بسم الله الرحمن الرحيم
***
القسم الثاني من كلمة الإمام الخامنئي بعد إقامة صلاتي المغرب و العشاء و تناول طعام الإفطار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين.
أولاً رصيد الطلبة الجامعيين في البلاد ثروة عظيمة. لدينا قرابة خمسة ملايين طالب جامعي في البلاد، و هذه فرصة كبيرة. على جميع المسؤولين أن يأخذوا هذه القضية بنظر الاعتبار في برامجهم و مخططاتهم للمستقبل. خمسة ملايين طالب جامعي. و هم يزدادون يوماً بعد يوم. أي إن الخريجيين يدخلون ساحة العمل، و قد يجدون مجالاً في سوق العمل أو لا يجدون. إنهم يدخلون المجتمع على كل حال، و تلتحق جماعة أخرى بهذه المجموعة. هذه نقطة قوة مهمة جداً. و ينبغي الانتباه، كما نبّه هؤلاء الشباب، بأن نقاط قوّتنا معرّضة لهجمات العدو، أي إن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية لهم بالتأكيد خططهم و برامجهم لمجموعة طلبتنا الجامعيين، و هم يطبقونها. ينبغي النظر للمستقبل و البرمجة و العمل له بأخذ هذه النقطة بنظر الاعتبار. طيب، ثمة واجبات تقع على عاتق الطلبة الجامعيين، و هناك واجبات تقع على كاهل المسؤولين. و سوف أذكر هنا جانباً مما سجلته.
أنتم أعضاء في التنظيمات الطلابية الجامعية، و أقولها طبعاً - و قد قلتُها الآن لبعض المسؤولين المحترمين في وزارة العلوم - إن التنظيمات الثورية لا تتساوى عندي مع التنظيمات غير الآبهة للقضايا الثورية، فيجب تقوية التنظيم الثوري و مساعدته و معرفة قدره، فهؤلاء هم الذين يصنعون مستقبل البلاد، و هم الذين يضمنون مستقبل الثورة. و لكن بالتالي هناك واجبات تقع على عاتق التنظيمات الطلابية الجامعية نفسها. ثمة شأنان لعناصر تنظيمات الطلاب الجامعيين: أحدهما الشأن الطلابي، و الثاني شأن العضوية في التنظيم الطلابي. و هذان مختلفان أحدهما عن الآخر.
أقول كمقدمة إن الطلبة الجامعيين في البلاد لهم سوابق حسنة و مشرقة جداً في فترة الثورة. هكذا كان الوضع منذ بداية الثورة. و قبل الثورة أيضاً كان للطلبة الجامعيين طبعاً مشاركة فاعلة في الكفاح، لكن ما برز و صار عاملاً في تقدم الثورة هو على نحو واضح النشاطات الطلابية الجامعية بعد الثورة، و منها على سبيل المثال تأسيس جهاد البناء. لقد كان جهاد البناء عملاً كبيراً، أول براعم الاكتفاء الذاتي و البناء و الإبداع الوطني و الثقة بالذات الوطنية تكوّنت في جهاد البناء. و لديّ طبعاً الكثير من الذكريات. و قد أشرتُ في نفس هذه الجلسة الخاصة بطلبة الجامعات في السنين الماضية، على ما أتخطر إلى بعض تلك الذكريات، و لا أريد الآن تكرارها، و ليس لدينا كثير من الوقت. لقد عملوا كثيراً، و كانوا مشاركين في جهاد البناء، و شاركوا أيضاً في الجهاد الجامعي، و في تنقية الجامعات من العناصر المسلحة المعادية للثورة في بداية الثورة. لقد كان لطلبتنا الجامعيين المتدينين دورهم. نفس جامعة طهران هذه التي تلاحظونها، بناياتها المختلفة و كلياتها المختلفة كانت قد تحولت إلى غرف حرب جماعات مختلفة بأسماء مختلفة تحارب النظام. نوعان أو ثلاثة من الجماعات اليسارية الماركسية، و جماعة المنافقين، و جماعات متعددة متنوعة كانت في هذه الجامعة، و قد كانوا مسلحين، فقد نهبت المعسكرات، و كانت في أيديهم أسلحة و كانوا جاهزين مستعدين لإطلاق تمرد ضد الثورة. و قد واجههم الطلبة الجامعيون المتدينون المؤمنون الثوريون و عارضوهم و قطعوا شرورهم. أي إن هذه من الإنجازات الكبيرة للطلبة الجامعيين. و هناك العضوية في الحرس الثوري، فقد كان الكثير من شخصيات الحرس الثوري البارزة و الكثير من هؤلاء الشهداء الكبار، كانوا من الطلبة الجامعيين. و هكذا هو الوضع الآن أيضاً. السابقون إلى الحرس ممن لا يزالوا موجودين إلى الآن كان كثيرٌ منهم طلبة جامعيين، التحقوا بالحرس من دراستهم الجامعية.
و كان للطلبة الجامعيين دورهم في نهضة محو الأمية، و كان لهم دورهم في المبادرة التي جاءت في وقتها المناسب لاحتلال وكر التجسس في سنة 58 . أي إن دور الطلبة الجامعيين في بداية الثورة كان دوراً مميزاً. و الحال أن عدد الطلبة الجامعيين في البلاد يومذاك لا يقبل المقارنة من حيث العدد و الكمية بالطلبة الجامعيين اليوم. لقد كان لنا حينئذ نحو مائتي ألف و نيّف من الطلبة الجامعيين في كل البلاد، و لدينا اليوم قرابة خمسة ملايين طالب جامعي. أي إن نفوس البلاد ازدادت إلى الضعف تقريباً، لكن عدد الطلبة الجامعيين ازداد حوالي واحد و عشرين أو إثنين و عشرين ضعفاً. و من الناحية الكيفية لم يكونوا مثلكم، نعم كانوا متحمسين و ثوريين و متحفزين، لكن عمقهم الثوري و عمق تفكيرهم الإسلامي لم يكن على غرار ما عليه الطلبة الجامعيون اليوم. فهذا الكلام الذي قاله الإخوة اليوم هنا، مستوى الكثير منه أعلى مما كان يقوله الطالب الجامعي النخبة الثوري آنذاك. كان لنا هنا جلسة، عدة جلسات متتالية مع عدد من الطلبة الجامعيين من جامعة أمير كبير الحالية - و كان اسمها يومذاك جامعة پلي تكنيك - و كان النقاش حول: هل خط الإمام الخميني واقع، و هل هو شيء له وجوده أم لا؟ لم يكونوا قادرين على إدراك المنظومة الفكرية للإمام الخميني و تحمّلها. و قد كنتُ من المدعوّين لتلك الجلسة و كان بني صدر منهم، و كان هناك آخرون، و كان هناك ثلاثة أو أربعة من الطلبة الجامعيين. كان النقاش هل هناك أساساً منظومة فكرية تسود كلمات الإمام الخميني أم لا؟ أي إن شيئاً بهذا الوضوح لم يكونوا قادرين على استيعابه. و هذه القضية بالنسبة لكم اليوم من الواضحات. كيفية الطالب الجامعي الثوري اليوم أعلى بكثير من كيفية الطالب الجامعي في ذلك الأوان.
طيّب، مع أنهم كانوا مختلفين جداً من النواحي الكمية و الكيفية عن الوضع الحالي، لكنهم قاموا بأعمال كبيرة. و السبب هو المثابرة و العمل الدؤوب، و الإيمان الثوري الحماسي، و عدم الركون للتعب، و العمل ليل نهار. بهذا الوضع استطاع ذلك العدد القليل من الطلبة الجامعيين في ذلك الحين إنجاز كل هذه الأعمال الكبيرة. و قد كانوا قليلي التجربة طبعاً. التجارب التي تمتلكونها اليوم لم يكونوا يمتلكونها. و مع ذلك قاموا بالكثير من الأعمال. و لو أردنا جعل هذا معياراً للمقارنة، فيجب أن تكون النتيجة أنكم قادرون على العمل أكثر منهم بعشرين ضعفاً أو ثلاثين ضعفاً، إذا حافظتم على المثابرة و المتابعة و التحفز في أنفسكم و تقدمتم إلى الأمام. أي إن جماعة الطلبة الجامعيين في البلاد ثروة، ثروة لا نظير لها للبلاد. و طبعاً أعلم أن من بين هؤلاء الخمسة ملايين طالب جامعي ليس عدد أولئك المتحفزين كبيراً جداً، فهم المرتبطون عموماً بالتنظيمات الطلابية الثورية أو خارجها بمقدار معين. و لكن مع ذلك فإن عددهم أضعاف ذلك العدد الذي كان يخوض غمار العمل آنذاك. بإمكانهم القيام بالكثير من الأعمال. و بعض الطلبة الجامعيين غير مكترثين و غير نشطين، و بعض الطلبة الجامعيين يخالفون هذا الأسلوب أساساً و لا يوافقون متابعة الأعمال الثورية، لكن عدد المؤمنين بالعمل الثوري و الذين يحملون الإيمان الثوري عدد كبير جداً و يمتاز بالنوعية العالية. إن بوسعكم القيام بالكثير من الأعمال في البلاد.
