بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.
نحمد الله تعالى على أن منحنا الفرصة و المجال و العمر لنستطيع تكريم إمامنا الخميني العزيز مرة أخرى في مثل هذا اليوم، و نعلن عن حبّنا و إخلاصنا له رضوان الله عليه. مع أن ذكرى الإمام الخميني حيّة بين أبناء شعبنا دائماً، إلّا أن يوم الرابع عشر من خرداد مظهر لانشداد الشعب الإيراني إلى الإمام الخميني الجليل. و تصادف هذه الأيام في هذا العام ذكرى استشهاد جدّ إمامنا الخميني، أي سيدنا الإمام موسى بن جعفر (عليه الصلاة و السلام). كما تصادف هذه الأيام الذكرى الخمسين لحادثة مصيرية مهمة هي انتفاضة الخامس عشر من خرداد سنة 1342 هـ ش [الخامس من حزيران 1963 م]. و حادثة الخامس عشر من خرداد قضية مهمة و مرحلة حاسمة. أذكر بعض النقاط حول هذا الموضوع باختصار لنصل إلى النقاط الرئيسية و اللازمة.
ليست انتفاضة الخامس عشر من خرداد بداية النهضة الكبرى لرجال الدين و الشعب. فقبل الخامس عشر من خرداد، أي في سنة 1341 و بداية سنة 1342 وقعت أحداث مهمة. ففي الثاني من فروردين سنة 1342 وقعت حادثة المدرسة الفيضية، و الاعتداء بالضرب و الشتم على طلبة العلوم الدينية و إهانة المرجع الكبير المرحوم آية الله الگلپايگاني. و قبل ذلك، أي في أواخر سنة 1341 وقعت أحداث مظاهرات الجماهير في سوق طهران، و توجيه الإهانة هناك للمرجع الكبير المرحوم آية الله الحاج السيد أحمد الخوانساري. هذه دلائل على أن نهضة رجال الدين وصلت في سنة 1341 و بداية سنة 1342 إلى ذروة و فاعلية جعلت بوليس الجهاز المتجبّر و الأجهزة الأمنية تتعامل بعنف مع علماء الدين و طلبة العلوم الدينية و حتى مع مراجع التقليد. و لكن مع كل هذا كانت انتفاضة الخامس عشر من خرداد سنة 1342 محطة على جانب كبير من الأهمية. و السبب هو أن الحدث الذي وقع في يوم الخامس عشر من خرداد سنة 1342 دلّ على ترابط الشعب مع رجال الدين على مستوى حساس و خطير. في يوم عاشوراء من تلك السنة - و الذي صادف يوم الثالث عشر من خرداد - ألقى الإمام الخميني الجليل خطبة تاريخية حاسمة في المدرسة الفيضية. و بعد ذلك حينما اعتقلوا الإمام الخميني، انطلقت في يوم الخامس عشر من خرداد و في طهران خصوصاً و كذلك في مدينة قم و بعض المدن الأخرى موجة و تحركات شعبية هائلة، فاندفع النظام الطاغوتي بكل وجوده و بكل جيشه و بكل قواته البوليسية و أجهزته الأمنية إلى قمع هذه الحركة الشعبية.
في الخامس عشر من خرداد انطلقت انتفاضة شعبية. و هذا دليل على أن كل واحد من أبناء الشعب له مثل هذه الآصرة المتينة مع رجال الدين و المرجعية المتمثلة بالإمام الخميني الجليل. و النقطة اللافتة هي أن هذه الآصرة هي التي تضمن تقدم النهضة و بلوغها أطوار الذروة و الانتصار. أين ما كانت هناك حركة أو نهضة تعتمد على الشعب و يواكبها الناس فهي نهضة ممكنة المواصلة و الاستمرار. و إذا لم يرتبط الناس بهذه الحركة الاعتراضية فسوف تخفق. و قد وقعت بعد حادثة المشروطة في إيران أحداث و انطلقت أعمال نضالية كفاحية، سواء من الجماعات اليسارية أو من الجماعات الوطنية، لكنها كان مصيرها جميعاً الانكسار و الإخفاق على طول تاريخ النهضات الإيرانية. و السبب هو أن الجماهير لم تكن معهم. حين ينزل الناس إلى الساحة و تكون مشاعرهم و أفكارهم و تواجدهم رصيداً للنهضة، فسيمكن مواصلة هذه النهضة و استمرارها، و سيكتب لها النجاح و الانتصار. حادثة الخامس عشر من خرداد دلّت على هذا المعنى و أثبتت أن الشعب سائر خلف رجال الدين. بعد اعتقال الإمام الخميني الجليل قامت في طهران و بعض المدن الأخرى قيامة دخلت معها الأجهزة الحكومية إلى الساحة و قمعت الناس بكل وحشية، و قتل عدد غير معلوم - لكنه كبير جداً - من الناس، و اصطبغت شوارع طهران بدماء عباد الله و المؤمنين و الشباب الأبطال من هذا الشعب. في الخامس عشر من خرداد انكشف الوجه القاسي للنظام الطاغوتي بشكل كامل.
