بسم‌ اللَّه‌ الرّحمن ‌الرّحيم‌
الحمد للَّه ربّ العالمين، و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا أبي ‌القاسم محمّد و على آله الأطيبين‌ الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، سيّما بقيّة اللَّه في الأرضين.
ربّنا عليك توكّلنا و إليك أنبنا و إليك المصير.
عيد رأس السنة يستدعي في هذه المرّة تبريكين. أحدهما تبريك لمناسبة عيد النوروز، و التبريك الآخر لمناسبة حلول شهر ربيع المولد النبوي؛ الذي كانت فيه ولادة النيّر الأعظم و النبي المكرّم الرسول محمّد بن عبد الله (صلی الله علیه و آله و سلم). و عيد النوروز من الأعياد المباركة بالنسبة لنا نحن الإيرانيين.
الناس يبدأون السنة الجديدة بذكر الله، و يسألونه تبارك و تعالى أن يحوّل حالهم إلى أحسن الحال. و بالإضافة إلى ما ذُكر، فإنَّ هذه السنة يُضاف فيها إلى بركات هذا العيد، ما اكْتُنِز من ذخيرة معنوية خلال التوجّه و التوسّل في شهري محرم و صفر.
أنتم أيّها الحشد الحاضرون في هذا الصحن، و قد تشرفتم بزيارة ضريح الإمام علي بن موسى الرضا (علیه السلام)، لكم نصيب أوفر من البركات. و بالنسبة إليّ، يُمثل هذا الموقف فرصة مناسبة لكي أتحدّث في بداية السنة حول بعض القضايا التي ستکون ذات فائدة لنا بإذن الله.
إنَّ بداية السنة فرصة ثمينة في سبيل ترسيخ الإرادة الوطنية، و من أجل إضفاء البركة على أعمارنا في هذه السنة. فنحن أبناء الشعب الإيراني إذا ركّزنا كلّ عزمنا منذ أوّل السنة على أن نجعل هذه السَنة سَنة زاخرة بالعطاء بالنسبة لنا، بما نبذله من جهد و بما نقوم به حركة، فمن المؤكد ان الله عزّ و جلّ سيكون في عوننا. و لا شك طبعاً في أن جوهر هذه الإرادة الوطنية و الكبرى، هو النيّة الخالصة و العزم على نيل مرضاة الله، و الرغبة الجادّة في السير على الصراط المستقيم، ثمّ التعرّف على موقعنا و وضعنا، و مكانتنا في ظروف عالم اليوم و التحدّيات التي تواجه شعبنا، و التعرّف على الخطوط العريضة لمواجهة التحدّيات. و هذا شرط لنجاح أيّ شعب حيّ. أي أن يعرف الشعب وضعه، و مكانته و ظروفه بشكل صحيح، و أن يرسم خططه وفقاً لمتطلّبات هذه الظروف، و أن يعقد العزم و يصمم تصميماً قاطعاً على مواجهة ما يعترض الإنسان في هذا الطريق بشكل طبيعي. و إنني استثمر هذه الفرصة لأتحدّث في هذه الساعة التي أكون فيها معكم، حول هذه المجموعة من القضايا و الأمور.
إنَّ القضية الأساسية بالنسبة إلينا نحن الإيرانيين ـ و التي ينبغي أن نضعها نصب أعيننا على الدوام ـ هي أن شعبنا و مجموعنا نحن أبناء الشعب الايراني قد رسمنا لأنفسنا هدفاً سامياً، و واصلنا متابعة هذا الهدف على مدى العقود التي أعقبت انتصار الثورة. و أنا كلّما أنظر أجد أن لدينا القدرات اللازمة لأجل الوصول إلى هذا الهدف. و هذا الهدف الكبير يتمثّل في شموخ الشعب الايراني، و أن نغدو مثالاً بين الشعوب الإسلامية، إن من حيث الجانب المادي، و إن حيث الجانب المعنوي. و معنى هذا الكلام هو أن يترقّى شعبنا مادياً و معنوياً، و أن يكون له استقلاله الوطني و كرامته الوطنية، و أن تكون له قدراته و امكاناته الوطنية؛ و أن يتمكّن من استثمار جميع طاقاته؛ و أن يتمتّع بالرفاه العام، و أن تسود حياته العدالة العامّة و العدالة الاجتماعية. و الشعب في هذه الحالة سيغدو قدوة و نموذجاً لجميع الشعوب الإسلامية، بل و حتّى الشعوب غير الإسلامية. فشعبنا يتطلّع إلى أن يكون شعباً حراً، و مرفهاً، و مؤمناً، و أن يكون بلده بلداً عامراً و مزدهراً و متقدّماً. هذا هو هدف الشعب الايراني.
هذا الهدف لا اختلاف فيه؛ فهنا تُنحّى التناحرات الحزبية و الاختلافات السياسية جانباً؛ فهذا الهدف موضع قبول جميع أبناء الشعب الايراني. فالشعب الايراني كلّه يصبّو الى هذا الهدف و هو توّاق إلى أن يكون بلدنا عامراً، و أن يكون شعبنا حرّاً و شامخاً، و أن نستفيد من طاقاتنا الوطنية على أحسن وجه، و أن نكون في الطليعة، رافعين راية العدالة الاجتماعية بأيدينا، و أن نسير حاملين لواء الايمان الإسلامي في مقدّمة جميع الشعوب الإسلامية. و نحن قادرون على الوصول إلى هذا الهدف؛ فمعرفتنا بقدراتنا الوطنية تمنحنا هذا الأمل من جانب، كما أن التجارب تثبت صوابه من جانب آخر.