طبعاً أولئك الشباب الذين قاموا بتلك الإنجازات آنذاك، الكثير منهم اليوم من الباحثين و الأساتذة المبرزين في البلاد. إنهم اليوم من العناصر الذين حفظ الكثير منهم و الحمد لله أرصدتهم الإيمانية و عمّقوها. و هذا ما يدل على أن العمل الثوري لا يتنافى مع أن يكون الإنسان عالماً محققاً باحثاً. أي إن القضية ليست بحيث تتصورون إنكم إما أن تمارسوا العمل الثوري أو تدرسوا دراستكم، لا، و سوف أوضح، فالدراسة من واجباتكم، و العمل الثوري أيضاً من واجباتكم. كلا هذين النشاطين يجب أن يتمّا إلى جوار بعضهما. طيب، إذن قلنا إن لكم شأنين: شأن الطالب الجامعي، و الشأن الآخر هو شأن العضوية في المجاميع الطلابية. هذان الشأنان مختلفان. شأن الطالب الجامعي واضح و معروف، فالطالب الجامعي الجيد هو الذي يدرس بشكل جيد و ينظر للأجواء المحيطة به بأعين مفتوحة.
يجب أن تكون من خصوصيات الطالب الجامعي أن ينظر للأجواء المحيطة به بعين مفتوحة، سواء الأجواء الطلابية، أو أجواء البلاد، أو أجواء المنطقة أو الأجواء العالمية. قلتُ مراراً إن الاستطلاع في الحروب العسكرية من أكثر عناصر الحرب تأثيراً و أهمية. إذا لم تمتلك القوات القدرة على الاستطلاع و لم تتوفر على عناصر الاستطلاع و الخبراء فيه، و لم تكن تجيد الاستطلاع، فسوف تتعرّض لمشكلات عجيبة. الاستطلاع معناه أن تذهبوا إلى مكان العدو و تكتشفوه بصورة خفية: أين يستقر العدو، و كم هي جهوزيته، و ما هي إمكانياته و قدراته؟ تطلعون على هذه الأمور لتستطيعوا الاستفادة من الظروف و مهاجمة العدو، و لكي لا تداهموا و تفاجأوا بهجومه. فإذا لم تقوموا بهذا الاستطلاع، و لم تعرفوا مكان العدو، فمن الممكن أن تطلق مدفعيتكم النار و تصيبكم بقنابلها بدل أن تصيب العدو. و أنتم في الجامعات أو في مستويات البلد المختلفة إذا لم تستطيعوا الاستطلاع بشكل صحيح و معرفة الأجواء بصورة صحيحة فإن مدفعيتكم ستطلق نيرانها أحياناً على الأصدقاء. تجد فجأة أن تنظيمين ثوريين يتعاركان و يصطدمان. هذا نتيجة عدم المعرفة بالأجواء. أو في قضية دولية، تحدث أحياناً مشكلات معينة نتيجة عدم الاستطلاع و المعرفة. على كل حال واجب الطالب الجامعي أن يعرف الأجواء و البيئة، يجب أن يعرف العالم و المنطقة. حين ترون أن فلاناً من أدعياء الاستنارة مثلاً يثير الشبهات على حزب الله لبنان أو السيد حسن نصر الله أو ظاهرة أخرى من هذا القبيل، فهذا نتيجة عدم معرفة الأجواء و الساحة. أي إن هذا هو التفسير المتفائل. و قد يكون لشخص ما نظرته غير المتفائلة، لكن النظرة المتفائلة هي أنه لا يعلم ما ظروف المنطقة، و لا يعلم ما يعني السيد حسن نصر الله، و ما معنى حزب الله، و ما هي تأثيرات ذلك على مصير البلاد و الثورة. هذا نتيجة عدم المعرفة. إذن النظر بأعين مفتحة للأجواء الطلابية و لأجواء البلاد و للظروف و الواقع العالمي، و هو ما سمّيته قبل سنتين أو ثلاث سنوات بـ «البصيرة» (18)، و قد انزعج البعض من هذا التعبير، و قالوا لماذا تكرر التأكيد على البصيرة؟ لأن البصيرة تعني النظر بأعين مفتّحة.
و من جملة واجبات الطلبة الجامعيين الحفاظ على الدين و التقوى. أعزائي، إن حفظ الدين و التقوى أسهل بالنسبة لكم من أمثالي، اعلموا هذا. عندما كنا شباباً كان هناك عالم في مدينة مشهد صديق قريب جداً لوالدي، و كان شيخاً كبيراً جداً - كان حينها في سن أمثالنا نحن الآن أو أكثر - و قد كنا شباباً و كان يحبّنا و ينصحنا و يقول اعرفوا قدر الشباب، فحتى العبادة هي للشباب و ليست للشيوخ. و قد كان هذا عجيباً بالنسبة لنا، فالعبادة للشيوخ، لكنه كان يقول حتى العبادة هي للشباب. و الآن يشعر الجميع بهذا. لاحظوا، إن قلوبكم تلين بسرعة و تتنور بسرعة و دموعكم تجري بسرعة، و اتصالكم بالله يحصل بسرعة، و هذه حالة مغتنمة جداً. هذه الميول الموجودة حالياً نحو المعنويات و القيم الروحية في أجواء الشباب في البلاد حالة قيمة جداً. ليالي الإحياء هذه، و مجالس التوسل إلى الله هذه، و مراسم الاعتكاف، و مجالس دعاء كميل، و دعاء أبي حمزة، و كل هؤلاء الشباب، و الدموع و التوجّه إلى الله، هذه أحوال لها قيمة كبيرة. حافظوا على هذه الأحوال فهي ثمينة قيمة. و قيمتها لا تقتصر على شخصكم أنتم، بل هي قيّمة للبلد. فكما قلت عندما يكون الإنسان مؤمناً و يقتنع قلبه، عندئذ: «قالوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُم اِلّآ ايمانًا وَ تَسليمًا» (19)، في ساحة الحرب أيضاً سيصيب كبد الهدف كرصاصة من نار. هذه هي نتيجة الإيمان و الارتباط بالله.
سوء الظن بالتيار الإعلامي للعدو. من الأمور الضرورية جداً سوء الظن بالتيار الإعلامي للعدو. المجال الإعلامي اليوم من المجالات المكلفة جداً للأعداء. إنه مكلف جداً بالنسبة لهم، أي إنهم ينفقون الكثير و يخصصون الكثير من الأموال لهذا المجال، و يأتون بأشخاص متخصصين، إنه مكلف بالنسبة لهم كثيراً، ضدّ من؟ ضدّ الجمهورية الإسلامية. طيب، تنصبّ همم هذا التيار الإعلامي على نقاط يمكنها أن تشلّ الجمهورية الإسلامية، كإيجاد اليأس و خلق نقاط سلبية و تضخيم النقاط السلبية، و إلغاء النقاط الإيجابية بالكامل. قرأتُ اليوم في الصحيفة، و ليس لديّ اطلاع دقيق عيني طبعاً، و لكن كان في الصحيفة اليوم أن مؤسسة بث الكلام البريطانية (20) لم تنشر تظاهرات الأمس التي كانت فعلاً ظاهرة، فقد كانت مظاهرات يوم القدس في هذه الأعوام حيث الجوّ بهذه الحرارة و الأيام طويلة جداً و الناس صيام، كانت ظاهرة حقاً، و خرجت حشود هائلة ضخمة في طهران و المدن. هذا ليس بالخبر الصغير، و هؤلاء الذين ينشرون أصغر الأخبار لا ينشرون هذا الخبر. هذه سياسة إعلامية بالتالي. و على العكس، إذا كانت هناك نقطة سلبية تراهم يضخّمونها مائة مرة. لتكن من الأصول أن تكون النظرة للتيار الإعلامي المعادي - سواء تيار الإذاعة و التلفزيون أو تيار الفضائيات أو تيار الفضاء الافتراضي - نظرة سوء ظن.
اعلموا أولاً إنهم يكذبون. إنني في حدود اطلاعي على سياق الأخبار الخارجية، و بمقدار ما يتعلق بالمجال الذي أعلم به عن قرب، أجد أن تسعين بالمائة من كلامهم كذب. تسعون بالمائة كذب. يزيّفون و يكذبون الأكاذيب الكبيرة و الصغيرة، و لا يهمّهم أبداً. اعلموا أن هذه من واجبات الطالب الجامعي المستنير. طيب، هذا ما يتعلق بشخصيتكم كطلاب جامعيين، أي إنكم يجب أن تراعوا هذه الأمور و تلتزموا بها من باب كونكم طلاباً جامعيين.
