جاءت كلمة الإمام الخامنئي على الشكل التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب بجميع الإخوة والأخوات؛ العلماء الأفاضل والشباب الأعزّاء، كما أبارك لكم جميعًا ولجميع أبناء الشعب الإيراني والأمّة الإسلاميّة جمعاء ذكرى الميلاد السعيد لنبيّ الإسلام المعظّم والمكرّم صلّى الله عليه وآله وميلاد الإمام الصادق عليه السلام.

بمناسبة التاسع عشر من شهر دي- ذلك اليوم التاريخيّ العظيم، والمصيري- أرى لزامًا عليّ بدايةً أن أتوجّه بالشكر لأبناء قم الأعزّاء، الذين لم يسمحوا ولن يسمحوا أن تؤول هذه الحادثة إلى النسيان. هناك دواع ومساع موجودة لأجل نسيان هذه الوقائع المهمّة والعظيمة، هناك من يعمل ويدفع باتّجاه نسيان هذه الأحداث المفصليّة التي تعتبر عمومًا من مفاخر الثورة ومرحلة الدفاع المقدّس وغيرها من المحطّات، يريدون لواقعة التاسع من شهر دي أن تصبح منسيّة، وهذا نفسه ما أراده وسعى إليه الظّلَمة والطّغاة في خصوص عاشوراء الحسين عليه السلام، فقد أرادوا وسعوا كي لا يبقى لهذه الواقعة ذكرًا، لكنّ زينب الكبرى عليها السلام لم تكن لتدع ذلك يتحقّق.

لقد قامت عمّتنا زينب الكبرى عليها السلام بحركتين تكمّل إحداهما الأخرى: الحركة الأولى كانت خلال رحلة الأسر إلى الكوفة ثم إلى الشام وما قامت به من توعية وخطابات أدّت إلى إظهار الحقائق. والحركة الأخرى كانت زيارتها كربلاء في الأربعين؛ سواء كان الأربعين الأوّل أو الثاني أو غير ذلك، فمعنى هذه الحركة ومغزاها أنّه لا يمكن السماح لتلك المساعي الخبيثة، التي تهدف إلى محو تلك المراحل والأحداث العزيزة والمؤثّرة والمهمّة من الأذهان، بالوصول إلى مراميها وغاياتها. وهم حتمًا لن يُوفّقوا في ذلك.
فما دامت الشعوب حيّة، وما دامت الألسنة المحقّة تلهج بالحق، وطالما أنّ القلوب المؤمنة تمتلك الحسّ والدافع، فلن تثمر مساعيهم في إيداع هذه القضايا غياهب النسيان كما لم تثمر في الماضي.

ما دامت الشعوب حيّة، وما دامت الألسنة المحقّة تلهج بالحق لن تُثمر مساعي العدو في جعل الشعوب تنسى الأحداث التاريخيّة والمؤثّرة.

إنّ هذه الاتّجاهات المعارضة والمعاندة بدأت في صدر الإسلام واستمرّت مدّة طويلة من الزمن، فهذا المتوكّل العباسي وبعد انقضاء ما يقرب من 170 إلى 180 عاماً على واقعة عاشوراء سعى لتخريب القبر الشريف لأبي عبد الله عليه السلام.

لذا، على الشعب الإيراني أن يتوقّع دائمًا استمرار الأعداء في مساعيهم وأعمالهم الخبيثة ونشرهم للفتن من أجل القضاء على محاسن الثورة في الأذهان. لا يكفّ الأعداء أو يملّوا في سعيهم لأجل حرف الثورة عن مسارها أو القضاء على حضورها في النفوس والأذهان. يريدون للناس نسيان حركتهم وتاريخهم والعمل العظيم الذي قاموا به والغفلة عن ذلك كلّه. فإنّ من لا يعرف تاريخه المشرّف الذي يبعث على الفخر والاعتزاز لن يتمكّن من صنع ما يفتخر به في مستقبله، وهذا ما يحاول الأعداء فعله.

