بسم الله الرحمن الرحيم (1)

أولاً أرحب بكافة الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين قطعتم هذا الطريق الطويل، و نوّرتم حسينيتنا (2) اليوم بحضوركم و بإخلاصكم و بالمعنويات المعهودة و الحمد لله عن أهالي آذربيجان و تبريز الأعزاء؛ أشكركم على ذلك، و أخصّ بالذكر عوائل الشهداء و المضحّين العزيزة و العلماء و المسؤولين المحترمين. للحق أن يوم التاسع و العشرين من بهمن من كل سنة يوم مبارك بالنسبة لنا. أن نوفّق للقاء جمع من الشباب الأعزاء و الناس الأعزة و جماعة من الأهالي الغيارى المؤمنين و الخارجين مرفوعي الرؤوس من الاختبارات على امتداد فترة طويلة من تاريخ بلادنا في مثل هذا اليوم في هذه الحسينية فهذا شيء يبعث الارتياح في نفسي حقاً، و اعتبر هذا اليوم يوماً مباركاً بالمعنى الواقعي للكلمة. الحمد لله على أن الجلسة هذه جلسة زاخرة بالحماس و الحيوية و المضامين. كما ذكروا في هذا النشيد الجميل «آماده جوانلار، آزاده جوانلار» (3) فأنا أيضاً أصدق هذا الشيء و أشهد به. كانت هناك عبارة في نشيدكم هذا تقول «شيطان بيزه ال تاپماز» (4). هذا هو الواقع فعلاً و بلا شك. ما يتذكره الإنسان عن سوابق آذربيجان و تبريز و الأحداث المتنوعة و المنعطفات العجيبة الغربية يعضّد و يعزّز كله هذا المعنى. و أتقدم بالشكر الحقيقي لحضرة الشيخ شبستري، فوجوده بالنسبة لتبريز بركة و نعمة، و يقيناً أن محور وجود رجل دين ملتزم و صاحب بصيرة و يعرف قدر الطاقات الثورية هو فرصة و غنيمة بالنسبة لأية مدينة و خصوصاً مدينة مثل تبريز و محافظة مثل آذربيجان. نتمنى أن يُنتفع من هذه الفرصة إن شاء الله.
لقد ذكرتُ لحد الآن الكثير من مناقب آذربيجان و تبريز، و أنا اعتقد بها من أعماق الروح. أقول هنا فقط إن أهالي آذربيجان و تبريز أثبتوا أنهم رواد، و كذلك خبراء بالظرف، و يتصرفون في الوقت المناسب، و هم كذلك شجعان و بسلاء، و لا يهابون المشكلات، أضف إلى ذلك أنهم أصحاب إيمان بالمعنى الحقيقي للكلمة. هذه حقائق. هذا ما يعترف به كل مطلع على تاريخ آذربيجان، سواء في أحداث الثورة الدستورية في إيران، أو قبل ذلك في حادثة تحريم التنباك و مجابهة الشركة الإنجليزية، أو بعد ذلك في أحداث النهضة الوطنية و الأحداث الأخيرة، و بعد عقد العشرينيات - أي في سنوات 30 و 31 [ 1951 و 1952 م ] - أو في أحداث النهضة الإسلامية، أو في انتصار الثورة الإسلامية، في كل هذه الأحداث عندما ننظر نجد أن آذربيجان و تبريز تصرفت في الوقت المناسب، و خاضت غمار الساحة قبل الآخرىن، و كانت رائدة، و أبدت شجاعة و بسالة، و جعل شيبها و شبانها و رجالها و نساؤها الإيمان الإسلامي و الديني معيارهم بالمعنى الحقيقي للكلمة. و هكذا كان الحال بعد انتصار الثورة و إلى يومنا هذا، حيث فترة ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، و لواء عاشوراء الحافل بالمفاخر و الأمجاد و القادة المعنويون الإلهيون الكبار من قبيل الشهيد باكري، و الأحداث و المحطات الأخرى بعد ذلك إلى يومنا هذا. و يوم التاسع من دي سنة 1388 هـ ش [30 كانون الأول 2009 م] كان في تبريز يوم الثامن من دي، بينما كان في كل مكان من البلاد يوم التاسع من دي. هذه أمور لها معانيها و تدلّ على شيء، و هي علامات و رموز. لا نقول هذا لكي تفرحوا، إنما نقوله ليتضح أن هذه البقعة من بلادنا لديها هذه الطاقات و الإمكانيات الهائلة. و لا يزال أمام هذا النظام و هذه الثورة طريق طويل، و يمكن لكل هذه الخصوصيات أن تستخدم في اجتياز هذه المسيرة الطويلة.
