بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أرحب بالإخوة الأعزاء و أختنا المحترمة (1)، و أدعو لكم بالعون الإلهي لجهودكم و أعمالكم و متابعتكم و اهتمامكم الذي أبديتموه في ما يتعلق بالشؤون ذات الصلة بهذه المنظومة المهمة. و نسأل الله تعالى أن يوفقكم و يعينكم. نحن بحاجة للعون الإلهي و الهداية الإلهية للوصول إلى الفكر الصحيح، و نحتاج كذلك لعون الله في مجال القدرة لتنفيذ ما نعتقده صحيحاً و ما نتخذه من قرارات. يجب أن نتوسّل إلى الله و نتوجّه إلى الله تعالى و نطلب منه العون. من واجبنا أن ننزل هممنا و جهودنا إلى الساحة، و تبقى البركة و العون على الله. بهممكم و مساعيكم سوف تتقدم الأعمال الثقافية المهمة التي بين أيدينا إلى الأمام إن شاء الله.
لقد سجّلت بعض النقاط أذكرها للأعزاء. القضية الأولى تتعلق بأهمية موضوع الثقافة في المجتمع. أنتم جميعاً و الحمد لله شخصيات ثقافية و لا حاجة لإعادة ذكر هذا الموضوع و إعادة التدقيق فيه لكم. المسؤولون في إيران و الحمد لله كلهم من أهل الثقافة و هم من رجال الساحة الثقافية قبل كل شيء. السيد الدكتور روحاني و هو رئيس جمهورية إيران، عنصر ثقافي قبل أن يكون عنصراً سياسياً. لقد عرفناه منذ سنين طويلة بهذا العنوان و بهذا الشكل. منذ بدايات عقد الخمسينيات [السبعينيات من القرن العشرين للميلاد] و إلى الآن عرفناه كعنصر ثقافي. و كل رؤساء السلطات و مسؤولي البلاد من هذا القبيل و الحمد لله، فأنتم رجال الساحة الثقافية، و الناشطون في الواقع على الساحة الثقافية قبل أن يكون لكم أي عنوان آخر. لذلك ليس من اللازم أن نقول شيئاً لكم في ما يتعلق بأهمية القضية الثقافية و القيم الثقافية لبلد من البلدان. بيد أننا نطلب اهتمامكم الخاص في التركيز على هذا الموضوع. لأن لديكم أين ما كنتم و الحمد لله مكانة و موقعاً للتحدّث و التأثير، و هناك منابر تحت تصرّفكم، فاستفيدوا من هذا من أجل أن توضع قضية الثقافة في مكانها المناسب اللائق في المجتمع و في أنظار النخبة في البلاد. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. الثقافة هوية الشعب. القيم الثقافية روح الشعب و معناه الحقيقي. كل شيء يترتب و يقوم على الثقافة. ليست الثقافة على هامش الاقتصاد، و لا هي على هامش السياسة، بل الاقتصاد و السياسة هما على هامش الثقافة. يجب التنبّه لهذا الشيء. لا نستطيع فصل الثقافة عن المجالات الأخرى. و كما أشاروا (2) حين قلنا لتكن للقضايا الاقتصادية و لمختلف الشؤون الأخرى ملاحق ثقافية (3) فهذا هو المعنى المراد من قولنا. معناه عندما نروم إطلاق حركة أساسية في المجال الاقتصادي أو المجال السياسي أو في مضمار البناء أو في التقنية و الإنتاج و التقدم العلمي، يجب أن نتفطن للوازمها الثقافية. أحياناً يدخل المرء في عمل و مشروع معين و يقوم بعمل اقتصادي لكنه غير منتبه للوازم و التبعات الثقافية لعمله هذا. نعم، العمل عمل كبير، عمل اقتصادي كبير، و لكن تترتب عليه لوازم و تبعات و آثار فيها ضرر على البلاد. هكذا هي الثقافة. يجب أخذ الجانب الثقافي بنظر الاعتبار في كل الأمور، و أن لا نسمح بنسيان هذا الجانب.
و الثقافة بحاجة للبرمجة. يجب أن لا نتوقع لثقافة البلاد - سواء الثقافة العامة أو ثقافة النخبة أو ثقافة الجامعات و غير ذلك - أن تصلح و تتقدّم إلى الأمام من تلقاء نفسها. لا.. فهذا الأمر بحاجة للبرمجة. و سوف أتحدث عن شؤون الإشراف و الرصد و ما إلى ذلك. لا يمكن أن لا يشعر المسؤولون في البلاد بمسؤولية في ما يخص الهداية الثقافية للمجتمع. و كما أشار السيد رئيس الجمهورية (4) من واجب الحكومة و المسؤولين أن يهتموا للتيار العام لثقافة المجتمع، فينظروا إلى أين نحن سائرون، و ما الذي يحدث و يقع، و ما الذي ينتظرنا، و إذا كانت هناك حالات تزاحم و عراقيل يجب أن يرفعوها، يجب أن يرفعوا الموانع و العقبات و العوامل المخرّبة و المفسدة. إذا قلنا لفلاح أو لبستاني ماهر و خبير و طلبنا منه رفع الأدغال الزائدة في حديقة فليس معنى هذا أننا نروم الحيلولة دون نمو الأزهار في هذا الحديقة أو أن نتأمّر عليها، لا، اسمحوا للزهور العطرة أن تنتفع حسب طبيعتها و مواهبها من الماء و الهواء و من أشعة الشمس و تنمو و تتفتح. و لكن إلى جانب ذلك لا تسمحوا للأدغال الزائدة بالنمو، لأنها إذا نمت حالت دون نمو الزهور. حين نعارض بجد بعض الظواهر الثقافية و نتوقع من مسؤولي البلاد - سواء المسؤولين الثقافيين أو غير الثقافيين - و من هذا المجلس أن يحول دونها، فهذا هو السبب. بمعنى أن معارضة العراقيل الثقافية لا تتنافى إطلاقاً مع تنمية الإيجابيات الثقافية و تركها حرّة و تربيتها. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. لقد قلتُ أشياء بهذا المضمون لوزراء الثقافة و الإرشاد و لوزير الثقافة و الإرشاد المحترم، و تحدثت كذلك مع حضرة السيد روحاني في هذا الخصوص، و أقول لكم أيضاً إن من الواجبات الإشرافية و المراقباتية للحكومة أن تتنبّه لهذه العراقيل. افترضوا مثلاً وجود عامل و آفة مهمة في الثقافة العامة اسمها الطلاق، أنتم مضطرون طبعاً للحيلولة دون هذا العامل، أي إذا أردتم أن لا يشيع الطلاق في المجتمع فيجب التنبّه لهذا المعنى. ينبغي أن تحولوا دون هذا الشيء الذي يأخذ الناس بشكل طبيعي و يأخذ الشباب و البنات و البنين نحو عدم الرغبة في العائلة و عدم الاكتراث للمؤسسة العائلية و عدم الاهتمام للزوج. هذه نقطة من النقاط.