أما النقطة الأخرى التي كانت في حادثة الخامس عشر من خرداد - و على شبابنا و أبناء شعبنا الأعزاء التنبّه إلى هذه النقاط، فهي مهمة - هي أن أيّاً من المؤسسات العالمية و هذه المنظمات التي تسمّى منظمات حقوق الإنسان لم تنبس ببنت شفة و لم تعترض و لم يعترض أحد مقابل تلك المذبحة القاسية التي وقعت في طهران و بعض المناطق الأخرى. بقي الناس و رجال الدين لوحدهم في الساحة. بل إن الماركسيين و الحكومات اليسارية و الجماعات اليسارية أدانت حركة الجماهير في الخامس عشر من خرداد، و قالت إنها حركة إقطاعية! و الوطنيون الذين كانوا يتحدّثون عن الكفاح و النضال هم أيضاً أدانوا هذه الحركة و قالوا إنها حركة عمياء بلا هدف، و تصرّفات متطرفة! أين ما لا يفتح طلابُ العافية و السلامة و مؤثرو الراحة لأنفسهم مكاناً وسط ساحة النضال و لا يتقبلون الأخطار، يتهمون المؤمنين المناضلين بالتطرّف و التشدّد. قالوا إن هؤلاء متطرّفون و الحركة حركة متطرفة. و بقي الإمام الخميني لوحده في الساحة بدعم و إسناد من هذا الشعب، لكنه عرض عن نفسه لكل الناس و التاريخ و بالمعنى الحقيقي للكلمة صورة القائد السماوي و المعنوي القاطع المصمم.
كان إمامنا الخميني الجليل يحمل ثلاثة معتقدات هي التي منحته القاطعية و الحسم و الشجاعة و الاستقامة: الإيمان بالله، و الإيمان بالشعب، و الثقة و الإيمان بنفسه. هذه المعتقدات الثلاثة عبّرت عنه نفسها بالمعنى الحقيقي للكلمة في وجود الإمام الخميني و قراراته و كل تحركاته. تحدث الإمام الخميني مع الناس بقلبه، و لبّى الناس نداءه بأرواحهم، و نزلوا إلى الساحة و وقفوا و صبروا برجولة، و سارت الحركة التي لم يُنظر لها بحنوّ و لم تُمدّ لها يد العون من أيّ مكان من العالم، سارت نحو الانتصار تدريجياً إلى أن وصلت إلى النصر و الظفر في نهاية المطاف.
و أريد أن أقف قليلاً عند هذه المعتقدات الثلاثة التي حملها الإمام الخميني. هذه أمور و أفكار مهمة، و إذا وجدت مكانها في قلوبنا فستنير طريق حركتنا.
كان الإمام الخميني في إيمانه بالله مصداقاً لهذه الآية الشريفة: «الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل» (1). كان الإمام الخميني يعمل بـ «حسبنا الله و نعم الوكيل» من أعماق وجوده و كيانه، و يعتقد بها من صميم روحه. كان الإمام الخميني يثق بالله سبحانه و تعالى، و على يقين من الوعد الإلهي، و قد تحرّك و عمل و تكلم و بادر لله، و كان يعلم أنه «إن تنصروا الله ينصركم» (2) وعد إلهي حتميّ لا يُخلف.
و في إطار إيمانه بالشعب، كان الإمام الخميني الجليل يعرف الشعب الإيراني بالمعنى الحقيقي للكلمة. كان الإمام الخميني يعتقد أن هذا الشعب شعب يتحلى بالإيمان العميق و الذكاء و الشجاعة، و إذا ظهر فيه قادة لائقون استطاع أن يتألق في الميادين المختلفة كالشمس. هذا شيء كان الإمام الخميني يثق و يعتقد به. إذا كان شخص غير لائق مثل الشاه سلطان حسين قد تسبّب ذات يوم في أن ينكفئ الشعب الإيراني على نفسه، فإنه في يوم آخر حينما ظهر بين الناس رجل شجاع مثل نادر قلي - من دون تلك الألقاب و العناوين - و تولى قيادة الجماهير بشجاعة، استطاع هذا الشعب أن يمدّ ساحة مفاخره من الهند إلى البحر الأسود. هذا ما شاهده الإمام الخميني في التاريخ، و شاهد نظائره و أمثاله، و كان يؤمن و يعتقد به. كان يعرف شعب إيران و يثق به. إيمان الشعب العميق الذي كان قد اختفى تحت ما كرّسه طلّاب الدنيا، أخرجه الإمام الخميني الجليل و أطلقه كإيمان عميق لا يتغيّر، و أثار الغيرة الدينية للشعب فصار شعب إيران نموذجاً للاستقامة و البصيرة. كان الشعب الإيراني أعزّ شيء في عين الإمام الخميني الجليل، و أعداء الشعب الإيراني هم المبغوضين أكثر من أي شيء في نظره. حين تلاحظون أن الإمام الخميني لم يقعد حتى لحظة واحدة في مجابهته لقوى الهيمنة، فإن السبب في معظمه هو لأن قوى الهيمنة كانت عدوّ سعادة الشعب، و الإمام الخميني يعادي عدوّ الشعب.
