بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.
إنه ليوم طيب و جميل بالنسبة لي بينكم أيها الشباب الثوريين الأعزاء، بقلوبكم الطاهرة و أرواحكم المتحفزة، و الحق أنكم تخلقون آمالاً كبيرة لمستقبل هذا البلد، و مستقبل هذه الثورة. أولاً أبارك الولادة السعيدة لقطب عالم الإمكان سيدنا المهدي (عجل الله فرجه و أرواحنا فداه)، و ستكونون كلكم اليوم و غداً إن شاء الله من المنتظرين الواقعيين و الأنصار الحقيقيين لهذا الإنسان العظيم.
كما أن يوم الثالث من خرداد [24 أيار 1982 م يوم تحرير مدينة خرمشهر] من الأيام التي لا تنسى. إنه من الأيام التي تتألق في تاريخ بلادنا و في تاريخ الثورة الإسلامية العزيزة في إيران. إنه رمز، رمز انتصار الحق على الباطل، و رمز القدرة الإلهية و يد القدرة التي قال الإمام الخميني الجليل عنها إن له يد قدرة هي التي تحمينا. يوم الثالث من خرداد مثل هذا اليوم، فهو يوم تحرير خرمشهر. أبارك لكم أيها الخرّيجون الأعزاء، و كذلك للأعزاء الذين نالوا رتبهم. لقد بدأتم درباً حسناً، و دخلتم طريقاً جيداً، وفقكم الله إن شاء الله لتواصلوا هذا الدرب بجد و عزيمة راسخة و دوافع مضاعفة.
حول فتح خرمشهر، لم يكن أغلبكم أيها الشباب في ذلك الزمان، أو إذا كنتم فقد كنتم صغاراً جداً. لقد كان يوم فتح خرمشهر حدثاً عظيماً. ربما لم يكن قد مضى على الخبر بضع ساعات حين كنتُ متوجّهاً من بناية رئاسة الجمهورية نحو بيت الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه). كان الناس قد هاجوا بشدة في ذلك الشارع و في الطريق و كأنهم في مظاهرة. و حين كانوا يشاهدون سيارتنا كانوا يتقدمون و يباركون. حصل احتفال عام تلقائي في كل أنحاء البلاد. كانت القضية مهمة إلى هذا الحد. طبعاً الناس في ذلك الحين لم يكونوا يعلمون ما الذي حدث حتى تحقق هذا الفتح. لم يكن عموم الناس على علم بتلك التضحيات و تلك الدقائق و تلك الجهود العجيبة التي لا تصدق. و اليوم أيضاً لم يعلم بها كثيرون. أوصي بأن يقرأ الجميع الكتب التي تصدر حول تفاصيل عمليات «إلى بيت المقدس» و التي أفضت إلى تحرير خرمشهر، و كذلك باقي العمليات - عمليات «الفتح المبين» و غيرها - ليقرأوها و ليروا ما الذي حدث. ذات مرة شبّهتُ الدفاع المقدس بلوحة كبيرة و عظيمة جداً منصوبة عالياً، و نحن ننظر لهذه اللوحة من الأسفل و نمتدحها، و لكن إذا اقتربنا سنرى الدقائق المستخدمة في هذه اللوحة، و الفنون المدرجة فيها و التفاصيل التي تحتويها، و امتزاج الألوان المختلفة و النقوش و التلاوين فيها، فيزداد إعجابنا و انبهارنا بها عشرة أضعاف. هذه الكتب التي كتبوها تشرح لنا في الواقع تلك التفاصيل التي لا يمكن أن نشاهدها و نحن بعيدون عن اللوحة. بالتالي كانت حدثاً عظيماً.
