بسم الله الرحمن الرحيم

إنه لشيء طيب و ذكرى باقية أن ألتقيكم أيها الأعزاء - جماعة من خيرة شباب هذا البلد و من التعبويين الأبطال - في هذه الساحة، و أن أتحدث لكم و لاجتماعات مثل اجتماعكم هذا أقيمت في أنحاء البلاد.
التعبئة من الآيات الإلهية شأنها في ذلك شأن الثورة نفسها. سنخ التعبئة من سنخ الثورة. السمات التي ميزت الثورة الإسلامية بين كل الثورات الأخرى في التاريخ، تعمّق تأثيراتها في صمیم قلوب الشعوب في البلدان الأخرى، هذه السمات متوفرة في هذه الجماعات العزيزة الفذة التي تسمى التعبئة. كما أن الثورة كانت ظاهرة لا سابقة لها كذلك التعبئة ظاهرة غير مسبوقة.
في البلدان المختلفة يؤسسون قوات مقاومة بأشكال شتى. و تقليداً لهم أسسوا في زمن النظام الطاغوتي في إيران بعض الأشياء، بيد أن جوهر التعبئة و حقيقتها تختلف عن تلك الأشياء كما بين السماء و الأرض. لو كان الملاك في أعمال الآخرين التي قاموا بها تقليداً لبعضهم في مختلف أرجاء العالم الظواهر و الادعاءات و البهارج و البريق من دون أن يكون للباطن و المعنى و الروح تأثير يذكر، فإن التعبئة على العكس من ذلك تماماً.
تعبئة المستضعفين التي أسسها الإمام الخميني كانت كلها روحاً و معنويات من رأسها إلى أخمص قدميها. حدث أن صادفت ولادة التعبئة أياماً قريبة من اندلاع الحرب المفرضة التي شغلت هذا الشعب بالدفاع ثمانية أعوام. إذن، التعبئة منذ بداية ولادتها خاضت غمار ساحات الوغى، و كانت ساحات قتال صعب، و معارك وقفت في جانب منها كل القوى العالمية الكبرى خلف نظام صدام المعتدي، و في الجانب الآخر وقف شعب إيران و القوات المسلحة الإيرانية. دخلت التعبئة في مثل هذه الحرب.
دخول التعبئة في هذه الحرب أدى إلى تحول ساحة المعركة أمام أنظار كل شعوب العالم المندهشة لصالح المعنوية، المعنوية التي كانت فارغة اليدين لكنها مفعمة بالإيمان، و جعل العالم كله يرى بعينيه كيف يخوض الشاب الإيراني ساحة المعركة برصيد الإيمان و الاعتماد على الله و الثقة بالنفس، و كيف يخطط لأعقد التكتيكات الحربية، و يضع أمام أنظار العالم معاجز مثل عملية «الفتح المبين» و «بيت المقدس». التكتيكات التي استخدمها الشباب المتدينون في عملية «بيت المقدس» - و التي أفضت إلى تحرير مدينة خرمشهر - و الخطط التي رسموها لا تزال إلى هذا اليوم ذات دروس بالنسبة للخبراء و المتخصصين في الشؤون العسكرية؛ تكتيكات معقدة، و كثيرة الحركة، و صعبة، و غير ممكنة بحسب الظاهر، لكنها حصلت على اليد الصانعة للمعاجز لشباب إيران المتدينين المؤمنين، الشباب المبدعين المتوكلين على الله، و كانت أموراً غير مسبوقة.
هذه المعنوية و هذا التوكل على الطاقات المعنوية و الإيمانية و هذه الثقة بالذات و هذه الشجاعة و هذا التحقير و الإهمال لكل تجليات و ظواهر الحياة المادية، و التحرك في سبيل رضا الله، لم يكن بالأمر المسبوق في أي مكان، كما أن الثورة الإسلامية نفسها كانت بلا نظير و لا سابق لها في التاريخ.
التعبئة مثل الثورة كانت و لا تزال شعبیة. صحيح أنكم الآن تشكلون أفواجاً مقاتلة في إطار مجاميع تابعة لقوات المقاومة، و تكتسبون استعدادات قتالية و تستعرضون قدراتكم في ساحات الوغى، و تتواجدون في الخطوط الأمامية إذا احتاج البلد يوماً إلى القوات المقتالة مرة أخرى؛ هذا صحيح، بيد أن الحرب لا تشكل كل مضمون التعبئة. التعبئة منتشرة في كل ميادين الحياة. عندما يحين دور البناء تتقدم التعبئة و تكون في صفوف الريادة، و عندما يحين دور الإمداد و الخدمات تبقى التعبئة رائدة، و عندما يكون الدور دور البحوث البالغة الدقة و الحساسية نجد التعبئة في الصفوف الأمامية الأولى. لاحظوا هذه القضية النووية في الوقت الحاضر، الشباب الناشطون في هذه التقنية المعقدة الشديدة الصعوبة هم شباب متدينون يعدون أجزاء طبيعية و حقيقية من التعبئة. و كذا الحال في كل المواطن و القطاعات.