و عليه، نتحمّل مسؤولية شرعية و مسؤولية قانونية حيال ثقافة البلاد و الثقافة العامة في الوطن. و طبعاً نجد في بعض المطبوعات و الصحف و الكتابات و الأقوال أن البعض يتحدثون عن «دين حكومي» و «ثقافة حكومية» و يريدون تقليص إشراف الحكومة و تخريبه و تكوين وصمة خاطئة و معارضتها، فيقولون إن هؤلاء يريدون جعل الدين حكومياً و جعل الثقافة حكومية! ما معنى هذا الكلام؟ الحكومة الدينية لا تختلف إطلاقاً عن الدين الحكومي. الحكومة جزء من الشعب، و الدين الحكومي معناه دين الشعب، و هو نفس هذا الدين الذي يحمله الناس، و الحكومة لها نفس هذا الدين. من واجب الحكومة ترويج الدين أكثر. كل شخص و بمقدار استطاعته يجب أن يعمل و ينفق من طاقته.. رجل الدين يجب أن ينفق طاقاته، و الجامعي يجب أن ينفق طاقاته، و الإنسان الذي يمتلك منبراً أو دائرة نفوذ على الناس يجب أن ينفق طاقته و قدراته. و الأقوى من كل هؤلاء هو الجهاز الحكومي في البلد، و من الطبيعي أن ينفق هذا الجهاز أيضاً طاقاته و قدراته في سبيل إشاعة الفضائل و الحيلولة دون ما يعرقل نمو الفضائل. و إذن، ثقافة المجتمع تحتاج إلى مسؤول، و هي في ذلك كالاقتصاد.
إنكم على الصعيد الاقتصادي أيضاً تعتقدون أن الأمور يجب أن تكون بأيدي الناس، و هذه عقيدتنا نحن أيضاً، و قد عرضنا هذا المعنى في تفسير المادة 44 . (5) ليس معنى هذا بالتالي أن الحكومة تسمح للفرد بالعمل الاقتصادي بحيث يمسك بيديه شيئاً محتكراً و يفضي هذا الاحتكار في نهاية المطاف إلى ضرر الناس. إنكم في هذه الحالة سوف تحولون دون هذا الشخص و تحولون دون هذا الاحتكار، و تمنعون العدوان و التطاول، و تقفون بوجه الفساد الاقتصادي و بوجه استغلال مصادر الحكومة و المصادر العامة. أي إنكم تحولون دون هذه العراقيل. و الحال أننا نعتقد أن الاقتصاد يجب أن لا يكون حكومياً - لقد كانت هذه عقيدتي منذ البداية، أي منذ أن كانت حكوماتنا تسعى نحو الاقتصاد الحكومي، لم أكن اعتقد بهذا، و كنت أسوق لهم الأمثلة في هذا المعنى - (6) و لكن لا بدّ في الوقت نفسه من إشراف الحكومة، بل و لا بدّ في بعض الأحيان من تدخل الحكومة. مثلاً تلاحظون عدم وجود رغبة في النشاط الاقتصادي الفلاني، و أصحاب الرساميل لا يريدون الاستثمار في هذا المجال، فماذا تفعلون بوصفكم حكومة؟ سوف تستثمرون هناك بالطبع. و على سبيل المثال نحتاج في البلاد إلى مادة معينة، و المستثمر - باعتباره تاجراً ذا نظرة اقتصادية - لا يتجه بذلك الاتجاه، لأن فيه مشاقاً له و لا توجد فيه جدوى اقتصادية له. فماذا تفعلون أنتم؟ سوف تتدخلون و تنتجون تلك المادة بأنفسكم.
و بالتالي، مثل كل مكان حيث تكمّل الحكومة النواقص و ترفعها، و تعدّل الاعوجاجات، و تحول دون الانحرافات، و بالطبع فإن هذا المعنى في المضمار الثقافي أكبر بكثير من المجال الاقتصادي. و قد تحدثت عن الاقتصاد كمثال. إذن، تدخّل الجهاز الحكومي في القضية الثقافية لا يعني إلغاء نشاط الشعب. و كما أشار السيد الدكتور روحاني و هو على حق (7) فإن الثقافة تعتمد على الناس، كل مجالس العزاء هذه، و كل مجالس الخطابة هذه، و كل هذه الاتحادات الأدبية، و كل هذه الاتحادات و الجمعيات العلمية، كيف تستطيع الحكومات أن توجد كل هذه الأنشطة؟ و أين يمكن للحكومات مثل هذا؟ كل صلوات الجماعة هذه، و كل هذه الأعمال الثقافية المتنوّعة التي تتم و تجري على مستوى البلاد، لو افترضنا أن الحكومات أرادت القيام بكل هذه الأعمال و الأنشطة فلن تستطيع ذلك، إنما هي من فعل الشعب و الناس. لكن هذا لا يستدعي أن لا تتدخلوا لو رأيتم في مكان ما تحركاً داخل نفس هذه الأنشطة الشعبية فيه آفات و أضرار اجتماعية، و أن تقولوا إننا لا نتدخل. لا، هنا من اللازم أن يصار إلى التدخل و الهداية و العمل. و في بعض الأحيان ينظر المرء فيرى للأسف أن بعض الذين لا مسؤوليات لهم في الأجهزة و المؤسسات و ما إلى ذلك يتحدثون بطريقة غير مسؤولة، فهم ينظرون للادعاءات التي تطلق في البلدان الغربية حول الحريات الثقافية و ما إلى ذلك، و الحال أن الأمر ليس كذلك. إصرار الغربيين و مقاومتهم على قيمهم الثقافية ليست بأقل منا، بل أكثر. مثلاً من الدارج في ثقافة البلد الفلاني أن يوزّع و يُحتسى المشروب الفلاني في مجالس ضيافة رئيس الجمهورية. و إذا قال رئيس جمهورية أحد البلدان إنني غير مستعد لذلك فإنهم سوف يلغون مجلس الضيافة من أساسه، أي لا يقيمون مجلس ضيافة، و هذا ما حدث، و نحن مطلعون على مصاديق من ذلك في زمان حياتنا، و أنتم أيضاً ربما كلكم أو أكثركم مطلعون على مثل هذا. إذا لم يربط الشخص ربطة العنق و أراد الدخول في مجلس رسمي يقولون إن هذا بخلاف البروتوكول، و غير ممكن، و لا بد لك إما أن تربط پاپيوناً أو ربطة عنق! ما معنى هذا؟ هذه بالتالي ثقافة، و هم متعصبون و ملتزمون بهذه الأمور إلى هذا الحد.