لكن الأكبر من هذا الحدث هو أن الإمام الخميني (رضوان الله عليه) - ذلك الرجل و الحكيم الإلهي بالمعنى الواقعي للكلمة - عندما تحررت خرمشهر، و عندما آتى كل ذلك الجهاد ثماره، و قد بذل الشباب كل تلك الجهود و تصببوا عرقاً، و أعطينا كل أولئك الشهداء، و تحملنا كل تلك المشاق، قال إن الله هو الذي حرّر خرمشهر، الله هو الذي حرّر خرمشهر! هذا شيء مهم، فما معنى هذا؟ معناه أنكم إذا جاهدتم فستأتي القدرة الإلهية لتسندكم. الجيش الذي لا مدد و لا سند له لا يستطيع فعل شيء. الجيش الذي له إسناده و له قواته الإحتياطية، و له قوات احتياطية كثيرة، يستطيع فعل أي شيء. و إذا كان سند الجيش و احتياطياته القدرة الإلهية، فهل يمكن لهذا الجيش أن ينهزم؟ هذا ما أفهمناه الإمام الخميني، أفهمنا إنكم عندما تجاهدون و عندما لا تركنون إلى الكسل و حين تنزلون للساحة، و حين تستخدمون طاقاتكم في الميدان، فإن قدرة الله ستكون سنداً و دعامة لكم. لذلك فإن الله هو الذي حرّر خرمشهر. و بهذا المنطق فإن الله يستطيع تحرير كل العالم المحتل من قبل الاستكبار. بهذا المنطق يمكن لفلسطين أن تتحرر. و بهذا المنطق يمكن لأيّ شعب أن لا يبقى مستضعفاً، شريطة أن يتحقق هذا المنطق. عندما نتوفر على هذا المنطق فسوف لا نقبل الهزيمة. حين نخوض غمار الساحة بهذا المنطق فلن يعترينا الخوف و الرعب. سوف لن تعود القدرات العسكرية أو الإعلامية أو المالية و الاقتصادية مخيفة مهولة أمامنا. فنحن معتمدون على قدرة الله. طبعاً قدرة الله لا تقف سنداً وراء الناس الكسولين، و لا تسند الشعوب التي لا تكون على استعداد للتضحية. قدرة الله تسند الناس الذين ينزلون إلى الساحة و يتحركون و يسعون و يجهزون أنفسهم لكل الأعمال، هؤلاء هم المعتمدون على القدرة الإلهية. «ذلِك بِاَنَّ اللهَ مَولَى الَّذينَ ءامَنوا وَ اَنَّ الكٰافِرينَ لا مَولى‌ لَهُم» (2). هذه آية قرآنية، الله مولاكم، إن لكم مولى يخضع لقدرته كل عالم الوجود، هذا هو مولاكم و الكافرون لا مولى لهم.
في معركة بدر عندما رفع الكفار شعاراتهم و ذكروا أسماء أصنامهم، قال رسول الله (ص) للمسلمين: قولوا: الله مولانا و لا مولى لكم (3). الله مولانا و سندنا، و قدرتنا معتمدة على قدرته، و هذا ما لا تمتلكونه. و هذا ما كان و ما حصل.
إنهم منذ 37 سنة أو 38 سنة يستخدمون كل الإمكانيات لدحر هذه الغرسة المباركة، هذه الجمهورية الإسلامية، و هذه الثورة المجسدة، و لم يستطيعوا، الله مولانا. الشعب الإيراني متواجد في الساحة. لا تنظروا لعدد من الناس القاعدين جانباً و المتململين المتبرّمين من أتباع الشهوات. الشعب متواجد في الساحة، الشعب في الميدان. هناك بين هذا الشعب جماعة عظيمة مستعدون للتضحية بأنفسهم. هذا هو الشيء الذي يستجلب القدرة الإلهية لتقف سنداً له. و هذا هو معنى الحرب غير المتكافئة.