و في نطاق الإيمان بالذات - الثقة بالنفس - علّم الإمام الخميني شعب إيران «نحن قادرون». قبل أن يلقّن الإمام الخميني فكرة «نحن قادرون» لشعب إيران و يعلمها إياه، أحيى «نحن قادرون» في وجوده هو، فقد أبدى اعتقاده بقدراته الشخصية بالمعنى الحقيقي للكلمة. في يوم عاشوراء من سنة 42 هدّد الإمام الخميني و هو غريب وحيد بين طلبة العلوم الدينية و أهالي قم في المدرسة الفيضية، هدّد محمد رضا شاه الذي كان يعتمد على أمريكا و القوى الأجنبية دون قيد أو شرط، و يحكم البلد بنحو منفلت، أنك إذا تحركت بهذه الطريقة و واصلت هذا الطريق فإني سأقول لشعب إيران يخرجوك من إيران! من الذي يقول هذا؟ رجل دين يسكن مدينة قم، و لا سلاح له، و لا تجهيزات و لا معدّات، و لا أموال، و لا دعامة دولية. ليس له إلا اعتماده على الإيمان بالله و الثقة بالنفس جعله يقف في الساحة و يصمد. يوم عاد الإمام الخميني من منفاه، هدّد حكومة بختيار في «بهشت زهراء» هذه، و بصوت عال فقال: «إنني أصفع حكومة بختيار على فمها، و سوف أعيّن حكومة». هكذا كانت ثقته بنفسه. كان الإمام الخميني يؤمن بنفسه و بطاقاته و قدراته. و هذه الثقة بالذات انتقلت إلى أعمال الإمام الخميني و أقواله و إلى الشعب الإيراني. أعزائي.. لقد تمّ تلقيننا نحن الشعب الإيراني طوال مائة عام بأنكم غير قادرين، و لا تستطيعون إدارة بلدكم، و لا تستطيعون صيانة عزتكم، و لا تستطيعون البناء و العمران، و لا تقدرون على السير في درب العلم، و لا تقدرون و لا تقدرون، و نحن صدّقنا ذلك و آمنا به.
من الأدوات المؤثرة للأعداء في الهيمنة على الشعوب هذا الإيحاء و التلقين بأنكم «لا تستطيعون و لا تقدرون»، حتى تصاب الشعوب باليأس و تقول لنفسنا إننا غير قادرين على فعل شيء. بهذه الخدعة تأخّر الشعب الإيراني لمائة عام في ساحات السياسة و العلم و الاقتصاد و كل ميادين الحياة. و قد عكس الإمام الخميني الفكرة، و سلب القوى العظمى هذه الأداة من أدوات هيمنتها، و قال لشعب إيران «إنك قادر و تستطيع». لقد أعاد لنا شجاعتنا، و ردّ إلينا تصميمنا و قاطعيتنا، و أعاد لنا ثقتنا بأنفسنا، فشعرنا نحن الشعب الإيراني بأننا قادرون، فتحركنا و بادرنا، و بهذا انتصر شعب إيران في كل الساحات - التي سأشير لها - طوال هذه الأعوام التي تربو على الثلاثين.
هذه المعتقدات الثلاثة عند الإمام الخميني - أعني الاعتقاد بالله، و الاعتقاد بالشعب، و الاعتقاد بالذات - صارت محور كل قراراته و كل تصرفاته و مبادراته و كل سياساته. في بداية النهضة كانت هذه المعتقدات الثلاثة هي التي منحت الإمام الخميني القدرة. و كذا الحال خلال فترة المنفى، و كذلك حينما انتقل إلى باريس، و عندما جاء إلى إيران، كانت هذه المعتقدات الثلاثة هي التي منحت الإمام الخميني المقدرة و القوة حين دخل طهران في مثل تلك الظروف. و في أحداث بهمن 1357 ، و في الفتن الداخلية، و في إعلان نظام الجمهورية الإسلامية، و في مقاومته الصريحة بوجه النظام العالمي الظالم، و في إعلان «لا شرقية و لا غربية»، و في الحرب المفروضة، و في كل قضايا و أحداث تلك الأعوام العشرة الزاخرة بالأحداث من عمر الإمام الخميني، تجلّت هذه المعتقدات الثلاثة في الإمام الخميني. مصدر قراراته و خطواته و مبادراته و سياساته كان هذه المعتقدات الثلاثة.
إلى الأيام الأخيرة من حياته، لم يجد أحد في أقوال إمامنا الخميني الجليل و أعماله مؤشراً على كآبة أو تردد أو تعب أو انهزام أو استسلام. الكثير من الثورات في العالم حينما تخرج عن فترات شبابها و تصل أطوار شيخوختها تصاب بالتردد و الشكوك و النزعة المحافظة، بل و تسحب أحياناً كلامها و شعاراتها الرئيسية. نداءات الإمام الخميني في السنوات الأخيرة من عمره، أكثر ثورية و شدة و قوة حتى من كلامه في سنة 42 . كان يشيخ لكن قلبه كان شاباً و روحه حيّة. و هذه هي الاستقامة التي قال عنها القرآن الكريم: «و أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً» (3). و يقول في آية كريمة أخرى: «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة» (4). هذه المعتقدات الثلاثة أبقت الإمام الخميني حيّاً و شاباً، و احتفظت و ثبّتت أفكاره و دربه و طريقته لهذا الشعب. و شيئاً فشيئاً تعمّمت هذه المعتقدات الثلاثة بين شعبنا و شبابنا و مختلف الشرائح، و شاع الأمل و فشت الثقة بالذات و التوكّل على الله، و حلت هذه المعاني محل اليأس و النظرة السوداوية المظلمة المتشائمة، و غيّر أبناء الشعب الإيراني أفكارهم و روحهم و نزعاتهم، و غيّر الله سبحانه و تعالى وضعهم: «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» (5). أصلح الشعب الإيراني طريقه و حركته و محفزاته، و أعانه الله سبحانه و تعالى و نصره و أسنده. فما كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن تحولت إيران التابعة إلى إيران المستقلة.
