نُشر في صباح يوم الخميس 02/01/2014 م في مصلى مدينة ساري مركز محافظة مازندران شمال البلاد نص كلمة سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في لقائه أعضاء اللجنة المسؤولة عن إقامة مهرجان تكريم مكانة عشرة آلاف شهيد من هذه المحافظة (1)، و كان هذا اللقاء قد انعقد بتاريخ الإثنين 16/12/2013 م. في ما يلي ترجمة نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أتقدم بالشكر من صميم قلبي للإخوة الأعزاء على ما أبدوه من همّة لتكريم مكانة الذين يعتبرون للحق و الإنصاف متقدمين على الناس في عصرنا، أي الشهداء و المجاهدين. هذه العملية بحد ذاتها عمل قيم جداً.. تكريم مكانة الشهداء و إحياء أسمائهم، و التحقيق و البحث حول أعمالهم و بطولاتهم، و إنتاج الآثار المكتوبة و التصويرية و الصوتية و ما إلى ذلك عن حيواتهم و أعمالهم و جهادهم.. هذه أعمال و إنجازات قيمة جداً. و هذه اللائحة التي عرضها الآمر المحترم (2) حول الأعمال التي من المفترض أن تتم في هذا المهرجان، لهي لائحة جيدة تمثلاً أعمالاً جيدة جداً، و لكن تفطنوا إلى أنه ينبغي القيام بالأعمال بصورة عميقة، بمعنى أن لا تكون القضية مجرد تأمين عنوان، بل ليكن العمل عميقاً تماماً و بروية و دقة و بطريقة فنية من ناحية و روح بحثية علمية من ناحية أخرى حتى يكون عملاً باقياً مؤثراً. إذن، العمل عمل جيد جداً، و له قيمته العالية. و طبعاً أنا على اطلاع بأن المازندرانيين أقاموا لحد الآن تجمعات و مهرجانات كثيرة للشهداء من مختلف أنحاء المحافظة و بطريقة عفوية تلقائية و شعبية، و هذه أعمال لها قيمة كبيرة جداً، و عملكم هذا بدوره عمل جمعي كبير مهم، نتمنى لكم فيه التوفيق إن شاء الله.
ملحمة الدفاع المقدس فضلاً عن أنها كانت اختباراً كبيراً لشعب إيران، فقد كانت اختباراً لظهور المواهب.. مواهب الأشخاص و مواهب المناطق المختلفة في البلاد. حول مواهب الأشخاص أرى أن هناك نقطة مهمة و جدير بالاهتمام، لكنها لا تؤخذ بنظر الاعتبار، أي لشدة وضوحها يُغفل عنها و تبقى خافية، و هي إن الدفاع المقدس كان وسيلة لظهور و تفجر المواهب المكنونة داخل الأفراد بشكل عجيب. حرس الثورة مثلاً، تلاحظون أن شاباً يدخل ساحة الحرب و هو لا يعرف شيئاً عن القضايا العسكرية، و بعد سنة أو سنة و نصف يصبح استراتيجياً عسكرياً.. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. طيّب، إنكم حين تنظرون الآن لأحوال الشهداء و القادة و الآمرين الكبار و أمثالهم، خذوا مثلاً الشهيد حسن باقري، لقد كان بلا شك مخططاً حربياً. و كل من ينكر هذه القضية فهو غير مطلع، و إلّا فمن يطلع على الأمور سيرى أن ذلك الشاب الذي لم يكن يتجاوز عمره عشرين و نيفاً من السنين كان مخططاً حربياً. متى؟ في سنة 1361 [1982 م]. و متى دخل ساحة الحرب؟ في سنة 1359 [1980 م]. هذه هي المسيرة ما بين جندي صفر إلى استراتيجي عسكري.. مسيرة تطول عادة عشرين سنة أو خمساً و عشرين سنة قطعها هذا الشاب خلال سنتين! هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية.
أو لنفترض مثلاً القائد الحربي الفلاني - و لنذكر المثال من الشهداء و الماضين، و الأحياء كثر أيضاً، من قبيل سيدنا العزيز مرتضى (3) الجالس هنا و آخرين، و كلهم من هذا القبيل - الشهيد باكري.. لقد كان في بداية الحرب شاباً جامعياً تخرّج لتوّه، و قضى عدة أشهر أو فترة معينة في المعسكرات، ثم خرج إطاعة لأمر الإمام الخميني الذي أمر بالخروج من المعسكرات.. هكذا كان حال الشهيد باكري في شهر مهر من سنة 59 [تشرين الأول 1980 م]. ثم انظروا له بعد ذلك في عمليات بيت المقدس، و عمليات خيبر، و قبل ذلك في عمليات الفتح المبين، حيث ظهر ذلك الشاب كقائد و آمر عسكري بارع يستطيع تحريك فرقة كاملة أو مقر كامل في بعض الأحيان و توجيهه. أليس هذا بعجيب؟ أليست هذه معجزة؟ إنها معجزة الثورة. هذا بخصوص ظهور الشخصيات، و الكلام في هذا الشأن كثير، و لكن قلنا إن هذه الأمور لشدة وضوحها يُغفل عنها، و لا ينتبه أحد إلى مَن كان أولئك؟ و ماذا كانوا؟ شاب في السابعة أو الثامنة و العشرين أو في الثلاثين على الأكثر عند استشهاده، و في ذروة القدرات العسكرية للإنسان، من أين بدأ هذا حتى وصل إلى هذا الموقع؟ و في أي مدة من الزمن وصل لما وصل إليه؟ هذا شيء مهم جداً.