أنتم الذين خلّدتم ذكرى التاسع عشر من شهر دي (١)، أنتم من خلّد الثاني والعشرين من بهمن، لقد قمتم أيضاَ بتخليد التاسع من دي (٢) تلك الحادثة المشابهة لما حدث في التاسع عشر من شهر دي على وضوح من الأهداف والغايات وهذه الحركة تأتي في سياق الصراع مع الأعداء، فهم يريدون أن يشوّهوا حقائق الثورة وأن يودعوها خزائن النسيان، وهم يدفعون الأموال ويبذلون الجهود في هذا السبيل. من لديه معرفة واطّلاع على عالم الكتاب والصحافة والمقالات يدرك ما يقوم به الأعداء، إنّهم اليوم يعملون على تحسين وتجميل تلك الصورة الخبيثة والمشؤومة لعائلة بهلوي (٣) ذلك النظام الفاسد والعميل والخبيث والظالم الذي أعاد بلدنا إلى الوراء سنين طويلة، وأوقع الشعب الإيراني في ما أوقع من مشاكل عظيمة، هناك سعي في هذا الاتّجاه من قبل الجبهة المقابلة للنظام الإسلامي، فهم يساندون تلك الفئة التي كانت مخالفة لأساس الثورة، الذين كانوا يعارضون الناس الذين قاموا بالثورة، وهم الآن يخالفون بشدّة وفاء هؤلاء الناس للثورة. هم لم يوفّقوا حتى الآن، لقد عقدوا الآمال على صرف الجيل الثاني والثالث للثورة عن أهدافها وتطلّعاتها لكنّهم لم يقدروا على ذلك. لم يتمّكنوا من حمل الجيل الثالث للثورة على التخلّي عنها. إنّ الجيل الثالث للثورة هو الذي أوجد التاسع من دي وصنع هذه الواقعة العظيمة. لقد وجّه هذا الجيل تلك الصفعة المحكمة لأولئك الذين سعوا لحرف الحركة الإسلاميّة عن مسارها من خلال إيجاد الفتنة. من الذي قام بذلك؟ إنّهم الشباب؛ إنّه الجيل الثالث للثورة.

وعيونهم اليوم شاخصة نحو الأجيال القادمة والشباب الآتي، فهم يعلمون أنّ الثروة الحقيقيّة لهذا البلد هي شعبه وأبناؤه. لا زالت هذه تطلّعاتهم وأهدافهم، ولكن ما دمتم أيّها الشباب اللائق، أيّها الناس المؤمنون حاضرين في الميدان، ولديكم الدافع والمحرّك، تملكون البصيرة وتدركون ما تقومون به، لن يتمكّنوا من تحقيق تلك الأهداف والتطلّعات.

لقد فشل الأعداء في صرف الجيل الثاني والثالث للثورة عن أهدافها وتطلّعاتها وتلقّوا الصفعات، عيونهم شاخصة اليوم نحو الأجيال القادمة.

حسنٌ! ما الذي جرى في التاسع عشر من شهر دي؟ الجميع يعلم أنّ التاسع عشر من شهر دي شكّل انطلاقة حركة جماهيريّة شاملة بين أبناء الشعب الإيراني. لقد كانت تلك النار تحت الرماد آخذة بالاتّساع يومًا بعد يوم، لكنّ اندلاعها وتأجّج لهيبها بدأ في التاسع عشر من دي على يد القُمّيّين، لينتهي بعد ذلك إلى تحرّكات مختلفة أدّت إلى حضور الشعب الإيراني يدًا واحدة في الميدان صادحًا بنداء التلبية للإمام العزيز، الشجاع، الروحي والربّاني، ومتصدّيًا للنظام الفاسد. ما كان ذلك النظام الذي واجهه الشعب؟ من كان على رأسه؟ هذا أمر غاية في الأهميّة.