و لديكم مسؤوليتكم كأعضاء في تنظيم. هذه مسؤوليات أكبر. الأجواء السياسية المتعددة الأبعاد في الظرف الراهن معقدة جداً. إنها متعددة الطبقات و الجوانب، و ليست كما كانت عليه في عقد الستينيات [الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد]. لقد كانت الأمور واضحة في عقد الستينيات: كانت هناك حرب في غرب البلاد و جنوبها، و كان هناك عدوّ هجم، و كان الواجب معلوماً، فقد كان معلوماً أن على الجميع أن يمارسوا دورهم، كل حسب موقعه. و في طهران إذا ارتفعت راية مخالفة كانت تمحق من قبل الشعب نفسه فيقال له إنك تفعل هذا في فترة الحرب. هذه هي الحرب الصلدة بالتالي. و قد اكتسب الأمريكان و الآخرون تجربة أنْ لا يراهنوا على الحرب الصلدة مع الجمهورية الإسلامية. لا يبادرون لها. يعلمون أنه إذا نشبت حرب عسكرية فسوف تضطرب الكثير من مخططاتهم الأمنية و الثقافية في داخل البلاد. الخطة اليوم خطة معقدة، فهي أمنية و ثقافية و اقتصادية و سياسية. البرامج و المخططات متشابكة بعضها مع بعض. الواجبات في مثل هذه الظروف جسيمة جداً، فإن لهم مخططاتهم الأمنية. هذه بالتالي أخطار، و هي أمور تتطلب مواجهتها تدبيراً و عقلاً و دقة و دراسة. و لا يمكن للمرء أن يخوض غمار المعركة مغمض العينين. لا يمكن العمل بعيون مغمضة. و عليه، أعتقد أن واجبات هذه التنظيمات واجبات ثقيلة. من جهة ثانية توجد تنظيمات أخرى لا تتطابق معتقداتهم مع التنظيمات الثورية المتدينة. نعم، أنا أعلم و قد قال أخونا هنا أنْ ليست كل آراء الطلبة الجامعيين تطرح في هذه الجلسة. إنه على حق إلى حدّ ما. و هذه الجلسة هي للتنظيمات الثورية. طبعاً الكلام الذي قاله هو نفسه يدلّ على أن الأمر ليس كذلك، و أن هذا الكلام ليس دقيقاً تمام الدقة. كانت آراء مخالفة و طرحت، و قد تقدمت بالشكر و نحن نتعامل مع المخالفين بهذه الطريقة دائماً. و لكن التعامل مع هذه الظواهر له تعقيداته و تضاعيفه المتعددة، و التي تستدعي الدقة.
التوصية الأولى التي نوصي بها التنظيمات الطلابية هي أن يكون لهم حضورهم و تواجدهم، التواجد. و ليس القصد هو التواجد الجسماني فقط، بل التواجد الفكري و التواجد البياني - و سوف أتحدث عن التبيين - و في بعض الأحيان التواجد الجسماني عندما يكون ذلك ضرورياً في القضايا الأساسية للبلاد. يجب أن يعلم أصدقاء الثورة، و أعداء الثورة أيضاً، مواقفكم بخصوص قضايا البلاد المهمة. حينما لا يعلمون، فافترضوا أن الصحفي الأوربي أو الأمريكي الفلاني يأتي إلى إيران، ثم يذهب و يرفع تقريراته لجون كري، فيقول هذا - و قد قال قبل يومين أو ثلاثة أيام - نعم، هناك أشخاص يأتون من إيران و يخبروني بأن الشباب الإيراني يجلسون في الكوفي شوپات، يحتسون القهوة و يتحدثون عن مستقبل بلادهم. يفرحون أنفسهم! (21) ليس لديّ اطلاع هل ذهبوا إلى عدة كوفي شوپات، و لكن لنفترض أنهم ذهبوا إلى عشرين أو ثلاثين أو خمسين كوفي شوپ - كوفي شوپ تعني المقهي، و هي تقريباً ترجمة حرفية للمقهى، لكن البعض يتحاشى كلمة المقهى، و يطلق عليه اسم كوفي شوپ - و ليكن عدد من الشباب قد ذهبوا إلى المقهى و لنفترض أنهم أساءوا الحديث عن النظام و القيادة و الإمام الخميني و الثورة، و تمنّوا أن يتغيّر هذا النظام في يوم من الأيام. مجموع من كان في هذه المقاهي العشرة أو العشرين التي زاروها ثم ذهبوا و أبلغوا وزير الخارجية مائة شخص أو مائة و خمسون شخصاً من هذا النوع مثلاً. و إذا به يمنّي نفسه فيذكر ذلك في مقابلة أو في تقرير لمركز رسمي - و قد حصل هذا قبل يومين أو ثلاثة، و لا أتذكر بالضبط، قال هذا علانية في تقرير - فيذاع و ينتشر في العالم.
و إذا أبدى آلاف الطلبة الجامعيون المتدينون المسلمون موقفهم بشأن القضية الفلانية التي يشعر هو بالحساسية اتجاهها، فلاحظوا أيّ أثر سيكون لهذا. نعم، إنه لن يُخبِر بذلك و لن يذيعه، لكنه هو نفسه سيفهم الأمر. قلتُ مراراً للذين يعتبون و يقولون إن وسائل الإعلام في العالم لا تبث الأخبار الثورية، قلتُ لهم إن الذين يجب أن يفهموا يفهمون، و هذه الأخبار تصل لمن يجب أن تصل لهم. تصل لرئيس جمهورية أمريكا بالتأكيد، و تصل لوزير خارجية أمريكا، و تصل لأعضاء مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، و تصل لعناصر المؤسسة الفلانية التي تضع الخطط و السياسات، و هم يطلعون و يعلمون. عندما تكون لكم أنتم الطلبة الجامعيين عقيدة معينة بخصوص برجام (الاتفاق النووي) و تصرّحون بهذه العقيدة و تبدونها، و حين تبدون عقيدتكم بشأن العلاقة مع أمريكا، و تعلنون عن رأيكم بخصوص الاقتصاد المقاوم، و حول مستقبل البلاد، و هذه العقيدة عقيدة ثورية قوية رصينة منطقية، فهذا يؤثر في معنويات العدو. لقد قلتُ إنكم ضبّاط الحرب الناعمة، و هذه من لوازم ضباط الحرب الناعمة بالتالي. هذه حرب ناعمة، و يجب أن لا يكون الإنسان في الحرب الناعمة في مواقع الدفاع دائماً، بل يجب أن يكون في مواقع الهجوم أيضاً، و هذا هجوم. هذا من الواجبات. التواجد الفكري. لتكن مواقفكم واضحة. أما أنّ هذه المواقف قد تكون أحياناً بخلاف سياسات الحكومات، و ماذا نفعل لكي لا يحصل تعارض مع الحكومات، فهذا أيضاً له طريق حل. و سوف أذكره إن شاء الله إذا أتيح المجال. إذن، الإعلان عن المواقف الثورية مهم.
و لكن ينبغي مراعاة عدة نقاط في هذا الإعلان عن المواقف. أولاً يجب أن يكون إبداء المواقف منطقياً مرتكزاً إلى أدلة. لاحظوا، جرى الحديث اليوم عن العقود النفطية، و عن الاقتصاد المقاوم، و عن كتمان الرواتب الفلانية في مجمع تشخيص المصلحة. لم يكن الكلام دقيقاً، المعلومات لم تكن معلومات دقيقة. نعم، أنا أؤيد مهمتكم حين تعترضون، لكن الكلام لم يكن كلاماً دقيقاً. أي إنكم غير مطلعين. كما أن أحد الأعزاء تحدث عن المؤسسات التي تشرف عليها القيادة - و هناك تسامح في القول إن القيادة تشرف عليها، المراد هو أنها تابعة لجهاز القيادة - مثل مؤسسة المستضعفين، و مثل اللجنة التنفيذية لأمر الإمام الخميني. لا بأس، أنا اقترح أن تنظم الجماعات الطلابية الجامعية سفرات اطلاع لهذه المؤسسات، و ليذهبوا إليها و يشاهدوا. لقد قاموا بأعمال جيدة و لافتة، و لو كنتم أنتم أيضاً لفعلتم نفس الشيء الذي يفعلونه هم. و لنفترض أنكم لم تستسيغوا فعلهم في حالة من الحالات أو لم تطلعوا على مبرراتهم، لا إشكال في هذا. هناك أعمال جيدة تجري، فاعلموا بهذه الأعمال الجيدة و اطلعوا عليها. إذن، يجب أن يكون الموقف الذي تتخذونه موقفاً متقناً قائماً على أدلة و لا يمكن المساس و التشكيك به.
ثانياً لتكن مواقفكم في وقتها المناسب. أحياناً يكون اتخاذ الموقف حول شيء معين في الوقت الجيد المناسب، لكنه لن يكون كذلك في اليوم التالي. أي إنه سيكون عديم الفائدة أو ربما مضراً في بعض الأحيان. يجب أن تتفطنوا و تدققوا لتقوموا بالعمل في وقته المناسب.
