک الله فیهم، بارک الله فی حماس و الجهاد و الکتائب المجاهدة التی قاتلت فی فلسطین و فی غزة و أبدت عن نفسها الشجاعة. هذه هی الشجاعة. إننی من جانبی أشکر کل المجاهدین الفلسطینیین للتضحیات التی أبدوها و الجهود التی بذلوها و الصبر الذی أبدوه، و رأیتم «إن مع العسر یسراً» (4). إذا صبرنا فإن صبرنا یجعل الله یمنّ بالفرج علینا. صبروا و قاوموا و منّ الله تعالی بالفرج. هذا درس. هذا درس لهم و درس للآخرین. لا تستهینوا بالوحدة بین المسلمین. هذه قضیة علی جانب کبیر من الأهمیة.
النقطة التی أشار لها أخونا من البحرین هنا - صمت العالم الإسلامی حیال البحرین - نقطة حقیقیة. ما یجعل البعض یصمت فی هذا الإطار هو للأسف هذه القضایا المذهبیة الطائفیة. أی إن الشعب إذا ثار علی حکومة فاسدة فیجب الدفاع عن ذلک الشعب، إلا إذا کان ذلک الشعب شیعیاً - مثل البحرین - فیجب عدم الدفاع عنه! هذا منطق یحمله البعض. یجب ترک هذه الأمور و الاعتبارات جانباً.
یجب معرفة العدو، و یجب معرفة أدواته و حیله، و من أین یدخل؟ و قد اتخذنا موقفنا فی سوریة من هذه الزاویة. إننا لا نوافق علی سفک قطرة دم واحدة من أنف أی إنسان مسلم، و یؤلمنا ذلک، إنما نقول إن الذین یجرّون سوریة للحرب الداخلیة هم المذنبون. المذنبون هم الذین جرّوا و یجرّون سوریة نحو الخراب و اقتتال الإخوة. کل مطالیب الشعوب یجب أن تعالج بالطرق المتعارف علیها و العادیة و من دون هکذا عنف.
نتمنّی أن یهدینا الله تعالی جمیعاً. و أن یبارک فی تحرّکاتکم، و یأخذ تعالی هذه الصحوات العظیمة فی العالم الإسلامی إلی مستقبل مشرق نیّر مبارک للأمة الإسلامیة.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌

الهوامش:
1 - سورة الحج، الآیة 40 .
2 - سورة المدثر، الآیتان 50 و 51 .
3 - شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج 20 ، ص 319 .
4 - سورة الانشراح، الآیة 6 .