الدليل على مهارتهم و عظمة أعمالهم هو أن خبراءنا العسكريين و الإخوة الذين كانوا في الجيش و عملوا هناك لسنين طويلة - و كانوا يتعاونون مع بعض في التخطيط للعمليات، من قبيل عمليات الفتح المبين و بيت المقدس و خيبر و غيرها - كلهم كانوا يؤيدون أفكارهم و يصدقونها و يشهدون لها. و الدليل الأوضح هو أنهم استطاعوا محاصرة جيش مجهز مدعوم من قبل القوى الكبرى بكل ما كان له من معدّات و تجهيزات في عمليات عجيبة جداً، و إلى درجة أثارت حيرة حتى قادة ذلك الجيش. في عمليات الفتح المبين مثلاً أدّت تخطيطات هذه القوات الشابة إلى أن يشعر العدو فجأة في تلك الصحراء الهائلة التي كان قد ملأها بقواته، و قد شاهدت بنفسي في زمن الحرب تلك الصحراء من الجوّ و انتشار قوات العدو فيها و كيف كانوا يستولون على كل تلك الصحراء في دشت عباس و هنا و هناك، شعر العدو فجأة أن هذه القوات التي أمامه و هو منهمك في قتالها، تهاجمه من ورائه! أليس هذا بالأمر المهم؟ و هل هذا بالشيء الصغير؟ أليست هذه الحركة العظيمة جديرة بأن تكون موضوعاً للأعمال و الأفكار و البحوث و الآثار الفنية؟ هل هذا بالهزل؟ أو في عمليات بيت المقدس، فجأة تشعر فرقتان أو ثلاث فرق للعدو مدجّجة بالسلاح أنها محاصرة، و تتعرض للهجوم في صحراء خوزستان من الشمال و من الشرق و من هذا الجانب و من ذاك الجانب. إذن، تجلت أهمية و صحة تخطيطات شبابنا و مواهبهم الممتازة هنا أيضاً أي مقابل جيش مدجج بالسلاح و قوات مسلحة مجهزة من كل النواحي و فيهم جنرالات متمرسون و قدماء و ضباط بارزون كما يسمّونهم، و يحظون بالدعم و المساعدة من قبل أعدائنا على المستوى العالمي، و تصدر لهم الأوامر و التوجيهات منهم، و يُعلّمون الأساليب المناسبة، و حتى التكتيكات، مثل هذا الجيش الكبير يبقى يتخبّط أمام تخطيطات شبابنا و يسقط في يده و يُهزم. على ماذا يدل هذا؟ إنه يدل على أن الأمر و العمل هنا كان يمتاز بمثل هذه العظمة و الأهمية. إذن، لقد برزت هذه المواهب و الطاقات و ظهرت إلى النور.. هذا في ما يتعلق بالأشخاص.
و كذا الحال بالنسبة للمناطق. و الآن أقول بمناسبة تكريم شهداء مازندران: إن مازندران خرجت و الحق يقال مرفوعة الرأس من امتحان الحرب المفروضة. لمازندران أكثر من عشرة آلاف شهيد، و السادة يذكرون الرقم من دون تفاصيله فيقولون إنهم عشرة آلاف شهيد، بينما هم أكثر من عشرة آلاف. فما معنى هذا العدد من الشهداء؟ و كم توجّه هؤلاء للجبهات؟ و كم توجّهوا للجبهات بصورة مكررة ثم عادوا ثم توجّهوا للجبهات ثانية؟ و كم بقوا هناك بحيث قدموا طوال ثمانية أعوام أكثر من عشرة آلاف شهيد؟ و هناك شهداء معروفون، و لكن هناك أيضاً شهداء غير معروفين و هم أيضاً من أصحاب المواهب التي أشرنا لها. لقد شاهدتُ في ذلك الحين فرقة كربلاء 25 ، و لم يكن الأمر طبعاً مقتصراً على فرقة كربلاء 25 ، فقد كانت هناك أيضاً فرقة گرگان 30 و وحدات أخرى من أهالي مازندران، لكن القوة الأهم كانت فرقة كربلاء 25 ، و قد شاهدنا عن كثب هذه الفرقة و أعمالها، و سمعنا عنها، و قد نهض هؤلاء بأعمال كبيرة في الحرب، و قد ضحّى أهالي مازندران تضحية حقيقية و بعثوا شبابهم إلى الجبهات بكل إخلاص، و سار هؤلاء الشباب فقاوموا و صمدوا، و استطاعوا إنجاز مهمات و أعمال كبيرة في العمليات المختلفة التي ذكروها (4) .
