بسم الله الرحمن الرحيم (1)

و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. هذا الاجتماع الصميمي و المتألف ممن يبذلون الجهود في قضية على جانب كبير من الأهمية لهو اجتماع مبارك حقاً. نتمنى أن ينظر الله تعالى لكم جميعاً نظرة لطف و رحمة، و يمنّ بعنايته على كل واحد منكم، و يؤيدكم في هذه العملية الكبيرة التي تتحملونها على عاتقكم و في هذه الهموم التي كانت بادية إلى حدّ ما في كلام حضرة الشيخ جنتي، و أن يتفضل عليكم بألطافه إن شاء الله. أتقدم بالتبريك بمناسبة ولادة سيدنا الإمام العسكري، الوالد الجليل لولينا و إمامنا و سيدنا و مولانا (أرواحنا فداه). و أبارك أيضاً قرب حلول شهر بهمن، شهر المجد و الفخر و شهر التحول العظيم في تاريخ الشعب الإيراني، و شهر الأحداث الكبرى الذي سنجعل من أنفسنا إن شاء الله جديرين به لنفخر و نتباهى بهذا الشهر و أحداثه.
أذكر نقطتين أو ثلاثاً حول موضوع الانتخابات. ذكر حضرة الشيخ جنتي (حفظه الله تعالى و أدام الله وجوده و بركاته) و كذلك حضرة السيد رحماني فضلي وزير الداخلية المحترم الدؤوب، بعض الإشارات و الأمور الجيدة، و قد كانت كل الأمور التي ذكراها دقيقة و مهمة. و أشير بدوري إلى جملة من النقاط - و قد ذكرنا بعض النقاط سابقاً، و بعد ذلك أيضاً إذا بقي لنا من العمر شيء ستكون هناك فرص نذكر فيها بعض النقاط و الملاحظات - و إذا بقي لنا من الوقت باقية سأتحدث عن هذه القضية الأخيرة، قضية برجام و الاتفاق النووي.
في خصوص الانتخابات، لنتنبّه إلى أن الانتخابات تنافس و سباق وطني بين كل أبناء البلد. إذا أقيم هذا السباق بشكل جيد و سليم و قوي، فإن أيّ فريق يفوز من بين هذه الفرق المتعددة، سيعود الفخر في ذلك إلى الفدراسيون الرياضي. هكذا هو الحال بالتالي. عندما تلعب الفرق الرياضية بشكل جيد فسواء فاز الفريق ألف أو الفريق باء أو الفريق پاء، سوف يتباهى الفدراسيون و الاتحاد الرياضي بأدائهم المتين السليم. و هكذا هي الانتخابات. إذا نزل الشعب الإيراني إلى الساحة بنحو جيد و قويّ و جازم و عازم، و ملأ صناديق الاقتراع بأصواته و عزيمته، فإن إيران ستفخر و تزهو، و الجمهورية الإسلامية ستتباهى و تفخر، مهما كان الذي يفوز و مهما كان الذي يخسر. و الواقع أنه لا يوجد فوز و خسارة للشعب، فالشعب فائز في كل الأحوال. هذه نقطة أساسية حول الانتخابات.
طيب، ما هو التنافس السليم و السباق النزيه؟ التنافس النزيه هو أن يلعب الجميع بشكل جيد، و يتحركوا و يتصرفوا بنحو مطلوب. الشرط الأول كما قلتُ هو مشاركة الجميع، ليشارك الجميع. و قد ذكرتُ هذا المعنى في كلامي السابق للجميع، و قلتُ إن الذين قد تكون لديهم مشكلة مع نظام الجمهورية الإسلامية ليست لديهم مشكلة مع أمن البلاد، و ليست لديهم مشكلة مع اقتدار البلاد. و هذا النظام يحافظ اليوم على أمن البلاد، و يسرّع من تقدم البلاد، و يحقق العزة لهذا الشعب، و هذه أمور لا تقبل الإنكار، و هي أمور يحبونها و يريدونها، إذن، فليشاركوا في هذا الساحة من أجل إعزاز إيران و الإيرانيين، و من أجل استمرار الأمن الوطني و لضمان التقدم الذي انطلق و الحمد لله منذ مطلع الثورة و استمر لحد الآن من دون توقف، ليخوضوا غمار الساحة من أجل هذه الاعتبارات. الكل ينبغي أن يشاركوا.