ثمّة عن تبعية النظام الطاغوتي البهلوي - و الذي كان أسوء من النظام القاجاري الرجعي الأسود - لبريطانيا و من بعد ذلك لأمريكا، أشياء كثيرة يجب أن يعرفها شبابنا الأعزاء. كانت تبعيتهم قد وصلت مراحل و أحوالاً مُخجلة. قال هذا أحد الدبلوماسيين الأمريكان البارزين بعد الثورة و كتبه.. قال نحن الذين كنا نقول للشاه إنك بحاجة إلى هذا الشيء و لست بحاجة لذاك الشيء! هم الذين كانوا يقولون يجب أن تقيموا هذه العلاقة و يجب أن تقطعوا تلك العلاقة.. أنتجوا النفط بهذا المقدار و بيعوا بهذا المقدار.. و لمن تبيعون و لمن لا تبيعون! كان البلد يُدار بسياسات و خطط أمريكية و من قبل ذلك بسياسات و خطط بريطانية. تحوّل هذا البلد التابع إلى إيران المستقلة الشامخة. كان الرؤساء الفاسدون الخونة العابدون للمال و الغارقون في الشهوات و الملذات المادية الحيوانية يحكمون هذا البلد، فتحوّل ذلك إلى نواب الشعب، و ترك أولئك أماكنهم لقادة هم نواب للشعب. طوال هذه الأعوام التي تزيد على الثلاثين حكم هذا البلد و تولى زمام السلطة و السياسة و الاقتصاد فيه أشخاص هم نواب الشعب.. أشخاص لم تهمهم جيوبهم، و طبعاً كان بعضهم أقوى من بعض في هذا الجانب. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. أولئك الساسة الخبثاء التابعون الجشعون الحقراء أمام الأعداء و الغاضبون أمام الناس تركوا مكانهم لنواب الشعب. تبدّل بلدنا المتأخّر من الناحية العلمية إلى بلد متقدّم علمياً. لم يكن لنا قبل الثورة أية مفخرة علمية. و اليوم يقول الآخرون عنا، و تقول مراكز الرصد العالمية حول إيران بأن نموها و سرعة تقدمها العلمي أكثر من المتوسط العالمي بإحدى عشرة مرة. فهل هذا بالشيء القليل؟ تُخمّن مراكز الفحص و الرصد العلمي أنه إلى سنوات أخرى - حتى سنة 2017 م - ستحتل إيران المرتبة العلمية الرابعة في العالم. هل هذا بالشيء الصغير؟ البلد الذي لم تكن له أية مفخرة علمية تحوّل إلى هذا الشيء.
كنا بلداً إذا أراد أن يمدّ شارعاً أو طريقاً سريعاً أو يبني سداً أو ينشئ معملاً كان يجب عليه أن يمدّ يده نحو الأجانب ليأتي المهندسون الخارجيون و يبنوا لنا سداً و يمدوا لنا طريقاً و يقيموا لنا معملاً. و اليوم فإن شباب هذا الشعب و من دون أدنى اكتراث للأجانب يوجدون آلاف المعامل و مئات السدود و الجسور و الطرق و الطرق السريعة في البلاد. و التطور العلمي و التقني و القدرة على الإعمار و البناء وصلت اليوم في البلاد إلى هذه الذرى. فهل يجدر بنا أن لا نرى كل هذا؟
على صعيد الصحّة و العلاج، كان يجب على مريضنا أن يتوجّه لمستشفيات أوربا و يتيه فيها من أجل عملية جراحية فيها قليل من التعقيد، هذا إذا كان لديه المال، أما إن لم يكن لديه المال فكان يجب أن يموت. و اليوم تُنجز في بلادنا أعقد العمليات الجراحية الكبرى، من قبيل زراعة الكبد و زراعة الرئة و أعمال مهمّة في مجال الجراحة و الطب، و ليس في طهران فقط بل في الكثير من المدن البعيدة. مثل هذه القدرات و الإمكانيات موجودة في الداخل اليوم. الشعب الإيراني لا يحتاج للأجانب في هذه المجالات. لقد وصل في هذا الحيّز البالغ الأهمية و الشديد الحيوية إلى الاستقلال و الاكتفاء الذاتي.