أودّ في هذا المجال أن آتي على ذكر خصوصيّتين أو ثلاث، وكما ذكرت لكم: توجد اليوم مساعٍ لتحريف الحقائق. يريدون تجميل أخبث الوجوه وأقبح الوجوه وأشأم الوجوه للحكّام السابقين في هذا البلد على مدى التاريخ، يريدون تزيينها كي لا يطّلع الناس على الحقائق ولا يعلموا ما الذي قام به أولئك تجاه الثورة.
إحدى خصوصيّات ذلك النظام الفاسد كانت الديكتاتوريّة القاتمة والمظلمة، والقمع العجيب للناس، وبأقسى الأساليب الممكنة وأفظعها، وهو أمر نشاهده في بلدان أخرى أيضًا، لكنّنا هنا شاهدنا بأمّ أعيننا ما الذي فعلوه وبأيّ طريقة كانوا يتعرّضون للناس، سواء خلال مرحلة حكم رضاخان حيث شاهد ذلك من كان قبلنا وكبار السن فينا ونقلوه لنا، أو خلال العهد الأخير الذي كنّا فيه نحن وسائر الناس متواجدين في الساحة والميدان.
طبعًا، جيل الشباب لم يشاهد تلك المرحلة؛ يوجد كثير من الكلام الموثّق والوقائع حول ما فعلوه بالناس والمناضلين وبكلّ من كان يبدي أدنى معارضة لهم، حول سلوكهم مع الناس وتعذيبهم لهم، حول الضغوط العجيبة والغريبة التي كانوا يمارسونها على المستوى الجسدي والروحي، حول تلك السجون المرعبة التي لا زالت بعض آثارها قائمة تثير دهشة من يقصدها ويراها.

هذه واحدة من خصائصهم حيث كانوا يحافظون على حكمهم من خلال استعمال القوّة والظلم والاستبداد والضغط على الناس. الأشخاص الذين يبدون حرصهم اليوم على حقوق البشر ويكرّرون مثل هذه الادّعاءات الخاوية ليل نهار، كانوا يدافعون عن تلك الطبقة الحاكمة بكلّ وجودهم وبكلّ ما أوتوا من قوّة.
لا يمكن لهم أن يدّعوا أنّهم كانوا يجهلون الوقائع! فجهاز السافاك (جهاز المخابرات إبان النظام الشاهنشاهي) المرعب والفظيع إنّما صنعه الصهاينة والأمريكيون وجهاز السي آي أي هو من جاء بتلك الأساليب التي كان يتبعها جهاز السافاك، فكيف يمكن لهم أن لا يعلموا بحقائق الأمور.
ولقد واجه هؤلاء معضلة كبيرة في الفترة الأخيرة حينما ظهرت إلى العلن تلك الفضائح حول ممارسات وكالات التجسّس الأمريكيّة تجاه خصومهم والمعارضين لهم. أين هم ممّا يتبجّحون به حول حريّة الرأي والليبراليّة والديموقراطيّة والأخذ بآراء الناس (٤)! فعلاً إنّه عالم عجيب!

نعم لقد كانت إحدى خصائص النظام الخبيث الذي استولى على مقاليد الحكم في بلدنا: التشدّد المفرط والقسوة البالغة تجاه أيّ شخص يبدي أدنى اعتراض عليهم.

إحدى خصائص نظام الشاه البائد كانت التشدّد المفرط والقسوة البالغة تجاه أيّ شخص يُبدي أدنى اعتراض.