يترصد البعض ليسجلوا نقطة سلبية على نظام الجمهورية الإسلامية من خلال عدم مشاركة الناس في ساحة الانتخابات، أو بمقاطعتهم للانتخابات، أو بعضعضة الانتخابات، و سوف أشير لهذه النقاط. البعض يترصدون في كمائنهم. لقد أثبت الشعب كفاءته و فاعليته مقابل هؤلاء المترصدين الماكرين، و سوف يثبتها اليوم أيضاً. هذا هو كلامي الأول و أهم كلام لي في كل الدورات الانتخابية، و هو نفسه الآن أيضاً: مشاركة الشعب الشاملة الفاعلة.
القضية الثانية التي تؤمّن و تضمن سلامة الانتخابات و نزاهة هذا التنافس هي أن يخوض الناس غمار هذه الساحة ببصيرة و تفكير، و ينتخبوا الأفراد الصالحين. لينتخبوا أشخاصاً إذا تولوا تلك المواقع و المسؤوليات - مهما كان ذلك الموقع و المسؤولية، سواء موقع عضوية مجلس خبراء القيادة أو موقع النيابة في مجلس الشوري الإسلامي أو موقع رئاسة الجمهورية - جعلوا من أنفسهم دروعاً أمام مشكلات البلاد، و تفانوا في الخدمة و رعاية مصالح الشعب و منفعته، و لم يبيعوا البلاد للعدو، و لم يسحقوا مصالح البلاد تحت صخرة المجاملات و الخجل من ذا و ذاك. يجب أن ينتخبوا مثل هؤلاء الأشخاص. و سيكون هذا انتخاباً جيداً.
نعم، أنا قلتُ و أقول مرة أخرى بأنه ليأتي حتى الذين لا يؤيدون النظام و ليشاركوا في الانتخابات و يصوّتوا، و لكن لا أن يبعثوا شخصاً لا يقبل النظام إلى مجلس الشورى الإسلامي. هذا شيء غير موجود في أيّ مكان في العالم، بأننا حين قلنا تعال أنت أيها السيد الذي لا تؤيد النظام و شارك، سيقول: طيب، إذن اسمحوا لي أن أمنح صوتي لشخص هو أيضاً لا يقبل النظام، هذا لا معنى له. لا يوجد في أيّ مكان من العالم مثل هذا الشيء بأن يسمحوا لشخص لا يقبل أصل النظام في البلاد بالدخول إلى مراكز اتخاذ القرار في تلك البلاد. بل إنهم في بعض البلدان يقصون الشخص بأدنى تهمة. بلد أمريكا هذا الذي يطرح نفسه اليوم كرمز للحرية و ما إلى ذلك، و ثمة بعض السذج يصدقون و يروّجون لهذه الأقوال، في الزمن الذي كان فيه التيار اليساري موجوداً في العالم - و هذه حالة غير مطروحة اليوم طبعاً - كانوا يرفضون بحسم أي شخص لأبسط كلمة منه تدل مثلاً على ميول ضعيفة نحو الأفكار الاقتصادية الاشتراكية. هذا الشخص ليس بشيوعي و لا يؤمن بالشيوعية، و لا يؤمن حتى بالاشتراكية، و لكن إذا إبدى لمحة بسيطة في الشؤون الاقتصادية بذلك الاتجاه رفضوه؛ في نفس هذا المكان الذي يرددون فيه الآن اسم الحرية و الديمقراطية و ما شابه، و يعترضون علينا لماذا لديكم مجلس صيانة دستور؛ عديمي الحياء.. إذن، أن نتقيد بأن يذهب إلى المجلس شخص يؤيد النظام و مصالح البلاد و القيم الأساسية في البلاد و يعززها و يتابعها، فهذا حق عام. و هو مؤثر في الانتخابات و نزاهة الانتخابات.
