... هذه الأيام أيام قريبة من أربعين. و قد تكوّنت ظاهرة منقطعة النظير و غير مسبوقة في السنوات الأخيرة و هي مسيرات المشي بين النجف و كربلاء، أو من بعض المدن الأبعد من النجف إلى كربلاء، بعضهم يمشي من البصرة و بعضهم من الحدود، و بعضهم من مدن أخرى، يسيرون مشياً على الأقدام. هذا التحرك هو تحرك العشق و الإيمان، و نحن ننظر من بعيد لهذا التحرك و نتحسّر و نغبط حال الذين توفقوا لأداء هذا التحرك. يقول الشاعر:

رغم أننا بعيدون لكننا نتحدث بذكراك
ليست المنازل بعيدة في السفر المعنوي (1)
هؤلاء الناس الذين يقطعون هذا الطريق و يمشونه و يؤدون هذا الحراك الإيماني العاشق يؤدون حسنة حقيقية. هذه شعيرة كبيرة، لا تُحِلّوا شَعائِرَ الله (2)، هذه بلا شك من شعائر الله. من المناسب بالنسبة لأمثالي من المحرومين من هذه الأعمال أن نقول «يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً» (3). كما قلنا فإن هذا الحراك حراك إيمان و عشق. فالإيمان و الاعتقاد القلبي و المعتقدات الحقيقية هي المحرك و هي الفاعل في هذا العمل، و كذلك العشق و المحبّة. و كذلك فكر أهل البيت و التفكير الشيعي. إنها تركيبة من العقل و العاطفة و تركيبة من الإيمان و العشق، تركيبة من هذين. هذا هو الشيء الذي يُشعَرُ بفراغه في سائر الفرق الإسلامية، و هم يحاولون أحياناً أن يملأوا هذا الفراع بنحو من الأنحاء، و لكن لا يمكن. من هناك مثل آل الرسول الأكرم (ص) - هذه الشخصيات البارزة الممتازة النورانية الملكوتية - بين معتقدات الشُعَب الإسلامية الأخرى يعشقهم الناس هكذا، و يتعاملون معهم و يتحدثون معهم و يسلمون عليهم و يسمعون منهم الجواب إن شاء الله، من هناك غيرهم؟ لذلك فهي فرصة متاحة لأتباع أهل البيت. زيارة الأئمة (عليهم السلام) و هذا العشق المعنوي لهؤلاء الأجلاء، و هذه الزيارات المفعمة بالمفاهيم الراقية السامية الممتازة متاحة بين أيدينا.
البعض يبحثون عن أسانيد لبعض هذه الزيارات، و أقول إنه يمكن قراءة هذه الزيارات حتى من دون أسانيد. عندما نريد أن نتحدث مع هؤلاء فبأيّ لغة نتحدث معهم؟ متى نستطيع أن نجد في أذهاننا كلمات و تراكيب و مفاهيم بهذه الفصاحة و بهذه البلاغة و بهذه الجزالة و نتحدث معهم؟ هذه الزيارات جيدة جداً. طبعاً هذا لا يمنع من أن يتحدث الإنسان مع هؤلاء العظماء هكذا عفوياً و من قلبه - كالشخص الذي يتحدث مع أبيه أو مع عزيز له و يشكو و يتحدث - هذا لا مانع منه، لكن هذه الزيارات التي بين أيدينا هي حقاً من الأشياء المغتنمة الموجودة و الحمد لله في مدرستنا.
على كل حال، إنه حراك مهم و كبير جداً هذا الحراك العظيم لشعب إيران و من البلدان الإسلامية الأخرى، من الهند و من أوربا و حتى من أمريكا و باقي البلدان، يأتي أفراد من طرق بعيدة ليشاركوا في هذه المسيرات لمدة يومين و ثلاثة أيام، أكثر أو أقل، يسيرون في هذا الطريق على أقدامهم، و شعب العراق للإنصاف يستقبلونهم و يضيفونهم بمنتهى الكرم و المحبة، إنها لحركة جد عظيمة و عميقة المعاني و المغزى، و على الذين يتوفقون لها أن يغتنموها.
طبعاً قولنا هذا يجب أن لا يؤدي بالبعض إلى أن يذهبوا و يسيروا و يعملوا خارج نطاق المقررات و الضوابط، لا، ليتحركوا طبقاً لهذه المقررات التي تعينها الحكومة الإسلامية. أعزاؤنا في الحكومة يفكرون و يضعون مقررات و ضوابط لهذه العملية فيجب بالتأكيد مراعاة هذه الضوابط. لا يكن الأمر بحيث يقول بعض الناس خارج نطاق هذه الضوابط «لنذهب و نشارك هكذا و ننطلق في الصحراء مثلاً»، هذه الطريقة غير محبذة، بل ينبغي مراعاة هذه الضوابط بكل تأكيد. نتمنى لكم التوفيق و التأييد إن شاء الله.

الهوامش:
1 - حافظ الشيرازي، بقليل من الاختلاف.
2 - سورة المائدة، شطر من الآية 2 .