بسم الله الرحمن الرحيم
نشكر الله تعالى على أن وفقنا لأن نشهد مرة أخرى هنا هذه الجلسة الطيبة المحبّبة التي نقيمها كل سنة، و إن كان ذلك في الأيام الأخيرة من شهر رمضان. الجلسة جلسة علم، و جلسة الجامعات، و أهمية العلم و الجامعة لنظام الجمهورية الإسلامية و لشعب إيران و خصوصاً في الفترة الراهنة من تاريخنا، واضحة جلية للجميع.
طبعاً لم تعقد هذه الجلسة من أجل أن أذكر بعض النقاط حول الجامعة و العلم و المجتمع العلمي - و سوف أذكر بعض النقاط إلّا أن الجلسة لم تنعقد لهذا - فالأساس في رأيي لإقامة هذه الجلسة هو شيئان: الأول احترام مقام أساتذة الجامعات. فهذه الجلسة في الواقع جلسة رمزية الغاية منها التأشير إلى اهتمام نظام الجمهورية الإسلامية لمقام العلم و العالم و الأستاذ و الجامعة، و هذا ما يحصل من خلال عقد هذه الجلسة و الحمد لله. و الشيء الثاني هو الاستماع إلى بعض الآراء و الأفكار التي تجول في أذهان الأعزاء و الأساتذة المحترمين - سواء في خصوص قضايا البلاد أو على صعيد قضايا الجامعة و العلم - و هذا ما يحصل أيضاً و الحمد لله.
طبعاً نحن نتلقّى الكثير من التقارير، و نقرأ الكثير من التقارير، و لقاءاتنا ليست بالقليلة - اللقاءات الخاصة بالأفراد ذوي الصلة بالجامعة - لكنني واثق من أن ما نعلمه عن قضايا الجامعات في البلاد ليس كل قضايا الجامعات في البلاد، و ما أفضل من أن نسمع جانباً مما لا نعلمه في مثل هذه الجلسة و بحضور هذه الجماعة و عن لسان النخبة الجامعيين؟ و هذا الهدف أيضاً يحصل و الحمد لله، و قد حصل، و كذا هو الحال في كل سنة. طبعاً لا يتسع الوقت لكي نصغي لعدد أكثر من الأساتذة الأعزاء، لكن هذا القدر الذي استفدناه مغتنم على كل حال.
و الكلمات التي ألقاها السادة و السيدات اليوم و الآراء التي طرحوها كانت بدورها جيدة، و أضافت إلى معلوماتنا في ما يتعلق بقضايا الجامعات و أيضاً في خصوص الآراء المتنوعة الموجودة في الجامعات تجاه مختلف الشؤون و الأمور. طيّب، لاحظتم في هذه الجلسة أن أحد الأعزاء يعتقد بأنه يجب رصد تيار الترجمة في البلاد - و هذا في الواقع نوع من الإشراف على تيار الترجمة في البلاد - و ذكر سيد محترم آخر أنه يجب في خصوص الترجمة ترك الحرية للمترجم و أجهزة الترجمة و نشر الترجمات، و هذا في الواقع على الضد من الرأي الأول. كلا الرأيين صحيح طبقاً لتسويغ و تفسير معين. أي يمكن اختيار منهج و مسلك يحقق الرأي الأول و يلبّي الرأي الثاني في الوقت نفسه، لكنني غير واثق من أن هذين الأخوين المحترمين الذين عبّرا عن هذين الرأيين يعتقدان بالسبيل الوسط. لكل واحد منهما رأي مستقل و قد ذكره. و في هذا درس لنا. أي إن وجود نظرات مختلفة ينطوي على موضوع جدير بالاهتمام بالنسبة لي شخصياً. و قد كان هذا مثالاً ذكرناه، و ثمة الكثير من الأمثلة الأخرى.