و قضية اختلاط المرأة و الرجل التي أطلقوا عليها اسم المساواة، و هي للأسف ليست مساواة، بل هي اختلاط بين المرأة و الرجل.. إنه اختلاط مضرّ و مسموم جداً و قد سمّم اليوم المجتمعات و المجتمعات الغربية أكثر من غيرها، و راح مفكروهم الآن يدركون أن هذا المسار مسار لا نهاية له أساساً، بمعنى أن هذا المسار سيستمر هكذا و الطبع الجشع للإنسان سوف يأخذ هذا المسار إلى متاهات. هم يعتبرون هذا الاختلاط أحد أصولهم و مبادئهم، و إذا لم توافقوا ذلك يقصونكم و يطردونكم و يرفضونكم و يذمّونكم، أي إنهم متعصّبون و ملتزمون أكثر منا بأشياء غير معقولة. أو أمور من قبيل الحفلات التنكّرية الدارجة في البلدان الغربية و كم فيها من الفجائع التي يطول شرحها. القصد أنهم متعصبون أكثر منا و تأخذهم اللجاجة أكثر منا على قيمهم الثقافية و هي في الواقع قيم سلبية. فلماذا لا نصرّ نحن على ثقافتنا؟ على هذا الأساس، أهمية الثقافة و الاهتمام بالثقافة قضية تقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى على مسؤولي البلاد، و هذا المجلس هو أعلى المراكز.
و القضية الثانية هي قضية هذا المجلس. المجلس الأعلى للثورة الثقافية أحد الإبداعات المباركة بحق للإمام الخميني الجليل. في البداية كانت لجنة الثورة الثقافية، ثم اقترح عليه مجلس الثورة الثقافية، فوافق دون أي تردد، و أصدر حكماً أكيداً قوياً. بعد ذلك سألته حين كنتُ رئيساً للجمهورية هل إن قراراتنا قوانين، فقال يجب العمل بالقرارات. (8) أي إنه جعل القرارات في حكم القوانين. كان هذا من الأعمال المهمة للإمام الخميني. و قد قال السيد الدكتور روحاني بحق إن هذا المجلس هو أعلى و أفضل مركز، أي إنه لا توجد حكومة تستغني عن مثل هذه المجموعة التي تعدّ و الحمد لله رصيداً كبيراً. و أكبر رصيد لهذا المجلس هو أنتم الأعضاء المحترمون. بمعنى إن هذه المجموعة التي تشكّلت - سواء الأعضاء الحقيقيون أو الأعضاء الحقوقيون - أفضل مجموعة توجد هنا. رئيس المجلس هو رئيس الجمهورية أي رئيس السلطة التنفيذية في البلاد، و نوّاب الرئيس هم رئيس مجلس الشورى الإسلامي و رئيس السلطة القضائية. هذه أمور على جانب كبير من الأهمية. هؤلاء في الغالب عناصر و شخصيات ثقافية، و من أهل الثقافة و من أصحاب الهموم الثقافية و تمثل القضية الثقافية بالنسبة لهم قضية أساسية دوماً. و الأعضاء أعضاء مهمّون. من أهم الخواص و النقاط المهمة في هذا المجلس هي أن هذا المجلس يجعل القضية الثقافية غير تابعة لمتغيرات التيارات و الفئات السياسية. من المهم جداً إنقاذ القضية الثقافية من الرتابة اليومية. مثل هذا الموضع المستقر و هو موضع ثابت و مستقر في كل الحكومات - قد يتغيّر في بعض الأحيان عدد من أعضاء المجلس و هذا لا يؤثر سلباً على التركيبة المهمة للأعضاء الحقيقيين و الحقوقيين للمجلس - مما يجعل الحركة الثقافية للبلاد حركة ثابتة.
و قد أنجزت أعمال مهمة في هذا المجلس قد أشير لها خلال كلمتي. ما أروم التأكيد عليه في هذا الجانب من كلمتي و المتعلق بالمجلس هو أن أعضاء هذا المجلس يجب أن يؤمنوا به. يجب أن تؤمنوا أن هذا المجلس هو المقر المركزي لثقافة البلاد، و أن تؤمنوا أن هذا المكان هو مقر قيادة القضايا الكبرى في ثقافة البلاد و في رسم سياسات البلاد. ينبغي للأعضاء أن يلاحظوا هذا الشيء و ينتبهوا له. التواجد المستمر سواء تواجد الأعضاء بشكل مستمر أو تواجد المجلس نفسه، بمعنى أن المجلس لا يقبل التعطيل. رؤساء البلاد لديهم أسفارهم بالطبع و هم يذهبون هنا و هناك، و هذا يجب أن لا يؤدي إلى تعطيل المجلس، فالمجلس يجب أن يستمر، بمعنى أن هذه الآلية الإدارية للمجلس التي تقررت هي من أجل أن لا يتعطل المجلس أبداً. هذه بدورها نقطة تتعلق بهذا المجلس. بخصوص القرارات، نعم أنا أيضاً أعتقد تمام الاعتقاد أنه يجب الخوض في الكليات و القضايا المهمة و الأساسية و الجذرية، و هو ما حصل خلال هذه الأعوام الأخيرة. في السابق كنا غير راضين عن أن المجلس يخوض أحياناً في قضايا جزئية و يخصّص لها وقتاً طويلاً. في ذلك الحين أي في عقد الستينيات [الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد] عندما كنت أنا نفسي في المجلس كنا نواجه هذه المسألة، فأحياناً كنا ننفق وقتاً على شخص معين و تبقى الأمور الأساسية المهمة دون معالجة. و لكن الوضع الآن و الحمد لله ليس بهذا الشكل.