الشعب الايراني شعب ذو قدرات و مؤهلات، و يتّصف بالصلابة و الثبات، و يتحلّى بالحمية الدينية و الحمية الوطنية، و هو يؤمن إيماناً عميقاً بالإسلام، و يحب وطنه حبّاً جماً؛ فهذه الامور تمنحنا الأمل و الثقة بأنّ شعبنا قادر على الوصول إلى هذا الهدف؛ و هو ليس هدفاً بعيد المنال. و هذا ما ثبت لنا بالتجربة أيضاً.
لاحظوا، إنّنا قد بقينا خارج ساحة المنافسات العالمية على مدى سنوات طويلة بسبب تسلّط الحكومات الفاسدة و المرتبطة بالأجنبي. فالشعب الايراني الذي كان يوماً رائداً في العلم و الثقافة، أصبح بسبب تسلّط الملوك الجبابرة و القوى التي كانت بمعزلٍ عن الشعب، وصل به الحال إلى أن أقصي عن ساحة السباق منذ ما يقارب المائتي سنة فصاعداً، حيث بدأ السباق العلمي و السياسي في العالم، إنّ أيّ شعب إذا لم يدخل إلى ساحة التنافس فمن الطبيعي أن قواه و طاقاته تأخذ بالاضمحلال و الاندثار، و تتقلّص نجاحاته و انجازاته. فلو افترضنا أنّ هناك فريقاً رياضياً، لديه القدرة، و لديه النشاط، و الرغبة في العمل، إذا مُنع هذا الفريق من الدخول إلى ساحات التنافس و خوض المباريات الرياضية، فمن الطبيعي أن تتناقص قواه و تضمحل و تتلاشى. و قد قاموا بهذا العمل مع شعبنا.
في ذات الوقت الذي كانت القوى المرتبطة بالأجنبي، و القوى الفاسدة، و القوى العديمة الكفاءة، و الملوك الظلمة قد جلبوا مثل هذا الوضع على شعبنا، على مدى سنوات طويلة، بمجرد أن فتحت الأبواب نحو هذا الطريق أمام شعبنا على يد الثورة الإسلامية، و دخل شعبنا في خضم التنافس و السباق العالمي، و إذا به یحقّق انجازات كبرى. لقد أصبح شعبنا اليوم شعباً ذا سمة متميّزة و معروفاً على صعيد العالم في المجالات العلمية من جهة و في المجالات السياسية من جهة أُخرى. أصبح شعباً معروفاً بين الشعوب في المجالات العلمية؛ فنحن بالنسبة إلى هذا الزمان متقدّمون. و من الطبيعي أن التخلّف الذي عشناه على مدى مائتي سنة لا يمكن تعويضه خلال عشرين أو ثلاثين سنة؛ غير أنّنا على مدى هذه العشرين و نيّف من السنين تقدّمنا بسرعة تفوق هذه المدّة الزمانية كثيراً. فإذا نظرتم تجدون ان شبّاننا قد أحرزوا تقدّماً فائقاً في مجال الطاقة الذرية، و في مجال الخلايا الجذعية، و في مجال التلف النخاعي و في عشرات المجالات الأُخرى التي لو تعرّف عليها شعبنا كما ينبغي، لملأته البهجة. الوجوه العلمية البارزة في بلدنا استطاعت أن تكون اليوم شخصيات لامعة في العالم، و تنال ثناء شعوب العالم.
وهكذا الحال في مجال التنافس السياسي أيضاً. اليوم حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران في المجال السياسي ـ سواء على المستوى الاقليمي أو على المستوى الدولي ـ يُنظر إلى خطابها على انه من الخطابات التي تحظى بالكثير من الأنصار، و كلامها مسموع. و مسؤولو بلدنا أعلام بارزة و متميّزة سواء في الاوساط العالمية، أو في زياراتهم إلى البلدان، و في ما يتّخذونه من المواقف. إنَّ مثل هذا الوضع بالنسبة إلى شعبنا يدلّ على استعداد هذا الشعب و على قدرته على التقدّم و على الدخول إلى هذه الميادين.
لقد استطاع شعبنا أن يدخل مفاهيم جديدة في ثقافة السياسة الدولية. العالم لم يكن يعرف سيادة الشعب الدينية [= الديمقراطية الدينية]، أمّا اليوم فقد أصبح شعار سيادة الشعب الدينية شعاراً تتطلّع إليه جميع الشعوب الإسلامية. و لم يكن العالم يدري تعريف نظام الهيمنة؛ فوضع له شعبنا تعريفاً و أدخله هذا التعريف في قاموس السياسة الدولية. و كذلك قضية جعل الدين محوراً في السياسة، و القانون، و إدارة شؤون البلاد؛ هذه كلّها مفاهيم جديدة استطاع شعبنا أن يطرحها على صعيد العالم. إذن، فنحن قادرون على الدخول في المسابقات العالمية ـ التسابق العلمي، و التسابق السياسي، و التسابق الصناعي، و التسابق الاقتصادي ـ و التسابق الثقافي ـ و لدينا الأمل بنيل النجاح و التوفيق خلال مدّة وجيزة، و على المدى البعيد لدينا أمل بالتفوّق. هذا هو وضع شعبنا.