مؤسسة رويان الكبيرة النشاط و الرائدة، كان المرحوم الدكتور كاظمي يفخر فيها بأنه تعبوي. شبابها المتدينون الناشطون ذوو طبائع و خصال تعبوية. هناك أيضاً تتواجد التعبئة و الإيمان و الثقة بالنفس، و هي من خصوصيات التعبئة.
التعبئة ذات دور في كل ميادين الحياة في بلدنا العزيز و في نظام الجمهورية الإسلامية. أحد أبعاد التعبئة هو البعد العسكري و التحركات العسكرية و التدريبات العسكرية و التربية و الانضباط العسكريان. إنها ظاهرة شعبية مثل الثورة نفسها. أي عنصر و أي فرد و أية جماعة تستطيع أن توفر في نفسها هذه الخصوصيات و السمات الثورية، تظل خالدة باقية مثل الثورة نفسها، و تكون مؤثرة فاعلة في أجوائها و بيئتها مثل الثورة.
سمة الشعبية مشهودة في الساحة السياسية و في ميدان البناء و في ساحة الإدارة العامة للبلاد. الثورة شعبية و التعبئة أيضاً شعبية.
التعبئة كالثورة طافحة بالمعارف و السلوكيات الإسلامية. ثورتنا لم تتأثر بضجيج من يسمون بالثوريين الملحدين الذين ملأ ضجيج ادعاءاتهم أسماع العالم. و قد كان إمامنا الخميني الجليل مظهر هذا التعبد و التمسك بالدين؛ التمسك بالدين تماماً، فروعاً و أصولاً، من حيث المعارف الإسلامية السامية و من حيث الأعمال الفردية؛ هكذا ولدت الثورة. لقد سار الشعب بهذا الاتجاه و هذا ما أراده و ضحى من أجله. و هكذا ولدت التعبئة أيضاً. التعبئة منظومة دينية.
في ساحات القتال على مدى ثمانية أعوام لم يقل أحد للشباب التعبويين تعالوا و توسلوا بالله و اذكروه و اعبدوه و ادعوه بهذا الشكل أو ذاك، إنما كانت هذه الأمور تنبع و تتدفق من الداخل، و كانت قلوبهم و إيمانهم يدفعهم نحو التعبد و التهجد. طبيعة كيانهم التي تألقت أكثر في تلك الساحات الصعبة كانت تعلّمهم كيف يعبدون الله. هذه الأشياء التي تسمعونها و تقرأونها في كتب المذكرات عن عبادة التعبويين و تضرعهم و دموعهم الزلال في ساحات القتال، كانت كلها تنبع من قلوبهم. ما من أحد بوسعه أن يعلّم أحداٌ هذه الأشياء. هذه أشياء لا تُعلّم، بل تتدفق من داخل القلوب و من أعماق الأرواح. التعبوي إنسان متدين و متشرع.
التعبئة كالثورة لا تستسلم للأعداء. لقد ضغطوا على الثورة الإسلامية لأجل أن تتراجع عن مواقفها لصالح القواعد الظالمة في العالم. وجهوا مختلف أنواع الضغوط على الثورة و على نظام الجمهورية الإسلامية بهذا الهدف، و أحد تلك الضغوط هو حرب الأعوام الثمانية المفروضة على إيران. لم تستسلم الثورة و لم يستسلم الإمام الخميني، و التعبئة أيضاً لا تستسلم أبداً أمام الضغوط و القواعد الظالمة و إثارة الضجيج، و لا تتراجع إلى الوراء حتى خطوة واحدة.
التعبئة في الواقع هي ذلك القالب و الغطاء الذي يمكن لخيرة شباب هذا البلد أن يجتمعوا تحته من أجل الوصول إلى المثل و الأهداف السامية لهذا الشعب الكبير. التعبئة تضمّ الشيوخ و الشباب و النساء و الرجال و كل شرائح الشعب. كل واحد منا يجب أن يفخر بنفسه، و يفخر بنفسه فعلاً، يوم يستطيع أن يكون تعبوياً بالمعنى الحقيقي للكلمة.
و بسبب هذه السمات جعل أعداء هذه الثورة التعبئة أحد أهم و أرأس أهداف هجماتهم. إنهم يوجهون التهم للتعبئة. اللاعبون السياسيون قالوا كل ما أرادوا عن التعبئة في الساحات السياسية. و لم ترد التعبئة عليهم بشئ - و كأنها محيط هادئ عميق جداً - و لا ترد، و لا تردوا بشيء.