و هناك نقاط أخرى: ليسلم الجميع للقانون. لقد سرّني كثيراً أن رأيت السيدين المحترمين، حضرة السيدة جنتي (حفظه الله) و حضرة السيد رحماني فضلي، يشددان على قضية النزعة القانونية، فهذه توصيتنا الدائمية. كان تأكيدي دائماً على المسؤولين و المعنيين بقضية الانتخابات أن أقول: ضعوا أقدامكم و خطواتكم في مكان صلب قويم، و المكان الصلب هو الجانب القانوني، القانون، راعوا نص القانون.
لا تهان المؤسسات القانونية، تفطنوا إلى هذا المعنى. المؤسسة القانونية لديها واجبات فلا نفتري عليها أو نهينها. المؤسسة القانونية مؤسسة قانونية. لا أنها لا تخطئ. كل مؤسسة قانونية مثل كل البشر، و مثلي أنا الملئ بالتقصير و الأخطاء قد نخطئ، لكن هذا لا يعني أن نهين مؤسسة قانونية أمام الرأي العام و في إعلامنا و نستهين بها و نحقّرها في كلامنا، لا، إذا فُتح هذا الباب فستكون فوضى. طيب، ذوق حضرتك هذا بأن لا تحترم المؤسسة القانونية الفلانية، و شخص آخر له ذوق آخر فلا يحترم المؤسسة القانونية التي ترتبط أنت بها ، فهل هذا حسن؟ لا تفتحوا هذا الباب.
لا تشوشوا الأذهان العامة بأقوال من قبيل ليس واضحاً ما سيحصل و لا ندري ما سيكون. هذه ممارسة خاطئة جداً، و سبق أن نبّهت. دعوا الناس تتوجه نحو الانتخابات كما هو حقها و كما هو الواقع و بشوق و حيوية و نشاط. تشويش الأذهان العامة ممارسة خاطئة جداً، و تسيئ ظنون الناس بالانتخابات.
لا يوجّه المرشحون للانتخابات الإهانات أحدهم للآخر. حضرتك مرشح و تعتقد أنك إنسان صالح و شخصية مميزة، جيد جداً، إمدح نفسك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، و لكن لا تهين منافسك، و لا توجه التهم لمنافسك، و لا تغتب منافسك. التهمة و الافتراء معناهما أن تنسبوا شيئاً غير واقعي، أما الغيبة فمعناها أن تنسبوا شيئاً واقعياً صحيحاً. يجب أن لا تغتابوا أيضاً. إذن، هذه بدورها وظيفة و معيار لنزاهة الانتخابات. ليوضح النواب للناس ما في وسعهم و قدرتهم و أهليتهم، و سينظر الناس و الشعب فإذا أعجبهم منحوا أصواتهم و إذا لم يعجبهم لم يمنحوا أصواتهم. هذه ستكون انتخابات نزيهة.
لا يعطوا وعوداً غير عملية. بعض المرشحين يعطون الناس وعوداً يعلمون هم أنفسهم أنهم غير قادرين عليها. إذا كنتَ لا تستطيع تنفيذ هذا الوعد فلمَ تعطي الناس وعوداً؟ لماذا تمنّون الناس بشيء تعلمون أنه لن يحصل؟ و أحياناً يعطون وعوداً غير قانونية! يقولون سوف نقوم بالعمل الفلاني في حين يعلمون أن ذلك العمل بخلاف القانون، إما إنه بخلاف دستور البلاد، أو بخلاف القانون العادي. لا يعطوا وعوداً من هذا السنخ، و لا يرفعوا شعارات غير قانونية. يجب التعامل مع الناس بصدق. شعبنا كله من النوع الذي يشعر بالصدق و يفهمه و يدركه، و عندما نتعامل بطريقة غير صادقة قد يقع البعض للحظة و لمحة واحدة في خطأ لكن الحقيقة ستتجلى بعد ذلك. يجب التعامل مع الناس بصدق، و ينبغي التحدث معهم بصدق. هذه من الآداب الحتمية للانتخابات النزيهة السليمة.
