بسم الله الرحمن الرحيم (1)

و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين، و لعنة الله على أعدائهم أجمعين.
أرحّب بكل الإخوة و الأخوات الأعزاء من نجف آباد الذين كانوا و لا زالوا يمثلون بحق و بدون ملاحظات و مجاملات نموذجاً للرجال و النساء الثوريين المتدينين المؤمنين الأوفياء في كل مراحل الثورة، و خصوصاً عوائل الشهداء المبجلة و العلماء المحترمين و مختلف شرائح الشعب الحاضرين هنا.
ما قاله سماحة السيد حسناتي حول نجف آباد موضع تصديقي و تأييدي بالكامل. أنا أيضاً أشهد حقاً بأن أهالي نجف آباد لهم ميزة على كثير من مناطق البلاد، في صدقهم، و في وفائهم، و في سوابقهم تجاه الثورة. يوم كان الكفاح الإسلامي و النهضة الإسلامية في طور الغربة، كانت نجف آباد موطن ازدهار هذه الأفكار الكفاحية النضالية. إنني في تلك الفترة - سنوات ما قبل الثورة - جئتُ و زرتُ نجف آباد عن قرب و شاهدتُ حماس الناس و شعورهم و وعيهم و مشاركتهم و تواجدهم و فهمهم لقضايا الثورة، الشرائح كلها، و ليس فقط شريحة الشباب آنذاك، أو شريحة المثقفين يومذاك، و حتى عندما يجالس المرء بعض القرويين و العاميين و يتحدث معهم حول قضايا الثورة، كان يجد أنهم واعون ملتزمون فاهمون. رحمة الله على الذين بذلوا الجهود في هذا السبيل و سعوا و زادوا من وعي الجماهير.
و عندما انتصرت الثورة بقيت نجف آباد في الصفوف الأمامية. أشاروا إلى فرقة النجف و الشهيد كاظمي (2) و باقي شهداء هذه الفرقة، أولئك القادة الصادقين المؤمنين الأوفياء الغيارى الكفوئين. ذهبت أنا إلى الفرقة في منطقة العمليات العسكرية في الجبهة - أكثر من مرة - و كان بوسع المرء أن يشاهد هناك نفس هذه الخصوصيات و الخصال البارزة. صمدتم و قاومتم و أبديتم الصدق و الوفاء و قدمتم الشهداء و المعاقين، فأجركم محفوظ عند الله، و أسماؤكم مشرقة على ناصية تاريخ الثورة الذهبية. يجب أن تواصلوا الدرب، فلم نصل بعد إلى نهاية المطاف، و يجب أن نتقدم أكثر و نستمر في المسيرة و نواصل الجد و الجهد و السعي و الجهاد، و قد اختلفت الساحات لكن أصل الجهاد لا يزال قائماً. إذا استطعنا أن نسلم هذه الأمانة للجيل اللاحق نكون قد أدينا واجبنا. و الحمد لله على أن شبابكم ناشطون دؤوبون واعون، و البلد بلد الشباب. نتمنى إن شاء الله أن يبقي الله تعالى بركات شهدائكم و كباركم و عظمائكم و العلماء الكبار الذين خرّجتهم هذه المدينة - سواء منهم الذين كانوا في نجف آباد أو الذين كانوا في إصفهان أو الذين كانوا في مشهد أو الذين كانوا في قم، أي تصدير العلماء و المجتهدين من هذه المدينة المباركة - أن يبقيها محفوظة لكم، و نشاهد نتائج هذه البركات في كل البلاد.
و أشير إلى أيام استشهاد جوهرة أهل البيت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، و هذه الأيام هي أيام استشهادها طبقاً لرواية الخمسة و سبعين يوماً. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يودع في هذه الأيام بقلب كسير و صدر ملؤه الألم عزيزته و يعيد للرسول الأكرم (ص) وديعته الثمينة. قلب أمير المؤمنين (ع) طافح بالحزن لكن إرادته و همّته لم تنقص أبداً، و هذا درس لي و لكم. أحياناً يمتلئ القلب بالألم - و ثمة أمور من هذا القبيل في حياة الإنسان، سواء حياته الفردية أو حياته الاجتماعية - لكن العزيمة و الإرادة يجب أن تبقى راسخة، و ينبغي قطع الخطوات بقوة و رصانة. هناك أحزان تفتت الجبال لكنها لا تستطيع تحطيم الإنسان المؤمن. يجب مواصلة الطريق.