الكثير من مناطق هذا البلد كانت منسيّة - كنت كثير السفر قبل الثورة للمدن و المناطق المختلفة - و لم تكن هناك أدنى نظرة للمناطق النائية في البلاد. أما اليوم فالخدمات على تنوّعها متوفرة و منتشرة في كافة أرجاء البلد، و في المدن البعيدة و القرى و الأرياف. لا معنى اليوم لأن يقول قائل إن المكان الفلاني محروم من الطاقة الكهربائية أو البنى التحتية من قبيل الطرق. في ذلك الحين إذا كانت المنطقة النائية تتمتع بشيء من هذا لكان ذلك مبعث غرابة، أما في الوقت الحاضر فالعكس هو الذي يبعث على الغرابة. في ذلك الحين كان هناك مائة و خمسون ألف طالب جامعي من بين سكان البلاد الذين يصل عددهم إلى خمس و ثلاثين نسمة. و قد تضاعف عدد السكان اليوم ضعفين، بينما ازداد عدد الطلبة الجامعيين عشرين ضعفاً بل ثلاثين ضعفاً. و هذا معناه الاهتمام بالعلم. كثرة الطلبة الجامعيين و كثرة الأساتذة و كثرة الجامعات ملحوظة. ثمة في كل مدينة بعيدة جامعة أو جامعتين أو خمس جامعات أو أحياناً عشر جامعات. و في ذلك الحين كانت هناك محافظات لا يصل عدد مدارسها الثانوية إلى عدد أصابع اليدين. و حالياً توجد في كل مدينة من هذه المحافظات عدة جامعات. هذه هي مسيرة الشعب الإيراني العظيمة بفضل الثورة و بهمم الشباب و المسؤولين طوال هذه الأعوام التي تربو على الثلاثين. هذه أحداث مهمة.. فلقد شُيّدت بفضل الثورة الكثير من البنى التحتية في هذا البلد، و أنشئت الآلآف من المعامل، و أقيمت معامل أمّ ضخمة.. المنتجات التي كان يجب أن نشتريها ذرة ذرة من الأجانب و بمنّة منهم، تنتج اليوم في البلاد بوفرة.. هذه أمور يجب رؤيتها، و كلها تحققت بفضل هذه المعتقدات الثلاثة التي بثها الإمام الخميني في هذا الشعب، و أثارها و أحياها فيه: الإيمان بالله، و الإيمان بالشعب، و الثقة بالذات.
لا نقول هذا الكلام من أجل أن نخلق غروراً كاذباً، و نفرح لأننا انتصرنا و الحمد لله و انتهى الأمر، لا، إنما لا تزال أمامنا مسافات طويلة من الدرب. أقولها لكم هنا: لو قارنّا أنفسنا بإيران خلال فترة حكم الطاغوت لكانت هذه الإنجازات كبيرة. و لكن إذا قارنّا أنفسنا بإيران الإسلامية المنشودة - البلد الذي أراده لنا الإسلام، و المجتمع الذي أراده لنا الإسلام، المجتمع الذي تتوفر فيه العزة الدنيوية و الرفاه الدنيوي و كذلك الإيمان و الأخلاق و المعنوية بدرجات عالية - فسيكون أمامنا طريق طويل. إنني أقول هذا ليعلم شبابنا الأعزاء و شعبنا الشجاع بأن مواصلة هذا الدرب ممكنة بهذه المعتقدات الثلاثة. اعلموا أن الطريق طويل، لكنكم قادرون و لديكم القدرة و الإمكانية. بوسعكم مواصلة هذا الطريق الطويل إلى حين الوصول للقمم و بقدرة تامة و بالسرعة اللازمة. هذا الكلام من أجل أن تعلموا أن الأعداء إذا أرادوا أن يزرعوا اليأس في قلوبنا فإنما يمارسون بذلك عداءهم، و كل شيء يشير لنا بالأمل.
و خارطة الطريق أمامنا. لدينا خارطة طريق. ما هي خارطة طريقنا؟ خارطة طريقنا هي نفسها أصول إمامنا الخميني الجليل.. تلك الأصول التي استطاع بالاعتماد عليها تبديل ذلك الشعب المتأخر الخانع إلى شعب متقدّم شامخ رائد. هذه أصول تنفعنا في مواصلة الطريق أيضاً و تمثل لنا خارطة طريقنا. أصول الإمام الخميني أصول واضحة. و لحسن الحظ فإن كلمات الإمام الخميني و خطاباته و كتاباته موجودة بين يدي الناس في أكثر من عشرين مجلداً، و قد جاءت خلاصتها في وصيته الخالدة رضوان الله عليه، و بمستطاع الجميع أن يراجعوها. لا نرى من المفيد أن نتمسّك باسم الإمام الخميني و ننسى أصوله.. هذا خطأ. اسم الإمام الخميني و ذكراه لا تكفي. الإمام الخميني إنسان خالد للشعب الإيراني بأصوله و أسسه و خارطة طريقه. خارطة الطريق لدى الإمام الخميني، و قد عرضها علينا، و أصوله واضحة محدّدة.
أصول الإمام الخميني في السياسة الداخلية عبارة عن الاعتماد على أصوات الشعب، و تأمين اتحاد الشعب و تلاحمه، و النزعة الشعبية المتواضعة و عدم الميل للنزعة الارستقراطية لدى الحكام و المسؤولين، و انشداد المسؤولين و المدراء لمصالح الشعب، و العمل و السعي العام لتقدم البلاد. و أصوله في السياسة الخارجية هي الصمود مقابل سياسات الهيمنة و التدخّل، و الأخوّة مع الشعوب المسلمة، و التواصل و العلاقات المتكافئة مع كل البلدان، باستثناء البلدان التي شهرت السيف أمام الشعب الإيراني و راحت تعاديه، و مكافحة الصهيونية، و النضال من أجل تحرير بلد فلسطين، و مساعدة المظلومين في العالم و المقاومة أمام الظالمين. وصية الإمام الخميني بين أيدينا و أمام أنظارنا. كتابات الإمام الخميني و كلماته و أقواله موجودة في الكتب التي تحتوي نصوص كلماته رضوان الله عليه.
و أصول الإمام الخميني على الصعيد الثقافي هي رفض ثقافة الإباحية الغربية، و رفض الجمود و التحجّر، و رفض الرياء في التمسك بالدين، و الدفاع الحاسم عن الأخلاق و الأحكام الإسلامية، و مكافحة إشاعة الفحشاء و الفساد في المجتمع.