و قد ظهرت عادة لدى البعض يكررونها هكذا باستمرار: «المتطرفون المتطرفون». نعم، التطرف و الهشاشة - بمعنى الإفراط و التفريط - كلاهما سيّئ. هذا معلوم، و لكن ما هو التطرف و التشدد و ما هي الهشاشة و التماهي، و ما هو الخط الوسط؟ هذه ليست أموراً واضحة بينة بدرجة كبيرة. ليست من المسائل البينة، و تحتاج إلى تبيين. لأنه تصلنا الكثير من الأخبار، و المرء يرى هذه الصحف و المجلات المتنوعة، و أنا أفهم أنهم يتحدثون أحياناً عن التطرف و يقصدون تيار حزب الله و التيار المتدين، لا، لا تتهموا التيار المؤمن المتدين، و التيار الثوري، و شباب حزب الله بالتطرف. هؤلاء هم المتواجدون في الساحة بكل وجودهم و بكل إخلاص، و عندما تستدعي الضرورة الدفاع عن الحدود و الدفاع عن الهوية الوطنية، و تكون القضية قضية بذل أرواح و دماء، سيكون هؤلاء هم الذين يملأون الميدان. لمجرد أن تقع حادثة معينة في مكان ما لا تحظى بالقبول و التأييد، يوجّهون الأصابع فوراً إلى الحزب اللهيين، من قبيل حادثة سفارة العربية السعودية التي كانت طبعاً عملاً سيئاً جداً و خاطئاً و كل من فعله فعل خطأ و حماقة. الجماعة المؤمنة المتدينة و الشباب الثوري، الذين هم ثوريون - و أنا على اتصال و أنس بهؤلاء الشباب إلى حد كبير و من بعيد و قريب - و عقولهم و فهومهم و تعقلهم في كثير من الأحيان أفضل و أكثر من بعض الكبار. هؤلاء يفهمون جيداً و يحللون جيداً و يشخّصون القضايا و الأمور بشكل جيد، و هم دروع الثورة و حصن الإسلام، نعمل على إضعاف هؤلاء بذريعة حدوث القضية الفلانية في المكان الفلاني، و التي كانت قضية و حادثة سيئة! نعم، ليس سفارة العربية السعودية فقط، بل حتى حادثة السفارة البريطانية التي وقعت قبل سنوات، ساءتني. ليس من المقبول أبداً القيام بمثل هذه الأعمال. هذه الأعمال أعمال سيئة للغاية و في ضرر البلاد و في ضرر الإسلام و في ضرر الجميع. لا يجعلوا من هذه الأعمال ذريعة للتهجّم على شبابنا الثوري. هذه أيضاً نقطة.
إذن، الانتخابات كما قال السيد جنتي و قوله صحيح نعمة كبيرة و فرصة كبيرة، و تحتاج هذه النعمة الكبيرة إلى شكر. و شكرها أن نحاول كلنا أين ما كنا إقامتها بشكل جيد و نزيه و لا نسمح بتشويش و تشويه هذا العمل الكبير و هذه الحركة الكبيرة بسلوكياتنا و كلامنا و بعض أقوالنا غير المحسوبة مما يسمعه المرء هنا و هناك. يجب أن ندقق في هذه الأمور، فالقضية قضية كبيرة.
و أنتم العاملون في هذه القضية و العملية الكبيرة، فاعلموا أن الجهود كثيرة و المشكلات كثيرة و التوقعات كثيرة. و أحياناً توجّه سهامُ الاتهامات نحوكم - أين ما كنتم، سواء في الهيئات التنفيذية أو هيئات الإشراف أو وزارة الداخلية أو مجلس صيانة الدستور - هذا كله مشهود موجود لكن اعلموا أن أجركم عند الله كبير جداً، العمل عمل كبير. لأنكم تعملون في مهمة كبيرة إذا كانت نواياكم إن شاء الله نوايا إلهية و كان عملكم من أجل أداء الواجب الإسلامي و الثوري فأجركم عند الله تعالى كبير. و إذن، لا تخافوا من صعوبة هذا العمل و وعورة هذا الدرب، و تابعوا العمل على أحسن نحو. هذا عن الانتخابات.