بمناسبة إننا اليوم على أعتاب الانتخابات، و الانتخابات مهمة للغاية، أرغب في ذكر جملة من النقاط حول الانتخابات.
النقطة الأولى هي أهمية الانتخابات نفسها. ليست القضية مجرد أن نذهب إلى صناديق الاقتراع و نضع في الصندوق ورقة باسم شخص أو مجموعة من الأشخاص. القضية هي أن الانتخابات تمثل في بلادنا وقفة وطنية بكامل القوام، فالشعب بالانتخابات يقف أمام العدو صانعاً من صدره درعاً، و يستعرض عضلاته. هذه هي أهمية الانتخابات. عندما يشاهد العدو أنه بعد 37 سنة من كل هذه الضغوط و هذا الحظر الظالم و هذه الدعايات المغرضة الخبيثة لم يستطع منع الجماهير من مبايعة النظام، فإن عظمة هذه الثورة ستزداد هيبة في أنظاره، و سيزداد شعب إيران عظمة في عينه، و ستكتسب ثورة الشعب عظمة في عينه. هذه هي الانتخابات. الانتخابات بمعنى دعم العزة الوطنية و الاستقلال الوطني و بمعنى صمود الشعب الإيراني. لاحظوا، تحدث السيد حسناتي الآن عن وفاء أهالي نجف آباد و صمودهم، فشعرتم أنتم في قلوبكم بالفخر، و شعرتُ أنا أيضاً بالفخر في قلبي. عندما يظهر وفاء جماعة من الناس و صمودها و قدرة عزيمتها و إرادتها يشعر أي ناظر أو سامع بالفخر. و الانتخابات تعرض وفاء الشعب الإيراني. شعب يقارب الثمانين مليوناً يأتي في هذه الساحة المليئة بالأعداء، و هي كحقل ألغام، فهي ساحة مواجهات و معارك مغرضة و خبيثة، يأتي بكل هذه الشجاعة و البسالة و يعلن عن مشاركته و تواجده. هذه هي الانتخابات. لاحظوا كم هي مهمة. كل من يحب عزة إيران الإسلامية يجب أن يشارك في هذه الانتخابات و سيشارك، و فسوف ترون إن شاء الله. سيرى العالم يوم الجمعة كيف يسير شعب إيران بشوق نحو أداء واجبه و إحقاق حقه، و الانتخابات واجب و حق في الوقت نفسه. أعتقد أن هذه النقطة هي أهم نقطة يجب أن تقال حول الانتخابات، و قد كررتُ التأكيد مراراً على أصل الانتخابات.