الخصوصيّة الثانية لهذا النظام هي التبعيّة المطلقة والذليلة للقوى الأجنبيّة. هم يعمدون إلى إنكار ذلك -وهو أمر غير قابل للإنكار- من خلال الكتب التي يؤلّفونها من أجل تبرئة ساحة النظام البهلوي المجرم.
لقد جاء رضا خان بقرار من البريطانيّين، كذلك هم من قاموا بعزله. فلم تلبث بريطانيا أن أصدرت بيانًا حول ضرورة مغادرته للحكم حتى تركه مرغمًا بعد أن كان قد تولّاه لما يزيد على السبعة عشر عامًا، إذ لم يكن يحظى بدعم أو مساندة من أيّ طرف آخر. هم أحضروه ثم ارتأوا أنّ عليه الرحيل فرحل. جاء بقرار منهم وغادر بقرار منهم.

بعد ذلك جاؤوا بمحمد رضا وأبقوا عليه حتى أواخر العشرينات، ثم مع بداية الثلاثينات دخل الأمريكيّون إلى الساحة وأصبح كلّ شيء في قبضتهم. باتت أمريكا هي التي تقرّر السياسات في إيران، وكلّ ما كانت تقتضيه مصالحها سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى المنطقة أو العالم، كان لا بدّ من تنفيذه بدقّة بالغة، الأمر الذي شكّل إهانة بالغة للشعب الإيراني العظيم.

هذه كانت إحدى خصائص ذلك النظام المجرم، وهذا هو السبب وراء هذا القدر من العناد والعداء والبغض الذي يتعاطى به الأمريكي مع الشعب الإيراني والثورة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة.لقد قضى هؤلاء مثل هذه الفترة، وخسروا مثل هذا البلد وهذا النظام، ومن الطبيعي أن لا يكون لعدائهم مع الثورة نهاية وخاتمة.
أما الخصوصيّة الثالثة لهذا النظام المجرم فهي الفساد. الفساد بشتّى أنواعه وصنوفه، بدءًا بالفساد الجنسيّ الذي كان قائمًا في جميع أرجاء البلاط ومن لفّ لفّه وأمثالهم وقصصه مخجلة. كثيرون كانوا يعلمون بهذه القضايا ولكن لم يكونوا يجرؤون على التحدّث بها.

كان بعض الكتّاب الأجانب يأتون على ذكرها، يتحدّثون أحيانًا عن الفساد الجنسيّ والفساد المالي، ولم يكن الأمر منحصرًا بالمستويات الوسطى للحكم -الأمر الذي قد يحصل في كلّ زمان- كلا، كان الفساد يشمل أعلى المراتب في البلد.

لقد كان محمد رضا ومن حوله متورّطين في أكبر قضايا الفساد المالي، أعلى الرشوات، أسوأ الانتهاكات، ويمارسون أخبث أنواع الضغوط على مصادر الشعب الماليّة. لقد كانوا يكدّسون الثروات على حساب الناس وفقرهم وتعاستهم. لقد كان الفساد الجنسي والفساد المالي والإدمان والترويج للإدمان والمخدرات المصنوعة من فعل العناصر الأساسيّة في الحكم خلال تلك الفترة. 

الخصوصيّة الثالثة للنظام البهلوي كانت الفساد بشتّى أنواعه وصنوفه. الفساد الجنسي والمالي والترويج للإدمان والمخدرات.

لقد تمّ اعتقال إحدى أخوات محمد رضا في أحد مطارات سويسرا وهي تنقل حقيبة مليئة بالهرويين، وقد انتشر ذلك الخبر في جميع أرجاء العالم. لكنّه سرعان ما تمّت لفلفة تلك القضيّة وحلحلة الأمور وإغلاق الملفّ، هذا ما كان قائماً آنذاك.

من جملة الخصائص البارزة لنظام الطاغوت كان عدم اهتمامه بالناس؛ فلم يكن للشعب أي قيمة بالنسبة إليه. ونحن خلال مرحلة شبابنا في عهد النظام السابق لم نشارك مرة واحدة في انتخابات، ولم نسمع من أي من فئات الناس أنهم شاركوا؛ لم يكن هناك انتخابات. لقد كان تدخلهم جلياً واضحاً في برهة زمنية، وكان أقل وضوحاً في برهة أخرى. كانوا يأتون بجماعة ويتخذونهم مطية ووسيلة لتحقيق مآربهم من خلال مجلس الشورى والشيوخ. لم يكن الناس اساساً يعرفون من يقع على رأس الهرم. وفي الاساس كانت علاقة الشعب بالدولة مقطوعة. لم يكن الناس على اطلاع ومعرفة بالأمور السياسية كما هو الحال اليوم، بل كان على النقيض تماما. كان نظاماً خبيثاً منقطعاً تماماً عن آحاد الناس.