و حول قضية برجام [الاتفاق النووي] فقد كانت هذه بدورها حادثة، حادثة كبيرة و مهمة. و للحق و الإنصاف نقول إنهم تحملوا الكثير من المشقة، لا أنّ كل مطاليبنا و إراداتنا قد تحققت، لا، و لكن حتى هذا المقدار الذي تحقق من إرادات الجمهورية الإسلامية، تحمل هؤلاء الإخوة الأعزاء - وزير الخارجية المحترم، و الوفد المفاوض، و شخص رئيس الجمهورية المحترم - من أجلها الكثير من الجهود و المساعي، و الحق يقال. كنا نرى دائماً أنهم يدأبون و يكدّون و يتحرّقون و يتحركون و يفكرون و يتابعون و يجتمعون و يقيمون الجلسات الطويلة و يتحملون عدم النوم و ما إلى ذلك. نسأل الله تعالى أن يوفيهم أجورهم و أن يتقبل أعمالهم و يرضى عنها و يشكرها لهم. هذا محفوظ في محله، لكن البعض يتظاهرون و كأن هذه المكاسب التي حصلت الآن هي لطف من أمريكا علينا بأن ترفع هذا الحظر عنا. ليس الأمر كذلك. البعض يريدون استغلال هذه الفرصة ليزوّقوا و يجمّلوا الوجه المشؤوم للاستكبار. هذا شيء خطير جداً. أي لطف؟! أنت تحملت المشاق و جمعت مالاً و بنيت بيتاً، و يأتي شقي المحلة فينتزع مفتاح البيت منك، و يحتل نصف البيت مثلاً، و يضغط عليك، ثم تستطيع بجهد و تعب و طاقات فكرية و بدنية و قوى عامة و إعلام و عمل متواصل أن تطرده من البيت لكنه يبقى محتفظاً بغرفتين. فهل يمكنه أن يمنّ عليك بأن خرج من البيت و أنهى اغتصابه؟ هكذا هم الأمريكان.
لقد حصلنا على الطاقة النووية بقدراتنا و بأفكار علمائنا و بدعم حكوماتنا المختلفة، و أعطينا أربعة شهداء في هذا الدرب، و أوصلنا الأمر إلى هذه المحطة، فهل هذا بالهزل؟ عملنا ما من شأنه أن يضطر العدو، الذي كان في يوم من الأيام غير مستعد للقبول بدوران جهاز طرد مركزي واحد في هذا البلد، إلى الرضا بوجود عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزية، و اضطراره هذا كان بسبب الواقع القائم. هذا ليس لطف و منّة من جانبهم، بل هو جهد الشعب الإيراني و مساعي العلماء. هم فرضوا حظراً من أجل إغضاب الشعب و جرّه إلى الشوارع. هذا ما قلتُه قبل عدة سنوات (2) و قال البعض إن هذا تحليل، نعم، ربما كان في ذلك الزمن تحليلاً لكنه اليوم خبر، و قد قالوه بأنفسهم. قال أشخاص متعددون منهم في كلمات مختلفة لهم بأن هدفنا هو إغضاب الشعب من نظام الجمهورية الإسلامية و من حكومة الجمهورية الإسلامية. كانوا يريدون جرّ الناس إلى الشوارع، لكن شعبنا صمد و قاوم، و غدت مقاومة الشعب و صموده رصيداً و سنداً للعمل السياسي و الدبلوماسي و المفاوضات. فوجد العدو نفسه مضطراً. هذا المقدار من تراجع العدو كان بسبب أن الشعب أبدى عن نفسه اقتداراً، و حكومة الجمهورية الإسلامية أبدت عن نفسها اقتداراً و عزة. طبعاً أنا شخصياً أعتقد أنه كان بالإمكان أن نقوم بأفضل من هذا، و لكن القدرات و الفرصة و الإمكانيات اقتضت هذا المقدار بالتالي. و لكن نفس هذا المقدار من التقدم الذي حصل عمل جدير بالملاحظة، و عمل مهم، و هو بفضل إسناد الشعب و الاقتدار الوطني و بسبب الارتباط الوثيق الواسع لنظام الجمهورية الإسلامية بجميع أبناء الشعب و بالهيكل العام للشعب.