النقطة الثانية هي كما أننا نحن الشعب الإيراني كنا حساسين حيال الانتخابات طوال هذه الأعوام السبعة و الثلاثين، كان خصوم الشعب الإيراني أيضاً حساسين حيالها. هم أيضاً أرادوا بمختلف الحيل و الأساليب أن يسجلوا مؤاخذة على هذه الدورات الانتخابية، شتى صنوف الحيل و الأحابيل. في فترة من الفترات حاولوا أن يقولوا إن الانتخابات كذب، و لا توجد في إيران انتخابات أصلاً، و لكن كانت ثمة انتخابات أمام أنظار الجميع. هكذا كانت دعاياتهم في السنوات الأولى. و حاولوا خلال فترة أن يمنعوا الناس من التوجّه لصناديق الاقتراع بدعاياتهم و إعلامهم. بل في دورة من الدورات خاطب رئيس جمهورية أمريكا الشعب الإيراني قبل يومين أو ثلاثة من الانتخابات بصراحة و قال لا تتوجهوا إلى صناديق الاقتراع و لا تصوّتوا! فماذا فعل الناس؟ عاندوا فتوجّهوا إلى صناديق الاقتراع و صوّتوا أكثر من ذي قبل. كانت هذه أيضاً طريقة بأن يصرفوا الناس عن التوجه إلى صناديق الاقتراع بأنواع الحيل و الدعايات. و حيلة أخرى كانت أنْ يفهموا الناس بأن انتخابكم و مشاركتكم في الانتخابات لا تنفع، فأنتم تكتبوا اسم زيد و يخرج اسم عمرو من الصناديق، هذا ما كانوا يقولونه إذا كنتم تتذكرون، و قد لا يتذكر الأكثر شباباً و لم يشهدوا تلك الأيام، لكن الأغلبية تتذكر. كانوا يحوّلون هذا إلى شعار و يقولونه. و للأسف فإن بعض الغافلين في داخل البلاد كانوا يتناغمون معهم. لفترة من الزمن كانوا يقولون هذا. لم تنفع أيّ من هذه الحيل. لم تستطع هذه الحيل أن تزعزع الناس، و لم تستطع أن تؤثر على فهم الجماهير و إدراكهم لأهمية القضية. و الآن راحوا يجرّبون طرائق أخرى. طبعاً الساسة الأمريكان توصلوا بالتجربة إلى أنهم يجب أن لا يصرحوا، لأنهم مهما قالوا سيتصرف الناس على الضدّ منه، لكن أذناب الاستكبار و لحّاس قصاعهم الذين ذهبوا إلى هناك و صاروا متطفلين على فتات الحكومة الأمريكية و الحكومة البريطانية، يعملون في الإذاعات و وسائل الإعلام المتنوعة و وسائل الإعلام المجازية و الافتراضية و الإنترنت و ما إلى ذلك، يعملون ليل نهار. و من أعمالهم أن ينشروا استبيانات كاذبة و يستنتجوا من هذه الاستبيانات بأن الجماهير غير راغبة في الانتخابات.
من هذه الحيل التي تعلّموها أخيراً و راحوا يستخدمونها، خلق استقطابات ثنائية كاذبة، استقطابات ثنائية زائفة. هذه نقطة مهمة، و سوف أتحدث عن هذا الجانب أكثر معكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، استقطابات ثنائية كاذبة.
طيب، الانتخابات سباق، و واضح أن الجميع في السباق يحاولون أن يفوزوا و يتقدموا، و من طبيعة السباق الحماس و النشاط و الحيوية و الركض و ما إلى ذلك. الانتخابات سباق، يتقدم فيه طرف و يتأخر طرف، و هذا ليس عداء و لا عناداً و لا استقطاباً ثنائياً. يبثون في إذاعاتهم و تلفزيوناتهم و وسائل إعلامهم المتنوعة دائماً أخباراً عن استقطاب ثنائي في الشعب الإيراني بمعنى الانشقاق و الانقسام و المعاداة الداخلية و عمل كل طرف ضد الآخر. نعم، ثمة في إيران الإسلامي استقطاب ثنائي هو استقطاب الثورة و الاستكبار. مَن هم بقايا و مخلفات فترة هيمنة الاستكبار و كل من يتبعهم و يؤيدهم، هؤلاء نعم سيئون مع الثورة و خصوم لها. هذا الاستقطاب الثنائي موجود، لكن قاطبة الشعب الإيراني ثوري و محب للنظام الإسلامي و عاشق للإمام الخميني و ذكريات الإمام الخميني - أولئك الذين لم يروا الإمام الخميني حتى للحظة واحدة و ولدوا بعد رحيل الإمام الخميني - و أقوال الإمام الخميني و صوته و توصياته و الأصول التي أرساها. قاطبة الشعب الإيراني محب لهذه الأمور. نعم، ثمة مثل هذا الاستقطاب الثنائي طبعاً بين الذين يحبون الإمام الخميني و الثورة و الذين لا يوافقون أصل الثورة و أصل النظام. و أنا طبعاً قلتُ للذين لا يوافقون حتى النظام إنكم توافقون إيران بالتالي، إذن شاركوا في الانتخابات من أجل عزة إيران. بعضهم يصغون و بعضهم لا يصغون.