لكن هذا الطريق الذي يريد الشعب الايراني السير عليه، ليس طريقاً معبّداً أو خالٍ من المعوّقات. بل إنّنا نواجه على هذا الطريق تحديات.و نحن نواجه عدوّين كبيرين. و أنا اليوم أُبيّن هذين العدوين و أصوّرهما لكم لنر أنا و أنتم ما الذي ينبغي أن نفعله أمام هذين العدوّين. فعلى أي شعب أن يعرف عدوّه و يعرف مخططاته لكي يأخذ الأهبة و الاستعداد لها. نحن نواجه عدوّين؛ أحدهما عدو خارجي، و الآخر عدو داخلي. و العدو الداخلي أخطر. و لكن ما هو هذا العدو الداخلي؟ العدو الداخلي هو تلك العادات السيّئة التي قد تكون فينا. و منها التكاسل، و فقدان الاندفاع إلى العمل، و اليأس، و الأنانية المفرطة، و سوء الظن بالآخرين، و سوء الظن بالمستقبل، و فقدان الثقة بالنفس ـ فلا ثقة للشخص بنفسه ذاته و لا بشعبه ـ فهذه الأمور التي ذكرتها كلّها أمراض. و إذا كان العدو الداخلي بكلّ مظاهره هذه موجود فينا، فسيغدو وضعنا صعباً. و كثيراً ما كان العدو الخارجي للشعب يسعى إلى تكريس هذه الأمراض و هذه الصفات السيّئة في نفوس أبناء الشعب الإيراني، موحياً إليهم بأنّكم: «لا تستطيعون»، و «ليست لديكم القدرة»، و «مستقبلكم مجهول»، و «الأفق أمامكم مظلم»، و «قد أصبحتم بائسين»، و «أصبحتم ممتهنين». كان اهتمامهم ينصبّ على جعل شعبنا شعباً يائساً، و كسولاً، و عديم الثقة بنفسه، و متراخياً، و ينظر بعين الاستجداء إلى الأجنبي؛ هذه هي مظاهر العدو الداخلي. على امتداد السنوات التي سبقت ظهور الحركة الإسلامية في بلدنا، كان هذا هو البلاء الأساسي الذي ابتلي به شعبنا. و أي شعب يبتلی بمثل هذه الأمراض، من غير الممكن أن يتقدّم. و إذا كان هناك شعب يتّصف أبناؤه بالكسل، و اليأس، مع فقدان الثقة بالذات، و عدم وجود علاقات وثيقة في ما بينهم، و كلّ منهم يسيء الظن بالآخر، و ليس لهم أي أمل بالمستقبل، فمثل هذا الشعب لن يتقدّم أبداً؛ فهذه الأمراض أشبه بالأرضة التي تنخر قواعد البناء من داخلها، فتهدّه من أساسه. و مثل الدودة التي تجد طريقها إلى باطن ثمرة فتفسدها. هذه الصفات السيّئة ينبغي مكافحتها. شعبنا يجب أن يكون مفعماً بالأمل، و أن تكون له ثقة عالية بنفسه، و أن تكون نظرته إلى المستقبل نظرة مشرقة، و أن يكون توّاقاً إلى التقدّم، و مؤمناً بالقيم المعنوية التي تكون بمثابة العون له على هذا الطريق. و نحن نحمد الله علی أن شعبنا يتحلّى اليوم بمثل هذه الثقة بالنفس، و لديه مثل هذا الأمل. و يجب الاستزادة من ذلك. و نحن إذا استطعنا إجهاض هؤلاء الأعداء في داخل ذاتنا، و في أنفسنا، و في الثقافة العامّة لمجتمعنا، فلن يستطيع العدو الخارجي أن ينال منا أو يلحق الضرر بنا.
و أمّا بالنسبة إلى العدو الخارجي، فإنّ العدو الخارجي الذي نقصده هو نظام الهيمنة الدولية؛ أعني بالذات ما نطلق عليه تسمية الاستكبار العالمي. إنّ الاستكبار العالمي و نظام الهيمنة، يقسّم العالم إلى مهيمنين و خاضعين للهيمنة. و إذا أراد شعب أن يقف بوجه المهيمنين للدفاع عن مصالحه، فإنّ المهيمنين يتكالبون على معاداة ذلك الشعب؛ و يمارسون الضغوط عليه، و يحاولون تحطيم قدرته على المقاومة. هذا هو العدو لأي شعب يتطلّع إلى الاستقلال و العزّة و الكرامة و التقدّم و عدم الخضوع لتسلّط قوى الهيمنة. هذا هو العدو الخارجي. يتجسّد هذا العدو اليوم في اخطبوط الصهيونية العالمية و الحكومة الحالية للولايات المتّحدة الأمريكية. و هذا العداء ليس جديداً طبعاً، إنّه عداء قديم و إنّما تتغيّر أساليبه. و لكن سياسة معاداة الشعب الايراني كانت متواصلة منذ أوّل الثورة إلى يومنا هذا. و قد مارسوا غاية ما يستطيعون من الضغوط. و لكن ذلك كلّه كان عبثاً، و لم تنجح ضغوطهم في النيل من عزيمة الشعب الإيراني أو إرغامه على التراجع؛ لا الحصار الاقتصادي، و لا التهديد العسكري، و لا الضغوط السياسية، و لا الحرب النفسية. فنحن اليوم أقوى بكثير ممّا كنّا عليه قبل خمس عشرة سنة، أو قبل عشرين سنة أو قبل سبع و عشرين سنة. و هذا يدلّ على أن العدو قد خاب في عدائه للشعب الايراني و لنظام الجمهورية الإسلامية؛ إلا إنّ هذا العداء موجود.