و أصوله رضوان الله تعالى عليه في مضمار الاقتصاد هي الاعتماد على الاقتصاد الوطني، و الارتكاز على الاكتفاء الذاتي، و العدالة الاقتصادية في الإنتاج و التوزيع، و الدفاع عن الطبقات المحرومة و الفقيرة، و مواجهة ثقافة الرأسمالية و احترام الملكية - هذه الأمور إلى جانب بعضها - فالإمام الخميني يرفض الثقافة الرأسمالية الظالمة، لكنه يؤكد على احترام الملكية و احترام رأس المال، و احترام العمل. و كذلك عدم الذوبان في الاقتصاد العالمي، و الاستقلال في الاقتصاد الوطني.. هذه هي أصول الإمام الخميني في المجال الاقتصادي، و هي أمور واضحة في أقواله و كلماته.
كان توقّع الإمام الخميني من مسؤولي البلاد دائماً هو أن يستطيعوا باقتدار و تدبير و إدارة عقلائية أن ينفذوا هذه الأصول و يتقدموا بها إلى الأمام. هذه هي خارطة طريق الإمام الخميني الجليل. بمقدور شعب إيران بهمّته و بشبابه و بخارطة طريقه هذه، و بإيمانه الراسخ في فؤاده، و بفضل ذكرى إمامه الخميني، أن يملأ المسافة الراهنة التي تفصله عن ذلك الوضع المنشود. بوسع الشعب الإيراني أن يتقدم إلى الأمام. الشعب الإيراني بما لديه من قدرات و مواهب، و بفضل وجود العناصر البارزة و الحمد لله في هذا البلد، بوسعه مواصلة الطريق المقطوع خلال تجربة أكثر من ثلاثين عاماً من عمر الثورة بمزيد من الاقتدار و بهمّة أصلب، ليكون إن شاء الله نموذجاً حقيقياً و واقعياً للشعوب المسلمة.
أما بخصوص الانتخابات و هي قضيتنا الحساسة و الحيّة في هذه الأيام.. أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. أيها الشعب الإيراني العزيز.. الانتخابات مظهر و تجسيد لكل هذه المعتقدات الثلاثة التي كانت في الإمام الخميني، و التي يجب أن تكون فينا أيضاً: إنها تجسيد للإيمان بالله سبحانه و تعالى، لأنها تكليف.. إنه واجبنا و تكليفنا أن نتدخل في تقرير مصير البلاد. كل واحد من أبناء الشعب يتحمّل مثل هذا التكليف و يقع على عاتقه هذا الواجب. و الانتخابات مظهر للإيمان بالشعب، لأنها مظهر لإرادة كل واحد من أبناء الشعب، فالناس هم الذين ينتخبون مسؤولي البلاد. و الانتخابات مظهر الإيمان بالذات لأن كل فرد يُدلي بصوته في صندوق الاقتراع يشعر أنه ساهم بدوره في تقرير مصير بلده، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. إذن الانتخابات تجسيد للإيمان بالله، و مظهر للإيمان بالشعب، و مؤشر للثقة بالذات.
القضية الرئيسة في الانتخابات هي خلق ملحمة سياسية، و تواجد الشعب عند صناديق الاقتراع. ما معنى الملحمة؟ الملحمة معناها ذلك الفعل المجيد الكبير الباعث على الفخر الذي يحصل بهياج و حماس. كل صوت تمنحونه لأحد هؤلاء المرشحين المحترمين - هؤلاء الأشخاص الثمانية المحترمين المشاركين في الساحة - هو صوت للجمهورية الإسلامية. أيّ صوت لأيّ مرشح هو صوت للجمهورية الإسلامية، و صوت ثقة بنظام الانتخابات و آلياتها. أن تخوضوا في ساحة الانتخابات، سواء الأشخاص الذين ترشحوا لرئاسة الجمهورية أو الأشخاص الذين ينتخبونهم - مثلنا أنا و أنتم - فإن مجرد الخوض في هذه الساحة يعني الثقة بالجمهورية الإسلامية و الاعتماد على آليات الانتخابات. الدرجة الثانية من الأهمية تتعلق بالتصويت لهذا الشخص أو ذاك ممن تريدونه أنتم، أو آخر يريده أشخاص آخرون، أو أشخّص أنا أنه أنفع من سائر المرشحين لمستقبل البلاد.