ليعلم الناس تحليلاتكم فأبدوها و انشروها. هذه النشرات و المجلات الخاصة بالطلبة الجامعيين شيء جيد. طبعاً شريطة أن تبقى وفية لهذه الميول التي تحدث عنها هذا السيد العزيز رئيس التنظيم، و أن تنشر أدلتكم و براهينكم الثورية ليقرأها الناس. أي لتكن التحليلات الطلابية تحليلات يطلع عليها الناس. من الأعمال السهلة التي يمكن القيام بها في رأيي إلقاء كلمات قبل خطب صلاة الجمعة، فليخططوا لهذا الشيء و ليتوجّه الطلبة الجامعيون المتحدثون المفوّهون و ليدعموا و ليساعدوا من قبل المجموع و لتعد نصوص جيدة، و ليذهبوا لقراءتها في صلوات الجمعة. كأن يخصص مثلاً فصل للطلبة الجامعيين قبل خطبتي صلاة الجمعة، كما يتحدث المسؤولون قبل هذه الخطب. خذوا مثلاً صلاة الجمعة في مدينة مثل طهران أو إصفهان أو مشهد أو تبريز، هذه ليست بالأماكن الصغيرة، يذهب طالب جامعي و يتحدث هناك و يطرح الكثير من الآراء و الأفكار. هذه أمور قيمة. أو صلاة جمعة طهران مثلاً. و ليعلم العدو بتحليلاتكم. أي إنكم عندما تحللون الحادثة و تتخذون موقفاً و تعلنونه فسيطلع عليه العدو أيضاً، بل إنه يطلع بعض الأحياء قبل بعض الأصدقاء (22). و لتكن آراؤكم و مواقفكم منطقية و مرتكزة إلى الدليل. هذا هو التواجد الفكري.
التواجد الجسماني - أو على حد تعبيركم التواجد الفيزياوي - هو أيضاً لازم في بعض الأحيان. التجمعات ضرورية، و لا إشكال فيها أبداً. طبعاً لتكن تجمعات قانونية. و قد يتشدد القانون في بعض المواطن و تكون لديه ملاحظاته و مؤاخذاته، لا ضرر في ذلك. لا تجري كل الأمور وفقاً لرغبة الإنسان دائماً. تجمعاتكم جيدة، فلتكن لكم تجمعاتكم حول القضايا المهمة و بأسلوب صحيح. أن يتجمعوا أمام مجلس الشورى الإسلامي ضد برجام فلا أظن أن هناك منطقاً يسند هذه الممارسات. نواب مجلس الشورى كم لديهم من الفرصة أساساً؟ التجمع الصحيح أو أن تستأجروا صالة أو تكون تحت تصرفكم، و يتجمع فيها خمسائة شخص أو ألف شخص أو ألفا شخص أو عشرة آلاف شخص من الطلبة الجامعيين، و يتحدث فيها شخصان أو ثلاثة بدراسة مسبقة و بطريقة منطقية استدلالية. هذا شيء مهم. هذا الكلام سيصل إلى أسماع نواب مجلس الشورى الإسلامي، و يصل لأسماع نواب الحكومة، و يصل لأسماع نواب القيادة. مثل هذه التجمعات مهمة. أو في القضايا و الأحداث التي تريد بعض مجاميع الطلبة الجامعيين أن تكسر الخطوط، إذا افترضنا أن البعض يريدون تجاوز الخطوط الحمراء للنظام، و يفخرون بذلك كثيراً و يريدون إبداء شجاعتهم و جلادتهم و يتجاوزوا الخطوط الحمراء للنظام، لا بأس، التجمع الجسماني هنا جيد جداً، طبعاً لا بمعنى أن تذهبوا و تخرّبوا مجلسهم و اجتماعهم. و قد قلتُ سابقاً و أقولها الآن أيضاً، و أقولها عشر مرات أخرى، إنني أعارض تخريب المجالس و التجمعات، مهما كان التجمع. تخريب التجمّع عمل لا فائدة منه، بل هو مضرّ أحياناً. إنه عديم الفائدة في أقل التقادير، و هو مضرّ في أسوء الحالات. ما الداعي لذلك؟
طيب، إنهم عقدوا هناك اجتماعاً و راحوا يتناقشون ضد الأساس الفلاني من الأسس الثورية. طيب، أعلنوا هناك أنه غداً أو بعد غد و هنا - هم هناك و أنتم هنا أو في نفس الصالة - سنعقد اجتماعاً و نناقش هذا الموضوع. ادعوا و اجمعوا الطلبة الجامعيين و ابحثوا و تناقشوا و ادحضوا ذلك الكلام و انهوه. هذا جيد. تجدون المخاطبين و الأشخاص فالطلبة الجامعيون يريدون فهم الحقيقة بالتالي. إذن، التجمعات الفيزياوية جيدة جداً و لا إشكال فيها و لكن طبقاً للمقررات و الضوابط، و كما قيل بترتيبات و تمهيدات صحيحة. و على مسؤولي الجامعات أن يساعدوا. و قد قلتُ هذا الآن للدكتور السيد فرهادي، و قلتُه سابقاً للدكتور السيد هاشمي، و قلتُه الآن لمعاون الدكتور السيد فرهادي حيث جاء. واجب مسؤولي الجامعات دعم المجاميع الثورية و المتدينة. أي إن الذين يؤيدون الثورة و المستعدين للتضحية في سبيل الثورة لا يتساوون مع من هو غير مكترث للثورة أو قد يكون مخالفاً للثورة. إنكم بوصفكم وزراء أو مسؤولين أو ممثلين للجمهورية الإسلامية، هل تستطيعون النظر لهم بعين واحدة؟ بخصوص الحقوق العامة نعم، الحقوق العامة تشمل الجميع، و لكن لا يمكن أن تكون ممثلاً للنظام الإسلامي و لا تدعم الذي يدافع عن الإسلام الثوري، بينما تدعم ذلك الذي يهاجم النظام الإسلامي أو إنه غير مكترث على الأقل للنظام الإسلامي! لا، هذا غير مقبول. على المسؤولين دعم المجاميع الثورية و تسهيل تواجدهم. إذن، التواجد من الواجبات و الوظائف، التواجد الفكري و التواجد الجسماني. و قد شرحتُ لكم كلا النوعين.
الواجب الثاني هو التبيين. التبيين. التبيين هو أساس أمرنا و عملنا. إننا أمام الأذهان و القلوب، و القلوب هي التي يجب أن تقتنع. إذا لم تقتنع القلوب فلن تتحرك الأجسام و لن تعمل. هذا هو الفرق بين الفكر الإسلامي و الأفكار غير الإسلامية. كنا جالسين في منزل أحد أصدقائنا في طهران قبل سنين من الثورة. و كان هناك أحد الشباب الذين نعرفهم و كان من مدينة مشهد، كنا نعرفه و نعرف والده. كان من منظمة «چريكهاي فدائي خلق» و من الذين ذهبوا إلى غابات الشمال و تخندقوا فيها و كانوا يناضلون. دخل فجأة و لم أكن على علم بذلك. كنا على معرفة به، جاء و جلس، و يبدو أنه كان قد جاء ليحصل من صاحب ذلك البيت على مساعدة مالية أو شيء آخر. قلتُ له ما الذي تفعلونه، فقال بعض الأشياء. قلتُ له إذا أردتم أن تنجحوا فالسبيل إلى ذلك أن تتحدثوا مع الناس و تبينوا، لكي يعلم الناس لماذا تتجمعون في الشمال و تمارسون النضال المسلح، و لماذا تقومون في المدينة الفلانية بالتحرك الفلاني مثلاً، بينوا هذه الأمور لكي يعلمها الناس. تحدثت له عن التبيين قدراً من الوقت. نظر إليَّ نظرة و هزّ رأسه - كان طفلاً، كان أصغر منا كثيراً، أي بنحو عشرة أعوام - نظر نظرة كما ينظر العاقل للسفيه (23) و قال: نعم، هذا هو فكركم الإسلامي، لكن فكرنا ليس هذا، أي إن التبيين غير ضروري. هذا الفكر الديالكتيكي القديم المتهرّئ الماركسي الذي تبيّن خطؤه - و الذي سمعتُ أن البعض عادوا يتابعونه في الجامعة - يقول لهم: لا، إن ما يلزم الديالكتيك و النتيجة الديالكيتكية هو هذه الحرب و المعركة بين العامل و رب العمل، و لا ضرورة لأيّ تبيين. هكذا يقول لهم.