اليوم هنالك تناقض في العالم. فالشعب الإيراني في نظر الشعوب الإسلامية و في نظر الشعوب الأخرى ـ شعوب آسيا، و شعوب افريقيا، و شعوب أمريكا اللاتينية، و شعوب منطقة الشرق الاوسط ـ شعب شجاع و مدافع عن الحق و العدالة، و يقف في مواجهة الغطرسة و التجبّر. هكذا عرفوا الشعب الايراني. و هم يثنون على الشعب الايراني و يمجّدونه. و لكن الشعب الايراني و نظام الجمهورية الإسلامية الذي يحظى إلى هذا الحد بثناء الشعوب، متّهمٌ مِن قبل القوى المتغطرسة بنقض حقوق الإنسان، و متهم بتهديد السلام العالمي، و متهم بدعم الارهاب! و هذا تناقض طبعاً؛ تناقض بين نظر الشعوب و بين ارادة القوى الكبرى. هذا التناقض فيه تهديد لنظام الهيمنة العالمي. فهم آخذون بالابتعاد عن الشعوب يوماً بعد آخر؛ و هذه الحالة أحدثت شرخاً واسعاً في بنية الليبرالية الديمقراطية الغربية. و هذا الشرخ آخذٌ بالاتّساع يوماً بعد يوم. إنّ دعايات الاستكبار قادرة على التكتّم على الحقائق حتّى حين؛ و لكنّها غير قادرة على كتمان الحقائق إلى الأبد؛ فالشعوب تزداد وعياً يوماً بعد يوم. إذا نظرتم تلاحظون أن رئيس الجمهورية الايرانية حينما يسافر لزيارة بلدان في آسيا، أو بلدان في أفريقيا، أو في أمريكا الجنوبية، تخرج الجماهير هناك في تظاهرات ترحيب، و تطلق شعارات التأييد و تعلن عن دعمها و تأييدها له؛ رئيس جمهورية أمريكا يسافر أيضاً إلى بلدان أمريكا الجنوبية ـ و هي ما تُسمّى بالحديقة الخلفية لأمريكا ـ فتضرم الشعوب النار في علم أمريكا و تحرقه احتجاجاً على مَقدمه ـ و هذا يعني اهتزاز أسس الليبرالية الديمقراطية التي يزعم الغرب اليوم و في مقدّمته أمريكا رفع لوائها. فالتناقض أخذ يزداد و يتّسع يوماً بعد آخر بين إرادتها و بين تطلعات الشعوب و ميولها. يتحدّثون عن الديمقراطية، و عن حقوق الإنسان، و عن الأمن العالمي، و عن مكافحة الإرهاب، غير أن سرائرهم الشريرة دالة على نزعتهم الميالة إلى إثارة الحروب، و تشير إلى سحقهم لحقوق الشعوب، و تحكي عن نهمهم الوافر الذي لا يُشبع لمصادر الطاقة العالمية. و هذا ما تراه الشعوب بكلّ وضوح. في كلّ يوم يتناقص اعتبار الليبرالية الديمقراطية و اعتبار أمريكا ـ المتصدية لرفع لواء الليبرالية الديمقراطية ـ في أعين الشعوب. و في مقابل ذلك يزداد شأن و اعتبار إيران الإسلامية. الشعوب تعلم أنّ الأمريكيين يكذبون في مزاعمهم بالدفاع عن حقوق الإنسان. و المثال على ذلك مواقفهم من بلدنا. ايران في زمان الطاغوت ـ في عهد النظام البهلوي ـ كانت برمّتها في قبضة الأمريكيين. و كان الأمريكيون يهيمنون على ايران بكلّ أرجائها. كانوا يبنون القواعد العسكرية في ايران من أجل السيطرة على تحركات الدول العربية في المنطقة؛ و كانوا يريدون مراقبتها انطلاقاً من القواعد الموجودة في ايران. و كانت ايران حليفة لاسرائيل. كانت أسوأ النظم الاستبدادية تحكم هذا البلد. كانوا يعذّبون المناضلين في السجون؛ و كانت كلّ أرجاء البلاد تعيش في حالة من الكبت و الرعب ـ و منها مدينة مشهد هذه، و طهران، و جميع المدن الاخرى ـ تحت وطأة جلاوزة النظام الطاغوتي؛ فكانوا ينهبون نفطنا؛ و كانوا يوظّفون الأموال العامّة و الثروات الوطنية لصالح الحكام و لمنفعة الأجنبي؛ و كانوا يمنعون الشعب الايراني من الاسهام في السباق العلمي و الصناعي الجاري في العالم؛ و كانوا يحقّرون الشعب الايراني. كانت ايران يومذاك الحليف الرئيسي لأمريكا في هذه المنطقة؛ و كان زعماؤها محبوبون لدى أمريكا؛ و لم تكن هناك أيّة ادانة و لا اعتراض ضد تلك الحكومة الطاغوتية على نقضها لحقوق الإنسان و نقضها للديمقراطية. اليوم إيران بلد حرّ؛ و بهذا الحكم الديمقراطي الواضح ـ فنظامنا الديمقراطي قلّما تجد له نظيراً في العالم ـ و بهذه الصِلة الوثيقة بين الشعب و مسؤولي البلد؛ تعد إيران هذه من وجهة نظر الأمريكيين، و من وجهة نظر حكومة أمريكا و ساسة أمريكا بلد غير محبّذ؛ و هذا يكشف عن توجّه الاستكبار العالمي إزاء الحقائق الموجودة في العالم. و بطبيعة الحال فإنّ الأمريكيين لم يجنوا أيّة فائدة من هذا العداء، و لن يجنوا منه فائدة أبداً. فالشعب الإيراني يكتسب المزيد من القوّة يوماً بعد يوم، و قيم الثورة تغدو أكثر نماءً و سناءً يوماً بعد آخر.