المسألة الثالثة هي مسألة الضمانة التنفيذية. يجب تنفيذ القرارات التي يصادق عليها المجلس الأعلى للثورة الثقافية. و إذا دوّنتم آلية لضمان التنفيذ فبها و نعمت، و إذا لم يجر في هذا المجلس تدوين آلية خاصة لضمان تنفيذ الآليات، فإن نفس تواجد رئيس الجمهورية و رئيس السلطة التشريعية - عندما تكون هناك حاجة لتشريع القوانين - و الوزراء المحترمين و مسؤولي الأجهزة المعنية، يجب أن يكون بمعنى الضمانة التنفيذية. أي عندما يجري تدوين الخارطة العلمية الشاملة - و للحق أن من الأعمال الكبرى في المجلس الأعلى للثورة الثقافية تدوين هذه الوثيقة أي الخارطة العلمية الشاملة للبلاد، و هي مشروع جيد جداً و قد تمّ تدوين آلية تنفيذية جيدة له، و هي من جملة الأعمال - على الأجهزة و المؤسسات التنفيذية أن تهتم بدورها بتنفيذ و تطبيق هذه الوثيقة. أو على سبيل المثال وثيقة الهندسة الثقافية - و التي سمعنا أنها على وشك الانتهاء أو قد انتهت فعلاً - هذه أيضاً يجب إعداد آلية تنفيذية لها بكل تأكيد لتتحقق و تتنفذ. أو وثيقة الجامعة الإسلامية مثلاً، أو وثيقة التحوّل الجذري في التربية و التعليم، حيث يجب أن يتعهّد وزير التربية و التعليم المحترم بتنفيذ هذه الوثيقة عملياً. أو الميثاق الاستراتيجي للنخبة في البلاد - و قد شاركت بنفسي في ذلك الاجتماع، و هو ميثاق على جانب كبير من الأهمية - و على معاونية رئاسة الجمهورية المحترمة أن تتابع هذه القضية.
و الخلاصة هي أن أعضاء المجلس و الأجهزة الثقافية نفسها يجب أن تؤمن بأننا جعلنا هذا المجلس مقراً مركزياً. و تعبير المقر قد يكون ثقيلاً على آذان البعض - فالمقر مصطلح حربي و عسكري - و يقولوا إن المقر يختص بالشؤون العسكرية، و أنتم لا تتركون التفكير العسكري حتى في القضايا الثقافية! واقع القضية أن المعركة الثقافية إنْ لم تكن أهم من المعركة العسكرية و أخطر، فإن خطرها و أهميتها ليست بأقل.. اعلموا ذلك، و أنتم تعلمونه.. إنها فعلاً ساحة معركة. و الأمر على هذا النحو خصوصاً في المقرات العسكرية. لا يتحمّل المقر مسؤولية تنفيذ التقسيم بمعنى أن تتعلق وحدة معينة به، لكن الوحدات تكون تحت تصرفه، و حسب التعبير العسكري تكون تحت سيطرته العملياتية. عندما نقيم مقراً عسكرياً يقول الحرس مثلاً إن هذه الوحدات من الحرس تحت سيطرة عملياتية من قبل تلك التشكيلات، فدعم و إمداد تلك الوحدات يرجع إلى تلك المنظمة - إما الجيش أو الحرس أو الأجهزة الأخرى - لكن استخدامها و توجيهها يقع على عاتق المقر. ينبغي هنا التنبّة إلى مثل هذه الحالة.
على كل حال، هذه الوثائق التي أعددتموها - و هي وثائق جيدة جداً و قد ذكرتُ بعضها، و هي طبعاً أكثر من ذلك، فقد جرى تدوين عدة وثائق أخرى - يجب أن تأخذوها مأخذ الجد، و لا يكون الأمر بحيث لو دوّنتم وثيقة تتعلق مثلاً بجهاز التعليم العالي، أو وزارة الصحة، أو التربية و التعليم، أو وزارة الثقافية و الإرشاد، و صادقتم عليه، تعطونه لذلك الجهاز و تنسحبون و تتركون الأمر. هذا ليس من المصلحة. عليكم أن تواصلوا إشرافكم على كيفية التنفيذ، إما إلى نهاية الأمر أو على الأقل إلى حين يأخذ العمل سياقه الطبيعي و تجدون أن الأمور يجري تنفيذها. و عليه، اعتقد أن مسؤولية المجلس الأعلى للثورة الثقافية كبيرة هنا أيضاً، أي في ما يتعلق بضمانة التنفيذ.
النقطة الرابعة التي أروم الإشارة لها هي قضية الغزو الثقافي. لقد طرحنا قضية الغزو الثقافي قبل سنوات، و أنكر البعض أساساً وجود غزو ثقافي، و قالوا: أي غزو؟ ثم وجدوا تدريجياً أننا لسنا وحدنا الذي نقول بذلك، بل الكثير من البلدان غير الغربية أيضاً تثير قضية الغزو الثقافي و تقول إن الغربيين يهاجموننا، ثم وجدوا أنه حتى الأوربيون يقولون إن أمريكا تهاجمنا و تغزونا! لا مراء أنكم شاهدتم مثل هذه الأقوال و قرأتموها حيث قالوا إن الأفلام الأمريكية و الكتب الأمريكية تشنّ علينا غزواً ثقافياً و تعمل على التأثير على ثقافتنا. و بعد ذلك و بفضل قبول الآخرين، وقع كلامنا هذا موقع القبول لدى الكثير من الذين لم يكونوا قد وافقوه! الغزو الثقافي واقع. هناك المئات - و حين أقول المئات يمكن القول الآلآف، و لكن لأنني أرغب أن احتاط بعض الشيء في ما يتعلق بالإحصائيات و الأرقام، لذا أقول المئات - من وسائل الإعلام المسموعة و المرئية و الإنترنتية و المكتوبة في العالم تعمل و هدفها إيران! الهدف هو إيران! لا أنها تعمل على رسلها و بشكل طبيعي. تارة تعمل إذاعة البلد الفلاني أو تلفزيون البلد الفلاني على رسله و بشكل طبيعي و لنفسه. لكن الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام هذه ليس على هذا النحو، بل هي تستهدفنا تحديداً، فهي تنتج البرامج باللغة الفارسية، و تنظم البث حسب أوقات مشاهدة الإيرانيين و الناطقين بالفارسية، و هم يرصدون قضايانا و يعدّون موضوعات برامجهم و مضامينها على أساس تلك القضايا. و بالتالي، من الواضح جداً أنها تستهدف إيران. و هم يصرّحون بذلك و لا ينكرونه.