معنى الحرب غير المتكافئة أن يستفيد الطرفان من مصادر متفاوتة الحال و بهويات متباينة. هذه هي الحرب غير المتكافئة. أي إن لكل واحد من هذين الجانبين إمكاناته و طاقاته، و له مصادر قوة و قدرة لا يمتلكها الجانب الآخر. إننا و الاستكبار العالمي في حرب غير متكافئة، لماذا؟ قد تكون لديه طاقات و قدرات لا نمتلكها، لكننا نحن أيضاً لدينا إمكانيات لا يمتلكها، فما هي هذه الإمكانيات؟ إنها التوكل و الاعتماد على الله، و الثقة بالنصر النهائي، و الثقة بقدرة الإنسان و بقدرة إرادة الإنسان المؤمن. هذا ما نمتلكه، و هذه هي الحرب غير المتكافئة. في الحرب غير المتكافئة الإرادات هي التي تتحارب، و أية إرادة تغلبت انتصرت. لا تضعفوا الإرادة في الساحة، لا تزعزعوا الإرادة في ساحة المعركة. إذا ضعفت إرادة أحد الطرفين في ساحة المعركة فسوف ينهزم بالتأكيد. لا تسمحوا لإرادتكم بأن تتزعزع. لا يسمحوا لإعلام العدو و وساوسه بأن يضعضع من إرادتكم و عزيمتكم. حافظوا على هذه الإرادة القوية. هذا ما يضمن النصر.
ليست الحرب العسكرية اليوم واردة. احتمال الحرب التقليدية المألوفة بالنسبة لبلادنا في الوقت الحاضر ضعيف جداً جداً، لكن الجهاد باق، فالجهاد شيء آخر. ليس الجهاد بمعنى القتال فقط، و لا يعني الحرب العسكرية فقط. للجهاد معنى أوسع بكثير. هناك بين أنواع الجهاد جهاد يسميه الله تعالى في القرآن الكريم «الجهاد الكبير»، فيقول: «وَ جٰاهِدهُم بِه‌ جِهادًا كبيرًا» (4)، في سورة الفرقان المباركة. «به» أي بالقرآن، «جاهدهم به» أي جاهدهم بالقرآن جهاداً كبيراً. نزلت هذه الآية في مكة. لاحظوا جيداً أيها الشباب الأعزاء. لم تكن الحرب العسكرية أمراً وارداً في مكة، و لم يكن الرسول و المسلمون مكلفين بالحرب العسكرية، و العمل الذي كانوا يقومون به كان شيئاً آخر، و هو نفس العمل الآخر الذي يقول عنه الله تعالى في هذه الآية الكريمة: «وَ جٰاهِدهُم بِه‌ جِهادًا كبيرًا». فما هو ذلك العمل الآخر؟ إنه الصمود و المقاومة و عدم الاتباع. «فَلا تُطِعِ الكٰفِرينَ وَ جٰاهِدهُم بِه‌ جِهادًا كبيرًا» (5). لا تطع المشركين. عدم إطاعة الكفار هو ذلك الشيء يسمّيه الله تعالى جهاداً كبيراً. و هذا التقسيم غير تقسيم الجهاد الأكبر و الجهاد الأصغر. الجهاد الأكبر الذي هو أصعب منها جميعاً هو جهاد النفس، و هو الذي يحفظ هويتنا و باطننا. و الجهاد الأصغر هو مجاهدة العدو. و لكن ثمة بين الجهاد الأصغر جهاد يسميه الله تعالى «الجهاد الكبير». ما معنى الجهاد الكبير؟ يعني عدم إطاعة العدو و الكافر. لا تطع الخصم الواقف في ساحة محاربتك. ما معنى الإطاعة؟ معناها الاتباع و التبعية، أي لا تتبعه. أين لا تتبعه؟ في الساحات و الميادين المختلفة، التبعية في الساحة السياسية، و في الساحة الاقتصادية، و في الساحة الثقافية، و في الساحة الفنية. لا تتبع العدو في مختلف الساحات و المجالات. هذا هو الجهاد الكبير.
إن عدم الاتباع هذا مهم إلى درجة أن الله تعالى يوصي رسوله (ص) به مراراً. الآية المزلزلة الأولى من سورة الأحزاب المباركة «بِسمِ‌اللهِ‌الرَّحمنِ‌الرَّحيم يٰا اَيهَا النَّبِي اتَّقِ اللهَ وَ لا تُطِعِ الكٰافِرينَ؛ يقول: «اِتَّقِ اللهَ وَ لا تُطِعِ الكافِرين»! إيها الرسول اتق الله و لا تتبع الكافرين؛ «اِنَّ اللهَ كانَ عَليمًا حكيمًا» (6). نحن نعلم مشكلاتك، و نعلم الضغوط التي يمارسونها ضدك حتى يفرضوا عليك اتباعهم - يهدّدون و يطمّعون - و لكن عليك أن تدقق و تنظر إلى الأمر و النهي الصادرين عن الله. «اِتَّقِ اللهَ»، و كن حذراً. «وَ لا تُطِعِ الكٰافِرين» عدم طاعة الكافرين هذا هو ذلك الشيء الكبير و المهم الذي يقوله الله تعالى لرسوله بهذه اللهجة.