من خصائص ذلك النظام عدم الاهتمام بالتطور العلمي، والترويج لتصغير شأن الوطن مقابل تعظيم الغرب. لم يتطور العلم حينها، كما لم يكن من وجود للحركة العلمية بالمعنى الواقعي للكلمة، وعمدت الوسائل الإعلامية إلى جذب الناس لكل ما هو مستورد، الأمر الذي، وللأسف الشديد، ما زال مستمرًا حتى يومنا هذا. ولا يمكن التخلص بسهولة من العادات التي تكتسبها الشعوب على المدى الطويل. وبدلًا من أن يوجهوا البلاد نحو إحياء الإنتاج الداخلي والإفادة الصحيحة من المواد الأولية في البلاد، عمدوا إلى تعويد الشعب على شراء البضائع المستوردة بثمن النفط. لقد بدَّلوا أذواق الناس، قضوا على الزراعة والصناعات الحقيقية والوطنية، لقد جعلوا البلاد مرهونة للخارج ولأعداء الأمة. لقد حقّروا هذا الشعب، استهانوا بمقدراته، وعظّموا الثقافة الغربية.

كان نظامًا خبيثًا جامعًا لكل ما هو سيءٌ ومذموم. كان الناس يدركون ذلك، فالشعب الإيراني ذكي ويفهم الحقائق، لكن كان الأمر بحاجة إلى يد، إلى صوت، إلى قلب مؤمن يوّجه الآخرين نحو ساح النضال. كان النضال متشتتًا في أماكن متفرقة. لكن أن يصبح علنيًا شاملاً، فهو بحاجة إلى رجل إلهي مرسل من الله إلى الناس. فكان إمامنا العظيم هو تلك الصرخة التي جمعت جميع هموم الشعب، وكان نداء التلبية من قبل هذا الشعب، الذي بذل الأرواح والفداء ونزل إلى الميدان، صارع هذا النظام وانتصر عليه.

يرجع السبب الرئيسي في معاداة نظام الجمهورية الإسلامية إلى أنّه استطاع في تلك النقطة الحساسة من العالم، وفي بلد ثري بموارده واستراتيجي بامتياز اقتلاع نظام فاسد عميل لهم، طالما عملوا على تقويته، وحلّ مكانه الإسلام، الشعب والقيم والشعارات الوطنية. حلّ نظام لا يعير أهمية لإملاءات الأعداء، يتحرك عكس اتجاه النظام السابق بشكل كامل. كانت أكبر خدمة أسدتها الحركة والثورة الإسلامية، هي إنقاذ الشعب من ذلك النظام، وكان كل ما جاء بعدها من الاقتدار الوطني، الحركة الشعبية العظيمة، الوعي والبصيرة العامة، التطور العلمي والمكانة البارزة لإيران في المنطقة والعالم، كان ذلك من بركات إزالة ذلك السدّ عن طريق الشعب، هذا ما قام به الشعب بنفسه، هذا ما أنجز بفضل وجود الدين والمعتقدات.

السبب الرئيسي لمعاداة نظام الجمهورية الإسلامية هو استطاعته اقتلاع نظام فاسد عميل للاستكبار والمجيء بنظام إسلامي.