و أقول أيضاً إنه في القضية النووية و معركة الاستكبار - و أصل الاستكبار هو أمريكا و ذلك الصنم الأمريكي الكبير، أما بقية الحكومات الغربية التي دخلت في هذه الملف فأصنام هامشية محيطية - ضدنا في الملف النووي ليست بسبب القضية النووية فقط، و إلّا يمكن القسم بأنهم يعلمون أن الجمهورية الإسلامية لم تكن تسعى لامتلاك قنبلة نووية، هذا ما يمكن القسم عليه، إنما القضية قضية أخرى. إنها جزء من حركة عامة للضغط على الشعب الإيراني و لإيقاف المسيرة الثورية للشعب الإيراني نحو أهدافه، و لإيقاف النفوذ المتصاعد الواسع لنظام الجمهورية الإسلامية في المنطقة و العالم، هذا واقع. لا أننا نريد مثل هذا النفوذ، لكن هذه هي طبيعة الأمور، فالكلام الجديد و الجذاب و القلوب الطاهرة و النوايا الصادقة تتقبل و تنجذب إلى ذلك الكلام، و هكذا يزداد نفوذ الجمهورية الإسلامية و اعتبارها، و يزدادون هم توحشاً. هدفهم هو إيقاف هذا المدّ و النفوذ. هدفهم أن يفهموا الشعوب بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضاً لم تستطع إقامة نظام على أساس الدين و مواصلته و إدارته. يريدون إثبات هذا الشيء و هذا هو هدفهم. ينبغي أن يتفطن الجميع لهذه القضية. المسؤولون يجب أن يتفطنوا، و كل واحد من أبناء الشعب ينبغي أن يتنبه.
تريد أمريكا أن تمرر مشاريعها بالقوة و الإعلام الكاذب، و ينبغي المقاومة مقابل قوتها و إعلامها الكاذب. و الآن أيضاً ليكن جميع المسؤولين - سواء المسؤولون في الحكومة أو في هيئة الإشراف التي أوصينا بها - (3) حذرين من أن يمارس الجانب الآخر مخادعاته، فالجانب الآخر من أهل المخادعات و الحيل. و لا يمكن الوثوق بالابتسامات و الأقنعة التي يخلعها على وجهه.
أقول لكم إن أمريكا في زمن ريغان و بوش لم تختلف أبداً عن أمريكا اليوم. كما أن أمريكا زمن ريغان وجدت من اللازم في زمن من الأزمان و قصفت مناطقنا في الخليج الفارسي عن حقد و غضب، اليوم أيضاً ستعيد نفس هذا العمل إذ استطاعت. لم تختلف أمريكا شيئاً، و قد كانت سياسات أمريكا مقابل الإسلام و مقابل الجمهورية الإسلامية سياسات ثابتة. طبعاً أساليبهم مختلفة، أحدهم ينتهج هذا الأسلوب و الثاني يتبع ذاك الأسلوب، لكن هدفهم شيء واحد. هذا ما ينبغي على الجميع التنبه له. لذا فهم من أهل المخادعات و يمارسون الخدع. فليحذروا من مخادعاتهم. ليحذروا و يدققوا في أن ما يقومون به متطابق مع ما التزموا به بالمعنى الحقيقي للكلمة. يجب عدم تجاهل مخادعات الطرف المقابل. و إذا شاهدوا خدعة من الطرف المقابل فيجب المقابلة بالمثل. أي إذا نقض الجانب الآخر عهوده فيجب على هذا الطرف أيضاً أن ينقض عهوده و يقاوم.