طيب، لا تطع الكافرين، إذن ما تفعل؟ «وَ اتَّبِع ما يوحى‌ اِلَيك مِن رَبِّك اِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعمَلونَ خَبيرًا» (7). يقول: «يٰا اَيهَا النَّبِي اتَّقِ اللهَ وَ لا تُطِعِ الكفِرينَ و المُنافِقينَ اِنَّ اللهَ كانَ عَليمًا حكيمًا وَ اتَّبِع ما يوحى‌ اِلَيك مِن رَبِّك اِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعمَلونَ خَبيرا» (8). لا تتبعهم، فإن لديك برنامجك، لديك برنامج عملك، و لديك برنامج حياتك، و الوحي الإلهي لم يتركك لوحدك، فلديك القرآن و لديك الإسلام، و لديك برامج الإسلام و تعاليمه، فسر على هذا الطريق. لاحظوا أن هذه كلها هي الآيات الأولى من سورة الأحزاب، تأتي تباعاً، ففي البداية: «اِتَّقِ اللهَ وَ لا تُطِعِ الكافِرينَ وَ المُنافِقين» (9)، ثم «وَ اتَّبِع ما يوحى‌ اِلَيك مِن رَبِّك» (10).
و يأتي بعد ذلك جواب هذا السؤال: بالتالي يوجد خطر و هم يضغطون «وَ تَوَكل على اللهِ وَ كفى‌ بِاللهِ وَكيلا» (11). اعتمد و توكل على الله مقابل كل هذه الضغوط، اعتمد على الله. ليس معنى التوكل أن تتركوا العمل ليأتي الله و يعمل بدلاً عنكم، ليس هذا هو المراد. التوكل هو أن تعملوا و تسيروا و تتصببوا عرقاً و تسعوا، و عندها تكونوا متيقنين من أن الله تعالى سوف يعينكم. هذه هي قضية الجمهورية الإسلامية اليوم.
قضية الجمهورية الإسلامية أن العدو المستكبر يريد تركيع الثورة، بأيّ شيء؟ بتسريب ثقافته، و بالضغط الاقتصادي، و بمختلف صنوف المساعي السياسية، و بإعلامه الواسع الانتشار، و بالعملاء الخونة الذين يمتلكهم. إنه يروم هز أجواء الجمهورية الإسلامية ليجعلها تابعة له. ما يغضب الاستكبار من الجمهورية الإسلامية بشدة ليس كون الشعب الإيراني شعباً مسلماً، بل لأن الشعب و بسبب إسلامه غير مستعد للخضوع للاستكبار، و غير مستعد لاتباع الاستكبار. هذا هو ما يغضب العدو. يحاولون أن يغطوا هذا الأمر ببعض الأغطية، لكن هذا هو واقع القضية. لقد كانت القضية النووية ذريعة، و حتى قضية الصواريخ - قضية الصواريخ هذه التي أثاروها و لم تكن فيها لهم طبعاً أية فائدة، و لا يستطيعون ارتكاب أية حماقة - ذريعة، و قضية حقوق الإنسان و القضايا المتنوعة الأخرى كلها ذرائع. القضية هي عدم الاتباع.
لو كانت الجمهورية الإسلامية مستعدة للقبول باتباع الاستكبار، لكانوا قد تكيّفوا مع صواريخها، و لتكيّفوا مع طاقتها النووية و مختلف الأمور الموجودة في هذا المضمار، و لما ذكروا اسم حقوق الإنسان أبداً. الجمهورية الإسلامية و بناء على التعاليم الإلهية غير مستعدة لاتباع العدو المستكبر الكافر، و لاتباع جبهة الكفر و الاستكبار. هذا هو السبب الأصلي، و كل مساعيهم منصبّة على هذا الشيء.