مشاركة الناس في التاسع و العشرين من بهمن سنة 56 تشبه ما قام به الإمام السجاد (عليه السلام) و سيدتنا زينب الكبرى (ع) حيث لم يسمحا بنسيان حادثة عاشوراء. لم يسمح أهالي تبريز في التاسع و العشرين من بهمن ببقاء الأعباء ملقاة على الأرض بل حملوها، و إلّا كان المقرر أن تُدفع مذبحة أهالي قم و مشاركتهم و كل شيء إلى مطاوي النسيان، لكن التبريزيين لم يسمحوا بذلك. أنا لا أنسى أن أخباراً في تلك الأيام كانت تصل عن أن الجهاز الطاغوتي المتجبّر الحاكم بعث شخصياته العسكرية البارزة إلى تبريز من أجل الحيلولة دون مشاركة الناس، لكن الجماهير خلقت انتفاضة التاسع و العشرين من بهمن، و لا يزال هذا اليوم حياً إلى الوقت الحاضر. و أنا أصرّ على اللقاء بكم في هذا اليوم لأهمية هذه الذكرى.
كانت ميزة الإمام الخميني أنه سلّم الأعمال للناس، و الساحة للناس، و المبادرة للناس. كانت هذه ميزة الإمام الخميني الجليل. أعطى الساحة و المجال لأصحاب العمل، فالبلد له أصحابه. في عهد الطاغوت كانوا يقولون إن البلد له صاحبه. من هو صاحب البلد؟ الشاه، و الحال أنه كان طفيلياً و عبئاً و زائداً على البلد، و ليس صاحب البلد. صاحب البلد هو الشعب، نعم، البلد له صاحبه، فمن هو صاحب البلد؟ إنه الشعب. عندما تُعطى الأعمال للناس أنفسهم - و هم أصحاب البلد و أصحاب المستقبل - عندئذ سوف تنتظم الأمور و تترتب. يجب أن تكون تدابير المسؤولين في أية فترة من عهد الجمهورية الإسلامية أن يمنحوا الأعمال و الأمور للناس بتدبير و برمجة و تخطيط و بملاحظة كل الدقائق و الظرائف. عندئذ سوف تتقدم الأمور إلى الأمام. إننا منذ بداية الثورة و إلى اليوم متى ما سلمنا أمراً إلى الناس تقدم ذلك الأمر إلى الأمام. و متى ما حصرنا أمراً في يد المسؤولين و الرؤساء و أمثالهم بقي ذلك الأمر متوقفاً في مكانه. لا نقول إنه بقي متوقفاً دائماً لكنه غالباً ما بقي متوقفاً أو سار ببطء. إذا لم يتوقف فقد سار ببطء. أما إذا أوكلت الأمور و الأعمال للناس فإنهم سيتقدمون بها على نحو جيد.
و هذه الحالة لا تختص بنا. يجب أن أقول إن هذه الحالة لا تختص بنا نحن الإيرانيين. في أي مكان إذا أوكل الأمر للناس و الجماهير و كان الناس أصحاب هدف - و ليس أناساً غير ذوي هدف و تائهين في أمور الحياة و منهمكين في مشكلاتهم الشخصية اليومية - حينما توكل أية أعمال أو أمور، حتى أصعب الأعمال من قبيل المهمات العسكرية و الأمنية، إلى الناس و الشعب، حينما تكون الساحة بيد الشعب سوف تتقدم الأمور و تنجز. لاحظوا الآن في غضون أقل من عشرة أعوام كم مرة انتصرت المقاومة اللبنانية على الجيش الصهيوني الجرار. المقاومة اللبنانية أولاً و من ثم المقاومة الفلسطينية. في البداية طردت المقاومة اللبنانية الصهاينة من جنوب لبنان، ثم مرّغت أنف الصهاينة بالتراب في حرب الثلاثة و ثلاثين يوماً. لقد ساعدت أمريكا الصهاينة، و ساعدهم الخونة الداخليون، لكن قوات المقاومة - و هي قوات شعبية و ذات إيمان و ذات هدف و تفهم ما الذي تفعله - استطاعت الانتصار عليهم جميعاً. و في الآونة الأخيرة وجّهت قوات المقاومة ضربة فذة للجيش الصهيوني و لا تزال القضية ساخنة تجري بها الألسن، و لم تنس. و كذا الحال بالنسبة للمقاومة الفلسطينية في حرب الإثنين و عشرين يوماً و في حرب الأيام الثمانية و في حرب الواحد و خمسين يوماً في رمضان الماضي في الصيف المنصرم. مجموعة من الناس القليلي القوة و المقدرة و القليلي السلاح و في بقعة صغيرة من الأرض استطاعوا؛ لأن الناس كانوا ملتزمين و لأن الجماهير كانوا هم السند و الدعامة، استطاعت المقاومة الفلسطينية إذلال القوة الصهيونية الجرارة و دحرها إلى درجة راحت تتوسل و تطلب وقف إطلاق النار. و قد لاحظتم الأحداث الأخيرة في العراق، حيث وصل الذين تحرّضهم أمريكا و الصهيونية و الآخرون إلى ما خلف بوابة بغداد، فاستطاعت القوات الشعبية المجاهدة في العراق بدعمها للجيش في ذلك البلد أن توجّه ضربة لهذه القوات التي تسمّى داعش. و كذا الحال في سورية حيث هبّت القوات الشعبية لمساعدة جيشهم. هكذا هم الجماهير، حيثما أوكلت الساحة للشعب فإن الحوافز الشعبية و الطاقات الشعبية الكثيرة المتنوعة سوف تعالج الأمور و تتقدم بها إلى الأمام. و من علامات ذلك ذكرى الثاني و العشرين من بهمن.