لقد سجّلت عدة نقاط أذكرها هنا، بمقدار ما يبقى لنا من الوقت حتى الأذان. سوف أذكر ما تم تسجيله. النقطة الأولى هي أنه منذ نحو عشرة أعوام أو إثني عشر عاماً انطلقت في البلاد حركة علمية جديدة و راحت تنتشر و تتسع و تتنامى و تستمر. ما أراه و ما أفهمه هو أن حركة إنتاج العلم و النظرة الجهادية للعمل العلمي و المساعي العلمية في البلاد التي بدأت منذ نحو عشرة سنين أو إثنتي عشرة سنة و إلى اليوم، لم تتوقف أبداً، و ليس هذا و حسب بل إنها سارت نحو مزيد من التعمّق و النمو. و يمكن القول إن هذه الحركة قائمة في كل المجالات و الميادين العلمية - قد تكون أقل في بعض المجالات و أكثر في مجالات أخرى - و هذا ما نطمح و نسعى إليه. هذا هو الجهاد العلمي الضروري لنظام الجمهورية الإسلامية و لبلادنا.
في هذه الأعوام التي تقارب الإثني عشر عاماً تضاعف النمو العلمي في البلاد بالمقارنة إلى ما قبل هذه الأعوام الإثني عشر، ست عشرة مرة. هذه إحصائيات تقريبية و من مصادر و مراكز موثوقة. هذا التقدم على جانب كبير من الأهمية. هذه الحركة العلمية المتنامية جعلت المراكز العلمية المعتبرة في العالم تصرّح بأن نمو العلم في إيران أكثر من المتوسط العالمي بثلاث عشرة مرة. يجب أن نلاحظ هذا الواقع و نأخذه بنظر الاعتبار، فهو على جانب كبير من الأهمية. لأننا نسمع هذه الحقائق بكثرة و نكررها بكثرة فقد غدت مألوفة و عادية بالنسبة لنا. هذه ليست من الإحصائيات الداخلية، يرفعها شخص معين و يقول شخص آخر: كلا، هذه الإحصائيات غير صحيحة. لا، إنها المواقع و المراكز الرسمية المعتبرة في العالم تصدر مثل هذه الأحكام و التقييمات، و هم ليسوا على وفاق و حسن علاقة معنا. إنني لا أصدق أن السياسات المهيمنة في العالم تزهد في التدخل في شؤون المراكز العلمية، و لو استطاعوا لأنكروا، كما أنكروا الكثير من إنجازاتنا و تقدمنا. لكنهم في الوقت نفسه يعلنون مثل هذه الإحصائيات و الأرقام. تقول هذه المراكز العلمية - و أقوالها منشورة في العالم و في متناول أيدي الجميع - لو استمر هذا التقدم العلمي في إيران على نفس هذه المعدلات، فستصل إيران سنة 2018 ميلادية، أي بعد خمسة أعوام، إلى المرتبة العلمية الرابعة في العالم. هذه حقيقة مهمة جداً. أي إن إيران ستكون بعد ثلاثة بلدان - هي أمريكا و الصين و بريطانيا، هذه هي البلدان الثلاثة التي ذكروها - البلد الرابع من حيث المستوى و التقدم العلمي. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. طبعاً أن لا أريد الادعاء أن هذه الأرقام و الإحصائيات أرقام يمكن للمرء أن يقسم عليها الأيمان مائة بالمائة، لا، لكن مسيرة جامعات البلاد و نموها في مثل هذه الحدود راهناً.
طيّب، لو قارنّا الوضع الجامعي للبلاد الآن بفترة بدايات الثورة - أي بتراث ما قبل الثورة و بعهد الطاغوت - لكانت الأرقام و الإحصائيات أدعى إلى الدهشة حتى من هذا. يوم انتصرت الثورة الإسلامية، كان لنا مائة و سبعين ألف طالب جامعي. و ثمة في البلاد اليوم أربعة ملايين و أربعمائة ألف طالب جامعي. و هذا معناه نحو خمسة و عشرين ضعفاً. و قد كانت أعباء التعليم يومئذ على كواهل ما يقارب خمسة آلاف أستاذ جامعي و أستاذ مساعد و أستاذ مشارك و معلم و ما إلى ذلك، و يوجد اليوم نحو من ستين ألف أستاذ جامعي على اختلاف مستوياتهم، يدرّسون في الجامعات و في المراكز البحثية. هذه قضايا مهمة و حالات قيمة من التقدم و التطور. طبعاً سجلت هنا نقاطاً لم تعد هناك حاجة لذكرها، فبعضها تعلمونه أنتم و سمعتموه، و بعضها لا ضرورة لطرحه. البحوث و المقالات العلمية المنهجية و التي تُراجع - أي البحوث العلمية التي ينشرها الباحثون الإيرانيون و يتخذها الباحثون في العالم مصادر و مراجع لبحوثهم - تتزايد يوماً بعد يوم. و قد رفعوا لي إحصائيات ذلك على نحو التفصيل، و لا أريد الآن التشديد على هذا الجانب، لكن هذه ظاهرة مهمة جداً. إذن، الجهاد العلمي قد حصل و وقع في بلادنا.