هم يحاولون طبعاً أن لا يذكروا هذا الشيء بصراحة، لكن تصريحاتهم تفضحهم بعض الأحيان. قبل أيام من الآن عدّد أحد المسؤولين الأمريكان اتهامات ضد الجمهورية الإسلامية: الصواريخ و كيت و كيت و «الإيديولوجيا»! أفلتت من لسانهم، و فضحوا أنفسهم. هذه الإيديولوجيا معناها الفكر و طريقة التفكير، التفكير الإسلامي الذي يفرض عليكم أن لا تخضعوا للعدو الكافر و لجبهة الكفر و الاستكبار. هذا هو ما يؤدي إلى العداء، و هذا هو مبعث اقتداركم. هذا ما يؤدي إلى اقتداركم. إنه الحافز الذي يبقي شعب إيران واقفاً على قدميه. و هذا الدافع هو الذي يحافظ على العزيمة الراسخة لدى شعب إيران، الصمود. الحفاظ على الهوية الثورية و الإسلامية لنظام الجمهورية الإسلامية و لشعب إيران، هذا هو الشيء الذي يزعج العدو بشدة، و لا حلّ أمامه. حاولوا كثيراً عسى أن يستطيعوا اجتذاب مراكز اتخاذ القرار و صناعة القرار لدائرتهم، لكنهم لم يستطيعوا، و لن يستطيعوا بتوفيق من الله و بحوله و قوته.
أنتم حرس الثورة، حرس الثورة. و الشعب الإيراني كله طبعاً حرس للثورة أو يجب أن يكونوا، لكنكم مؤسسة تفخر و ترفع رأسها بهذا الاسم: حرس الثورة الإسلامية. يجب أن تضعوا هذا الجهاد الكبير على رأس أولوياتكم. و هم اليوم غاضبون من الحرس الثوري أكثر من الجميع، في الأسماء التي يذكرونها و في سبابهم و اتهاماتهم يستهدفون الحرس الثوري أكثر من الجميع بإساءاتهم و أكاذيبهم، و السبب هو أن الحرس الثوري أثبت أنه صامد. فلا تفقدوا هذه الروح و هذا التوجّه و هذه الحالة.
أيها الشباب الأعزاء، يا أبنائي الأعزاء، الغد لكم و المستقبل لكم، و أنتم من يجب أن يحفظ هذا التاريخ بعزته. أنتم من تتحملون أعباء هذه المسؤولية على عواتقكم، هناك الكثير من «خرمشهر» أمامكم، لا في ساحة الحرب العسكرية، بل في ساحة أصعب من الحرب العسكرية. و ليس فيها طبعاً خرائب الحرب العسكرية، بل على العكس، فيها العمران و البناء، لكن صعوبتها أكبر. حين قلنا الاقتصاد المقاوم فمعنى ذلك أن الجانب الاقتصادي من هذه السياسة الكبيرة و الأساسية هو المقاومة الاقتصادية. و حين قلنا لا يترك الشباب المؤمن الحزب اللهي و الثوري الأعمال الثقافية التلقائية العفوية و ليتابعوها، و دعونا كل الأجهزة الثقافية في البلاد و ندعوها للتحرك في هذا الاتجاه، فهذا هو الجانب الثقافي لعدم التبعية، هذا هو الجهاد الكبير. أنْ ندعو كل المواهب الموجودة في البلاد لتوظيف كل مواهبهم لخدمة هذا البلد، و أنْ يستخدموها و يأتوا بها إلى الساحة، و ندعوا كل المسؤولين الحكوميين و سائر المسؤولين للترحيب بهذه المواهب، فهذا هو الجانب الاجتماعي الناشط للجهاد الكبير. لهذا الجهاد الكبير أبعاده: «جٰاهِدهُم بِه‌ جِهادًا كبيرًا» (12).