إن لساني لقاصر حقاً عن تقديم الشكر لشعبنا العزيز، لشعب إيران الكبير، و وصف مشاركته هذه السنة في قضية الثاني و العشرين من بهمن. في التقارير الدقيقة التي رفعوها لي، و هذه التقارير دقيقة، في غالبية مراكز المحافظات و هي غالبية قريبة من الكل - و قد كانت هناك تظاهرات في ألف مدينة، طبق حساباتهم في أغلبية مراكز المحافظات و هي أغلبية قريبة من الكل - كان عدد المتظاهرين هذه السنة أكثر من السنة الماضية. في أغلبية قريبة من الكل. في بعض المدن حضر الناس في المظاهرات في جوّ بارد و تحت الثلوج و الأمطار. في أماكن مثل أهواز حضر الناس في المظاهرات وسط عواصف الأتربة، فهل هذا بالهزل؟ مضت 36 سنة على الثورة، فأيّ مكان من العالم تقام ذكرى الثورة من قبل الجماهير و بهذه العظمة و الجلال؟ هذا بسبب أن الأمور في أيدي الجماهير. نظرة الثورة و النظام في قضية الثاني و العشرين من بهمن و إحياء مراسم الثورة موجّهة نحو الجماهير؛ و الأمور تحال إلى الناس، فيتحرك الناس بهذا الشكل. هذه قاعدة كلية. في أية قضية من قضايا البلاد الكبيرة و الصغيرة سجّل الشعب مشاركته شهدنا هذه المعجزة.
أريد اليوم أن أتحدث عن اقتصاد البلاد بعض الشيء. إنني أشدد منذ سنوات في بداية كل عام على الشؤون الاقتصادية. هذا البلد بلد كبير و واسع و فيه عدد كبير من السكان. السوق الداخلية لهذا البلد سوق بأكثر من سبعين مليون نسمة، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية و العظمة. انظروا إلى إمكانياتنا و قدراتنا، سواء إمكانياتنا الإنسانية - جموع الشباب الهائلة في هذا البلد، و المتخصصون المتحفزون و المتحمسون المستعدون للعمل - أو الثروات الطبيعية في هذا البلد، و لكن مع ذلك لدينا مشكلات اقتصادية؛ فأين تكمن المشكلة؟ و ما هو سبيل الحل و العلاج؟ ما الذي ينبغي القيام به؟
أقولها لكم بصراحة: بعد انتهاء الحرب، أي منذ سنة 67 [1988 م] حيث انتهت ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، كانت هناك مخططات عامة للقوى الاستكبارية من أجل أن لا يسمحوا لإيران الإسلامية بالتحول إلى قوة اقتصادية مؤثرة في المنطقة. حاولوا العمل في هذا الاتجاه. عندما انتهت الحرب بدأنا التخطيط و البرمجة في الشؤون الاقتصادية و من أجل التقدم. انهمكنا في البرمجة، و هم أدركوا إنهم إذا لم يمنعوا إيران و إذا لم يمارسوا العرقلة و الإخلال و التدخل و المضايقة في عملنا فإن إيران الإسلامية بقدراتها - و قد كانت ظلال الكيان الشريف للإمام الخميني الجليل في ذلك الحين فوق رؤوسنا، و كان على قيد حياته المباركة - و بالاعتماد على الإسلام و بالتوكّؤ على الشعب ستتحول إلى قطب اقتصادي في المنطقة و تترك تأثيراتها على اقتصاد المنطقة و الاقتصاد الدولي، لذلك جرت البرمجة و التخطيط لكي يمنعوا ذلك. و هذا لا علاقة له بالملف النووي، بل هو سابق للملف النووي - الملف النووي مطروح منذ نحو عشرة أعوام أو إثني عشر عاماً، بل هذا الموضوع يعود إلى ما قبل القضية النووية - و يعود إلى سنة 67 و 68 [1988 و 1989 م] و تلك الأعوام. لقد بدأ أعداؤنا محاولاتهم