الآن يوحون باستقطاب ثنائي في هذه الانتخابات. أساس الإيحاء بالاستقطابات الثنائية من هناك، و هنا يكررونها أحياناً. لكن المطلعين على إعلام الأجانب و يستمعون له و يعلمون به، يدرون أن مثل هذه الأمور تعود جذورها إلى هناك. استقطاب ثنائي عن مجلس حكومي و مجلس معادي للحكومة، و كأنّ هناك في إيران جماعة تناصر المجلس الحكومي و جماعة تناصر المجلس المعادي للحكومة، لا، الشعب الإيراني لا يريد مجلساً حكومياً و لا مجلساً معادياً للحكومة، الشعب الإيراني يريد مجلساً يعرف واجباته و يعلم ما الذي يقع على عاتقه في دستور البلاد، و يكون ملتزماً، و متديناً، و شجاعاً، و لا يخشى أمريكا، و محباً حقيقياً لتقدم البلاد، و يرى تقدم البلاد في الإعداد العلمي لشباب هذا البلد و هذا الشعب الموهوبين. يريدون مثل هذا المجلس، مجلس يعرف آلام الناس و آلام البلد و يعمل على معالجة هذه الآلام - هذا هو معنى التشريع - الشعب يريد مثل هذا المجلس. ما معنى المجلس الحكومي و المجلس المعادي للحكومة؟ هذه استقطابات ثنائية كاذبة. اتصلوا بكل واحد من أبناء الشعب الإيراني و قولوا لهم هل تريدون مجلساً يعرف آلام البلاد و مشكلاتها و مشكلات الشعب و يريد حلها أم تريدون مجلساً مناصراً لزيد أو عمرو. ما سيكون الجواب من قبل الشعب؟ واضح أن الشعب يريدون تلك الحالة الأولى، فهذا هو المهم بالنسبة للشعب، مجلس متدين، مجلس ملتزم، مجلس شجاع، مجلس لا ينخدع بمخادعات العدو، مجلس يهتم للعزة الوطنية و الاستقلال الوطني، و لا يسحق العزة الوطنية، و لا يسحق الاستقلال الوطني، و يقف بوجه أطماع الاستكبار و جشعه، و مقابل أطماع القوى التي تقصّرت أيديها عن إيران و تحاول أن تعود ثانية و تمسك زمام الأمور و السلطة بأيديها في هذا البلد، مثل هذا المجلس. طرحنا قضية الاقتصاد المتدفق داخلياً و المنتج داخلياً. الشعب يريد مجلساً يخصص وقتاً بالمعنى الحقيقي للكلمة للاقتصاد المنتج داخلياً و يضع السبل و يرسم خطوط التحرك لهذا الاقتصاد حتى يكون من واجب الحكومة السير عليها. هذا ما يريده الشعب.