يسعى الاستكبار العالمي اليوم لمعارضة هذا النظام، لا يتصوّرنّ أحد أن العدو قد تخلّى عن عدائه لنا، كلا، عندما يرون بأسكم واستعدادكم وعندما تعرفون العدو وتتعرفون على مؤامراته فإنه سيجبر على الانكفاء والتراجع عن عدائه؛ لكن ما إن يشعر العدو بغفلتكم، وحاجتكم إليه، فسيجد الفرصة لتحقيق أهدافه في بلدكم.
تعود الضغوطات التي يمارسها الاستكبار العالمي على الشعب الإيراني، إلى ذلك العداء الكبير واللامتناهي لهذا الشعب وهذا البلد. لكن في المقابل، تصدّى الشعب لذلك العداء، قاومه، حافظ على نظام الجمهورية الإسلامية ويتابع مسيرته لتحقيق أهدافه، ذلك وعلى الرغم من كل المغالطات والحديث عن الفشل فقد نجح الشعب الإيراني في مجالات متعدّدة، تقدم الشعب الإيراني بشكل كبير، استطاع أن يقاوم ضغوط الأعداء ويحافظ على كيانه، وأن يتقدم نحو أهدافه الكبيرة.

قلنا ونقول دائمًا، لم نتمكن حتى الآن من تحقيق الإرادة الإسلامية بشكل كامل، وهذا الأمر واقعي، لكننا قطعنا أشواطاً كبيرة في هذا المجال، لم نتمكن من إقرار العدالة الاجتماعية بشكل كامل، لكننا تقدمنا كثيرًا في سبيل تحقيق ذلك، يجب أن لا نُغفل ذلك. كانت ثروات البلاد، في زمن ما، تنفق على عدد من العائلات الإقطاعية، وأحيانًا يصل الفتات إلى بعض المدن، بينما تتمتع أقصى نقاط البلاد اليوم بالخيرات والبركات. هذه الحركة العظيمة، تسير نحو العدالة الاجتماعية والأخلاق الإسلامية. لكننا نسمع بين الحين والآخر كلاماً وانتقادات حول الأخلاق، نعم هناك مسافة تفصلنا عن الأخلاق الإسلامية المطلوبة، ليس من شك في هذا الأمر. لكننا تقدّمنا في هذا المجال كثيرًا. قطع الشعب الإيراني مسافة كبيرة، لا يمكن تجاهلها.

يُنكر بعضهم التطور العلمي بجهالة، لمَ ينكرون ذلك؟ لقد تطور هذا البلد علميًا، ليس هذا ما ندعيه نحن فقط، بل هو باعتراف الأعداء أيضاً. وتوثق المراكز العلمية العالمية ذلك؛ فيأتي بعضهم لينكر ذلك ويحقر الشعب، هذا خطأ كبير.

إن تجاهل هذه الحركة العظيمة والتطور الكبير الذي قدّمه نظام الجمهورية الإسلامية المقدس لهذا البلد، لهو إجحاف كبير. نعم، صحيح أن الطريق أمامنا ما زالت طويلة وأننا لم نحقق بعد جميع أهدافنا، فالأهداف الإسلامية أكبر مما حققناه حتى الآن بكثير. كانت هذه الحركة موجودة أيضًا في صدر الإسلام، هم أيضًا كانوا في منتصف الطريق، لا تتصوروا أن الأمة في زمن صدر الإسلام وزمن النبي الأكرم والخلفاء حققت كامل أهدافها، كلا، المهم أن يتحرك البلد، وشعبنا الآن قد تحرك، فلا تضيعوا تلك الجهود بكلام غير محسوب وموزون. لا تدفعوا بالشعب الذي بدأ هذه الحركة العظيمة ويسير بها بكل جد وأمل يصاب بالشك والترديد. لقد تقدم الشعب وأنجز الكثير، هذا ما تشهد به الأمم، ويستشهد به كل من يزور هذا البلد، ويستحسن ذلك، لم نتكلم نحن عن أنفسنا فقط، بل أن الآخرين وحتى الأعداء تحدثوا عن تقدمنا وتطورنا، وعن تحدينا واستعدادنا ونجاحاتنا الكبيرة.