منذ تلك الأيام. المطلعون يعلمون أن مخططات الغربيين و أمريكا خصوصاً بدأت للالتفاف على إيران: الالتفاف على إيران في خطوط نقل النفط و الغاز، و في خطوط النقل الجوي و البري و البحري الأصلية، و في خطوط نقل شبكات تقنيات المعلومات و الاتصالات، نوع من الحظر الصامت. عمدوا إلى إخافة الأطراف المختلفة في أيّ نشاط اقتصادي مهم تعتزم إيران القيام به. هذه أحداث وقعت في هذا البلد. أصحاب الادعاءات و غير المطلعين لا يتحدثوا اعتباطاً و لا يتوهموا أن أحداً لم يفعل شيئاً، لا، بُذلت الكثير من المساعي. كان للعدو مخططاته في هذا المجال، و قد تقدم بمخططاته و عمل بها خطوة خطوة إلى يومنا هذا. ما تشاهدونه هو حصيلة التحركات الداخلية في البلاد و عداء الأعداء. ينبغي عدم نسيان العدو. لقد خطط العدو على الصعيد الاقتصادي بالمعنى الحقيقي للكلمة. تدخل و تصرف في بعض المواطن بصراحة و علانية، و في بعض المواطن لم تكن أعماله صريحة علنية، و لكن المطلعون بالتالي يعلمون و كانوا يتفطنون و يفهمون ما الذي يقوم به العدو. من هو العدو؟ إنه أمريكا و حفنة بلدان أوربية تابعة لأمريكا. هذه الحالة ليست ابنة اليوم.
طيب، ما هو العلاج؟ واضح أن العدو يمارس عداءه، فهل نتوقع شيئاً من العدو؟ لا. لا يمكن توقع شيء من العدو، و لا يمكن معاتبته. هل لدينا عتاب ما على أمريكا؟ أبداً، الإنسان يعاتب الصديق، و طبيعة العدو أنه يمارس عداءه، فما هو الحل و العلاج؟ العلاج هو أن يبذل الشعب مساعيه في الداخل و يعمل ما من شأنه إبطال مفعول ضربة العدو الحتمية أو إحباط تأثيرها أو التقليل من تأثيرها. هذا هو العلاج. أعزائي، أيها الشباب، تنبهوا لهذه النقطة.
ثمة في اقتصادنا مشكلتان كبيرتان: المشكلة الأولى هي أن اقتصادنا نفطي، و الثانية هي أن اقتصادنا حكومي. هاتان مشكلتان كبيرتان. اقتصادنا اقتصاد نفطي؛ ما معنى ذلك؟ معناه أن النفط، و هو رصيد باق و يمكن أن تكون فيه قيمة مضافة بعدة أضعاف، نستخرجه من تحت الأرض و نبيعه على العالم خاماً خاماً، و نقبض أمواله و ننفقها على الشؤون الجارية للبلاد؛ لا يمكن تصور خسارة أكبر من هذه. هكذا هو الاقتصاد النفطي. يمكن تبديل النفط إلى منتجات نفطية. إنني احتمل - و بعض التدقيقات العلمية تؤيد ذلك - أن هذا النفط الذي نبدله إلى البنزين و الديزل و النفط الأبيض و نستهلكه بهذه الطرق، يمكن بإنتاج المنتجات التي لم يكتشفها البشر لحد الآن الحصول منه على مائة ضعف من القيمة المضافة. و نحن غافلون عن هذا. أن نستخرج النفط الخام من الآبار و نبيع هذا الرصيد - الرصيد الذي لا يعاد إنتاجه تحت الأرض، و هو من الأشياء التي تنتهي و تنفد، و لا تقبل التبديل و التعويض حتى نقول إننا نسحبه كله و يحلّ محله غيره، لا، إذا سحبناه سينتهي. هكذا هو النفط و هكذا هو الغاز - و ننفق أمواله على الأمور الجارية للبلاد، فلا يمكن أن يكون أسوء من هذا. هذه من المواريث المشؤومة للنظام الطاغوتي السابق. و هو طريق سهل للحصول على المال، و قد فضّل بعض المسؤولين على مرّ الفترات المختلفة أن يستخدموا هذا المال السهل. هذه مشكلة.