إذن، الغزو الثقافي حقيقة موجودة و قائمة. يريدون التأثير على أذهان شعب إيران و على سلوكه، من شبابه و أحداثه و حتى أطفاله. و من جملة ذلك هذه الألعاب الإنترنتية. هذه الألعاب التي تدخل البلد من جملة ذلك، و قد تحرّقت وتآلمت كثيراً في ما يخص قضية إنتاج ألعاب داخلية جذابة و ذات معنى، و تحدثت في ذلك مع بعض المسؤولين ليتابعوا الأمر. طبعاً يبدو أنه تم في المجلس الأعلى للثورة الثقافية اتخاذ قرار في هذا الشأن و الحمد لله، و سوف تتابعون هذا القرار إن شاء الله ليجري تنفيذه. جاء أصدقاؤنا في إحدى المؤسسات الناشطة و المسؤولة و صنعوا عرائس جيدة. في البداية أثار الأمر حساسية الطرف المقابل - أي المعارضين و الأجانب - بأن هؤلاء أنتجوا هذه العرائس في مقابل باربي و ما إلى ذلك. لكن كلامهم لم يجد نفعاً. و قد قلت لهم إن الإشكال في مشروعكم هو أنكم عرضتم في الأسواق دمية ولد اسمه فلان و دمية بنت اسمها فلانة، لكن أطفالنا لا يعرفون عرائسكم هذه - لاحظوا، هذا ما نسمّيه الملاحق الثقافية - فهي عرائس ليس إلّا، في حين يعرف الأطفال رجل العنكبوت، و يعرف الأطفال بتمن (رجل الوطواط). أنتجوا عشرة أفلام أو عشرين فيلماً، و شاهد الناس هذه الأفلام، و حين يرون أن نفس تلك الشخصية التي شاهدوها في الفيلم موجودة في المحلات التجارية على شكل عرائس، سيطلب الأطفال من آبائهم و أمهاتهم أن يشتروا لهم هذه العرائس لأنهم يعرفونها. هذه هي الملاحق الثقافية. عليكم إلى جانب هذه العرائس التي تنتجونها إنتاج أفلام للأطفال لتعريف هذه العرائس، و بعد أن يجري تعريفها و ترويجها فإنهم سيشترونها بصورة طبيعية، و لكن عندما لا يجري تعريفها فلن تكون لها أسواق و سوف تصاب بالإفلاس و الخسارة، و قد أصيبت بالخسارة. يجب التدقيق في هذه الأمور. على كل حال، الغزو الثقافي حقيقة واقعة بهذا الشكل.
كتب تعليم اللغة.. تعلمون أن تعليم اللغة الإنجليزية - و خصوصاً اللغة الإنجليزية، و اللغات الأخرى بدرجات أقل بكثير - شائع اليوم بكثرة، و هم يؤسسون الكثير من مراكز و معاهد التعليم. و حين تكون هناك مراكز للتعليم و كتب للتعليم و هي كتب موضوعة بأساليب جديدة و جيدة لتعليم اللغة الإنجليزية، فإن ذلك سينقل أسلوب الحياة الغربية و أسلوب الحياة الإنجليزية. أطفالنا و أحداثنا و شبابنا سوف يقرأون هذه الكتب و لا يتعلمون اللغة فقط، بل قد ينسون تلك اللغة، لكن ما يؤثر عليهم أكثر هو التأثير و الانطباع الذي سيحمله القارئ نتيجة قراءته هذا الكتاب بخصوص أسلوب الحياة الغربية، فهذا الانطباع لا يزول. إنهم يفعلون هذه الأفعال و النشاطات.
طيّب، ما الذي ينبغي فعله مقابل هذا؟ في مقابل هذا لا بدّ من شيئين: الأول العمل و الثاني الإبداع. هذان العملان و هاتان النقطتان المهمّتان يجب أن تؤخذا بنظر الاعتبار. يجب أن نعمل و العمل يجب أن يكون إبداعياً. طبعاً مسؤولية الإذاعة و التلفزيون في هذا الخصوص ثقيلة جداً، و مسؤولية وزارة الثقافة و الإرشاد جسيمة جداً. أتخطر أنني قلتُ هذا لحضرة السيد جنتي (9)، إن من الأعمال التي يجب أن نقوم بها هو إنتاج الكتب، و ترجمة الكتب. لاحظوا ما الذي ينشر في العالم مما يجب على الشاب الإيراني أن يعرفه، قوموا بترجمته، و أنفقوا المال لتترجم هذه الأعمال. هذا ما يقوم به الآخرون أيضاً - إنني كثير الانشداد للكتب و أقرأ الكثير من الكتب، و على اطلاع واسع بسوق النشر و الجديد من الكتب - هناك أعمال تنجز و صاحب رأس المال يعطي مالاً كبيراً للمترجم لترجمة الكتاب الفلاني. سألت بعض السادة هل المترجم يراجعكم أم أنتم تراجعون المترجم؟ قال: لا، نحن نراجع المترجم. و هو على حق و صدق، فهم يجدون المترجم ليترجم الكتب. و أنتم أيضاً يجب أن تفعلوا الشيء نفسه.. ترجموا الكتب، و أنتجوا الكتب، و أنتجوا الأفلام. و الحمد لله على أن إمكانيات إنتاج الأفلام عندنا في الوقت الحاضر كبيرة. قلتُ للسيد الدكتور روحاني مؤخراً و قبل مدة وجيزة بأنني شاهدت فيلماً هو للحق و الإنصاف شبيه بمستوى الأفلام الهوليوودية من حيث الأسلوب و البناء و طراز العمل. من المهم جداً أننا في الوقت الحاضر لدينا في البلاد إمكانيات في الإعلام و الإيصال و نقل الأفكار. الأفلام أدوات جذابة، و السينما عنصر جذاب جداً، و وسيلة إعلامية ممتازة، و للحق فإنه لا يوجد اليوم شيء كالسينما في تأثيره. اعملوا على هذا الصعيد، و لتكن أعمالكم إبداعية.