لقد ثبت خطأ هذا بالتجربة تماماً، و تبين أنه خطأ. و عندما تأسست حكومة تبين بعد ستين أو سبعين سنة أنها خائرة من الأساس، فانهار البناء برمّته. و لا يزال البعض يراهنون على الحصان الخاسر كما يقول الأجانب، عادوا ليراهنوا على الماركسية! لا، على حدّ تعبير نفس ذلك الشاب - و الذي قتل بعد ذلك - الفكر الإسلامي هو التبيين. «فَاِنَّما عَلَيك البَلاغ» (24) يقول الله لرسوله (ص) إن واجبك هو إيصال الكلمة و الفكرة. يجب أن تبينوا و تقولوا كلامكم و آراءكم في قضايا البلاد المهمة، في قضية الاقتصاد المقاوم، و في قضية التقدم العلمي - هذه قضايا البلاد المهمة - و حول العلاقات مع أمريكا. هذه أمور غير واضحة بالنسبة للكثيرين. و إذا لم تكن واضحة بالنسبة لكم أنتم المجاميع الطلابية في الجامعات فيجب أن توضّحوها لأنفسكم. و إذا كانت واضحة فأوضحوها للطلبة الجامعيين. لماذا أصرُّ كل هذا الإصرار على أن العلاقات مع أمريكا يجب أن لا تكون حتى على مستوى المفاوضات، باستثناء بعض الأمور المحددة المعينة التي تقتضيها المصلحة؟ ما هو السبب؟ لهذا سببه. و السياسيون حتى الميالون لأمريكا يؤيدون هذا السبب في بعض المواطن. قلتُ إن أحد هؤلاء السادة رؤساء الجمهورية في الفترات المختلفة كان يناقشني و يتحاور معي حوارات متعددة حول هذه القضية في جلسات مختلفة، ثم ذهب في المجلس الأعلى للأمن القومي و قال إن لفلان أدلة لا أمتلك لها جواباً. و كان على حق. لقد كان لديّ في رفض إقامة علاقات مع أمريكا أدلة لم يكن لديه أجوبة و ردود عليها. كان على حق. الأدلة أدلة قوية، و ليست من النوع الذي يمكن إزاحتها و الردّ عليها بسهولة. فإذا توصّلتم إلى هذه الأدلة و يمكنكم التوصل إليها فبينوها و أوضحوها. أنتم طلبة جامعيون و شباب و لديكم أفكار جيدة، و الكلام الذي قلتموه اليوم يجعلني متفائلاً تماماً، لا من حيث محتوى الآراء و الكلام - و قد كان المحتوى و المضامين بدورها جيدة، لكنني أقصد شيئاً آخر - بل من حيث أنني شعرتُ أن الأذهان نشطة تماماً، و هذا هو المهم بالنسبة لي. الذهن نشط و الأدبيات المستخدمة جيدة، و هذا شيء قيّم جداً. طيب، ليعكف هذا الذهن النشط الفعال على إيجاد أدلة مناسبة لهذه القضية و ليعمل على ترويجها و إشاعتها. لاحظوا، هذه من جملة القضايا التي تحتاج إلى تبيين.
قضية أسلوب الحياة الإسلامية الإيرانية الذي طرحناه، هذه بالتالي قضية جديرة بالدراسة فبينوها و عالجوها. أنتم أنفسكم على الصعيد العملي مضافاً إلى تبيين القضايا الثقافية. هذه من المسائل المهمة فبينوها. إذن، الواجب الثاني هو واجب التبيين. و هذا التبيين ممكن في الأجواء الجامعية الطلابية و خارج الأجواء الجامعية. و كما ذكرت يمكن التبيين في صلاة الجمعة و ما شابه، و هذه أعمال تؤدي إلى صناعة خطاب و أفكار و مطالبات عامة، و هذا شيء قيم جداً و يأخذ البلد إلى اتجاه محدد. طبعاً لا بدّ من استمرار في العمل و استقامة و التحدث بشكل صحيح، و قد تطول المسألة بعض الزمن.
العمل الثالث هو أن تزيدوا من مستوى وعيكم السياسي و الديني. لا تقولوا إننا نعلم كل شيء و متمكنون من كل شيء، لا، أحياناً يكون مستوى الوعي السياسي قليلاً، و أحياناً يكون مستوى الوعي الديني قليلاً. و الإمكانيات اليوم كثيرة بالنسبة لهذا المعنى، سواء على صعيد السياسة أو على الصعيد الديني. على الصعيد الديني، تمتلك الحوزة العلمية في قم مثلاً - و قد عاتب أحد الأعزاء الحوزة العلمية في قم عتاباً شديداً و حاداً و قوياً، و نصفه طبعاً وارد، و نصفه غير وارد، و لا يمكن رفضه كله و لا يمكن قبوله، و قد كانت فيه بعض الإشكالات - لديها اليوم إمكانيات و طاقات جيدة جداً من حيث الأفكار الإسلامية التي يمكن أن تضعها تحت تصرفكم. و لقد شاهدتُ من باب الصدفة قبل عدة ليالي في التلفاز أحد كبار علماء الحوزة العلمية في قم و هو يتحدث عن التعددية، حيث قدم ببيان قرآني مبسّط بحثاً قصيراً جيداً جداً. إذ يوجد من يريدون أن ينسبوا التعددية للإسلام، لأن الإسلام يقول: «اِنَّ الَّذينَ ءامَنوا وَ الَّذينَ هادوا وَ النَّصأرى وَ الصّابِئينَ مَن ءامَنَ بِاللهِ وَ اليومِ الأخِر» (25)، إذن، الإسلام «متعدد الأديان» و يمكنكم العمل بأيّ دين شئتم. هذا كلام خاطئ، لكنه على كل حال كلام يطرح في هذه السنين بتعابير مختلفة و بكثير من الضجيج و الأخذ و الردّ، و هم يؤثرون في بعض المساكين. و أرى عالماً دينياً مبرزاً يظهر في التلفاز ليدحض ببيان جد بسيط و مقنع تماماً - مقنع تماماً - هذا المنطق، هذا شيء مغتنم بالتالي. أو عالم بارز آخر - و قد شاهدتُ هذا في نفس أيام شهر رمضان هذه، شغّلتُ التلفاز ليلتين، و قد كان شغّالاً فشاهدتُ - قدّم بحثاً جيداً جداً و مقنعاً و واضحاً حول قضية علم الإمام و علم الأنبياء. هذه أمور ترفع من معلوماتنا الدينية، و كذا الحال بالنسبة لمعلوماتنا السياسية. زيدوا من معارفكم العلمية الدينية و السياسية، و اقرأوا الكتب و استمعوا لكبار الحوزويين و الجامعيين.
المخيمات و السفرات العلمية. الكثير منكم غير مطلع حقاً على التقدم العلمي في البلاد. و أعماركم لا تقتضي ذلك. كنتم في الثانوية و جئتم الآن إلى الجامعات، و لم تجدوا الفرصة. نقول دائماً النانو، و أنتم تعلمون أن هناك شيئاً اسمه النانو، و يوجد بعض الأشخاص يعملون، و لم تذهبوا إلى مختبرات النانو لتروها، و لم تذهبوا إلى بعض المختبرات العلمية أو النتاجات العلمية لتروها، و لم تذهبوا لتطلعوا على بعض الأعمال الخدمية التي قامت بها بعض المؤسسات الخدمية. نظموا رحلات علمية حقيقية و تفاهموا و ليتوجّه أربعون أو خمسون من الشباب إلى هذه الأماكن ليروا ما فيها. أنتم ترون المناطق الحرّة فتتألمون - و معكم حق - فاذهبوا الآن لتروا الأشياء التي تبعث فيكم الأمل فتفرحوا و تروا أن هذه الأشياء موجودة في البلاد أيضاً. هذا شيء يرفع مستوى المعارف و الوعي.
تأسيس كراسي التفكير الحرّ، طبعاً بحضور و إرشاد الأساتذة المبرزين. أعتقد أن هذا أيضاً واجب آخر هو الواجب الثالث.
و هناك واجب آخر يقع على عاتق التنظيمات الطلابية و هو تنمية المتلقين و المخاطبين على مستوى الطلبة الجامعيين. زيدوا من متلقيكم. عدد الذين يعتبرون من متلقيكم من بين هؤلاء الخمسة ملايين طالب جامعي قليل جداً، و نسبتهم قليلة جداً، فاعملوا ما من شأنه أن يرفع هذه النسبة. و لا أقول مائة بالمائة، و لا أقول ثمانين بالمائة، و لكن ارفعوا النسبة على كل حال. و لهذا الشيء طريقته، فاعثروا على الطريقة. ما دمتم حسني التفكير إلى هذه الدرجة و موهوبين و ذوّاقين، فكيف يمكن أن توسّعوا من دائرة متلقيكم؟ لهذه العملية متطلباتها و لوازمها: يجب أن يتحلى الإنسان بالأخلاق، و سعة الصدر، و يصبر على سماع كلام المخالف - هذه أمور لازمة بالتالي - و يجب أن يكون متمكناً من الفكرة التي يروم طرحها ليمكنه طرحها. قد يستلزم الأمر أحياناً أن يتحدث المرء لشخص واحد فقط، أي لإقناع مخاطب واحد. حدث لي في تلك الفترات الصعبة من القمع أن أتحدث لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات مع شخص واحد حول قضية ما من أجل أن أقنعه، و أحياناً مع شخصين، و أحياناً مع خمسة أشخاص، و نقيم أحياناً جلسات متكررة بالتناوب، و أحياناً نقيمها بشكل دفعي. هذه أعمال تؤثر. إذن، زيدوا من عدد متلقيكم و مخاطبيكم.