المشكلة الثانية قلنا إنها الاقتصاد الحكومي. هذه من القضايا التي عملنا نحن منذ بداية الثورة - و هذه من أعمالنا نحن و لم يفرضها الآخرون علينا - نتيجة بعض النظرات التي كانت آنذاك، على إيكال الاقتصاد للحكومة، و الآن مهما كانت المساعي الرامية لنقل الاقتصاد إلى الناس بحيث يتولى الناس تدبيره، و بخطط صحيحة بحيث لا يحدث شيء بخلاف العدالة، نجد أن هذا الشيء لا يتحقق بصورة صحيحة، فهو صعب. لقد أعلنا سياسات المادة 44 و بلغناها، و معناها أن نخرج الاقتصاد من حالته الحكومية. و قد شرحتُ للمسؤولين الذين اجتمعوا في الطابق العلوي من نفس هذه الحسينية كم نحتاج من العملة الصعبة، و هذا ما لا يمكن تحقيقه إلا إذا قمنا بهذ العمل: بالعمل بالمادة 44 بشكلها الذي تمّ فيه تبليغ سياساتها (5). هذا شيء يجب أن يحصل.
طيب، لقد تحدثت هذه السنة و السنة التي قبلها و التي قبلها و التي قبلها عن الاقتصاد في بداية كل عام، و قد بذل المسؤولون مساعيهم و الحق يقال. إنني أشهد بأن جهوداً تبذل - لقد بذلت جهود طوال هذه السنين - لكنها لا تكفي. ما نريد أن نقوله هو أن هذه العملية يجب أن تأخذ أنفاساً جديدة.
اليوم هو التاسع و العشرون من بهمن. في التاسع و العشرين من بهمن من العام المنصرم أبلغنا سياسات الاقتصاد المقاوم للأجهزة و المؤسسات المختلفة، و قد مضى الآن عام على ذلك. الاقتصاد المقاوم ضروري للبلاد، إنه ضروري للبلاد سواء كان هناك حظر أو لم يكن هناك حظر. حتى يوم لا يكون هناك حظر مفروض على هذا البلد سيبقى الاقتصاد المقاوم ضرورياً و لازماً لهذا البلد. الاقتصاد المقاوم معناه أن نشيّد و ننظم اقتصاد البلاد بطريقة لا تؤثر فيها عليه الاهتزازات العالمية، فلا نصاب بمصيبة عندما يهبط سعر النفط من مائة دولار إلى خمسة و أربعين دولاراً، و لا نقيم مأتماً إذا هددنا الأمريكان بحظر الشيء الفلاني و الشيء الفلاني و الشيء الفلاني علينا، أو إذا حظروه فعلاً، و لا تحلّ بنا مصيبة إذا حظر الأوربيون ملاحتنا. إذا كان في بلد اقتصاد مقاوم فلن تستطيع أيّ من هذه الاهتزازات الدولية أن تضرّ حياة الناس و معيشتهم. هذا هو معنى الاقتصاد المقاوم، معناه أن تكون بنية الاقتصاد في داخل البلد بشكل ينتفع معه من الطاقات الشعبية، و يُستعان بها استعانة حقيقية. يجب البرمجة و تعزيز بنية الاقتصاد - و سوف أذكر بعض النقاط و الأمور و الأعمال التي ينبغي أن تحصل - و يجب أن يكون اعتماد مسؤولي البلاد على مثل هذه المسيرة لاقتصاد البلاد. إذا كان هذا فسيكون الازدهار و لن نعود خائفين من تهديد العدو و الحظر، و لا نقيم مأتماً لهبوط سعر النفط. هذا هو الاقتصاد المقاوم. و الاعتماد الأساسي في الاقتصاد المقاوم هو أيضاً على الشعب و على الإنتاج الداخلي.
قضية أساسية في اقتصاد البلاد هي أنه يجب إنهاء اعتماد ميزانية البلاد على النفط. ينبغي الوصول إلى هذه المرحلة. طبعاً هذا الكلام الذي أقوله لكم اليوم و قد ذكرته مراراً سهل على مستوى الكلام لكنه عملية صعبة على مستوى العمل. كنتُ أعمل في المجال التنفيذي لسنوات عديدة، و أعلم أن العمل التنفيذي صعب، لكنني اعتقد أن العمل الصعب ممكن التنفيذ. التنفيذ أصعب من الكلام. لكن هذا العمل الصعب ممكن التنفيذ بالهمم و بالاعتماد على الناس و بالثقة بالشباب و بالاعتماد على الأرصدة الداخلية للبلاد و بالثقة بالله تعالى الذي وعد بالنصر. من الأعمال - و هو أهم الأعمال - جعل اعتماد الميزانية على الإنتاج الداخلي، أي على العائدات التي ينتجها الناس و على الضرائب. أريد ذكر نقطتين بخصوص الضرائب:
أعزائي.. الضرائب فريضة. إننا اليوم نأخذ الضرائب من الضعفاء - نأخذ الضرائب من الموظفين و العمال و من صغار الكسبة - لكننا لا نأخذ الضرائب من الرأسمالي الفلاني أو صاحب العائدات الفلاني الذي له دخول و عائدات بلا حساب و لا كتاب. لديهم تهرّب من الضرائب. هذه مخالفة. التهرّب من الضرائب مخالفة. الذين يمتنع عن إعطاء الضرائب للحكومة و لا يعطي الضرائب التي يجب أن يعطيها للحكومة - و تلك العائدات التي حصل عليها و هي الآن تحت تصرفه جاءت بفضل الأجواء التي وفرتها له الحكومة، و هو شيء تقوم به الحكومة، إذن يجب عليه دفع ضرائب - إنما يعمل في الحقيقة على تبعية البلد لأموال النفط المجانية، و حينما يرتهن البلد لأموال النفط ستحصل هذه المشكلات: يفرضون الحظر في يوم، و تهبط أسعار النفط في يوم، و يهددون في يوم، فيعاني البلد من هذه الأوضاع. قضية الضرائب مهمة جداً. طبعاً سمعتُ أن المسؤولين عن الضرائب في البلاد يخططون و يقومون بأعمال و برامج جيدة، و ينبغي تنفيذ هذه الأعمال بسرعة. يجب طلب المساعدة من الناس و على الناس تقديم المساعدة. هذه هي النقطة الأولى. إنها الشيء الأول من الأعمال المهمة التي ينبغي القيام بها، أي أنْ تعتمد ميزانية البلاد و إدارة الحكومة على عائدات الشعب الداخلية، أي هذه الضرائب، و الضرائب تتعلق بالإنتاج و الكسب و العمل.