و كذا الحال بالنسبة للألعاب، و كذا الحال بالنسبة للألعاب الكومبيوترية، و كذا الحال بالنسبة للدمى و العرائس.. هذه أمور ضرورية و لازمة. لقد أصبحت البندقية اللعبة الشائعة لدى أطفالنا. و الأمريكان الذين سبقونا بكثير في هذا المجال ها هم اليوم نادمون و حائرون و لا يدرون كيف يعالجون الموضوع. كان أطفالنا يعلبون ألعاباً فيها حركة و رياضة و تسلية، ثم أخذناهم إلى الإنترنت حيث لا حركة جسمية و لا حركة روحية، و جرى احتلال أذهانهم من قبل الطرف الآخر. تعالوا و أنتجوا الألعاب و أشيعوها و انشروها على غرار الألعاب القديمة التي كانت دارجة بين أطفالنا. أشيعوا هذه الأعمال و انشروها. يجب أن لا نبقى ننظر دوماً للغربيين و ما يدعمونه من الألعاب فندعم و نشيع نفس الألعاب. و لا أريد أن أتحدث حول بعض هذه الرياضات، و لكن لدينا الكثير من الأعمال و الأشياء الجيدة المحلية. و سبق أن قلت (12) إن لعبة الچوگان من ألعابنا، و قد أخذها الآخرون و سجّلوها باسمهم (13). أشيعوا هذه اللعبة و هي لعبة تراثية و جميلة و فنية. لكم أن تروّجوا هذه الأشياء حتى يتجه الشباب و الأطفال نحوها. أطفالنا - أحفادي - يعرفون أسماء لاعبي و نجوم كرة القدم على أحسن وجه، و هم يذكرون أسماءهم الواحد تلو الآخر، و هذا مشجّع لذاك و ذاك مشجّع لهذا، و الفريق الفلاني زيّه اللون الفلاني، و الفريق كذا يلبس كذا، لكنهم لا يعرفون اسم العالم الفلاني المعاصر لهم، و إذا ذكرت اسمه لا يعرفون من هو. هذه أشياء سيئة، و يجب علينا العمل في هذا المجال بجدّ.
أريد أن أقول إننا في تعاملنا مع الظواهر الهجومية يجب أن نتعرف على الظاهرة في بداية دخولها أو حتى قبل دخولها. لنفترض أن شيئاً أو فكرة أو منهجاً يشيع في العالم، و واضح أنه سوف يدخل إلى بلادنا - و العالم عالم الاتصالات و الارتباطات و لا يمكن بناء أسوار حول أنفسنا - ففكروا ما هو التعامل الحكيم مع هذه الظاهرة قبل دخولها. و ليس معنى هذا أن نرفض هذه الظواهر و الأشياء دوماً. لا.. فهناك أحياناً ظواهر نستطيع قبولها، و هناك أحياناً ظواهر نستطيع إصلاحها، و هناك أحياناً ظواهر نستطيع استكمالها بشكل يرفع مشكلاتها. التأخر في العمل و المبادرة، و التأخر في الفهم، و التأخّر في التفكير بالعلاج، سوف يسبّب لكم لاحقاً مشكلات لا تستطيعون مواجهتها. إذن، لا أقول لتكن لنا مواقفنا الدفاعية فقط - و بالطبع حين يكون هناك هجوم يجب على الإنسان الدفاع، فهذا مما لا شك فيه - و ما أوصي به ليس مجرد المواقف الدفاعية، بل يجب أن تكون لنا مواقفنا الأصلية و الهجومية و تحركاتنا الصحيحة. على كل حال أسوء الأفعال و أقبحها مقابل الثقافة المهاجمة هو الانفعال. و أكثر الأفعال خسارة هو الانفعال. الثقافة الغازية المهاجمة يجب أن لا تدفعنا نحو الانفعال. أقصى حد أن نقول: حسناً، لا نستطيع فعل شيء مقابل هذا، لكننا في الوقت نفسه لا ننفعل. الانفعال و تقبّل هجوم الأعداء خطأ يجب اجتنابه.
النقطة الخامسة التي سجّلتها هنا لأذكرها تتعلق بقضية العلم في الجامعات و مراكز البحث العلمي، و قد لاحظنا لحسن الحظ أن السيد الدكتور روحاني مهتم بها. إنها لقضية مهمة جداً قضية العلم. أولاً تقدمنا العلمي خلال هذه الأعوام العشرة أو الإثني عشر عاماً الأخير حقيقة واقعة، و البعض لم يصدقوا هذا الواقع، بل و أنكر البعض هذا الواقع. هناك شخص عزيز - و بعض الحاضرين في هذه الجلسة يعلمون من الذي أقصده، و لا أريد ذكر الاسم - في بداية ظهور هذه القضية النووية و أجهزة الطرد المركزية و ما إلى ذلك و تداولها على الألسن، كتب لي في رسالة إن هذا الكلام كذب و لا تصدقه - تحدث الرجل عن هذا الموضوع و أخال أنه تحدث أيضاً عن الخلايا الجذعية، و لا أتذكر هذه المسألة على وجه الدقة.. رسالته لا تزال بين أوراقنا - و قال إن هؤلاء الذين يأتون و يرفعون لكم التقارير لا تصدق كلامهم فهو كلام غير واقعي، و يقولون أشياء بخلاف الواقع! و قد كان هذا الشخص نفسه رجلاً عالماً و مقبولاً و موثوقاً لديّ، و أنا أحبّه، لكنه لم يكن يصدّق، و كنا نحن نصدق طبعاً، و قد تأكّد تصديقنا هذا و الحمد لله يوماً بعد يوم. و بعد عدة أعوام، عقدت هنا جلسة حضرها بعض الأعزاء الحاضرين في هذه الجلسة، و التفت إلى نفس ذلك الشخص العزيز و قال إنهم في جامعاتنا لا يرحّبون بحالات التقدم التي يحققها شبابنا، و راح يشكو بالاتجاه الآخر و يقول إن شبابنا ينجزون الكثير من الأعمال و لا من يرحّب بهم و يحتضنهم. و تذكرت كلامه الذي قاله لي قبل سنوات بأن حالات التقدم هذه كذب. لا يا سيدي.. هذا التقدم حقيقة.. فمن الحقيقة أن سرعة تقدمنا العلمي أكثر من متوسط النمو العالمي بثلاث عشرة مرة. هذا ما قاله الآخرون و المعارضون. في المجالات و القطاعات المختلفة استطاع شبابنا و الحمد لله إنجاز أعمال كبيرة و قد عملوا و تقدموا إلى الأمام. توصيتي خصوصاً لوزير التعليم العالي المحترم و وزير الصحة و العلاج المحترم هو أن لا تسمحوا بتباطؤ حركة هذه العجلة. اعملوا ما استطعتم على تنمية هذه الحركة و تسريعها و التقدم إلى الأمام.