هذه الخطوة التي قام بها شبابنا الأعزاء من الحرس الثوري في البحر، و أبدوا عن أنفسهم هوية و قدرة مقابل اعتداء العدو - و لم تسنح الفرصة لحد الآن لأقدم الشكر لهم، و أنا أشكرهم حقاً - عمل صحيح تماماً. اعتدى العدو على مياهنا فذهبوا و حاصروا العدو. المسؤولون عن السياسة ليعملوا بهذه الطريقة في كل الساحات و الميادين العالمية. ليحذروا من تطاول العدو و اعتدائه و يرصدوه و ينظروا أين اعتدى و تجاوز و أين يريد تجاوز الخطوط، و يحولوا دونه باقتدار.
نقطة أخرى نبّهت لها مراراً هي أننا الآن و قد رفع الحظر فهل ستعالج مشكلة البلد الاقتصادية و معيشة الناس؟ لا، فحلّ هذه المشكلة يحتاج إلى إدارة و تخطيط و برمجة. لقد قلتُ في زمن هذه الحكومة و في زمن الحكومة السابقة حيث بدأ جزء مهم من الحظر الجديد لتوّه و بقي جزء منه بانتظار الزمان ليبدأ، قلتُ إن المشكلات الاقتصادية للبلد قد يكون منها عشرون بالمائة أو ثلاثون بالمائة أو أربعون بالمائة يعود سببه إلى الحظر لكن الباقي يتعلق بإدارتنا، نحن الذين يجب أن ندير و نعمل بشكل صحيح، و سبيل العمل هو الاقتصاد المقاوم. لقد أيّد الجميع الاقتصاد المقاوم و أقرّوه و صدقوه و برمجوا له - و لحسن الحظ فإن الأجهزة الحكومية و أصدقاؤنا في الحكومة لديهم برامج و خطط للمتابعة - و ينبغي متابعته بجدّ و جعل البلاد مقاومة من الناحية الاقتصادية، و إلّا إذا تسمّرت أعيننا على قرارات الأجنبي و كانت بيد الأجنبي فلن نصل إلى نتيجة. لقد أوصلوا نفطنا اليوم إلى قرابة خمس سعره. النفط الذي هو الرصيد الأصلي لاقتصادنا أوصلوه للأسف إلى ما يقارب خمس سعره. ناهيك عن أن تلك المائة دولار أو المائة و عشرة دولارات أو المائة و عشرين دولاراً لم تكن هي الأخرى سعر النفط الحقيقي، فسعر النفط الحقيقي أكثر من ذلك - و هذا أيضاً سبق أن قلته - (4) و لكن حتى ذلك السعر الذي كان، خفّضوه إلى قرابة الربع أو الخمس. إذا ارتهن الإنسان للعدو و ما يفعله العدو فستحدث الكثير من هذه الأشياء. هذه زلازل و هزات لا مناص منها و لا يمتلك المرء حيالها خياراً. ينبغي أن ننظم الاقتصاد بحيث يكون قوياً مقابل هذه الاهتزازات و لا يتأثر بها.
و الآن أيضاً حين تأتي الوفود الأجنبية و تذهب ينبغي أن يتحلى المسؤولون الحكوميون باليقظة و النباهة بحيث لا تسبب العقود التي تبرم مع الوفود التجارية و الصناعية و الاقتصادية الأجنبية التي تأتي و تذهب أضراراً للعمل في الداخل و للزراعة في الداخل. و بالطبع فقد ذكرنا هذا للمسؤولين المحترمين في اجتماعاتنا الخاصة بأن يحذروا هذا الشيء. أي إن البلد يجب أن يقف على قدميه. إننا شعب قوي و عدد نفوسنا كبير - نفوسنا قرابة ثمانين مليون نسمة، و هذه ليست بالنفوس القليلة - و ثمة في بلادنا عشرات الملايين من الشباب المتعلمين، و لدينا في كل القطاعات و كل المجالات أشخاص قادرين علماء، و هذه مصادرنا الجوفية، و ذاك تنوعنا الإقليمي و البيئي العجيب الغريب، و كل هذه إمكانيات و فرص. علينا أن نقف على أقدامنا و لا نعتمد على الآخرين.