نقطة أخرى هي رفع مستوى الفائدة (الكفاءة الإنتاجية)، و هو من التعابير و المصطلحات الدارجة التي يستخدمونها، و ألخّص معنى هذا المصطلح بجملتين في اللغة الفارسية. رفع مستوى الفائدة هو أن يحاول منتجونا و أصحاب المراكز الإنتاجية عندنا أن يقللوا التبذير و تكاليف الإنتاج و يرفعوا من جودة المنتجات. هذا هو رفع مستوى الفائدة. طبعاً جزء من تكاليف الإنتاج لا تتعلق بأشياء ليست تحت تصرف صاحب الإنتاج. لنفترض مثلاً أن التضخم مرتفع، فترتفع أجور العمال أو أسعار المواد الأولية. هذا جزء من القضية، و لكن جزء آخر من القضية هو حالات التبذير و التكاليف الزائدة و الإنفاقات غير الضرورية. يجب الحيلولة دون هذه الأشياء.
قضية أخرى مهمة هي الانتفاع إلى أقصى حدّ من الإمكانيات الداخلية. تقع بلادنا في منطقة حساسة، و لدينا الكثير من الجيران. لدينا بحر في الشمال و لدينا بحر في الجنوب، و يمكننا التواصل مع كل العالم. انظروا لبلادنا على الخارطة و ستجدون أنها تقاطع طرق كبير بري و جوي عظيم الأهمية و الحساسية. لدينا منافذنا إلى المياه الحرة. هذه فرص على جانب كبير من الأهمية. فضلاً عن المصادر و الإمكانيات يجب البرمجة و التفكير للانتفاع من هذه الفرص على أحسن نحو ممكن.
و نقطة أخرى تتعلق بالناس و الشعب قبل غيرهم هي استهلاك المنتجات الداخلية، و هي نقطة كررتها مراراً في خطاباتي بداية العام و غيرها، و أقولها لكم الآن: ليستهلك الناس المنتجات الداخلية و لا يذهبوا وراء العلامات. و قد جرت الموضة الآن على أن يسمونها «برند» [ماركة مسجلة]، الماركة الفلانية و الفلانية! ليستهلكوا المنتجات الداخلية. الأشياء و البضائع الأجنبية التي لها نظائر داخلية ليمتنع الشعب الإيراني بكل تعصب و حمية عن استهلاكها. لا أقول هذا لمجموعة معينة من الناس. نعم، عندما نطلب هذا من الناس فإن المتدينين يعملون به فوراً، و يبعثون الرسائل يسألون فيها هل نشتري الشيء الأجنبي الفلاني؟ و هل نمتنع عن شراء الشيء الفلاني؟ أنا لا أقول هذا للمتدينين فقط و لمن يرون في كلامنا حجة شرعية، إنما أقول هذا لكل من يحب إيران و يحب مستقبل إيران، و يفكر في أبنائه الذين يريدون غداً أن يعيشوا في هذا البلد. إنكم عندما تستهلكون المنتجات الأجنبية تساعدون في الواقع على تضخيم ذلك المركز الإنتاجي الأجنبي و مساعدة العامل الأجنبي و الرأسمالي الأجنبي، و توجيه ضربة و ضرر و خسائر للإنتاج الداخلي. إنني أقول هذا لكل الناس، و خصوصاً من لديهم استهلاك كثير. و كذا الحال بالنسبة للمنتسبين للحكومة. على المنتسبين للحكومة أيضاً أن يركزوا على استهلاك الإنتاج الداخلي في ما تحتاجه الحكومة و البنايات الحكومية و في استهلاكاتهم العامة من بضائع و أمور.