و ثمة سؤال يطرح هنا: الآن و نحن نشاهد كل حالات التقدم العلمي هذه في مختلف المجالات و الميادين في البلاد، هل يجب أن نتنفس الصعداء و نسكن و نقعد؟ واضح أن الإجابة سلبية، لا، إننا لا نزال متأخّرين عن الخط الأمامي للعلم، و لا نزال نعاني من تخلف مزمن في الكثير من العلوم التي نحتاجها لحياتنا، هذا على الرغم من كل التقدم الذي حققناه في بعض حقول العلم. إذن، لأننا نعاني من التخلف يجب أن نعمل و نجدّ. ثم أن قافلة العلم في العالم غير متوقفة و لا تتوقف، إنما تسير بسرعة. إننا يجب لا أن نحافظ على مكانتنا الراهنة و حسب، بل ينبغي أن نتقدم، و هذا كله يحتاج إلى مساع و جهاد. لذا فإن كلمتنا الأولى لجامعات البلاد و علمائها و النخبة في البلاد هو أن لا تسمحوا لهذه الحركة و المسيرة بالتباطؤ و المراوحة. لا يمسحوا للحركة العلمية في البلاد بالتوقف. يجب أن لا يستطيع أي مانع الحيلولة دون أن تواصل جامعات البلاد رشدها و تقدمها العلمي.
حين نشدّد على العلم فليس ذلك لمجرد الاحترام المبدئي الذي نكنّه للعلم - و هذه بحد ذاتها نقطة مهمة فالإسلام يقرر للعلم قيمة ذاتية - و لكن بالإضافة إلى هذه القيمة الذاتية فإن العلم اقتدار. الشعب من أجل أن يعيش حياة مريحة و عزيزة و كريمة يحتاج إلى الاقتدار. و العامل الأصلي الذي يمنح الشعب الاقتدار هو العلم. بوسع العلم أن يخلق اقتداراً اقتصادياً و يوفر أيضاً الاقتدار السياسي، و يمكنه كذلك أن يحقق السمعة و الكرامة الوطنية للشعب في أنظار العالم. الشعب العالم العارف المنتج للعلم شعب كريم محترم في أنظار المجتمع الدولي و الرأي العام. إذن، علاوة على الكرامة و القيمة الذاتية للعلم، تعود أهمية العلم أيضاً إلى قيمة على جانب كبير من الأهمية هي أنه من عوامل الاقتدار. و عليه، ينبغي لهذه الحركة التي انطلقت و هذه السرعة الموجودة أن لا تتوقف و لا تتباطأ بأيّ حال من الأحوال.
و توجد نقطة أخرى إلى جانب ذلك يجب أن نعتقد بها و نصدقها. ذكر الأعزاء آراء جيدة بخصوص الاصطفافات السياسية في العالم، و كانت نقاطاً سليمة جديرة بالملاحظة، و نحن نؤمن بها، و لكن الشيء الذي ينبغي أخذه بنظر الاعتبار هو أن هناك جبهة أعداء عنودين مقابل نظام الجمهورية الإسلامية من بين القوى الكبرى في العالم. هل هذه الجبهة العنودة اللجوجة المعادية للجمهورية الإسلامية تضم أكثر بلدان العالم؟ أبداً.. و هل تضم أكثر البلدان الغربية؟ أبداً.. الأمر يتعلق بعدد من البلدان القوية يعارضون نظام الجمهورية الإسلامية و يخالفون اقتداره و يعرقلونه لأسباب خاصة. و من ممارساتهم المعرقلة هذه العرقلات العلمية. أشار بعض الأعزاء إلى «الدبلوماسية العلمية» و «الدبلوماسية الجامعية»، و هذا ما اعتقد به أنا أيضاً و قد شجّعته، و لكن لاحظوا أن الطرف المقابل يشدد على هذه النقطة بشكل خاص و يخطط لها. إنه يخطط لهذه النقطة التي تسمى «الدبلوماسية العلمية» و يتابع أهدافه. إذا جرى العمل بتفطن و تنبّه و وعي و بصيرة فنحن نوافقه تمام الموافقة. إنهم غير مرتاحين لتطورنا العلمي. جانب من هذه الممارسات التي يقومون بها حالياً على صعيد الحظر و ما إلى ذلك يتعلق بأنهم لا يريدون للمجتمع الإيراني التمتع بهذا الاقتدار الذاتي المتدفق من الداخل، و الاقتدار العلمي اقتدار ذاتي. و على كل حال، فهذا التقدم يجب أن يستمر.