تقع علينا مجموعة من الواجبات إزاء هذين العدوّين. ففي البداية ينبغي معرفة العدو، و من بعد ذلك يجب التعرّف على مخططاته. فأعداؤنا الخارجيون لديهم اليوم مخططاتهم إزاء الشعب الإيراني. فنحن نرسم سياساتنا بخطة خمسية، و نضع خطة الأفق الاستشرافي على مدى عشرين سنة؛ لكي نعيّن المسار الذي نسلكه. و كذلك الحال بالنسبة إلى عدوّنا؛ فهو أيضاً يرسم المخططات لنا، و له سياساته إزاءنا. و علينا أن نكون على معرفة بسياسته.
أستطيع تلخيص مخططات الاستكبار العالمي ضد الشعب الإيراني في ثلاث جمل: الأولى: الحرب النفسية؛ الثانية: الحرب الاقتصادية؛ الثالثة: مجابهة التقدّم و الاقتدار العلمي. تتلخص عداوات الاستكبار مع شعبنا في هذه الامور الثلاثة الرئيسية. هذه الامور ينبغي طبعاً أن يجري توضيحها لشعبنا أكثر من قبل الأجهزة الاعلامية و وسائل الاعلام و الشخصيات السياسية. و لكنّني أعرض على أسماعكم هنا نبذة عن كلّ واحدة من القضايا الثلاث الآنف ذكرها.
ما هي الحرب النفسية و ما هدفها؟ هدف الحرب النفسية هو بث الرعب. و لكن من الذي يريدون إرعابه؟ إنّ الشعب لا يصيبه رعب، و جماهير الشعب العظيمة لا يصيبها رعب. فمن الذي يريدون إرعابه؟ إنّهم يريدون أرعاب المسؤولين، و الشخصيات السياسية، أو كما يقال يريدون إرعابنا نحن النخبة. إنّهم يريدون تطميع مَن يمكن تطميعه. و يريدون زعزعة الإرادة العامّة. يريدون تغيير فهم الناس لواقع مجتمعهم. هذا هو هدف الحرب النفسية. الشخص السليم إذا قيل له مائة مرّة أنت مريض، صحّتك ليست على ما يرام، تراه يستشعر في نفسه أنّه مريض. و على العكس من ذلك، إذا كان الشخص مريضاً و قالوا له مائة مرّة إنّ صحتك جيدة، فهو يشعر بالصحّة و التحسّن. يريدون تغيير واقع بلدنا في نظر شعبنا عن طريق التلقين و الإيحاء. إنّ شعبنا شعب ذو كفاءة، و لديه قدرات، و لديه مؤهلات، و لديه ثروات طبيعية هائلة. مثل هذا الشعب يمكن أن يكون شعباً ريادياً. و لا مبرر يدعو إلى أن يكون هذا الشعب يائساً؛ بيد انّهم يريدون قلب الواقع و إشاعة اليأس في قلوب أبناء الشعب، و يريدون زعزعة ثقة أبناء الشعب بالمسؤولين. فإذا كان الشعب يثق بالحكومة و بالمسؤولين فهذه نعمة كبرى لأي بلد؛ غير انّهم يريدون انتزاع هذه النعمة، و سلب ثقة الشعب بنفسه و بمسؤوليه؛ إنّهم يهددون الناس بالاشاعات، و بالحصار الاقتصادي، و بالعنف؛ و في الاعلام يستبدلون مكان المدّعي و المتّهم. إنّ أمريكا اليوم متّهمة، و الشعوب هي المدّعية ضدها. نحن اليوم ندّعي الحق على أمريكا. أمريكا متّهمة بالتطاول الاستكباري، و بإنشاء المستعمرات، و إثارة الحروب، و الاحتلال العسكري، و إيجاد الفتن. فنحن أصحاب الحقّ، و نحن المدّعون. و لكنّهم يريدون وضع أنفسهم في موضع المدّعي، و جعل الشعب الإيراني في موضع المتّهم. إنَّ أوضاع حقوق الإنسان في أمريكا نفسها تدعو إلى الأسف، و حالة فقدان الأمن موجودة هناك. ففي عام واحد، و هو عام 2003، أعلنوا أن هناك ثلاثة عشر مليون معتقل في أمريكا! هناك يصدرون أوامر للسماح بالتعذيب، و للسماح بالتنصّت على المكالمات الهاتفية. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي وقعت قبل عدّة سنوات، حققوا مع ملايين الأشخاص. ينبغي أن يتحمّلوا مسؤولية الأجواء غير الآمنة في أمريكا، و ما يقومون به في خارج أمريكا من تعذيب في سجون أبي غريب، و غوانتانامو، و السجون السرية في أوربا و البقاع الأُخرى من العالم. فهم متّهمون، و هم ينقضون حقوق الإنسان، ثم بعد ذلك يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان، و يريدون محاسبة الشعب الإيراني أو أي مكان آخر في العالم تدفعهم أهواؤهم إلى محاسبته، بأنّكم قد انتهکتم حقوق الإنسان! فالإرهاب هم الذين يروّجون له، و ممارسات الحرب النفسية هم الذين يقومون بها.