و تجنب الإسراف و التبذير جانب آخر من القضية. اجتناب الإسراف و إهدار الأموال و تبذير المصادر العامة و إهدار المياه و إهدار الخبز و تدمير التربة. التربة ثروة، و المياه ثروة، و الخبز منتج كبير القيمة و الأهمية. يجب الحذر و التدقيق و الشعور بالمسؤولية تجاه هذه الثروات و الامتناع من إهدارها.
هناك أيضاً قضية الشركات العلمية المحور، و أنا أشدد على هذه الشركات. لدينا في الوقت الحاضر الكثير من الشباب الخريجين و المتعلمين. أقام الشباب من طلبة المدارس الثانوية قبل أسبوعين معرضاً في هذه الحسينية (6). أقاموا هنا معرضاً بأشياء متقدمة عجيبة و غريبة و محيرة حقاً، و كانوا في الغالب شباباً و بعضهم من شباب الثانويات! هذه هي أرصدتنا و هذه هي ثرواتنا. يجب تأسيس الشركات العلمية المحور. و الشركات العلمية المحور لا تختص بالصناعة، إنما يمكن أن تكون هناك شركات علمية المحور في الصناعة و الزراعة و الخدمات و فحص الاحتياجات، يجتمعون و ينظرون ما الذي تحتاجه المراكز الاقتصادية المختلفة، و ما هي نواقصها، فيعرضون عليهم هذه النواقص و ردمها. بوسع الشركات العلمية المحور أن تنشط حتى في هذا المجال. و المكافحة الجادة للتهريب من الممارسات الضرورية جداً في اقتصاد البلاد. المكافحة الجادة للتعثر في تسديد القروض المصرفية. هناك من يحصلون عن غير وجه حق و صحة على القروض المصرفية. يحصلون على القروض و التسهيلات لعمل معين فيستهلكوها في عمل آخر لا يمثل مصلحة للبلد، ثم لا يسددون ديونهم للبنوك. هؤلاء مجرمون حقاً. إنني لا أقول إن كل مدين للبنوك مجرم، لا، قد يكون هناك شخص مدين للبنك، و يجب حتى مساعدته، و لكن هناك أيضاً من يجب مؤاخذته و محاسبته. هذه أمور و أعمال يجب أن تجري في البلاد.
من الذي يقوم بهذه الأعمال؟ لقد أطلقنا خلال هذه السنين الكثير من التنبيهات و التحذيرات، و بذل المسؤولون الكثير من الجهود، و لكن لا تلك التحذيرات التي أطلقتُها كافية و لا ذلك السعي الذي أبداه المسؤولون كاف. هذه الأشياء لا تكفي. يجب القيام بأعمال جادة، و على الناس أن يقدموا المساعدة للحكومة و للمسؤولين و للسلطة القضائية حتى يستطيعوا القيام بهذه الأعمال. إننا قادرون. بمقدورنا الوقوف و الصمود مقابل هذه الضجة التي يثيرها أعداؤنا في خصوص الحظر و ما إلى ذلك، و يمكننا أن فرض الإخفاق عليهم في أهدافهم. عندما لا نقوم بهذه الأعمال و النشاطات فستكون النتيجة ما تلاحظونه الآن؛ يجلس العدو هناك و يضع الشروط لبرنامجنا النووي، ثم يقول إذا لم توافقوا على هذه الشروط فسوف نفرض عليكم كذا و كذا من أنواع الحظر؛ هذا ما سيحصل بالتالي.
العدو يستفيد من حربة الحظر إلى أقصى درجة ممكنة، و هدفهم هو إهانة الشعب الإيراني و إذلاله. هدفهم إيقاف هذه المسيرة العظيمة التي ما كان لها أن تكون و تتحقق إلا على أكتاف الشعب الإيراني. يريدون إيقاف مسيرة الثورة الإسلامية و النظام الإسلامي نحو الحضارة الإسلامية الجديدة، لأنهم يعلمون أن هذه المسيرة هي الوضع المناقض تماماً لمصالح الرأسماليين الصهاينة و أصحاب الشركات الظالمة و مصّاصة الدماء في العالم. يفهمون هذا و يرون كيف راحت هذه المسيرة تتسع في العالم و تجتذب الشعوب إليها. و يرومون صدّ هذه المسيرة و إيقافها. هذه التهديدات و الشروط و الحظر كلها من أجل ذلك.