حسناً، النقطة التي أصرّ على هذا الأساس أن تكون مطروحة و حاضرة في أذهان السادة و السيدات و الأساتذة المحترمين هي الحفاظ على «خطاب العلم و التقدم العلمي» و «خطاب التقدم في عموم البلاد» في الجامعات، و هذا بمعنى التحفّز لإسهام الجامعة في تقدم البلاد. و هو واقع قائم في الوقت الحاضر و لكن يجب تعزيزه و تمتينه. يجب أن لا يُزاحم أي شيء هذا الخطاب في الجامعات. ينبغي أن يكون هناك في الجامعات إصرار على الإبداع العلمي، و إصرار على وضع التقدم العلمي في خدمة احتياجات البلاد. و هذه من التوجّهات و المعاييرالأساسية. الإمكانيات بالتالي محدودة - سواء الإمكانيات الإنسانية أو الإمكانيات المالية و المادية - لذا ينبغي التنبّه حتمياً على أن يكون العمل العلمي في خدمة احتياجات البلد. لدينا الكثير من الاحتياجات يمكن للجامعات رفعها و إشباعها، فسدوا هذه الفراغات و الثغرات.. و هذه بدورها من تجاربنا.
كانت لدينا الكثير من المشكلات و الصعوبات خلال فترة الدفاع المقدس، و كانت هناك الكثير من الفراغات و الثغرات، و لم يكن بالإمكان ردم هذه الفراغات. تدريجياً نزلت الجامعات إلى الساحة، و امتلأت الكثير من هذه الثغرات - التي ما كنا نتصور أنها ستمتلئ في يوم من الأيام - بهمم الجامعات و الأساتذة و الشباب و العلماء في إيران. بوسعنا أن نملأ هذه الفراغات الموجودة على الصعد الاقتصادية و الثقافية و السياسية و الإدارية. بوسع الجامعات أن تجعل المواضيع البحثية في جدول أعمالها و تملأ هذه الفراغات. إذن، ينبغي أن يكون من المعايير و المؤشرات و الضوابط وضع الأعمال العلمية في خدمة احتياجات البلاد.
و هناك أيضاً الإصرار على الربط بين البحوث الجامعية و الصناعة و التجارة. هذا كلام نكرره و نشدد عليه منذ نحو عشرة أعوام أو إثني عشر عاماً. و قد ذكرناه للحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد و قلناه للجامعات، و قد تحقق إلى حد كبير و لكن لا بشكل كامل. هذه الحالة مفيدة للجامعات و للصناعة أيضاً، و كذلك للتجارة في البلد، و أيضاً للزراعة في إيران.
و ثمة أيضاً الإصرار على إطلاق تنافس بناء في الإبداعات. ينبغي أن يكون هناك تنافس قوي و بناء و جدّي في البلاد في مجال الإبداعات العلمية و الإبداعات التقنية تبعاً لها. يجب أن يكون هناك تنافس بين جامعات البلاد و بين الأساتذة و بين النخبة. لتخطط أجهزة و مؤسسات التعليم العالي لإيجاد هذا التنافس بين الجامعات الراقية. ثمة على سبيل المثال جامعات راقية في مجال العلوم التقنية و الهندسة، و هناك جامعات ذائعة الصيت في العلوم الإنسانية، و كذا الحال في باقي الحقول و الميادين العلمية. ليوجدوا تنافساً و سباقاً بين مختلف الجامعات، و لتمنح الجامعات الإمتيازات و الرتب.