الفكرة الخامسة - و هي بدورها لازمة في رأيي - هي أن لا تمارسوا التقية أبداً في الدفاع عن النظام الإسلامي، و كونوا صريحين في ذلك. النظام الإسلامي مبعث فخر. نعم، في العالم و في الداخل، هناك أشخاص يريدون تصوير النظام الإسلامي و كأنه قليل القدرة - يوجد أشخاص من هذا القبيل - لكنهم على خطأ، و يسيرون في طريق خاطئ، بعضهم عن عمد و بعضهم عن عدم اطلاع و عدم وعي. النظام الإسلامي مبعث شرف و فخر و اعتزاز. عدوكم يرى النواقص، و يريد بالاعتماد على هذه النواقص و حالات القصور أن يوجّه الضربات للثورة دائماً. ثمة مقابل كل تلك النواقص و الثغرات أضعافها من التقدم و النجاحات. النجاح الأهم هو أن جبهة هائلة من القوى المادية - من القوى الشرقية إلى الغربية و بمختلف أنواعها و صنوفها - تحاول منذ 37 سنة أو 38 سنة أن تركع هذه الثورة و هذا الشعب و هذا النظام فلم تستطع. فهل هذه مزحة؟ إنهم بمجرد أن يقطبوا وجوههم بوجه الملكية الفلانية الكثيرة الادعاءات يرتعدون جميعهم و يحاولون خطب ودّ الطرف المقابل، فيذهبون إليه و يجتمعون به و يتحدثون و يعقدون الصفقات و يعطون الرشاوي. و هم يعملون ضد الثورة الإسلامية منذ 37 سنة، يعملون عملاً عسكرياً و عملاً أمنياً و عملاً تجسسياً و عملاً ثقافياً، عملوا آلاف المشاريع و الأعمال، لكن الجمهورية الإسلامية ازدادت قوة يوماً بعد يوم. يا أخي، إن عددكم و نوعيتكم اليوم - المجموعة المناصرة للثورة - أكبر بكثير من بداية الثورة، و سبق لي أن شرحتُ هذا. فما معنى هذا؟ معناه أن الثورة كائن حيّ، و هو ينمو يوماً بعد يوم. أفليس في هذا مفخرة؟
طبعاً حينما نقول دافعوا عن النظام، تعوّد البعض على أن يأخذوا النظام بمعنى القيادة. في القضية الفلانية مثلاً إذا تحدث شخص ضد النظام يعتبره البعض ضد القيادة، أو إذا كان الشخص مدعوماً من قبل النظام فهذا يعني أنه مدعوم من قبل القيادة. ليس هذا ما أقصده. القيادة جزء من النظام، و قصدي من الدفاع عن النظام ليس أبداً الدفاع عن القيادة، بل الدفاع عن مجموعة النظام التي هي مجموعة من القيم المتناسجة و المتشابكة بعضها ببعض و التي بقيت قوية رصينة هكذا. اعلموا أيها الشباب الأعزاء أن بنية هذه الثورة قوية جداً، و قدرتها و قابليتها على النماء عالية جداً، تحتاج إلى القوة و إلى المساعدة و إلى القدرة و هذا ما هو متوفر لديها و الحمد لله. طبعاً هناك مشكلات أيضاً، سواء المشكلات الداخلية أو المشكلات الخارجية. لا يمكن افتراض الوضع من دون مشكلات. كل الأحداث الإصلاحية في العالم واجهت بالتالي مشكلات معينة أمامها، و للجمهورية الإسلامية أيضاً مشكلاتها و للثورة الإسلامية صعوبات تواجهها.
النقطة السادسة هي التوصية بتنمية و مواصلة المخيمات الجهادية. إنني سعيد لأن هذا الشاب جاء هنا و تحدث عن المخيمات الجهادية و شرحها. نعم، هذا الكلام الذي قاله موضع تأييدي كله. هذه المخيمات الجهادية تعدّ بمثابة التمرين و الخدمة و بناء الذات مضافاً إلى التعرف على أجواء المجتمع. إنها شيء قيّم جداً. يجب أن تطوروها و تنموها يوماً بعد يوم. و هي إلى ذلك جهاد، إنها حقاً جهاد، و عمل، و جهاد، و سعي، و خدمة للفقراء. طبعاً هذا الكلام الذي قيل عن القرى و الأرياف كلام كنا قد قلناه منذ سنين طويلة لمختلف الحكومات الإيرانية. و الكلام الذي قلته قبل الصلاة بأن القيادة لا يمكنها التدخل في الأعمال التنفيذية إلّا في حالات خاصة، هذه القضية من نماذج الحالات الخاصة. لقد أوصيت الحكومات المختلفة - هذه الحكومة، و الحكومة السابقة، و الحكومة التي قبلها، و الحكومة الأسبق منها - توصيات متكررة بالقرى و الأرياف. و للقضية طريقتها الواضحة، و قد أشار هذا الشاب الآن إلى عدة نقاط منها. إحدى هذه النقاط الصناعات المناسبة للقرية و التي ستكون مفيدة و مجدية لو تحققت. هناك صناعات صغيرة مناسبة للقرية. لنفترض على سبيل المثال أن بساتين أرومية فيها الكثير من أشجار التفاح، و تفاحهم يتساقط على الأرض - و هذا ما شاهدته - و تتحول إلى سماد. أثمان هذا التفاح المتساقط زهيدة إلى درجة لا يجدي معها صاحبَ البستان أن يدفع مالاً و يجمع هذا التفاح ليأخذوه إلى مكان معين! أي إنه بلا قيمة و لا ثمن. بينما لو كان هناك معمل عُصارات فاكهة أو معلبات فاكهة أو غير ذلك يتأسس في تلك المنطقة فسيتم إحياء كل هذه الثروة. هكذا هي الطرق و الأساليب، و لا يوجد أي طريق معقد صعب، إنها طرق سهلة جداً، و برساميل و أرصدة صغيرة. أحياناً يقولون لنا: يا أخي إذا أردنا توفير فرصة عمل نحتاج إلى مائة مليون تومان. هذه المشاغل التي أتحدث عنها لا تحتاج إلى مائة مليون، بل لا تحتاج أحياناً حتى إلى عشرة أو خمسة عشر مليوناً. هذه طرق واضحة، و يجب عليهم عقد الهمم و إنجازها. على هذا الأساس، اعتقد أن المخيمات الجهادية ظاهرة حسنة جداً، و معالجة قضايا الأرياف حالة مهمة.
سابعاً، تابعوا أسلوب الحياة الإسلامية الإيرانية في الفكر و العمل، فهو قضية مهمة. فكروا في الأمر و حددوا مصاديقه ثم اعملوا و انشروا ما تتوصلون إليه كجدول أعمال و توصيات. كأن تنشر كراسة حول أسلوب الحياة الإسلامية من الشوارع و الطرق مثلاً. و قبل سنتين أو ثلاث سنوات ضربتُ أمثلة حول هذا الموضوع من التوقف خلف الضوء الأحمر، و يمكن توسيع هذا الموضوع و تبيينه. إنها مهمتكم و عملكم أنتم الشباب الذي لديكم القدرة و الموهبة و سعة الصدر و عقلية هذه الأعمال، إذن، أنجزوا هذه الأعمال.
ثامناً، خطاب العدالة، و الاقتصاد العلمي المحور، و التقدم الإيراني الإسلامي، و سرعة الاكتشافات العلمية، هذه هي الخطابات الأصلية، فقوّوها و عزّزوها. خطاب الاقتصاد المقاوم خطاب مهم جداً. نعم، قد ينفّذ شيء اسمه الاقتصاد المقاوم و لا يكون في الواقع اقتصاداً مقاوماً، و لكن يمكن أيضاً تنفيذ شيء باسم الاقتصاد المقاوم و يكون اقتصاداً مقاوماً تماماً، أو هو جزء من الاقتصاد المقاوم على الأقل. يبدو الآن أن هناك أعمالاً و مشاريع جيدة قيد الإنجاز. حسب ما زوّدوني به من تقارير، و هذه ليست تقارير المسؤولين شخصياً، بل هي تقارير أزود بها خارج مسؤوليات المسؤولين، التقارير مرضية تقريباً. من المحتمل أن تنجز أعمال جيدة شريطة أن تستمر و تتواصل. قلتُ دائماً إن سلسلة مراتب العمل من الأعلى إلى الأسفل سلسلة مراتب إنسانية، و كل الناس و الأفراد لهم عقولهم و قلوبهم و إراداتهم و عزائمهم، في سلسلة المراتب ذات الحلقات الخمس أو الست مثلاً، إذا لم يشأ أحدهم أن يعمل فإن العمل لن يتم. ليس الأمر كما هو الحال بالنسبة لسلك كهربائي لو ضغطتم هنا على مفتاح الكهرباء أضاء هناك مائة مصباح، لا، هذه الأسلاك الوسيطة كلها لها إراداتها و عزائمها، و هم بشر. و يجب الإشراف و السيطرة و المتابعة و الرصد و المطالبة الدائمة، و بوسعكم أن تمارسوا دوراً في هذا المجال. هذا عن قضية الاقتصاد المقاوم، و هكذا هو الحال بالنسبة لقضية العدالة، و كذلك مسألة التقدم الإيراني الإسلامي. إنني لا أوافق هذه التنمية الغربية بحال من الأحوال، فأسسها خاطئة و مرتكزاتها مغلوطة، و الكثير من فروعها خاطئة، لكنني اعتقد - و لا أروم استخدام كلمة التنمية المستقاة في الواقع من تعبير غربي و إنجليزي، لذلك أتعمّد استخدام كلمة تقدم - أن هذا التقدم الإسلامي الإيراني يمكنه أن يُطرح كخطاب و كمطلب عام. و كذلك الأمر بالنسبة للسرعة في الاكتشافات العلمية.