أعداؤنا المساكين في الخارج يفكرون في أن يخلقوا من هذه الانتخابات تهديداً للجمهورية الإسلامية، و الحال أن الانتخابات فرصة كبيرة للنظام الإسلامي. إنهم يأملون إما أن تكون الانتخابات باردة و باهتة ليستطيعوا أن يقولوا إن الناس غير منشدّين للنظام الإسلامي و غير راغبين فيه، أو أن يطلقوا من بعد الانتخابات فتنة كما صنعوا فتنة بعد تلك الانتخابات الملحمية في سنة 88 . أعداء الشعب الإيراني يسعون لمثل هذه الأمور، لكنهم على خطأ، و لم يعرفوا شعبنا. لقد نسي أعداء هذا الشعب يوم التاسع من دي. الذين يظنون أن في هذا البلد أكثرية صامتة و معارضة لنظام الجمهورية الإسلامية نسوا أنه منذ أربعة و ثلاثين عاماً و الحشود الهائلة تخرج كل سنة في الثاني و العشرين من بهمن و في كل مدن البلد دفاعاً عن نظام الجمهورية الإسلامية و ترفع شعارات «الموت لأمريكا». من أجل إحباط و تثبيط أجواء الانتخابات تجلس هيئاتهم الفكرية خلف وسائل إعلامهم و ناطقيهم السياسيين و يصنطعون الكلام دوماً و يغذّون به وسائل الإعلام. يقولون يوماً إن الانتخابات تخضع لهندسة معينة و أن هناك هندسة للانتخابات، و يقولون يوماً إن الانتخابات ليست حرة، و يقولون يوماً إن الانتخابات غير مشروعة من وجهة نظر الشعب. لا يعرفون شعبنا و لا يعرفون انتخاباتنا، و لا يعرفون نظام الجمهورية الإسلامية. و حينما يعرفون شيئاً لا يراعون الإنصاف، و لا يتحرّجون من عدم الإنصاف هذا.
في أي مكان من العالم - إذا كان أحد يعرف مثل هذا المكان فليذكره - يُسمح للمرشحين على اختلافهم، من الشخصيات المعروفة إلى الأشخاص المغمورين، أن يستفيدوا بشكل متساوٍ من وسائل الإعلام الوطنية و الحكومية؟ أين يوجد مثل هذا الشيء في العالم؟ هل يوجد في أمريكا؟ هل يوجد في البلدان الرأسمالية؟ في البلدان الرأسمالية إذا كان المرشح عضواً من هذين الحزبين أو الثلاثة و يحظى بدعم الرأسماليين و المعامل و الأثرياء و مافيات الثروة و السلطة فسيكون بإمكانه الإعلام و الدعاية لنفسه، إما إذا لم يكن كذلك فلن يكون بوسعه الدعاية أصلاً. كل من يتابع الانتخابات الأمريكية - و قد تابعتُها أنا - يؤيّد ذلك. ثمة أفراد لم يدعمهم الصهاينة و لم يحظوا بدعم شبكات الرأسمالية الدولية المصّاصة للدماء، فلم يستطيعوا مهما فعلوا الدخول إلى ساحة الانتخابات، إذ لم تكن لديهم وسائل إعلام و لا تلفزة، و كان عليهم أن ينفقوا أموالاً طائلة لأجل كل ثانية. و في بلادنا يجلس المرشحون و بشكل متكافئ و متساوٍ و من دون إنفاق حتى ريال واحد، و يتحدثون لساعات طويلة للناس عبر برامج متنوعة.. أين يوجد مثل هذا في العالم؟
الشيء الوحيد الذي يحكم من أجل الخوض في مضمار الانتخابات هو القانون. طبقاً للقانون يستطيع البعض أن يشاركوا و لا يستطيع البعض ذلك. القانون هو الذي يرسم الشروط و الأهليات، و من هم الذين يشخصون الأهليات. هذا كله يتمّ طبقاً للقانون. و العدو الخارجي يغضّ الطرف عن كل هذه الحقائق و يتكلم، و للأسف فإن الحناجر عديمة التقوى و الألسنة عديمة التقوى تكرّر ما يقوله. لكن الشعب الإيراني بتوفيق من الله و بمشاركته و عزيمته الراسخة و صموده سيردّ على كل هذه الحيل و الأحابيل، و سيكون ردّ الشعب الإيراني قويّاً و حاسماً.
و أذكر نقطة للمرشحين المحترمين.. يطلق المرشحون المحترمون في برامجهم العامة هذه نقودهم و مؤاخذاتهم، و هذا من حقهم، فبوسعهم انتقاد أي شيء يريدون انتقاده، و لكن ليتنبّهوا إلى أن النقد معناه العزيمة و النيّة للسير نحو مستقبل زاخر بالمساعي و الجهود و الأمجاد، و ليس بمعنى النظرة السلبية و السوداوية و عدم الإنصاف.. ليتنبّهوا إلى هذه النقطة. إنني لا أقصد أي شخص. من هذه الساعة ستقول وسائل الإعلام الإجنبية بغيض و بطريقة مغرضة: إن فلاناً يقصد زيداً أو عمراً أو بكراً أو خالداً. هذا بخلاف الواقع.. إنني لا أقصد أي شخص بعينه، إنما أذكر الحقائق. إنني أنصح الإخوة الذين يريدون تعزيز ثقة الجماهير بهم بأن يتحدثون بإنصاف. فلينتقدوا، و لكن لا يكن النقد بمعنى النظرة السوداوية، و لا بمعنى إنكار الأعمال البارزة و الممتازة التي أنجزت، سواء من قبل هذه الحكومة أو من قبل الحكومات السابقة، حيث تولّى الأمور أشخاص مثلهم و بذلوا الجهود ليل نهار من أجل إنجاز تلك الأعمال. النقد لا يعني إنكار الأوجه الإيجابية. النقد معناه أن يذكر المرء الأمور الإيجابية و يذكر إلى جانبها النواقص و نقاط الضعف. إذا تولى الأمور في بلادنا اليوم شخص فلن يكون بحاجة للبدء من الصفر، فقد أنجزت آلاف الأعمال المميّزة. خلال السنوات الطويلة و في فترات مسؤولية الحكومات المتنوّعة تم إنجاز آلاف البنى التحتية في هذا البلد، و تقدمت العلوم و تطورت، و تقدمت الصناعة، و تطورت الأعمال الأساسية و أرسيت البنى التحتية، و تمت البرمجة لأمور على جانب كبير من الأهمية و نُفذّت. يجب أن لا يخسروا هذه الأمور و لتكن أعمالهم من هذه المراحل فما بعد. نعم، ثمة مشكلات اقتصادية و هناك تضخم.. و الشخص الذي سيتولى الأمور بعد ذلك سيمكنه إن شاء الله أن يكون حلّالاً لهذه المشكلات، و سيفتح هذه العقد، فهذا أمل الشعب الإيراني. و لكن لا يكن معنى ذلك أننا إذا كانت لدينا سبل حل لهذه المشكلات ننكر كل ما تمّ إنجازه لحد الآن. ثم لا يعطوا وعوداً غير ممكنة. أقول للمرشحين على تنوّعهم تحدثوا بطريقة لو عرضوا عليكم في شهر خرداد من السنة المقبلة شريط حديثكم اليوم لم تخجلوا من كلامكم. أعطوا الوعود بحيث لو ذكّروكم لاحقاً بها لما اضطررتم لإلقاء اللوم و التقصير على هذا و ذاك، و لما قلتم إنهم لم يسمحوا لنا بالعمل. أعطوا وعوداً بالأشياء التي تستطيعون إنجازها.