هذا لا يعني قطع العلاقات مع العالم. البعض يقولون كذباً من أجل ضرب هذه السياسة الإلهية: «الثوريون يقولون اقطعوا علاقاتكم مع العالم»، لا، إننا لا نقول بقطع العلاقات مع العالم، و لا نقول ببناء سور حول البلاد، فليذهبوا و ليأتوا، و لتكن لهم علاقاتهم، و ليتبادلوا، و ليتعاملوا، و لكن لا ينسوا هويتهم و شخصيتهم الأصلية، هذا هو ما نقوله: «وَ اَنتُمُ الاَعلَونَ اِن كنتُم مُؤمِنين» (13). ليعملوا باعتبارهم ممثلي النظام الإسلامي، و ليتحدثوا باعتبارهم ممثلي النظام الإسلامي. ليبرموا العقود مع الجميع و مع أي مكان تقتضيه مصلحة البلاد، و لكن ليجلسوا خلف طاولة العقود بصفتهم ممثلين لإيران الإسلامية و للإسلام. ليعمل الجميع بوعي و يقظة، فهذا الجهاد بحاجة إلى الوعي، و بحاجة إلى الإخلاص. ليس هذا الجهاد كالجهاد العسكري يتألق فيه البعض و يشتهرون، سواء كانوا شهداء أو أحياء أو مصابين معاقين - و نحن نفخر بهؤلاء الشهداء و المعاقين و المضحين - هذا الجهاد جهاد قد يبذل فيه الشخص جهوداً كبيرة من دون أن يعرف أي شخص هويته و اسمه، هذا الجهاد بحاجة للإخلاص.
لقد يئس العدو اليوم من توجيه ضربة قاصمة للنظام الإسلامي، لأنه يعلم أن هناك في الداخل قدراً كافياً من الدوافع و المحفزات و الإيمان و الصدق و الجاهزية، لذلك فهم يائسون من أن يستطيعوا توجيه ضربة قاصمة، لكنهم غير يائسين من أن يستطيعوا النفوذ و التغلغل. و أدوات النفوذ اليوم كثيرة.
يحاولون أن يربّوا الشاب الإيراني و يخرّجوه بالشكل الذي يرتضونه هم. إذا نشأ الشاب الإيراني بالنحو الذي يرضي الأمريكان و الاستكبار، فإن أمريكا لن تعود بحاجة إلى إنفاقات لتنفيذ مخططاتها في إيران، فهذا الشاب نفسه سيعمل لهم كخادم لا يتقاضى أية أجور. يريدون تخريج الشاب الإيراني على هذا النحو. بضعة أشخاص لا هوية لهم تحدثوا و تصرفوا بشكل بحيث جاء أمريكي لإيران قبل سنوات و حين عاد قال إن في إيران أشخاص يحملون السلاح و ينتظرون أوامرنا ليطلقوا النار! كان قد شاهد بضعة أشخاص لا هوية لهم فانخدع. مشكلة الأمريكان الكبيرة أنهم لا يعرفون بلادنا، و لا يعرفون شعبنا، و لا يستطيعون معرفته. مشكلة الاستكبار أنه ينظر للظواهر أكثر، و للألوان و الطلاءات الظاهرية، لكنه لا يستطيع مشاهدة الباطن. و اقتداره اقتدار ظاهري على الأجسام، فلا يستطيعون أن يفرضوا اقتدارهم الذي يرغبون فيه على القلوب. لقد أخطأوا، لكنهم غير يائسين من النفوذ و التغلغل، فهم يريدون النفوذ، و يريدون استمالة القلوب و تغيير الأذهان.
هذا يضع واجباً كبيراً على عواتق كل المخلصين لشعب إيران و من يحملون هموم البلاد، و منهم أنتم الشباب الأعزاء الحرس و المؤسسة الكبيرة لحرس الثورة الإسلامية. ليست مهمتكم القتال فقط، الحرس حرس الثورة. طبعاً ينبغي عدم حلحلة الجانب العسكري في حرس الثورة الإسلامية على الإطلاق. ينبغي مواصلة العمل بما يليق بمنظمة عسكرية و على أفضل نحو و بأحدث الأشكال و أكثرها إبداعاً. لكن الأمر لا يقتصر على هذا. واجب التبيين و الإيضاح يقع اليوم على عاتق الجميع، بما في ذلك على عاتقكم. حين أشدد كل هذا التشديد على التبيين فالسبب هو أن هذا الجهاد الكبير منوط اليوم بالتبيين إلى درجة كبيرة. التبيين هو البيان و التنوير، و لا بدّ من التنوير اليوم. حاولوا أن توصلوا الأذهان إلى أعماق الحقائق و الأمور. بوسع جامعتكم هذه أن تقوم بأعمال كبيرة على هذا الصعيد، و يمكنها أن تجعل التبيين أحد برامجها الأساسية، سواء بين المجاميع القريبة أو في أطر أوسع و إلى حيث تسمح به طاقاتها و إمكانياتها.