إنَّ جزءاً من الحرب النفسية التي يمارسها العدو، يركّز على إذكاء الاختلافات. إذ انّهم يشيعون و يروّجون للاختلافات القومية، و الاختلافات المذهبية ـ بين الشيعة و السنّة ـ و الاختلافات الحزبية، و الاختلافات المهنية، و التنافس المهني في بلدنا. و لهم هنا في داخل بلدنا عملاء و أيدٍ خفية تنفّذ لهم مآربهم بطرق و أساليب شتّى. و هم ما انفكوا يبثّون الإشاعات. و يتّهمون إيران بالتدخّل في شؤون العراق. فالذين جاءوا و احتلوا العراق، و استخفّوا بالشعب العراقي، و أهانوا النساء، و الرجال، و الشباب العراقيين بمختلف أنواع الإهانة، بل و لا زال الجنود الأمريكيون و البريطانيون في العراق يتصرّفون بأسوأ أنواع السلوك، هؤلاء أنفسهم يتّهمون إيران بالتدخّل في شؤون العراق. يوم كانت الحكومة الأمريكية و الكثير من الدول الغربية تدعم صداماً البعثي المعدوم، كان الشعب الايراني قد فتح ذراعيه لاستقبال أحرار العراق؛ فقد جاء أحرار العراق إلى هنا و نحن حفظناهم من شرّ صدام؛ و هؤلاء هم الذين تسلّموا مقاليد الحكم و السلطة في العراق. إنّ الإرهاب في العراق يجري بدفع من أجهزة تجسّس أمريكا و بريطانيا و إسرائيل. إنَّ ما يجري في العراق من تناحر بين الاخوة ليس ناتجاً عن حرب بين الشيعة و السنّة؛ فالشيعة و السنّة عاشوا في العراق سوية على مدى قرون و لم تقع بينهم حروب. و الكثير من العوائل العراقية بعض أفرادها شيعة و البعض الآخر سنّة، يتزوّجون من بعضهم الآخر و يعيشون سويّة. و هذه الاغتيالات هم الذين افتعلوها. و هم الذين يستفيدون من حالة الانفلات الأمني.
و أمّا بالنسبة إلى ما يُثار حول نفوذ الشيعة و الدعوة إلى التشيّع من قِبل ايران، و الهلال الشيعي و ما شابه ذلك من الأقاويل، فهي من إشاعاتهم. فمن جوانب حربهم النفسية: أوّلاً: إثارة الاختلاف بين أبناء الشعب الإيراني، ثانياً: إيجاد خلافات بين الشعب الإيراني و الشعوب الإسلامية الأُخرى. فقد كانت سياسة أمريكا ترمي إلى تخويف جيراننا في الخليج الفارسي من نظام الجمهورية الإسلامية. و البعض منهم طبعاً يدرك هذه المؤامرة عن وعي و فطنة، و البعض الآخر ربّما يُخطئ و يقع في شباك هذه المؤامرة الأمريكية. و قد كُنّا على الدوام نمدّ يدَ الصداقة نحو جيراننا في الخليج الفارسي ـ الذي تعود الحقول الأساسية للنفط في العالم إلى مجموعة دوله ـ و نحن الآن أيضاً أصدقاء و نمدّ يد الصداقة. و نحن نعتقد أنّ دول منطقة الخليج الفارسي يجب أن يكون بينها حلف دفاعي مشترك و يجب أن تتعاون في ما بينها. فلا ينبغي أن تأتي أمريكا و بريطانيا و الأجانب و الآخرون و الطامعون للدفاع عن هذه المنطقة المهمّة. فنحن الذين يجب أن نحافظ على أمن هذه المنطقة. و هذا يمكن من خلال التعاون مع بلدان الخليج الفارسي.
و بهذه المناسبة أقدّم نصيحة أخوية للعناصر السياسية الداخلية، و هي أن يكونوا على حذر، و لا يتحدّثوا و لا يتخذوا المواقف بالشكل الذي يساعد العدو على الوصول إلى مآربه، عليهم أن لا يساعدوا العدو. اليوم كلّ من يبثّ اليأس في نفوس الناس، و لا يثق بنفسه، و لا بالمسؤولين، و لا بالمستقبل، فهو يساعد العدو. اليوم كلّ من يؤجّج الاختلافات ـ من أي نوع كانت ـ فهو يساعد عدو الشعب الإيراني. فأصحاب الأقلام، و ذوو البيان و الخطابة، و أصحاب و سائل الإعلام، و كلّ من له مكانة، يجب أن يحذروا؛ و لا ينبغي أن يسمحوا للعدو بالاستفادة منهم. إنّ الحرب النفسية تمثل أحد أهم الجوانب في حرب العدو ضد الشعب الإيراني.