من الأشياء التي تحول دون هذا التقدم هو تسييس الجامعات. ليتفطن السيد فرجي دانا (12) و السيد هاشمي (13) لهذا. لا تدعوا الجامعات تصبح ساحة لصولات الحركات السياسية و جولاتها. أن نتقبّل الشاب بوصفه الداينمو المحرّك للتحوّلات السياسية فهذا كلامي و رأيي. قلتُ هذا ذات مرة، و بعض الذين يتحدثون الآن عن الجامعات لاموني و قالوا إنك تحرّض الشباب و تدعوهم للهياج.. لا، أنا أؤمن بهذه القضية. الجيل الشاب في كل مجتمع هو الداينمو في حركة التحوّلات الاجتماعية و التحوّلات السياسية. و خصوصاً الشاب الجامعي. هذه هي طبيعته. هذا كلام آخر. هذا غير أن نجعل الجامعة ساحة لصولات و جولات التيارات السياسية و بعضها يعارض أصل النظام أو يعارض توجّهات النظام. يجب أن تحذروا من هذا حذراً تاماً و تحولوا دونه. و أذكر في هذا الصدد نقطة هي إن شعب إيران رفع شعار «نحن قادرون»، فلا تدعوا هذه الـ «نحن قادرون» تتبدّل إلى عكسها. قالوا إننا نستطيع الارتقاء إلى القمم العلمية الرفيعة، و نستطيع أن نكون مرجعية علمية عالمية، و نستطيع إنقاذ أنفسنا من المهانة العلمية، و قد أنقذوا أنفسهم اليوم، و راح أعداؤنا و معارضونا يعترفون بأن إيران توفرت على العلم، لا في المجال النووي و حسب، بل في مجالات أخرى هم يعترفون بها. هذه الـ «نحن قادرون» التي تتفاعل في أرواح الشباب الإيراني لا تسمحوا بزوالها. قولوا أنتم أيضاً نحن قادرون و تابعوا هذا الشعار. نحن قادرون على إقامة الحضارة الإسلامية الحديثة و تشييد عالم زاخر بالمعنوية و يسير إلى الأمام بمعونة المعنوية و هدايتها. نحن قادرون على القيام بهذه الأعمال و سنقوم بها بتوفيق من الله.
النقطة السادسة التي سجّلتها هنا هي حول قضية اللغة الفارسية. أنا قلق كثيراً على اللغة الفارسية.. قلق جداً. لقد عملنا قبل سنين في هذا المجال و بادرنا و جمعنا أشخاصاً حول بعضهم. و أرى أنه لا يصار لعمل شيء صحيح في هذا المجال، و الهجمات على اللغة الفارسية كثيرة. إنهم يستخدمون المفردات الأجنبية بشكل منفلت. يستحي الشخص من أن لا يستخدم التعبير الأجنبي و يستخدم بدلاً عنه التعبير الفارسي أو العربي.. يستحي و يشعر بالعار. هذا شيء سيّئ جداً. هذا جانب من جوانب الثقافة العامة يجب محاربته. أيها الأصدقاء.. ذات يوم كانت اللغة الفارسية لغة العلم من القسطنطينية و اسطنبول إلى شبه القارة الهندية. هذا ما أقوله عن اطلاع. في الآستانة (14) - مركز الحكم العثماني - كانت الفارسية اللغة الرسمية لفترة طويلة من الزمن. و في شبه القارة الهندية كانت أبرز الشخصيات تتحدث باللغة الفارسية. و عندما وفد الإنجليز إلى شبه القارة الهندية كان مما قاموا به منع اللغة الفارسية، فقد حالوا دون انتشار اللغة الفارسية بأنواع الحيل و المكر الخاصة بالإنجليز. بالطبع لا تزال اللغة الفارسية شائعة هناك و لها عشاقها و طلابها، و هناك في الهند - و قد ذهبت إلى هناك و شاهدت، و التقيت بالبعض ممن زاروا إيران - من يعشقون اللغة الفارسية و يحبّونها.
و نحن هنا في مركز اللغة الفارسية نسير باتجاه نسيان اللغة الفارسية، و لا نفعل شيئاً لتعزيزها و تعميقها و نشرها و الحؤول دون تغلغل المفردات الأجنبية إليها. تدريجياً راحوا يستخدمون في لغتنا تعابير - و تظهر أشياء جديدة في كل يوم - لم نسمع بها. أحياناً يأتون و يقولون كلمة فأقول إنني لا أفهم معنى هذه الكلمة، فما هو معناها؟ و حين يذكرون المعنى نعلم لتوّنا بمجيئ هذه الكلمة. و قد انسحب هذا شيئاً فشيئاً إلى مختلف شرائح الناس و طبقاتهم، و هذا شيء خطير. يكتبون الاسم الفارسي بالخط اللاتيني! لماذا؟ من يريد قراءة هذه الكلمة؟ شخص لغته فارسية أم شخص لغته أجنبية؟ اسم فارسي بحروف لاتينية! أو أسماء أجنبية على منتجات داخلية إيرانية و قد جاءوني بصورها! و ما الداعي لأن نفعل هذا؟ نعم، تارة تكون لديكم بضاعة للتصدير، يمكن إلى جانب الاسم الفارسي - و يجب أن يكون هناك الاسم الفارسي، و لا ينبغي أبداً إلغاء اللغة الفارسية من على منتجاتنا - وضع الكلمات الأجنبية باللغة التي يراد تصدير البضاعة إلى البلدان الناطقة بها. لكن بالنسبة للبضاعة التي تنتج في الداخل و تستهلك في الداخل، ما الضرورة لذلك؟ ما الضرورة لكتابة تعابير أجنبية على حقائب أطفال المدارس في الإبتدائية؟ و كذا الحال بالنسبة للألعاب.. أنا أتعجب حقاً. هذه من الأمور التي تتحمّلون بشأنها مسؤوليات كبيرة. و لديّ طبعاً أمثلة على استخدام اللغة الفارسية لا أريد ذكرها، من قبيل أسماء الشركات و أسماء المنتجات و أسماء المحال التجارية! و هكذا تترى التعابير الأجنبية و خصوصاً الإنجليزية من هذا القبيل. إنني أشعر بالخطر من هذا و من الضروري بالنسبة للسادة في المجلس الأعلى للثورة الثقافية أن يتابعوا هذه القضية بجدّ، و أن تتصدى الحكومة لهذه المسألة باهتمام. و ليس معنى التصدي و المواجهة التعامل بطريقة شديدة فوراً و منذ يوم غد. تعاملوا مع القضية و لكن بطريقة حكيمة.. انظروا ما الذي تسطيعون فعله للحيلولة دون ذلك.. هذه أيضاً نقطة من النقاط.