ينبغي المحافظة على شعارات الثورة. هذا أحد الأهداف. من الأعمال الكبرى و أحد الجوانب الكبرى في هذا الجهاد العظيم - الجهاد الكبير - هو المحافظة على شعارات الثورة. الشعارات تشير إلى الأهداف، و الشعارات تدلنا على الدرب. الشعارات كالعلامات التي يضعونها في الطريق من أجل أن لا يضل الإنسان طريقه. «اَليمينُ وَ اليسارُ مَضَلَّةٌ و الطَّريقُ الوُسطى‌ هِي الجادَّة» (14). لا تنزلقوا إلى اليسار أو اليمين، بل سيروا في الطريق و الصراط المستقيم. هذه هي ميزة الشعارات و دورها. و لا يكتفى بخصوص هذه الشعارات و الحقائق بالعواطف. أنا طبعاً أرى دوراً كبيراً للعواطف لكنها لا تكفي، إنها لازمة لكنها غير كافية. ينبغي أن يكون هناك عمق و تعمق في كل هذه الشعارات. حاولوا أن تتعمقوا في الأمور و القضايا، فحين تتعمقون فإن هذا الإيمان المستقر لن ينفصل عنكم بأية قوة. مشكلة الذين ترونهم ذات يوم متشددين أكثر من الجميع، و ينقلبون في يوم آخر مائة و ثمانين درجة، مشكلتهم أن إيمانهم كان بلا عمق. لقد شهدنا نحن في بداية الثورة بعض الذين كانوا متحمسين و متشددين و ناريين إلى درجة أنهم لا يقتنعون حتى بالثوريين الأصليين و القدماء و ذوي السابقة، و يشكلون عليهم، لكنهم كانوا سطحيين، و تسببت هذه السطحية في سقوطهم فانقلبوا مائة و ثمانين درجة على الطرف الآخر، و تغيّر دربهم. ليكن لكم عمقكم و تعمقكم. غوروا إلى أعماق الفكر و التفكير و استفيدوا في هذا الدرب من إرشادات الأساتذة الصالحين.
إعداد الكوادر و الطاقات مهمة أخرى من المهمات. المستقبل لكم، و يمكنكم في المستقبل أن يكون لكم نصيب وافر في إعداد الكوادر اللائقة و الصالحة و إهدائها لنظام البلاد العام و نظام إدارة البلاد. دوّنوا تجارب الثورة المتراكمة، هذه التجارب الهائلة طوال 37 عاماً. هذه عملية علمية، و بحث علمي - تاريخي. نحتاج اليوم إلى أن ننظر للماضي، و إلى الطرق التي سرنا فيها و الأعمال التي قمنا بها، و الأعمال التي قاموا بها، و التجارب التي مررنا بها، و هذه المنعطفات العجيبة الغريبة التي كانت في الطريق، و استطاعت الثورة أن تجتاز هذه المنعطفات المتنوعة نحو الأهداف و لا تتوقف. هذا بحاجة إلى تدوين و أعمال علمية. جامعتكم جامعة مختلفة، و هذا طبعاً ليس خطابي لجامعتكم فقط، بل لكل الجامعات و لكل المراكز العلمية و الحوزات العلمية، و لكن جامعة الإمام الحسين هي جامعة الإمام الحسين، فهي مختلفة و تقع على عاتقكم مسؤولية أكبر.