طبعاً أنا لا أرفض الفكرة التي طرحت هنا بخصوص انعدام النظرة المتكافئة بين الجامعات المتفوقة الراقية و الجامعات الضعيفة. نعتقد أن هذه الفكرة صحيحة على نحو مشروط. في المكان الذي توجد فيه إمكانيات أكثر من الطبيعي أن يكون الاهتمام بتلك الأماكن أكثر. و عليه يجب أن يدقق الجميع - من أساتذة و مدراء و باقي الأفراد المؤثرين و المتنفذين في الجامعات - لئلا تسير الأجواء الجامعية نحو القضايا الجوفاء الفارغة، بل يجب أن تكون الأجواء أجواء متابعة القضايا الأصلية و الأساسية. يجب أن يسود خطاب العلم و التقدم العلمي و التقدم العام للبلاد في الأجواء الجامعية كما هو الوضع حالياً. طبعاً ثمة أعداء يحاولون دفع حتى القضايا النقابية في الجامعات صوب المشاحنات السياسية. ينبغي تجنّب هذه الأمور. ليس من الفخر للجامعة أن تتهمّش قضاياها الأساسية و تغلب عليها قضايا صغيرة قليلة الأهمية، و أن تتأثر بالتيارات السياسية. مناخ الجامعة ينبغي أن يكون مناخاً يمكن فيه للعلوم و العلماء أن يعيشوا حياتهم المناسبة.
و طبعاً من الواضح لدى الجميع و كل الأعزاء يعلمون أن هذا التقدم العلمي و هذه النجاحات التي تحققت لحد الآن في المناخ العلمي للبلاد كانت ببركة الثورة الإسلامية و ببركة الإسلام. لو لم يستطع العامل الثوري و العقيدي الديني الفاعل و المؤثر أن يترك تأثيراته على أوضاع البلاد عموماً و على أوضاع العلم خصوصاً، فلا مراء أن نفوذ القوى المهيمنة ما كان سيسمح لبلد مثل إيران - ينظرون له بعين الطمع - تحقيق هذا التقدم على الصعيد العلمي، و التحلي بهذه الثقة بالذات و الاتكاء على النفس. ما كانوا سيسمحون بذلك، كما أنهم لا يسمحون بذلك في مناطق أخرى يبسطون هيمنتهم و نفوذهم عليها. الثورة الإسلامية هي التي حطمت تلك الأجواء و غلّبت الأجواء العلمية. لذلك علينا جميعاً أن نعتبر أنفسنا مدينين لقيم الثورة و مبادئها و ملتزمين بحفظها و حراستها.
و قد سجّلتُ هنا نقطة أخرى تمت الإشارة لها أيضاً في كلمات الأعزاء، و هي قضية رفع مستوى الجودة في الجامعات. طبعاً أنا لا أعتقد أن التنمية الكمية شيء قليل الأهمية، لا، النمو الكمي هو بحد ذاته شيء عظيم الأهمية. أن يكون عدد الطلبة الجامعيين كثيراً و عدد الجامعات كبيراً و تنتشر المراكز العلمية في كل أنحاء البلاد بهذه الصورة التي هي عليها، و أن يكون هناك في مستشفيات المدن البعيدة أطباء يستطيعون القيام بعمليات جراحية لم يكن من الممكن إجراؤها في الماضي غير البعيد كثيراً - في بداية الثورة أو قبل الثورة من باب أولى - حتى في طهران بسهولة، فهذا ليس بالشيء القليل، بل هو مبعث فخر و اعتزاز. و بالتالي فنحن لا نرفض التنمية الكمية و لا نعتبرها قليلة الأهمية، لكننا نؤكد على أن هذا النمو الكمي يجب أن يكون مصحوباً باهتمام بالجودة و النوعية. أولاً يجب تشخيص الرتبة الكيفية و النوعية للجامعات في البلاد، أي على أجهزة إدارة الجامعات في البلاد تشخيص أي الجامعات دون الخط المعتبر للجودة، ثم التخطيط لرفع المستوى النوعي لهذه الجامعات. هذه من الأعمال اللازمة جداً و التي لا بدّ أن تنجز. بمعنى أنه يجب الاهتمام بالكيفية كموضوع مستقل.