نقطة أخرى هي إنني قلتُ منذ فترة احذروا من المتغلغلين، و قد اضطرب البعض بدون مبرر لهذا القول. لا داعي للاضطراب. كان للأمريكان مخططهم لداخل إيران و مخططهم للمنطقة لفترة ما بعد المفاوضات النووية. هذه قضية كانت واضحة لنا و أتضحت. كان لهم مخططهم لإيران و لا يزال لهم هذا المخطط. و كان لهم مخططهم للمنطقة و لا يزال لهم هذا المخطط، و هم يسعون و يعملون، و يعلمون من الذي يقف بقوة مقابل أهدافهم القذرة في المنطقة، هذا ما يعلمونه و يفهمونه. طيب، إذا كان للعدو مخططه لداخل البلاد، فماذا سيفعل؟ سيستخدم المندسين و المتغلغلين. و ليس معنى المندس أنه قبض مالاً ليأتي و يندس في الجهاز الفلاني و هو يعلم أنه مندس و يعلم ما الذي يفعله، لا، المندسّ أحياناً مندسّ و هو نفسه لا يعلم! قال الإمام الخميني (رضوان الله عليه) أحياناً يُسمعُ كلام العدو من أفواه أناس محترمين عبر عدة وسائط. كان الإمام الخميني واعياً و كان صاحب تجربة. العدو يقول شيئاً و يريد شيئاً، و هو ينفذ مخططاته بعدة وسائل و أدوات، و يعمل ما من شأنه أن يسمع كلامه عبر عدة وسائط من لسان شخص محترم مقبول لم يقبض مالاً من العدو و لم يلتزم بشيء للعدو. أولم نر أمثال هؤلاء؟ أولم نجرب هذه الأشياء؟ في نفس مجلس الشورى الإسلامي هذا جاء نائب و اتهم النظام بالكذب! و قال إننا نكذب على العالم منذ عشرة أعوام أو ثلاثة عشر عاماً، من منصة مجلس الشورى الإسلامي! من هذا المنبر العام! طيب، إنه يطلق كلام العدو، فالعدو كان يقول لنا إنكم تكذبون! و إذا بشخص منا يظهر و يقول إن النظام يكذب! أليس هذا متغلغلاً؟ و في بعض الأحيان لا يعلم و لا يدري حتى هو نفسه بأنه متغلغل. كان لنا مجلس في فترة مفاوضات نووية حامية صعبة خلال فترة كان فيها رئيس جمهوريتنا الحالي المحترم رئيساً للمفاوضات النووية، و كانوا يتحملون المشاق و الجهود و يتفاوضون و يتحدثون بصعوبة و يتجادلون مع الأطراف المقابلة و كانوا في الواقع يحاربون و يناضلون من أجل تكريس كلمة إيران و إعلائها، و إذا بهم هنا في المجلس يطرحون مشروعاً فورياً للغاية من أجل أن يكرسوا كلام الطرف المقابل! في ذلك الحين عتب رئيس الوفد المفاوض الذي هو رئيس جمهوريتنا الحالي المحترم و قال إننا نناضل هناك و السادة هنا يصوغون مشروعاً لصالح الأعداء. طيب، هذا تغلغل. و ما هذا إذن؟ هل يجب أن يكون التغلغل علنياً صريحاً صادحاً، حتى يضطرب البعض بمجرد أن يقال تغلغل، و يقولون لماذا تقولون تغلغل تغلغل؟ نعم، ينبغي الحذر.
طيب، إذن العدو يفكر في التغلغل، فمن الذي ينبغي عليه المراقبة و الحذر؟ على الشعب أن يراقب بوعي و دقة و على المسؤولين و السياسيين و الشخصيات السياسية أيضاً أن يدققوا، و هؤلاء يجب أن يحذروا و يدققوا و يراقبوا أكثر. ليحذروا من تحقق إرادة العدو. عندما يشاهدون العدو يطلق كلاماً من أجل خلق انشقاق و انقسام كأنْ يمدحكم مثلاً، فهو يريد خلق شكوك، فالعدو ليس بصديق لكم، عندما تشاهدون العدو يستخدم مثل هذه الحيلة يجب أن تبدوا انزعاجكم على الفور و بلا تردد و تقولوا لا نريد. إنكم إذ تقولون إن العدو يقصد من هذه الأعمال التفرقة يجب أن لا تسمحوا بتطرق الشكوك إلى أذهان الناس. ينبغي التنبه لهذه الأمور. نعود إلى أقوال الإمام الخميني. يقول الإمام الخميني عندما يمدحكم العدو شككوا في سلوككم و أعمالكم و راجعوا أنفسكم لتروا ما الخطأ الذي ارتكبتموه فأفرح العدو و راح يمدحكم. هذا هو دستور الثورة و أمرها، و يجب العمل بهذه الطريقة و ينبغي التقدم إلى الأمام على هذا النحو، و يتحتم عدم الغفلة. ليست سهلة عملية إدارة البلد و إدارة شعب بهذه العظمة و الحجم و بهذه الشجاعة، فهو ليس ذرة أو ذرتين. ينبغي الحذر و المراقبة و التدقيق، و التحرك بأعين مفتحة و بعزيمة راسخة مقابل الأعداء. كانت هذه أيضاً نقطة مهمة ذكرتها.