ما نحتاجه هذه الأيام لشعبنا هو الوحدة والتلاحم الوطني، ومن الخطأ، تقسيم الشعب وتجزئته وبذر الفرقة بين أفراده، تحت أي اسم من المسميات، هذا مناف للمصالح الوطنية ولتطلعات وأهداف الشعب الإيراني وأهدافه. الاتحاد والوفاق، ليساعد الشعب والمسؤولين الحكومة على ذلك.

وليعلم المسؤولون في الدولة، أن الشيء الوحيد الذي يساعدهم على القيام بواجباتهم هو الاتكاء والاعتماد على القوى المحلية، على قوة الشعب. لقد صرحت بذلك أكثر من مرة، في الاجتماعات العلنية والمغلقة مع مسؤولي الدولة، أن لا تنظروا إلى ما سيقدّمه الغرب. نعم، لقد سبّب لنا الاعداء المشاكل من خلال الحصار الاقتصادي؛ حسن، إذا ما شرطوا عليكم شروطًا مهينة من أجل رفع الحصار، فكيف ستتصرفون؟

ليعلم المسؤولون في الدولة، أن الشيء الوحيد الذي يساعدهم على القيام بواجباتهم هو الاتكاء والاعتماد على القوى المحلية وقوّة الشعب.

يشترطون على سبيل المثال، أن تبتعدوا عن الإسلام، عن الاستقلال، عن الحركة نحو التطور العلمي وأن تدعوا المفاخر الفلانية، كي نرفع الحصار! كيف ستتصرفون؟ بالتأكيد لن توافقوا. يقينًا لن يقبل ولن يوافق أي مسؤول في الدولة على أن يكون الشرط لرفع الحصار الاقتصادي، على سبيل المثال التخلي عن المسألة الأساسية الفلانية أو الهدف الرئيسي الفلاني.بالطبع، لن يطرح العدو معارضته لأمر أساسي ورئيسي بشكل واضح، نعم لو تراجعنا لأفصح العدو عن معارضته بشكل سافر. لا يعارض العدو اهدافنا وشعاراتنا بشكل واضح اليوم، لكن علينا أن نبقى متيقظين، أن نعي أهداف الأعداء من وراء هذا الاقتراح، وهذا الكلام وهذه الخطوة. من الواضح أن أي مسؤول لن يرضى ولن يوافق على التراجع أمام الأعداء، من أجل رفع الحصار أو التخفيف منه، لن يوافق على التنازل عن شعارات هذا البلد.

حسنًا! بما أن الأمر كذلك، فتعالوا واعملوا على حفظ البلد وصونه في مواجهة الحصار الاقتصادي، وهذا هو الاقتصاد المقاوم. لنفترض أن الأعداء ومن أجل رفع الحصار اشترطوا أمرًا متوقفًا على أمر لا تستطيعون القبول به، افترضوا أنَّ القضية على هذا النحو فاعملوا على تعطيل مفاعيل هذه العقوبات.
لقد طلبنا أكثر من مرة تحرير البلد أكثر فأكثر من تبعيته المالية للنفط. كما ترون فقد هبطت قيمة النفط في مدة قصيرة إلى النصف تقريبًا، وعندما نكون معتمدين على أموال النفط فمن الطبيعي أن يسبب لنا ذلك الأزمات. من أهم واجبات مسؤولي البلاد، أن يعملوا، في حال لم يرض الأعداء برفع الحصار، على الحفاظ على تقدم وتطور البلاد وعلى رفاهية الشعب وعدم إصابته بانتكاسة، ما هو السبيل إلى ذلك؟ السبيل إلى ذلك يكمن في العودة إلى داخل البلاد والاتكاء على مقدرات البلاد، وهناك طرق أخرى أيضا؛ يقول أصحاب الرأي، الخبراء والمخلصون بوجود طرق أخرى يستطيع فيها الإنسان أن يكون متكئا على نفسه فحسب. هذا واجب مسؤولي البلاد والدولة.