الحرب الاقتصادية هي الجانب الآخر. يريدون أن يعاني الشعب الايراني عسراً في القضايا الاقتصادية. و أنا أقول إن الساحة مفتوحة أمام الشعب الايراني للتحرّك الاقتصادي. إنّ ساحة العمل الاقتصادي مفتوحة من خلال سياسات المادة 44 التي أُحيلت إلى الحكومة، و الحكومة جادّة في المضيّ في تحقيقها، بل و ينبغي أن تتولّى متابعتها؛ و هذا المجال ليس مفتوحاً أمام الأثرياء فحسب، بل حتّى أمام أفراد الشعب الآخرين. ففي هذا العام و على مدى السنة أو السنتين المقبلتين، يفترض أن يكون اتجاه الحكومة و اتجاه الناشطين في البلد، اتجاهاً اقتصادياً. نحن نستطيع أن نجعل من اقتصادنا اقتصاداً مزدهراً. يهددوننا بفرض حصار اقتصادي علينا. و لكن الحصار الاقتصادي لا يمكنه إلحاق الضرر بنا. ألم يفرضوا علينا حصاراً حتّى الآن؟ نحن في ظل الحصار الاقتصادي استطعنا الوصول إلى الطاقة النووية؛ و في ظل الحصار الاقتصادي أحرزنا تطوّراً علمياً؛ و بوجود الحصار الاقتصادي أنجزنا هذا البناء و الإعمار الواسع على مستوى البلد. فالحصار الاقتصادي حتّى يمكن أن يكون في صالحنا في ظروف معيّنة؛ حيث أنّه يدفعنا نحو المزيد من الجهد و العمل المثابر. إنَّ الاتجاه الذي يسير عليه البلد في هذا العام الذي نحن الآن في مستهلّه، و على مدى السنتين القادمتين، يجب أن يكون اتجاهاً اقتصادياً. ينبغي أن يستفيد الجميع من سياسات المادة 44. و الفرصة متاحة لمن لديهم القدرة على الاستثمار، و حتّى لمن يستطيعون الاستثمار عن طريق المشاركة و الأسهم. جميع الأفراد و الجماعات المختلفة لأبناء الشعب يستطيعون الاستثمار؛ يمكنهم المساهمة في هذا المجال عن طريق الشراكة. و بالإضافة إلى أسهم العدالة التي تشمل ما يقارب العشرة ملايين شخص ـ و هم أفراد الطبقات الفقيرة من المجتمع ـ يستطيع بقية أفراد المجتمع الاستفادة من هذه السياسات. و يتعيّن على المسؤولين الحكوميين أن يبيّنوا للناس سبل المشاركة في النشاطات الاقتصادية. فهذه السياسات بمعنى إنتاج ثروة عامّة للمجتمع. فإنتاج الثروة لا مانع منه في الرؤية الإسلامية. إنتاج الثروة يختلف عن نهب ثروات الآخرين. ففي بعض الأحيان قد يتطاول أحد على الأموال العامّة، و في بعض الأحيان قد يحصل شخص على ثراء مادّي بطرق غير مشروعة و بعيدة عن القانون. و هذا ممنوع طبعاً. و امّا إنتاج الثروة بالطرق المشروعة فهو شيء محبّذ و مستحسن في نظر الإسلام و في الشرع المقدّس. فلينتجوا الثروات، و لكن إلى جانب ذلك عليهم الامتناع عن الإسراف. الإسلام يدعونا إلى إنتاج الثروة، و يأمرنا بعدم الإسراف. فالنزعة الاستهلاكية المفرطة لا يرتضيها الإسلام. فما تحصلون عليه من إنتاج الثروة عليكم توظيفه لانتاج ثروة أُخرى. فلا تجعلوا المال راكداً و غير منتج ـ و هو ما يُسمّى في الإسلام بالاكتناز ـ و لا تسرفوا و لا تبذّروا في المال و لا تنفقوه في مصارف غير ضرورية؛ و لكن بين هذا و ذاك انتجوا المزيد من الثروة لأنفسكم. إذ أن ثروة كلّ واحد من أبناء الشعب تدخل ضمن ثروة عموم البلد، و الجميع ينتفع منها. هذا هو جوهر المادة 44، و هذه هي سياسات المادة 44. حيث ينبغي أن تتنوع مصادر الدخل لكلّ فرد من أفراد الشعب، و خاصّة الشرائح الفقيرة، و ليتسنَّ للناس أن يكونوا في بحبوحة؛ فهذه خطوة واسعة على طريق الرفاه العام.
في ما يخصّ مواجهة التقدّم العلمي، مثالها الواضح و المهم هو قضية الطاقة النووية. في التصريحات، و في المفاوضات السياسية و غيرها يقولون إنّ الدول الغربية لا توافق على أن تكون لدى إيران قوة نووية؛ طيّب، حتّى و إن لم يوافقوا. و هل طلبنا نحن الإذن من أحد للحصول على الطاقة النووية؟ و هل دخل الشعب الايراني إلى هذا المجال بإذن من الآخرين لكي يقولوا إنّنا لا نوافق؟ و ليكن. فالشعب الايراني موافق على هذا الأمر و لديه طموح لامتلاك هذه الطاقة. في السنة الماضية قلت هنا في تجمع اليوم الاول من السنة إن الطاقة النووية لبلدنا ضرورة، و حاجة على المدى البعيد. و إذا تهاون مسؤولوا البلد اليوم في الحصول على الطاقة النووية فإنّ الأجيال القادمة ستؤاخذهم. الشعب الايراني و هذا البلد بحاجة إلى الطاقة النووية و إلى هذه القوّة من أجل الحياة، و ليس من أجل السلاح. هناك أشخاص يكرّرون الأقوال التي يطرحها العدو، و يقولون: يا أخي! ما الداعي إلى ذلك؟ و ما الضرورة للمخاطرة بمستقبل البلد؟ و لكن هل إهمال و تجاهل الحاجة المستقبلية للبلد أمر طبيعي و لا إشكال فيه؟ و هل يجوز لمسؤولي البلد خيانة الأجيال القادمة؟ نحن اليوم نستخرج النفط و نستهلكه؛ و سيأتي يوم ينتهي فيه هذا النفط. فهل يمدّ الشعب الإيراني يد الاستجداء إلى الدول الأُخرى لتزوّده بالطاقة لأغراض الكهرباء، و لتشغيل المصانع، و لأغراض التدفئة و الإنارة، و لأجل تشغيل عجلة الحياة؟ و هل يجوز هذا بالنسبة إلى من يتولّون مسؤولية شؤون البلاد اليوم؟ هناك أشخاص يعيدون ما يقوله العدو. هؤلاء الذين يكيلون المديح و الثناء اليوم على تأميم النفط على يد الدكتور مصدّق و المرحوم آية الله الكاشاني، و كان ذلك العمل بطبيعة الحال أقل أهمية بالقیاس إلى مشروع الطاقة النووية؛ و هذا أعظم و أكثر أهمية، هؤلاء يتحدّثون اليوم حول مشروع الطاقة النووية بنفس الكلام الذي كان يتحدّث به معارضو مصدق و الكاشاني. و هذا الموقف غير مقبول طبعاً. فنحن قد سرنا قُدُماً على هذا الطريق، و سرنا قُدُماً بكفاءاتنا. و مسؤولو بلدنا لم يرتكبوا أي عمل غیر قانوني. و كلّ نشاطاتنا في هذا المجال تجري تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية، و لم يسجّلوا علينا أيّة مؤاخذة، و نحن لا نمانع في أن يكون عملنا تحت إشرافهم. إنَّ إثارة الضجيج ضد الشعب الإيراني و ممارسة الضغوط عليه لأجل هذه القضية، و اتخاذ مجلس الأمن الدولي كأداة، سيعود بالضرر على القوى المناهضة للشعب الايراني. و أقول إنّهم إذا أرادوا اتخاذ مجلس الأمن كأداة و استخدامه استخداماً ذرائعیاً، و إذا أرادوا حرماننا من هذا الحق المسلم به، فإنّ كلّ ما قمنا به لحدّ الآن كان وفقاً للقوانين الدولية، و هم إن أرادوا خرق القانون، فنحن أيضاً قادرون على خرق القانون و سنفعل ذلك. و إذا أرادوا التعامل معنا بالتهديد و ممارسة القوّة و العنف، فليعلموا علم اليقين أنّ الشعب الإيراني و المسؤولين الإيرانيين سيستخدمون كلّ قواهم لمجابهة الأعداء الذين يتعرّضون لهم.