و قضية العلوم الإنسانية بدورها قضية أخرى على جانب كبير من الأهمية. طبعاً رفع لي السيد الدكتور حداد - و يبدو أنه غير حاضر في جلسة اليوم - تقريراً مفصلاً و جيداً عن الأعمال التي جرت في الهيئة المسؤول هو عنها بخصوص العلوم الإنسانية (15)، و قد كان بعض الأعزاء عاتبين على عدم وجود منتجات و جدوى لهذا العمل، و يشتكون من ذلك، و هذا ما ينبغي أن يُطرح في جلسات المجلس. اعتقد أن أهم الأعمال هو تدوين الأساس العلمي و الفلسفي للتحوّل في العلوم الإنسانية. هذه هي المهمة الأساسية و العمل الأول الذي يجب أن يتمّ و يُنجز.
النقطة الأخيرة تتعلق بالآفات الاجتماعية و أسبابها الثقافية. لقد أشرتُ لقضايا الطلاق و المخدرات و الفساد المالي و الجرائم. و من تأثيرات الغزو الثقافي للأعداء زيادة السرقات المسلحة من البنوك. هذا ما شاهدناه بداية في الأفلام السينمائية - و المسألة هنا جديرة بملاحظة حضرة السيد ضرغامي - (16) حيث يهجمون، و راحت نفس هذه العمليات و الأمور تحدث هنا، و هم يتعلمون بالتالي. يجب أن نعلم ما الذي نفعله. أي يجب أن نفهم هذه الآفات بشكل حقيقي. و كذا الحال بالنسبة لقضية السكان. من الأخطار التي حين يفكر الإنسان بأعماقها ترتعد فرائصه هي قضية السكان هذه. و أتخطّر أنني ذكرت نقطة مختصرة للسيد الدكتور هاشمي (17) و تحدثت بالتفصيل مع السيد الدكتور روحاني. خذوا قضية السكان مأخذ الجدّ، فنسبة الشباب في البلاد آخذة بالتناقص، و سوف تصل الأمور إلى محطات لا يمكن معها علاج المشكلة. أي إن قضية السكان ليست من القضايا التي يمكن أن نقول بشأنها إننا سنفكر فيها بعد عشرة أعوام.. لا.. إذا مضت عدة سنوات و شاخت الأجيال فلن يعود بالإمكان معالجة المشكلة. نتمنى لكم التوفيق و التأييد إن شاء الله، و حفظكم الله جميعاً و أبقاكم، و سوف يكون هناك اهتمام بهذا الذي قلناه إن شاء الله.
و نحيّي ذكرى المرحوم السيد الدكتور حبيبي الذي شارك في المرة السابقة حينما اجتمعنا هنا رغم أنه كان مريضاً و يعاني وعكة صحية، و قد شكرتُه على مشاركته. حفظكم الله تعالى، و يجب أن تعرفوا معرفة حقيقية قدر هؤلاء الفضلاء و النخبة المجتمعين هنا و الطاقات الشابة الموجودة بينكم، فوجودهم مغتنم و ثمين حقاً، و هم يتمتعون و الحمد لله بحيوية الشباب و الطاقات و الإبداعات الشبابية.
و السّلام و عليكم و رحمة الله.‌

الهوامش:
1 - السيدة كبرى خزعلي.
2 - إشارة رئيس الجمهورية لتأكيد قائد الثورة بشأن إعداد ملاحق ثقافية للمشاريع المهمة.
3 - من ذلك تبليغ السياسات العامة للخطة الخمسية الخامسة في إطار ميثاق الأفق العشريني بتاريخ 10/01/2009 م.
4 - إشارة رئيس الجمهورية لحاجة المجلس الأعلى للثورة الثقافية إلى قسم للإشراف على الشؤون الثقافية.
5 - تبليغ السياسات الكلية للمادة 44 من الدستور الإيراني بتاريخ 23/05/2005 م.
6 - من ذلك كلامه بتاريخ 19/08/1983 م.
7 - إشارة رئيس الجمهورية لضرورة مشاركة جماهير الشعب في القضية الثقافية.
8 - رسالة الإمام الخميني (رض) لرئيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية حول تنفيذ قرارات هذا المجلس بتاريخ 25/02/1985 م.
9 - وزير الثقافة و الإرشاد الإسلامي.
10 - من ذلك كلامه بتاريخ 28/12/1996 م.
11 - إشارة إلى تسجيل لعبة الچوگان باسم جمهورية آذربيجان في شهر آذر من العام الإيراني الجاري 1392 هـ ش (ديسمبر 2013 م) في لجنة التراث اللامادي بمنظمة اليونسكو.
12 - وزير العلوم و البحث و العلمي و التقنية (التعليم العالي).
13 - وزير الصحة و العلاج و التعليم الطبي.
14 - لقب مدينة اسطنبول في الزمن العثماني.
15 - تأسست شوري تطوير و رقي العلوم الإنسانية بتاريخ 13/10/2009 م تحت إشراف المجلس الأعلى للثورة الثقافية.
16 - رئيس مؤسسة الإذاعة و التلفزيون الحاضر في هذه الجلسة.
17 - وزير الصحة و العلاج و التعليم الطبي.