و كذا الحال في مجالات أخرى غير ملحمة الدفاع المقدس. في قضية آمل نفسها حيث أبدى أهالي آمل تحرّكاً شعبياً عجيباً (5) ، و أنْ يذكر الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) أهالي آمل في وصيته فهذا دليل على عظمة ما قاموا به بكل شرائحهم حتى النساء منهم.الفتاة ذات الأربعة عشر أو الخمسة عشر ربيعاً تتوجّه في قضية آمل إلى الحرب و تستشهد. (6) و بالطبع فإن بطولات و سوابق أهالي آمل كثيرة، و قد قلت مراراً إنه منذ العهود القديمة كانت منطقة طبرستان هذه و منطقة ما وراء هذه الجبال الشاهقة.. حيث لم يكن بوسع قوات الخلفاء أن يعبروا هذه الجبال، فكان الفارّون من جورهم من آل الرسول (ص) و الشباب الذين يتعرضون للضغوط في المدينة و الكوفة و مناطق العراق و الحجاز يهربون هم و نساؤهم و أطفالهم و يوصلون أنفسهم إلى الطرف الآخر الذي لا تستطيع القوات المسلحة آنذاك الوصول إليه. لذلك كان أهالي مازندران منذ أن دخلوا في الإسلام من أتباع أهل البيت (ع) أي إن إسلامهم منذ البداية كان مصحوباً باتباع أهل البيت (عليهم السلام). لقد قاموا بمثل هذا العمل العظيم. و حتى بعد ذلك عندما أراد بعض السادة الزيديين و المقاتلين من أتباع المذهب الزيدي أن يقوموا ببعض التحركات في اليمن، سار البعض من مازندران لمساعدتهم و استطاعوا إقامة حكومة علوية و زيدية في اليمن خلال القرون الإسلامية الأولى. القصد أن مفاخر أهالي مازندران ليست قليلة أو معدودة. و بعد ذلك في مجال البناء تولّى أهالي مازندران إعادة بناء مدينة سوسنگرد، و قاموا بإعادة البناء قبل غيرهم و أنهوا العمل و سلّموه، أي إنهم قاموا بعمل كبير و مميز في مجال البناء. و إلى الآن لا زال أهالي مازندران أوفياء و الحمد لله، على الرغم من أن أعداء الإسلام و عملاء أجهزة الطاغوت عملوا الكثير خلال عهد الحكم الطاغوتي ضد الدين و العفاف و المعنوية - سواء من الناحية الأخلاقية أو من الناحية السلوكية أو من الناحية العقيدية - في هذه المحافظة، لكن أهاليها حافظوا على إيمانهم و عبّروا عن هذا الإيمان بهذه الصورة في فترات مختلفة. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً لتستطيعوا أن تتقدموا بهذا العمل الكبير و أعمال كبيرة أخرى من هذا القبيل على أحسن وجه.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌

الهوامش:
1 - أقيم هذا المهرجان في يوم الخميس الثاني من كانون الثاني 2014 م.
2 - إشارة اللواء السيد محمد تقي شاهچراغي ( أمين عام المهرجان) إلى البرامج التالية: البحث و تجميع آثار الشهداء و المضحّين في أربعة أطر هي: البحث في العمليات، و البحث في الشهداء، و التاريخ الشفهي، و الذكريات الشفهية، و نشر صحيفة مهرجان الشهداء بعنوان «الأخضر الأحمر»، و إطلاق موقع إعلامي إنترنتي بعنوان «الحرب و الكنز»، و دعم المواقع الالكترونية المماثلة، و تعليم رواة ملاحم الحرب، و إقامة ملتقيات، و اللقاء بعوائل الشهداء، و إنتاج برامج تلفزيونية و إذاعية، و بناء و إحياء الأبنية الخاصة بذكريات الدفاع المقدس، و المتحف - المنتزة الخاص بالدفاع المقدس في مازندران.
3 - اللواء الأمير مرتضى قرباني.
4 - أمين عام المهرجان
5 - في صباح يوم السادس من بهمن سنة 1360 هـ ش 26/01/1982 م و بهدف إطلاق انتفاضة عامة احتل جماعة من الشيوعيين مدينة آمل، لكن الأهالي المضحين في هذه المدينة جابهوهم مجابهة مسلحة في النفس اليوم و انتهوا الفتنة في عصر نفس اليوم.
6 - الشهيدة طاهرة هاشمي.
7 - أمين عام المهرجان.