نقطة أخرى هي أننا يجب أن لا نستخدم الأدبيات السياسية التي يستخدمها العدو. إننا أؤكد على هذه القضية خصوصاً لأصدقائنا و أخوتنا المحترمين في مختلف المشاغل و المواقع السياسية و الحكومية و غير الحكومية و ما شابه، لا يستخدموا نفس أدبيات العدو. طرح أعداء الثورة منذ اليوم الأول تعابير المتشدد و المعتدل و قالوا فلان متشدد و التيار الفلاني متشدد متطرف، و التيار الفلاني معتدل. كان الأكثر تشدداً يومذاك في رأيهم هو الإمام الخميني الجليل، و الأكثر تشدداً اليوم في رأيهم هو أنا. الاعتدال كلمة جميلة لكن الإسلام لا يتكلم بهذه الطريقة، فلنفهم المعارف الإسلامية. الإسلام يؤيد الاعتدال و الوسط: «وَ كذلِك جَعَلنٰكم اُمَّةً وَسَطًا» (3)، و لكن ما هو الوسط في الإسلام؟ هل هو شيء في مقابل التشدد؟ لا، الوسط في مقابل الانحراف: «اَليمينُ وَ الشِّمالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّريقُ الوُسطى‌ٰ هِي الجادَّة» (4)، هذا عن نهج البلاغة. الطريق الوسط يعني الطريق المستقيم. يعني طريق الجادة. إذا انحرفتم عن هذا الطريق المستقيم - سواء نحو هذا الجانب أو ذاك الجانب - فسيكون هذا غير الطريق الوسط. إذن، التشدد ليس في مقابل الاعتدال أو على الضدّ منه، بل الانحراف هو على الضدّ من الاعتدال. غير المعتدل هو المنحرف عن الطريق و المنحرف عن الجادة، و لكن السائرين في الجادة بعضهم يسيرون بشدة و سرعة أكبر و بعضهم بسرعة أبطأ. السير بسرعة و شدة على الصراط المستقيم ليس بالشيء المذموم «سابِقوا إلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكم» (5)، تقدموا إلى الأمام.
الذين يردّدون خارج حدود الوطن اليوم كلمة متشددين لهم قصدهم و يريدون معنى خاصاً. ليحذر أصدقاؤنا و أخوتنا في الداخل من تكرار قصد أولئك. أولئك الذين يقولون متشددين يقصدون الذين هم أكثر ثباتاً و تصميماً في طريق الثورة، يسمون الحزب اللهيين متشددين متطرفين. و المعتدل هو الشخص الذي يستسلم أمامهم. هذا هو معنى المتشدد و المعتدل في الأدبيات السياسية لأمريكا و بريطانيا و أمثالهما: المتشدد هو الشخص الملتزم بالثورة و المعتدل هو المستسلم مقابل إراداتهم. فمن المستسلم مقابل إراداتهم؟ لحسن الحظ يعترفون هم أنفسهم و يقولون إنه ليس هناك في إيران معتدل و الكل متشددون. هذا الكلام كلام صائب، ليس في إيران شخص يؤيد التبعية لهم. أحياناً تحدث حالات غفلة و زلل و يقع البعض في أخطاء، و لكن قاطبة الشعب الإيراني مؤيدون للثورة و تابعون لها و مصرّون عليها. هم يسمّون هؤلاء متشددين، فلماذا نكرّر نحن كلامهم؟ يسمون داعش أيضاً متشددين، فهل داعش متشددون؟ داعش منحرفون، منحرفون عن الإسلام، منحرفون عن القرآن، منحرفون عن الصراط المستقيم. ليس لدينا متشددون بهذا المعنى. ليتفطنوا أن لا نكرر الأدبيات التي يستخدمها العدو و يقصد منها معنى خاصاً.