و نقطة أخرى هي أن تعتبروا التبيين و الإيضاح أساس العمل. أرى أحياناً أن جماعة من الأفراد و الشباب، و ربما كانوا من الصالحين و المؤمنين، يختلفون مع شخص أو يعارضون اجتماعاً أو جلسة معينة، فيبادرون لإثارة الضجيج و الفوضى و رفع الشعارات، إنني لا أوافق هذه الأعمال، فلا فائدة منها أبداً. هذا ما أوصيت به دائماً و منذ زمن قديم الأشخاص الذين ينخرطون في مثل هذه الأعمال. أنْ يذهبوا إلى اجتماع لأن فلاناً يلقي كلمة فيه و أنتم لا توافقونه - و قد يكون الحق معكم أو لا يكون - نذهب و نفسد ذلك الاجتماع و نخرّبه، لا، هذا لا فائدة منه أبداً. الفائدة في التبيين، و الفائدة في العمل الصحيح و العمل الواعي. هذا هو النافع. أحياناً يفعل البعض هذا عن أغراض في نفوسهم و يسجلونها باسم الشباب الحزب اللهي المؤمن. إحذروا من هذا أيضاً.
و آخر ما أريد قوله هو أن كل ما قلناه، و كل ما يجب أن نفعله و كل ما نستطيع أن نقوم به، يتوقف على أن نتضرع إلى الله تعالى و نتوجّه إليه و نزيد من توسلنا بالله. صلة القلوب بالله تعالى هي تلك الصلة التي إذا تأمّنت و تحققت فستكون رصيداً لهويتنا الثورية و لعزيمتنا و إرادتنا، و ستستطيع توفير هذه الأرضية التي تحدثنا عنها.
أيها الشباب الأعزاء، حافظوا على صحبتكم للقرآن، و الحمد لله على أن حفّاظ القرآن الكريم كثار بين شبابنا. اهتمّوا بحفظ القرآن و تلاوته و التدبر فيه و التأمل في الآيات الإلهية. اهتموا بالصلاة، و لتكن صلاتكم صلاةً حسنة، و بتوجّه إلى الله، و بشعور بالحضور أمام الخالق. حضور القلب معناه أن يكون القلب حاضراً أثناء الصلاة، أي أن يكون هنا. أحياناً نصلي و قلوبنا في مكان آخر، و حضور القلب معناه أن تكون قلوبنا هنا، على سجاداتنا و بتركيز على صلاتنا، و لا تكون في مكان آخر. مرّنوا أنفسكم أيها الشباب على هذا، و قد يكون الأمر صعباً في البداية و لكن تمرّنوا و سيسهل الأمر و تتعودون. إذا تمرّنتم اليوم فسينفعكم هذا إلى النهاية. و إذا لم تكونوا قد تمرّنتم في الشباب فحين تصلون إلى أعمار أمثالي ستكون العملية صعبة. اصحبوا القرآن و التوسل بالله و أدعية شهر شعبان و المناجاة الشعبانية. و شهر رمضان على الأبواب، فنقّوا أنفسكم بأيام شهر رمضان المبارك و لياليه، و عطروها و نوّروها، و ستستطيعون إن شاء الله القيام بكل هذه الأعمال الكبيرة.
حيّى الله ذكرى إمامنا الخميني العزيز، و رحمة الله على ذلك الرجل الكبير الذي فتح هذا الدرب أمامنا، و رحمة الله على الشهداء الأعزاء و تحية لعوائل الشهداء و المعاقين.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - في بداية هذه المراسم التي أقيمت في جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) للضباط، تحدث اللواء محمد علي جعفري (القائد العام لحرس الثورة الإسلامية) و أمير البحر مرتضى صفاري (آمر الجامعة) رافعين تقاريرهما.
2 - سورة محمد، الآية 11 .
3 - الخصال، ج 2 ، ص 397 و 398 .
4 - سورة الفرقان، شطر من الآية 52 .
5 - م ن.
6 - سورة الأحزاب، الآية 1 .
7 - سورة الأحزاب، الآية 2 .
8 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 2 .
9 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 1 .
10 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 2 .
11 - سورة الأحزاب، الآية 3 .
12 - سورة الفرقان، شطر من الآية 52 .
13 - سورة آل عمران، شطر من الآية 139 .
14 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 16 ، بقليل من الاختلاف.