لرئيس الجمهورية في بلادنا و طبقاً لدستور البلاد إمكانيات و صلاحيات كبيرة جداً. صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور الإيراني واسعة، ففي يديه ميزانية البلاد، و بيديه كل الأركان التنفيذية في البلاد، و بيديه ترتيب تنفيذ القوانين، و لديه إمكانية الانتفاع من كل الأفراد الخبراء و المتخصصين في كل أنحاء البلاد. يد رئيس الجمهورية مبسوطة في كل القضايا على تنوّعها. الحدّ الوحيد لرئيس الجمهورية في بلادنا هو القانون. القانون فقط هو الذي يحدّد رئيس الجمهورية، و هذا ليس بقيد مُعيق، فالقانون إنما هو للهداية و التوجيه، و ليس للتقييد و العرقلة. القانون يدلّ على الطريق و كيف يجب أن نتحرّك.
الذين يتحدثون اليوم مع الناس، ليطرحوا عليهم ما يستطيعون إنجازه و يكون الناس بحاجة إليه. ليعطوا عهداً بالعمل بتدبّر و عقلانية و حكمة. إذا كانت لديهم برامج حول أي موضوع فليطرحوا تلك البرامج على الشعب، و ليعطوا عهداً بالسير بشكل دؤوب و بخطوات راسخة في هذا الميدان. و ليعطوا عهداً بالاستفاده من كل إمكانيات الدستور الإيراني لتنفيذ واجباتهم الكبرى. و ليعطوا عهداً بأنهم سيعكفون على إدارة أوضاع البلاد. و ليعطوا عهداً بمعالجة قضايا الاقتصاد بشكل جيد، فالاقتصاد هو اليوم ساحة التحديات التي يفرضها الأجانب على شعب إيران. و ليعطوا عهداً بعدم إثارة القضايا الهامشية و اللغط. و ليعطوا عهداً بأن لا يتركوا المحيطين بهم يفعلون كل ما يحلو لهم. و ليعطوا عهداً بأن لا يهتموا لمصالح الأجانب، و بذرائع شتى، أكثر من مصالح الشعب الإيراني. البعض و انطلاقاً من تحليل خاطئ يقول: لنعط الأعداء بعض الامتيازات كي نقلل من غضبهم تجاهنا، يفضلون عملياً مصالح الأعداء على مصالح الشعب.. هذا خطأ. غضب الأعداء سببه أنكم موجودون، و سببه أن الجمهورية الإسلامية موجودة، و سببه أن الإمام الخميني حيّ في أذهان الشعب و في برامج هذا البلد، و سببه أن الشعب يعيش الحماس و الهياج في كل أرجاء البلاد في يوم الرابع عشر من خرداد ذكرى رحيل الإمام الخميني. غضبهم يعود إلى هذه الأشياء. يجب معالجة غضب العدو بالاقتدار الوطني.
إذا كان الشعب مقتدراً و قلل من نواقصه، و عالج مشكلاته، و استطاع معالجة قضاياه الاقتصادية التي تعدّ اليوم قضاياه الرئيسية، فسيبقى العدو مخلوع السلاح أمام شعب إيران. على كل الحال، المهم هو العزيمة و الإرادة، و الإيمان بالله، و الإيمان بالشعب، و الإيمان بالذات، سواء بالنسبة للمرشحين للانتخابات أو لكل واحد من أبناء الشعب. إخوتي و أعزائي.. بعد عشرة أيام ستكون أمامنا ساحة امتحان كبير، و نتمنى أن تتحقق لهذا الشعب من قبل الله سبحانه و تعالى في هذا الامتحان الكبير ملحمة مباركة و نتائج مشرقة متألقة.. و لا حول و لا قوة إلّا بالله العلى العظيم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة آل عمران، الآية 173 .
2 - سورة محمد، الآية 7 .
3 - سورة الجن، الآية 16 .
4 - سورة فصلت، الآية 30 .
5 - سورة الرعد، الآية 11 .