التعبئة تعني مجموعة أفضل العناصر في البلاد، و التي تنعقد كل هممنا و آمالنا و مطامحنا على اتساعها لتشمل كل أفراد هذا الشعب الكبير. و هكذا هو الحال. إننا نقول عشرون مليوناً، لكن التعبئة في الواقع يجب أن تضم عشرات الملايين أكثر من هذا العدد. و هذا هو الواقع و ما سيبقى واقعاً بالتوكل على الله.
عندما يكون هذا الشعب صامداً و غير مستعد للتخلي عن مبادئه السامية، و عندما لا يقع في فخ الضجيج الذي يثيره الأعداء، و عندما لا تزلّ أقدامه في الألاعيب السياسية الدارجة و المعروفة في العالم، و لا يعدل عن طريقه المستقيم، و حينما يرفع هذا الشعب راية الإسلام بأيديه القوية و يبث الطمأنينة و الأمل في قلوب الشعوب الإسلامية و كل الأمة الإسلامية بتواجده و مشاركته، فهذا دليل على أن التعبئة قد نجحت و ستنجح في المستقبل أيضاً، و أعداء التعبئة و الأقطاب و الأجهزة التي تعادي التعبئة بسبب عدائها للثورة و لمبادئ الثورة يجب أن تعترف بهزيمتها.
القوة التعبوية العظيمة هي قوة الشعب الإيراني الهائلة. أيها الشباب الأعزاء، أيها الفتيان، أيتها الفتيات، يا مختلف الشرائح، أيتها العناصر المؤمنة المتدينة المتوثبة المبدعة المنضوية في إطار هذه المنظومة الكبرى، ارفعوا من مستوياتكم ما استطعتم لتستطيعوا التأثير في الأجواء العامة للمجتمع و تقربوا شباباً أكثر و جماعات أكثر من هذا القطب المبدئي المثالي. هذا ما ينبغي أن تفكر فيه الجماعات التعبوية الشعبية، و هذا ما يجب أن يفكر فيه مدراء التعبئة و المشرفون عليها.
لقد استطاع نظام الجمهورية الإسلامية المقدس اليوم و بفضل عناصره البناءة هذه - و هم العناصر التعبوية - التحرك صوب المبادئ و طرد الأعداء من الساحات. أين نقف اليوم مما كنا عليه قبل عشرين سنة أو خمس و عشرين سنة؟ لقد تقدم الشعب الإيراني إلى الأمام في كل الميادين، و أعداء الشعب الإيراني يعترفون بأنهم انهزموا و تراجعوا أمام شعب إيران في كل الميادين و الساحات. لقد استطاع شعب إيران مواصلة هذه المسيرة الكبرى، و الشعوب الأخرى أيضاً تنظر لكم و تستلهم منكم. الشعب الفلسطيني المظلوم و شعب العراق المظلوم الذي قدّم الدماء ينظران لكم. حيويتكم و صمودكم و شموخكم و عزيمتكم و إرادتكم تؤثر في معنوياتهم. تلاحظون أن الأمريكان و أعوانهم في الوقت الحاضر و من أجل أن يستطيعوا - ربما - الاقتراب من أهدافهم المشؤومة، عمدوا إلى إقامة مؤتمر خريفي سبق أن أشرتُ له في يوم عيد الفطر. إنه خريفي، و من الاسم يتضح المسمّى. يتمنون بهذه الطريقة أن يستطيعوا مساعدة الحكومة الصهيونية الغاصبة الزائفة، و يعوّضوا الهزائم الماضية، و يوفروا سمعة و ماء وجه لساسة البيت الأسود الحاليين. الجميع في العالم و كل السياسيين يعلمون الیوم أن هذا المؤتمر - و الذي سيقام بعد أيام - محكوم عليه بالفشل. ما هو السبب؟ السبب هو يقظة الشعب الفلسطيني. و صحوة الشعب الفلسطيني مقترنة بيقظة سائر الشعوب و على رأسها شعب إيران العظيم الكبير، أي أنتم أيها الشباب المؤمنون. تحرككم و شعاراتكم و تواجدكم و نشاطاتكم تؤثر بنفس الدرجة في القضايا العالمية.
اللهم ارفع دوماً من درجات الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الذي كان هؤلاء الشباب العظماء من صناعة و صياغة إيمانه و روحه الكبيرة السامية. ربنا احشر شهداء هذا الشعب الأبرار و شهداء القوات المسلحة و شهداء التعبئة الذين استشهدوا مظلومين بشجاعة - كقدوتهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الذي كان مظلوماً و شجاعاً في ساحات الوغى - مع شهداء كربلاء. اللهم احفظ شباب الشعب الإيراني الأعزاء هؤلاء، لشعب إيران. ربنا زد يوماً بعد يوم من مفاخر و أمجاد الشعب الإيراني و شبابه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.