لا تأملوا خيرًا بالخارج، يرغب الخارج في بعض الأوقات بإعمال الضغوط، فإذا ما تراجعتم أمام ضغوطهم فسيتقدمون باتجاهكم، إذا تراجعتم خطوة فسيتقدمون خطوة. فنظام الاستكبار لا يعرف الرحمة والانصاف والانسانية. كلما تراجعتم كلما تقدموا باتجاهكم.

علينا التفكير بأمر أساسي هنا. وكيف يكون ذلك، يكون عبر تحصين البلاد أمام كيد العدو وحصاره، وهناك العديد من الاساليب والأعمال لتحقق ذلك. قام بعضهم بذلك ونجح. يمكن القيام بعمل ، ويمكن سحب هذه الحربة من يد الأعداء، وإلا إذا بقينا نخشى الأعداء والقول أنهم لن يرفعوا الحصار لأننا قمنا بالعمل والأمر الفلاني، فهذا ما لا يجدي ولا ينفع. كما تقول أمريكا وبكل وقاحة، إذا تراجعت إيران في ملفها النووي فلن يتم رفع كل أشكال الحظر دفعةً واحدة هذا ما يقولونه بكل صراحة. وهذا دليل على أنه لا يمكن الوثوق بالأعداء، أنا لا أعارض التفاوض، فليفاوضوا قدر ما شاؤوا، أنا أعتقد أنه علينا تركيز أمالنا على نقاط أمل واقعية، وليس على نقاط خيالية، وهذا هو المطلوب واللازم، وهذا ما يعمل عليه المسؤولون والحمد لله، واعتقد أن على الجميع تقديم المساعدة لأجهزة الحكومة، لأنه عمل صعب وشاق. يجب على مسئولي الحكومة التيقّظ، وعليهم أن لا يعملوا على تصنيف الشعب إلى فئتين وأن لا ينشغلوا بالأمور الجانبية، ولا يتحدث بعضهم بما لا ينفع. عليكم أن تستفيدوا من قدرات وهمم وإيمان هذا الشعب بنحو أحسن ومن الله التوفيق.

أقول لكم، وكما أن الأمور قد اختلفت اختلاف الأرض والسماء، بين ما كانت عليه أول الثورة وما هي عليه اليوم- فقد تطورنا وتقدمنا خلال العشرين سنة والعشر سنين الماضية بشكل كبير- فأنا على ثقة أن الشعب الإيراني سيحوز العديد من مفاخر العز والفخر ويتطور يومًا أو بعد يوم. وسترون أيها الشباب، أنه وبفضل التوفيق الإلهي، ستشهدون اليوم الذي سيخضع فيه هذا المستكبر الظالم ويخشع لكم. 

رحمة الله على إمامنا العظيم الذي علَّمنا ومهّد لنا طريق الصمود والتوكل على الله والبصيرة. رحمة الله على شهدائنا الأعزاء الذين ساروا على هذا النهج ورحمة الله عليكم أيها الأعزاء، الشباب، والناس المفعمين بالأمل. الذين ما تزالون تسيرون على هذا النهج. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

1- 19 دي (هجريّ شمسيّ) موافق لـ (9/1/1978)؛ ذكرى انتفاضة أهالي قم وهي حادثة مفصلية في تاريخ الثورة الإسلاميّة.

2- التظاهرات المليونية التي خرجت مستنكرة ورافضة لأعمال الفتنة التي وقعت عقب انتخابات عام 2009م.
3- النظام البهلوي هو النظام الملكي الذي كان يحكم في إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية في شهر شباط من العام 1979م.

4- اعتراف الرئيس الأمريكي الأسبق ومساعده في ذلك الوقت بتعذيب المساجين في سجون وكالة المخابرات المركزية (CIA).