طيب، العدو عدو و مخططاته في ضرر الشعوب. و هكذا هو الحال في هذه المنطقة أيضاً. تتذكرون أن الأمريكيين قالوا قبل سنوات من الآن «الشرق الأوسط الجديد»، و لم نفهم في ذلك الحين على وجه التحديد ما الذي يريدون فعله و أطلقوا عليه اسم الشرق الأوسط الجديد. و الآن أدركنا ما هو الشرق الأوسط الجديد: إنه شرق أوسط الحروب، و شرق أوسط الإرهاب، و شرق أوسط العصبيات و التحجّر، و شرق أوسط الاقتتال الداخلي و انشغال الأطراف بعضها ببعض، حرب في سورية، و حرب في العراق، و حرب في ليبيا، و الإرهاب منتشر في كل هذه البلدان، إرهاب في تركيا، و إرهاب في أماكن أخرى. هذا هو الشرق الأوسط الجديد. هذا هو ما يريدونه و ينشدونه. نعم، هم ينكرون ذلك، لكن الإنسان يشاهد الأمر بعينيه، فللإنسان عقله و هو ينظر. يشعلون حرباً بين الشيعة و السنة، و يسلحون عناصر داخلية و يطلقونها على الشعوب و الحكومات. هذا هو شرق أوسطهم الجديد. ليعرفوا أمريكا.
بلدنا و الحمد لله و ببركة تدين الشعب و ثوريته و بصيرته بقي مصاناً إلى حد كبير من تطاولات الأعداء الألداء. نعم، وجهوا ضربات و أضراراً و فعلوا أفعالاً لكنهم لم يستطيعوا توجيه ضربة قاصمة و لن يستطيعوا بتوفيق من الله توجيه ضربة قاصمة. و بتوفيق من الله سيرى الشعب الإيراني اليوم الذي ينتصر فيه على كل هذه السياسات الاستكبارية و يبلغ أمنياته إن شاء الله، و سيجرّب شعب إيران إن شاء الله كل تلك الأهداف و المطامح و المبادئ الكبرى للثورة الإسلامية. الشيء اللازم و الضروري هو جهودنا العامة و مساعينا المخلصة، و تعاوننا و تعاضدنا و عطفنا بعضنا على بعض. لنكن مع بعض، و لننسجم بعضنا مع بعض، و لنعمل سوية مع بعض، و لا ننسى الأهداف و لا ننسى المبادئ السامية، و لنسر في كل الساحات بصميمية. الله مع شعب إيران، و سيكون النصر للشعب الإيراني إن شاء الله. وفقكم الله تعالى جميعاً و أيدكم. و حشر الله شهداءنا الأبرار و إمامنا الخميني الجليل مع الرسول الأكرم (ص).
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - تقام الدورة العاشرة من مجلس الشورى الإسلامي و الدورة الخامسة من مجلس خبراء القيادة في السابع من شهر أسفند من السنة الإيرانية الجارية (26 شباط 2016 م) بشكل متزامن.
2 - من ذلك كلمته في حشود زوار المرقد الرضوي الشريف و أهالي مدينة مشهد بتاريخ 1/1/1393 هـ ش الموافق لـ 21 آذار 20145 م .
3 - رسالته الجوابية لرئيس الجمهورية الإسلامية بشأن لوازم تطبيق برجام (الاتفاق النووي) بتاريخ 29/7/1394 هـ ش الموافق لـ 21 تشرين الأول 2015 م .
4 - كلمته في حشود زوار المرقد الرضوي الطاهر و أهالي مدينة مشهد بتاريخ 6/1/1379 هـ ش المصادف لـ 25 آذار 2000 م .