و من النقاط التي سجّلتها و من المناسب أن أكررها هي استخدام التقدم العلمي في البلاد لنشر اللغة الفارسية. اللغة مهمة جداً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. أهمية اللغة الوطنية لبلد من البلدان لا تزال غير معلومة بالنسبة للكثيرين. يجب نشر اللغة الفارسية. يجب زيادة النفوذ الثقافي لللغة الفارسية على مستوى العالم يوماً بعد يوم. اكتبوا بالفارسية، و انحتوا المفردات الفارسية، و أوجدوا المصطلحات و الكلمات بالفارسية. لنعمل ما من شأنه أن يضطر الذين ينتفعون من التقدم العلمي لبلادنا في المستقبل إلى تعلم اللغة الفارسية. ليس من الفخر أن نقول إن اللغة العلمية في بلادنا هي اللغة الأجنبية الفلانية. في اللغة الفارسية من الإمكانيات و السعة بحيث يمكن التعبير عن أدق و أظرف العلوم بهذه اللغة. لدينا لغة ذات سعة و إمكانيات كبيرة. كما أن بعض البلدان الأوربية لم تسمح بتحول اللغة الإنجليزية إلى لغتها العلمية - مثل فرنسا و ألمانيا - و حافظت على لغاتها باعتبارها اللغة العلمية في جامعاتها. قضية اللغة قضية على جانب كبير من الأهمية. و الحقيقية أنها بحاجة إلى أن تبدوا عن أنفسكم الحميّة. من الاهتمامات التي تبديها الحكومات الواعية و اليقظة في العالم التشديد على نشر لغاتهم الوطنية في الأقطار الأخرى. و للأسف بغفلة الكثير من البلدان لم يحصل لها مثل هذا الشيء، بل و قضوا على اللغات المحلية الأصلية للكثير من الشعوب قضاء مبرماً كلياً، أو همّشوها. إنني منذ ما قبل الثورة، كنتُ أتألم دائماً لانتشار المفردات الأجنبية بكثرة بين أبناء شعبنا و قد كانوا يتفاخرون بها - و كأن المرء إذا شرح فكرته بتعبير أجنبي يعدّ ذلك فخراً له - و للأسف فإن هذه الحالة لا تزال مستمرة إلى اليوم. الكثير من التقاليد الخاطئة التي كانت قبل الثورة زالت بقيام الثورة، لكن هذه الظاهرة لم تزل للأسف. ثمة البعض و كأنهم يفخرون بتعبيرهم عن حقيقة أو فكرة بمفردة أجنبية، و الحال أن هناك معادلاً فارسياً لتلك المفردة، لكنهم يحبّون استخدام التعابير الغربية، و شيئاً فشيئاً تنتقل هذه الحالة إلى المستويات الدنيا و العامية من المجتمع، فيكون الأمر مؤلماً حقاً. هناك نماذج لهذه الحالة في ذهني، و لكن لا ضرورة لذكرها الآن.
و نقطة أخرى نضيفها - و ربما كانت النقطة الأخيرة - هي أننا إذا كنا نسعى للتطور و نعتبر التطور العلمي شرطاً لازماً للتقدم العام في البلاد، فيجب أن نلاحظ أن مرادنا من التقدم ليس التقدم حسب النموذج الغربي. ورقة العمل الأكيدة لنظام الجمهورية الإسلامية هي متابعة نموذج التقدم الإيراني - الإسلامي. إننا لا نروم التقدم بالشكل الذي سار وراءه الغرب و تقدم. التقدم الغربي ليست فيه أية جاذبية للإنسان المعاصر الواعي. تقدم البلدان الغربية المتطورة لم يستطع القضاء على الفقر، و لا القضاء على التمييز، و لا تكريس العدالة في المجتمع، و لم يرسّخ تكريس الأخلاق الإنسانية. أولاً كان ذلك التقدم قائماً على أساس الظلم و الاستعمار و نهب البلدان الأخرى. لاحظوا أن أحد السادة الآن ذكر شيئاً عن هجوم البرتغال على إيران. و لم تكن القضية تقتصر على إيران. في منطقة شرق آسيا هذه توجّه البرتغاليون إلى الكثير المناطق، و كذلك الهولنديون. و كم لهولندا من العرض و الطول الجغرافي و السوابق التاريخية و القيمة العلمية؟ و كذا الحال بالنسبة للبرتغال و إسبانيا و بريطانيا؟ لقد استولوا على كل هذه القارة الآسيوية العظيمة و القارة الأفريقية و حبسوهما في قبضاتهم لأنهما كانتا أقطاباً للثروة. انظروا لكتابات نهرو في كتابه «نظرة لتاريخ العالم» فهو يشرح التقدم العلمي و التقني في الهند قبل دخول البريطانيين. إنني قبل أن أطلع على هذه المعلومات من زاوية نظر شخص مطلع مثل نهرو - كتبها في ذلك الحين - لم أكن على علم بهذه القضية. يسير بلد في مسار علمي معقول و صحيح، ثم يأتون بفضل العلم و الأسلحة ليحتلوا ذلك البلد و يقتلوا أبناءه دون رحمة و ينهبوا مصادره و ثرواته، و يفرضوا أنفسهم عليه.