من الأمور الأخرى التي أرى أنكم قادرون على النهوض بها تأسيس جبهة واحدة مناهضة لأمريكا و الصهيونية على مستوى الطلبة الجامعيين في العالم الإسلامي. قوموا بهذا العمل. اجتمعوا و فكروا ثم أسسوا جبهة مناهضة لأمريكا و الصهيونية. و وسائل الاتصال و التواصل اليوم سهلة، و لم تعد هناك حاجة إلى كتابة رسائل و بريد و تلغراف و ما إلى ذلك. اتصلوا عن طريق الفضاء الافتراضي، و هو ما حصل بالنسبة لحالات مشابهة. و على حدّ تعبير المتأثرين بالغرب أسسوا كمپينات عامة في العالم الإسلامي ضد الهيمنة الأمريكية و ضد السياسات الأمريكية و الصهيونية. يدخل ملايين الأعضاء في هذه المجموعة و التيار الفكري، و يمكنكم أن تطرحوا عليهم الأفكار و تغذّوهم فكرياً، و عندها سوف يغذونكم هم أيضاً فكرياً، إذ توجد في العالم الإسلامي بالتالي أفكار جيدة يحملها الطلبة الجامعيون. أوجدوا جماعة عظيمة هائلة من الطلبة الجامعيين في العالم الإسلامي.
النقطة العاشرة التي أذكرها لكم أنتم الأعزاء في التنظيمات الطلابية الجامعية هي أن لا تتهموا أيّاً كان بأنه غير ثوري لمجرد أنه لا يتطابق تماماً مع أفكاركم. قد لا يتطابق شخص مع أفكاركم مائة بالمائة، و تكون له اختلافات، كأن يكون متطابقاً بنسبة خمسين بالمائة، لكنه ثوري. للنزعة الثورية على كل حال معاييرها، و قد تكون هذه المعايير متوفرة فيه. يجب عدم اتهام الأفراد بسرعة بأنهم ضد الثورة أو غير ثوريين. كما قلتُ في يوم الرابع عشر من خرداد في مرقد الإمام الخميني (رضوان الله عليه) فإن النزعة الثورية كالإيمان لها مراتب، مرتبة أولى و مرتبة ثانية و مرتبة ثالثة. نعم، بعض مراتبها أعلى و أفضل من بعضها، و بعض مراتبها أدنى، لكن الجميع مؤمنون، و حالة المؤمن تختلف عن غير المؤمن، و تختلف عن حالة المنافق. الكل مؤمنون حتى لو كانت درجاتهم مختلفة و غير متساوية.
النقطة الحادية عشرة، لتتعاضد التنظيمات الثورية و تتكامل. لديكم اختلافاتكم بعض الأحيان. التنظيمات الثورية لديها اختلافاتها حول بعض الأمور، ليكن، كونوا متكاملين متعاضدين على الرغم من هذه الاختلافات، و ركّزوا على النقاط المشتركة، بمعنى أن الاختلافات يجب أن لا تؤدي إلى عراك و مواجهة و ما شابه. برأيي حاولوا أن تكرسوا هذه الحالة في الأجواء الجامعية. التحمل و التسامح، تحمّل المخالف، و هذا مصداق تام من مصاديقه.
النقطة الأخيرة هي: لتكن لكم نظرتكم الاستراتيجية للثورة. فكروا فيما بعد عشرين سنة و ثلاثين سنة، كما أن عدوكم يفكر بهذه الطريقة. يا عزيزي، إن لك الآن إثنين و عشرين أو ثلاثاً و عشرين عاماً، أو أربعة و عشرين عاماً، أو خمسة و عشرين عاماً، و بعد عشرين سنة ستكون رجلاً في الأربعين أو في الخامسة و الأربعين من عمرك، و ستكون ربما مبعث خدمة كبيرة أو أعمال كبيرة في هذا البلد. لا أقول يجب أن تكون لكم بالتأكيد أعمال و وظائف حكومية. و قد قالت أختنا و ابنتنا العزيزة هنا يجب التفكير بوظائف و مشاغل للخرّيجين. كيف يفكرون بمشاغل لخمسة ملايين طالب جامعي؟ هل هذا شيء ممكن، و هل الشخص الذي يتخرّج يجب حتمياً أن يصبح موظفاً في الحكومة؟! لا، ليذهب إلى السوق الحر، و إلى العمل، و ليجد عملاً، طبعاً على الحكومة أن تساعد، هذا مما لا شك فيه، و لكن لا يكون الأمر بحيث لا بدّ أن يتولى كل من يتخرّج منصباً حكومياً عالياً أو غير عال. لكن رؤساء جمهورية المستقبل، و وزراء المستقبل، و نواب مجلس الشورى في المستقبل و المسؤولين المستقبليين على اختلاف صنوفهم سيكونون من بينكم، إنهم الطلبة الجامعيون اليوم، إذن فلتكن لكم نظرتكم التي تستوعب ذلك الزمن القادم، و لتكن لكم صورة عن العالم ترتضونها يوم تريدون أن تمارسوا دوراً في ذلك العالم المستقبلي. لتكن لكم مثل هذه الصورة، و تابعوا هذه الصورة المثالية الطموحة.
و هناك شيء آخر يتعلق بهذه الهيئات الطلابية الجامعية التي هي شيء مبارك جداً. إنني أوافق هذه الهيئات الخاصة بالطلبة الجامعيين تمام الموافقة، فلها مديات من المتلقين و المخاطبين، و هي إلى ذلك مرتبطة بالأمور المعنوية.
و قد سجّلت نقطة أو نقطتين حول قضايا البلاد، و لكن يبدو أن الوقت قد أدركنا (26)، (نعم، إنكم حتى لو بقيتم يقظين إلى الصباح فأنتم شباب، و أنا أيضاً عندما كنتُ في سنّكم كنا أحياناً نبقى يقظين من الليل إلى الصباح في بعض ليالي الشتاء الطويلة، نجلس و نتسامر و نتحاور مع الأصدقاء مثلاً، لكن الوضع الآن ليس هكذا).
حول شؤون البلاد، من الأمور المهمة جداً التي لا يمكنني أن أتجاوزها و يجب أن أذكرها أنه شاع أن يتحدثوا عن الإمام الخميني و النظام الإسلامي و الثورة الإسلامية، لكنهم مع ذلك يتعاونون مع من يقول «الانتخابات ذريعة، و المستهدف هو أصل النظام» و يدعمونه، هذا غير ممكن. موقفي في هذا الخصوص صريح تماماً. قلتُ مراراً إنني لا أهتم لهذه التصنيفات: مبدئي و إصلاحي و إصلاحي حداثي و تقليدي و ما إلى ذلك. إنني لا أعير أهمية إطلاقاً لهذه المسمّيات و لا أبالي لها، بل أهتم بالمحتوى، لكنني حسّاس تجاه قضية الفتنة. طبعاً غالب الذين شاركوا في تلك التظاهرات كانوا أناساً عاديين و لا ذنب لهم أبداً، و لكن هناك جماعة كانت تقودهم، و كانت هناك جماعة استغلت الوضع و قالت: «الانتخابات ذريعة، و المستهدف هو أساس النظام»، فهل أوضح من هذا؟ هل رُفِع هذا الشعار أم لم يُرفع؟ إذا كان هذا الشعار قد رفع، فقد كان التبرّي من هذا الشعار لازماً يومذاك و لم يتبرأوا منه، و لا زال البعض إلى الآن يدعمونهم، و مع ذلك يتحدثون باسم الإمام الخميني و مناصرة الإمام الخميني و مناصرة النظام و معاضدة الثورة! هذا غير ممكن و غير مقبول. هذه ظاهرة جد سيئة، إنها ظاهرة قبيحة، و نحن لا نرتاح لهذه الظاهرة على الإطلاق.