أشير إلى نقطة أخرى و لتكن الأخيرة. أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، يا أبنائي الأعزاء، أيها الشباب، كل ما تنتخبونه تنتخبونه لأنفسكم. انتخابكم الجيد يعود عليكم، و إذا انتخبتم بغفلة بحيث تكون نتائجه سيئة فإن سوءه سيعود عليكم. هذه هي سمة الأمور. إنكم تقومون بشيء و تقطعون خطوة باختيار و إرادة فحاولوا أن تقوموا بها بشكل صحيح. إذا قمتم بها بشكل صحيح و بدقة فسوف تستفيدون فائدتين: أولاً سيرضى الله تعالى عنكم لأنكم أنجزتم العمل بشكل صحيح، و ثانياً ستكون نتيجة الأمر نتيجة حسنة باحتمال كبير. إذا قمتم بالعمل بدقة و ملاحظة فقد لا تكون النتيجة في بعض الأحيان نتيجة جيدة لكن ذلك الأجر الأول يبقى موجوداً لكم. عندما تقومون بالعمل بدقة و بصيرة فإن الله تعالى سيقبله منكم حتى لو ارتكب الإنسان خطأ في هذه الأثناء، و لكن إذا لم تدققوا فلا، الله تعالى لن يكون راضياً و سيكون احتمال إصابة الحق في النتائج ضئيلاً. عندما تريدون الانتخاب تعرّفوا و انتخبوا، تعرّفوا. كونوا واثقين من دينهم و التزامهم و وفائهم للثورة و صمودهم في سبيل الثورة و عزيمتهم و إرادتهم و شجاعتهم و عدم خوفهم، ثم انتخبوا و صوتوا، سواء في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي أو انتخابات مجلس خبراء القيادة، لا فرق، كلاهما مهم، و سبق أن تحدثت عن أهمية كلاهما. و عندما لا تعرفونهم لا تقولوا لا نعرفهم إذن لا ننتخب، لا، عليكم أن تسألوا من تثقون بدينهم و التزامهم و بصيرتهم. هذا هو سبيل العلاج. إذن، السبيل واضح و الهدف واضح و الواجب و التكليف واضح، و العمل عمل عظيم. عندما يقوم الإنسان بالعمل الكبير و العمل الإلهي بصورة صحيحة «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم» (6) عندما تسيرون في طريق نصرة الله فإن الله تعالى سينصركم يقيناً. عندئذ ستكون نتيجة الانتخابات نتيجة لصالح البلاد إن شاء الله مهما كانت. و اعلموا أنني أعتقد اعتقاداً راسخاً رغم كل المساعي التي يبذلها العدو - و لم يكف العدو طوال هذه الأعوام السبعة و الثلاثين عن مساعيه - لتوجيه ضربات و أضرار للثورة و قد تقدمت الثورة و البلاد رغم أنفه إلى الأمام، اعلموا أنه بعد الآن أيضاً سيقدر الله تعالى النصر النهائي لكم يا شعب إيران و لهذا البلد، و سوف تصلون إلى النتيجة إن شاء الله و سيغلب الله تعالى أعداءكم، و لن يستطيع العدو بفضل من الله توجيه أية ضربة أو أضرار لهذه الثورة و هذا النظام الإسلامي.
نسأل الله تعالى علوّ مقام الشهداء الأبرار و علوّ مقام الإمام الخميني الجليل الذين فتحوا هذا الطريق لنا، كما نسأل ربّ العالمين التوفيقات لشعب إيران في كل أمورهم، و خصوصاً في هذا الأمر الذي سيستقبله بعد يومين من الآن إن شاء الله.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌

الهوامش:
1 - في بداية هذا اللقاء تحدث حجة الإسلام مصطفى حسناتي إمام جمعة مدينة نجف آباد.
2 - الشهيد أحمد كاظمي قائد القوة البرية في حرس الثورة الإسلامية.
3 - سورة البقرة، شطر من الآية 143 .
4 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 16 .
5 - سورة الحديد، شطر من الآية 21 .
6 - سورة محمد، جزء من الآية 7 .