أريد أن أنهي كلامي. و أودّ أن أقدّم توصياتي إلى الشعب الايراني من خادم هذا الشعب، و ألخّص ذلك بالقول: إن الشعار الذي رفعناه هذا العام و هو شعار ـ التكاتف الوطني و الانسجام الإسلامي ـ ينبغي الالتزام و العمل به. فالتكاتف الوطني يعني اتّحاد الشعب الايراني، و الانسجام الإسلامي معناه أن تسير الشعوب الإسلامية سوية. الشعب الايراني يوطّد علاقاته مع الشعوب الإسلامية. نحن إذا أردنا أن يتحقّق التكاتف الوطني و الانسجام الإسلامي. يجب علينا التركيز على المبادئ المشتركة بيننا. و لا ينبغي أن نشغل أنفسنا في الفروع التي تكون موضع خلاف.
وصيتي الأُخرى هي أن شعبنا العزيز و خاصّة شبابنا، يجب أن لا يفقدوا ثقتهم بأنفسهم. أيّها الشباب الأعزاء! يا شباب الشعب الايراني الاعزاء! أنتم تستطيعون؛ تستطيعون القيام بأعمال كبرى. تستطيعون إيصال شعبكم إلى ذرى المجد و العُلا. إنّ الثقة بالنفس، و بمسؤولي البلاد، و بالحكومة، هو ما يتمنّى الأعداء زواله. الاعداء يريدون أن يفقد الشعب ثقته بالحكومة ـ التي تتولّى إدارة شؤون البلاد ـ عليكم السعي لإحباط خطة العدو هذه. أنا أساند الحكومة و أدعمها. و قد دعمت جميع الحكومات التي انتخبها الشعب و أصبحت بيدها السلطة، و هكذا سيكون موقفي في المستقبل أيضاً؛ و أنا أدعم هذه الحكومة بشكل خاص. و هذا الدعم ليس اعتباطياً أو من غير مبررات. و أسباب ذلك أوّلاً إنّ مكانة الحکومة في نظام الجمهورية الإسلامية و في النظام السياسي لبلدنا مكانة في غاية الأهمية، ثانياً إن معظم المسؤوليات تقع على كاهل الحكومة؛ أضف إلى ذلک أنّ التوجّهات الدينية و هذا الاتجاه القيمي الثوري و الإسلامي له أهمية عظمى. ثم إن هذا العمل الدؤوب، و الجهود الهائلة، و التواصل مع جماهير الشعب، و الجولات التفقدية للمحافظات، و الاتجاه نحو تحقيق العدالة، و اتخاذ الطابع الشعبي؛ هذه الأمور ذات قيمة عليا و أنا أدرك قدر هذه الأعمال. و أنا ادعم الحكومة لأجل هذه الامور. و كما قلت فإن هذا الدعم ليس اعتباطياً أو من غير مبررات؛ و إنّما في المقابل ارتجي من الحكومة أشياء. و أوّل ما أرتجيه منها هو انني أقول للمسؤولين الحكوميين أن لا يكلّوا و لا يملّوا، و لا يفقدوا ثقتهم بالله، و أن يتّكلوا على الله و يعوّلوا على أبناء هذا الشعب؛ و أن يحافظوا على نمطهم الشعبي و الجماهيري؛ و أن لا يقعوا في نزعة الكماليّات التي يقع فيها بعض الأشخاص؛ و أن يكونوا على وعي و حذر؛ و أن لا يدخلوا في التناحرات الحزبية، و لا يضيّعوا وقتهم في الصراعات السياسية؛ و أن يعملوا لأجل هذا الشعب بكلّ قواهم و من أعماق قلوبهم؛ و أن يتابعوا و ينجزوا ما يعدون الشعب به.
يجب أن نفتح أعيننا. و يجب أن نتوسل بالله، و أن نكون له ذاكرين. إنّ شعبنا شعب كبير، و شعب قادر، و لديه تطلّعات كبرى، و باستطاعته طي الطريق المؤدّي إلى تحقيق هذه التطلّعات. أسأل الباري تبارك و تعالى أن ينزل عليكم أنتم أبناء الشعب الإيراني من فضله على الدوام، و أن يفيض عليكم من وابل لطفه. و أدعوه تعالى أن يجعل هذا اليوم الأوّل من سنة 1386 ، يوماً حافلاً بالبركة لهذا الشعب.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.