انتزعوا الثروات من الهند و أخذوها للاستثمار في بلدهم و كنزوها و خزنوها. استولى البريطانيون على أمريكا بالمال الذي حصلوا عليه من الهند. إلى ما قبل سنوات استقلال أمريكا عن بريطانيا، حيث كان البريطانيون مهيمنون على أمريكا، كان معظم وارد التجار البريطانيين من التجارة التي يقومون بها بين الهند و السواحل الأمريكية. ثم أدى الأمر إلى مواجهتهم من قبل سكّان أمريكا - و طبعاً ليس سكّان أمريكا الأصليين المحليين، بل هذه المرة أيضاً كانوا من المهاجرين البريطانيين و الإسبانيين و غيرهم - و اشتعلت الحرب، و من ثم كان استقلال أمريكا حيث انتهت فترة الهيمنة الأمريكية. على كل حال، أقاموا أسس حضارتهم على امتصاص دماء الشعوب، و بعد ذلك و بالتطورات المتنوعة التي تحققت لم ينهوا الظلم في بلدانهم، و لا قضوا على التمييز، و لا استطاعوا إغناء المجتمعات الفقيرة. و ترون اليوم كيف هو الوضع الاقتصادي لهذه البلدان، و كيف هو وضعهم الاجتماعي، و ما هو وضعهم الأخلاقي.. هذا الانحطاط الأخلاقي و مستنقع الأخلاق الجنسية في الغرب. تقدم الحضارة الغربية مثل هذا التقدم و بهذه الخصوصيات، و هذا ما لا نرتضيه بأي حال من الأحوال. إننا نسعى وراء نموذجنا المحبّذ المبدئي، و هو نموذج إسلامي و إيراني نابع من هداية الإسلام و يستقي و ينتهل من الاحتياجات و التقاليد الإيرانية. إنه نموذج مستقل. طبعاً يبذل الباحثون و الخبراء في الوقت الحاضر الكثير من الجهود من أجل تدوين هذا النموذج.
و أظن أن الوقت قد انتهى، في حين لم تنته الملاحظات التي سجّلتها، و مثل الكثير من الإخوة و الأخوات المحترمين الذين تحدثوا هنا و تركوا كلماتهم غير مكتملة بسبب ضيق الوقت، اضطر أنا أيضاً إلى ترك بعض النقاط و الملاحظات إلى لقاء آخر إن شاء الله، إذا كان لنا من العمر بقية، حيث نلتقيكم في جلسات أخرى في الجامعات أو مناسبات غيرها، فنذكر لكم بعض النقاط.
اللهم إنزل بركاتك في هذا الشهر على الجامعيين في بلادنا. اللهم لا تحرم القلوب المشتاقة في هذا الشهر من رحمتك اللامتناهية. ربنا إن لم تكن قد غفرت لنا في هذه الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك ، فاغفر لنا في ما تبقى منه. ربنا وفق شعب إيران في جميع الساحات و في كل مجالات الحياة. انصر هذا الشعب الكبير على أعدائه. اللهم زد من قوة و اقتدار النوايا الصادقة و القلوب العاشقة لتقدم شعب إيران و العاشقة للحقيقة على النهوض بالمطامح الكبرى. اللهم أرض عنا الروح المطهرة لإمامنا الخميني الجليل و الأروح المقدسة لشهدائنا الأبرار، و اشملنا بالأدعية المستجابة لإمام العصر و الزمان المهدي المنتظر (عليه الصلاة و السلام و عجّل الله فرجه) و اجعل قلبه المقدس راضياً عنا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.