ما اعتقده هو أننا حتى لو سرنا في الملف النووي على حسب ما يملونه، و وافقنا على ما يملونه، فإن تحركاتهم المخرّبة و حظرهم لن يرفع. سوف يختلقون ثانية شتى صنوف المشكلات، لأنهم يعارضون أساس الثورة. طبعاً أنا اعتقد أن إمكانيات شبابنا و طاقاتهم عالية جداً. قبل يومين بعث لي الطلبة الجامعيون التعبويون رسالة و عاتبوا فيها و قالوا لماذا لا تستفيدون منا نحن الطلبة الجامعيين في التقدم نحو أهداف الثورة الإسلامية؛ هذا كلام على جانب كبير من الأهمية. الطالب الجامعي العاكف على الدراسة يتوقع و يبعث لي رسالة يقول فيها لماذا لا تستفيدون منا في قضايا الثورة المهمة في المنطقة سواء القضايا العسكرية أو الأمنية أو القضايا الآخرى. هكذا هي معنويات شبابنا. لقد شاهدتم معنويات الشعب الإيراني في الثاني و العشرين من بهمن. و من جانب آخر لا تقلع الحكومة الأمريكية المتعسفة المتغطرسة عن منطقها التعسفي رغم كل الهزائم التي مُنيت بها في المنطقة، و من جانب يفرض أتباعها الأوربيون أطواراً جديدة من الحظر.
الشعب الإيراني بدوره يستطيع فرض الحظر. أقولها لكم بصراحة إذا كان القرار هو الحظر فإن الشعب الإيراني هو الذي سيفرض عليهم الحظر في المستقبل. أضخم نصيب من الغاز في العالم هو عندنا و هو ملك الشعب الإيراني، و الغاز طاقة مهمة و مؤثرة جداً و العالم يحتاجه، و أوربا المسكينة هذه تحتاج إلى هذا الغاز، و هذا الغاز في حوزتنا. تمتلك إيران أكبر حصة من الغاز الموجود في العالم حالياً و ضمن حدود الاكتشافات الراهنة في إيران. و حتى لو حسبنا مجموع النفط و الغاز فإن أكبر مقدار من النفط و الغاز سوية تمتلكه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. نفرض عليهم الحظر في الوقت المناسب، و الجمهورية الإسلامية تستطيع القيام بذلك.
لقد أثبت شعب إيران و الجمهورية الإسلامية أن إرادتها قوية. في أي مجال و في أية قضية خاضتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بجدّ أثبتت أن إرادتها قوية و عزيمتها راسخة و تستطيع العمل. في قضية داعش هذه شكلوا تحالفاً، و هم يكذبون طبعاً و يزوّرون، و قد كتبوا رسالة لوزارة خارجيتنا قالوا فيها إنكم إن كنتم تقولون إن أمريكا تدعم داعش فهذا كذب، و نحن لا ندعم داعش. و بعد فترة وجيزة توفرت لدى المجاهدين الثوريين صور المساعدات التسليحية الأمريكية لداعش، و نُشرت! يقولون و يتكلمون و يدّعون لكنهم لا يقولون الحقيقة، و قولهم المخالف للواقع ينفضح بهذا الوضوح و بهذه السرعة. ليست الجمهورية الإسلامية على هذا النحو، فإننا عندما ندخل و نخوض، و كما قال الإمام أمير المؤمنين على بن أبي طالب (ع) لن يكون لنا رعد و برق إلا إذا كان عقب ذلك مطر (7). الشعب الإيران سيرتقي بلا شك و في المستقبل الذي لن يكون بعيداً كثيراً بإذن الله إلى قمم الشرف و الفخر على كل الأصعدة، و سوف تشهدون أنتم الشباب الأعزاء ذلك المستقبل.
وفقكم الله و شملكم برحمته و لطفه. «مندن ده سلام يتيرين عزيزلريم تبريزلي لرو آذربايجاني لار» (8). حياكم الله و وفقكم و أيّدكم.

الهوامش:
1 - قبل كلمة قائد الثورة الإسلامية، تحدث في هذا اللقاء آية الله الشيخ محسن مجتهد شبستري ممثل الولي الفقيه في محافظة آذربيجان الشرقية و إمام جمعة تبريز مركز المحافظة.
2 - حسينية الإمام الخميني (رض) التي يلقي الإمام الخامنئي فيها خطاباته.
3 - الشباب الجاهز، الشباب الحر.
4 - لا يمكن للشيطان السيطرة علينا.
5 - كلمته في لقائه الناشطين و المتميزين في القطاعات الاقتصادية بتاريخ 17/08/2011 م .
6 - كلمته في زيارته لمعرض منجزات تقنيات النانو المقام في حسينية الإمام الخميني (رض) بتاريخ 31/01/2015 م .
7 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 9 : «وَ لَسنا نُرعِدُ حتى نوقِعَ وَ لانُسيلُ حتى نُمطِر».
8 - و بلغوا عنّي السلام لأعزائي أهالي تبريز و الآذربيجانيين.