سجّلت هنا عدة نقاط، منها ما يتعلق بقضية العقلانية. يكثر الكلام اليوم عن العقل و العقلانية و العقلاء و عقلاء القوم و ما إلى ذلك، ليجلس عقلاء التيارين و يتحاوروا مع بعضهم، العقلانية. نحن نؤيد العقلانية تأييداً كبيراً. و قد تحدث القرآن الكريم عن العقل كثيراً، و أوصى الإسلام توصيات أكيدة بخصوص العقل. و قد كان الإمام الخميني الجليل أحد أكبر عقلاء العالم، كان من أهل العقل و التعقل، و قد كانت الثورة الإسلامية ثورة عقلائية لها أسس متينة. إذن، نحن نؤيد و نوافق. و لكن ينبغي النظر ما الذي يقتضيه العقل. هؤلاء الذين يميلون في الوقت الحاضر نحو الغرب، أعتقد أنهم خسروا عقولهم و لا يتعقلون. الذين يقولون إننا يجب أن نعتمد على الغرب و نلوذ به و نقوّي صداقتنا معه من أجل تقدم البلاد، أعتقد أنهم لا يتحدثون بطريقة عقلانية. لقد أعطانا الغرب تجارب. أول ما يفعله العقل هو أنه يجب أن يستفيد من التجارب. الغربيون فرضوا علينا رضا خان لمدة عشرين سنة بذلك الاستبداد و الدكتاتورية العجيبة الغربية المنقطعة النظير. ثم فرضوا على هذا البلد محمد رضا شاه، و لم يكن للشعب الإيراني دور في ذلك، بل اجتمع الغربيون و قالوا يأتي هذا مكان أبيه، ثم ساعده الغربيون ليستطيع إسقاط حكومة وطنية. لقد تصرف الغربيون بشكل مباشر في الثامن و العشرين من مرداد و أسقطوا حكومة مصدق - التي كانت حكومة وطنية، و لا شأن لي بمعتقدات مصدق، لكنها كانت حكومة وطنية على كل حال - و أسسوا جهاز السافاك في هذا البلد كوسيلة لقمع عجيب غريب لأي فكر مخالف! قلتُ ذات مرة (27) إن شخصاً كان معي في السجن في قزل قلعة، و كانت جريمته أنه كتب في مفكرته الجيبية بيت شعر ركيك جداً - لقد كان بيت شعر ذا مستوى هابط جداً من الناحية الأدبية و الشعرية - يقول:
قولوا كلكم من شيب و شبان
لعنة الله على رضا شاه الكبير
حكموا عليه بالسجن لمدة ستة أشهر! بسبب هذا البيت الشعري المغلوط الركيك. و هناك إلى ما شاء الله من هذه الأمثلة. لم يكن ممكناً أن نتصور وجود بيان ضد مطاليب الجهاز الحاكم. في تلك الآونة جاء أحد أصدقائنا من باكستان إلى مدينة مشهد، و قال: نعم، كنا جالسين نقرأ البيان الفلاني في المتنزه. قلتُ باستغراب: في المتنزه؟! هل يمكن للإنسان أن يقرأ بياناً معارضاً في متنزه؟ لم يكن مما يمكن تصوره بالنسبة لنا أبداً أن يجلس شخص في متنزه و يقرأ بياناً. هكذا كان القمع. هذا ما أوجده الغربيون. كل تلك الإعدامات، و كل تلك المذابح، و كل ذلك التشدد و التصعب، و كل ذلك النفي، و كل تلك السجون، هذا إلى حين الثورة. و منذ الثورة فصاعداً شاهدتم بالتالي و الأمر واضح: كانت أول حالات الحظر، و أول الهجمات، و أول الخيانات، و أول حالات التجسس، و أول حالات التغلغل الأمني، و أول الهجمات الإعلامية الواسعة و الشاملة ضد الثورة الإسلامية، كانت من جانب الغربيين، من جانب أمريكا و أوربا، ثم استمروا هكذا مع تقدم الزمن: قبل الحرب المفروضة كانت هناك مساعدة الجماعات اليسارية، كانت الجماعات يسارية لكن من يدعمها هو أمريكا اليمينية! و في الحرب المفروضة كان هناك دعم صدام بالصواريخ و الأسلحة البيولوجية - مساعدات القنابل الكيمياوية كما تسمّى - هكذا ساعدوا صداماً، أعطوه خرائط عسكرية و كل صنوف المساعدة. و لهذا استمرت الحرب ثمانية أعوام. ثمانية أعوام من الحرب ليست مزحة. و بعد الحرب فعلوا ما فعلوا: إسقاط الطائرة المدنية حيث قتلوا قرابة ثلاثمائة شخص في طائرة مدنية، و قال ذلك الرجل عديم الحياء الذي كان رئيس جمهورية أمريكا إنني لا أعتذر من إيران. إلى جهنم، لا تعتذر. لم يعتذروا حتى، فأيّ أناس هؤلاء؟ ما الذي تقوله لنا التجربة؟ ثم توالت القضايا و الأحداث الأخرى إلى يومنا هذا، و إلى قضية برجام (الاتفاق النووي). ألم يكن بلد فرنسا هذا الذي نزل وزير خارجيته بتلك الوقاحة و مارس على حد تعبيرهم يومذاك دور الشرطي السيّئ، و التصعّبات و الضغوط و التذرّعات الجديدة؟ و الأمريكان مارسوها بشكل آخر من الأشكال.
لقد تحدثت حول قضية برجام (الاتفاق النووي)، سواء في تلك الجلسة (28) أو في جلسة هيئة الحكومة (29)، و لا أرى من المصلحة أن أتحدث أكثر من هذا لأسباب معينة. و لكن بالتالي ثبت شيء في برجام، و هو أن الأمريكان يمارسون العداء ضدنا. إنهم يمارسون العداء، لا الكونغرس الأمريكي فقط، و هو الذي يمارس دور الشمر، و لكن حتى الذين لا يريدون الظهور في دور الشمر - أي الحكومة الأمريكية - هؤلاء أيضاً يمارسون العداء، لكن شكل عدائهم يختلف عن أولئك، لكنهم يمارسون العداء. هذا ما اتضح و تبيّن. يجب أن نجعل من هذا الشيء تجربة. من العقلانية أن يتعامل الإنسان مع مثل هذا العدو بعقل و تدبير و حذر و عدم انخداع و عدم اقتراب من ساحة مؤامرته، و عدم الدخول في الساحة التي رسمها. نعم، إنهم يرغبون رغبة عارمة في الاجتماع و التنسيق مع إيران في قضية منطقة غرب آسيا، منطقة سورية و لبنان و ما إلى ذلك، و قد قالوا ذلك، لكننا لا نريد. بل إن مشكلتهم هي تواجد إيران، إنهم يتفاوضون بقصد إيقاف تواجد إيران، فعلى ماذا نتفاوض معهم؟ إنهم يقولون إن إيران يجب أن لا تكون و لا يكون لها دور في هذه المنطقة، هذه هي مشكلتهم. يريدون حل هذه المشكلة، فلماذا نساعدهم على حل مشكلتهم هذه؟ نحن على العكس من ذلك نريد أن لا يكون لأمريكا تواجدها. إذن، ليست هذه عقلانية.
طيب، يبدو لي أننا تحدثنا كثيراً. نحن يا أعزائي صامدون على كل حال. أنا لي واجب ديني و شرعي و أخلاقي، و أنا واقف في مواجهة أعداء الثورة و معارضيها، و سيبقى هذا الصمود طالما بقيت روح في بدني. و أنا أثق بهذا الشعب. هناك بين النخبة في البلاد و بين الجامعيين و طلبة الجامعات من العناصر المؤمنة المتدينة المناصرة للصمود و المقاومة في هذا السبيل ما يبعث أمل في قلب أيّ إنسان يائس، فكيف بشخص مثلي متفائل و آمل من تلقاء نفسه. إذن هذه المقاومة موجودة، و عاقبة المقاومة الانتصار.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - في بداية هذا اللقاء ألقى عدد من الطلبة الجامعيين و ممثلي تنظيمات الطلبة الجامعيين كلماتهم.
2 - سورة الأحزاب، الآية 22 .
3 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 12 .
4 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 22 .
5 - بتاريخ 14/06/2016 م .
6 - سورة آل عمران، شطر من الآية 155 .
7 - سورة مريم، الآية 59 .
8 - سورة الأعراف، شطر من الآية 169 .
9 - سورة الأنفال، شطر من الآية 65 .
10 - معاهدة الصلح بين مصر و إسرائيل.
11 - من ذلك: صحيفة الإمام الخميني، ج 19 ، ص 153 ؛ نداء لشعب إيران في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية بتاريخ 11/02/1985 م: «قضية حفظ نظام الجمهورية الإسلامية في هذا الزمن و بالوضع الذي يشاهد في العالم، و بهذه الاستهدافات من اليسار و اليمين و البعيد و القريب ضد هذا الوليد المبارك، من أهم الواجبات العقلية و الشرعية التي لا يزاحمها أيّ شيء، و من الأمور التي احتمال الخلل فيها منجّز عقلاً».
12 - بتاريخ 18/06/2016 م .
13 - بتاريخ 14/06/2016 م .
14 - أعلن الحضور جماعياً «بعد الإفطار» مما بعث على ضحك الإمام الخامنئي و الحضور.
15 - صلوات الحضور.
16 - صلوات الحضور.
17 - استمرت هذه الجلسة بعد إقامة صلاتي المغرب و العشاء و تناول طعام الإفطار.
18 - كلمته في لقائه الطلبة الجامعيين بتاريخ 28/07/2013 م .
19 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 22 .
20 - الـ بي بي سي.
21 - ضحك الحضور.
22 - ضحك الحضور.
23 - ضحك الحضور.
24 - سورة الرعد، شطر من الآية 40 .
25 - سورة البقرة، شطر من الآية 62 .
26 - مطالبة الحضور باستمرار الجلسة.
27 - كلمته في لقائه طلبة و أساتذة الجامعات بمحافظة كرمان بتاريخ 09/05/2005 م .
28 - كلمته في لقائه مسؤولي النظام الإسلامي بتاريخ 14/06/2016 م .
29 - بتاريخ 22/06/2016 م .