وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة على نبيّه وآله الطاهرين.

أرحّب بالحضورالكريم وبالإخوة والأخوات الأعزّاء، وخصوصًا ضيوف الجمهوريّة الإسلاميّة، الأساتذة الأجلّاء والقرّاء والحفظة المحترمين من البلدان الإسلاميّة الشقيقة. كما أشكر القائمين على هذه المراسم العظيمة الزاخرة بالمعاني والبركات - سواء مدراء الأوقاف أو المسؤولين المعنيّين أو الإخوة والأساتذة والشخصيّات البارزة الذين أداروا المسابقات خلال هذه الأيّام على أفضل نحو ممكن - ونتمنّى أن تكونوا جميعًا مأجورين ببركة القرآن إن شاء الله.

ألسنتنا قاصرة عن شكر نعمة الإقبال على القرآن الكريم في بلادنا. إنّني كلّما شاهدت في الأخبار والتلفاز أنّ شبابنا في جميع أنحاء البلاد مقبلون على القرآن الكريم أشكر الله تعالى من صميم القلب؛ إنّها نعمة كبيرة. إنّنا ندرك هذه النعمة وعظمتها. لقد شاهدنا خلال عهد من العهود أنّ حفظ القرآن الكريم وتلاوته لم تكن مزدهرة في بلادنا. خلال فترة نظام الطاغوت كان الراغبون في القرآن الكريم موجودون في كلّ مكان لكن الإقبال على القرآن في البلاد لم يكن مزدهرًا وذا طابع عام وشائع. واليوم، أينما ننظر، نجد أنّ شبابنا ورجالنا ونساءنا وأحداثنا يقبلون على القرآن الكريم بفضل الجمهوريّة الإسلاميّة، فيتعلّمون القرآن ويختبرون تلاوته ويحفظونه. وهذه طبعًا ليست الأهداف العليا والنهائيّة، إنّما الهدف النهائي هو فهم القرآن الكريم والعمل به، غير أنّ هذه هي الخطوات التمهيديّة اللازمة. إذا شاع القرآن الكريم في مجتمع وازدهر وشاع حفظه وشاع الأنس به بين مختلف شرائح ذلك المجتمع، فسوف يقترب ذلك المجتمع من العمل بالقرآن الكريم؛ وهذا ما نبتغيه ونسعى إليه. القرآن نورٌ وهداية وبيان وتبيان، والقرآن يتحدّث مع الإنسان ويتحدّث مع قلب الإنسان ومع باطن الإنسان. يجب الأنس بالقرآن والاقتراب منه، والفائدة الأولى يجنيها القلب المستعدّ الجاهز، فإذا وجدتم قلوبكم قريبة من القرآن الكريم فاشكروا الله، وإذا وجدتم أنفسكم تتقبّل المعارف القرآنيّة بسهولة وتحملونها في قلوبكم فاعلموا أنّ الله تعالى أراد أن يهديكم، {فَمَن يُرِدِ اللهُ أن يهدِيهُ يشرَح صَدرَهُ لِلإسلامِ ومَن يرِد أن يضِلَّهُ يجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كأنّما يصَّعَّدُ فِي السَّماء} (١)؛ هذه هي ميزة القرآن. إذا اقتربت قلوبكم من القرآن الكريم واستأنستم به فاعلموا أنّ الله تعالى شاء هدايتكم، وهذه أكبر النعم الإلهيّة. 

إذا شاع القرآن الكريم في مجتمع وازدهر وشاع حفظه وشاع الأنس به بين مختلف شرائح ذلك المجتمع، فسوف يقترب ذلك المجتمع من العمل بالقرآن الكريم؛ وهذا ما نبتغيه ونسعى إليه.

أعزّائي، يعاني العالم الإسلامي اليوم من مشاكل كبيرة. أنتم ترون وتسمعون ومطّلعون. أعظم مشاكل العالم الإسلامي هي أنّه غير ملتفت لمؤامرات أعدائه وأياديهم الخبيثة. هذه واحدة من أعظم أو هي أعظم مشاكل العالم الإسلامي. خصوم العالم الإسلامي، والذين يثير اسم الإسلام النفور بداخلهم، والمستعدّون لمقارعة ومحاربة أيّة دعوة للحق من أجل الحفاظ على مطامعهم الماديّة -والإسلام دعوة حق، فهو يدعو إلى الحق والعدل- هؤلاء لا يقفون مكتوفي الأيدي في العالم الإسلامي، وخصوصًا بعد ظهور الجمهوريّة الإسلاميّة، وبعد أن تأسّس في هذه النقطة الحسّاسة من جغرافيا العالم نظامٌ قائم على أساس الإسلام، اشتدّت المؤامرات وتعقدّت، فالمؤامرات اليوم أكثر تعقيدًا من الماضي. هذا ما ينبغي للجميع في العالم الإسلامي أن يدركوه. يوقعون بيننا ويجعلون الإخوة في مواجهة الإخوة. سياسة أعداء الإسلام هي إشعال اقتتال بين الإخوة وحرب أهليّة بالنيابة عنهم داخل البلدان الإسلاميّة وبين المجتمعات الإسلاميّة وفي الأمّة الإسلاميّة. هم ينسحبون جانبًا ويشاهدوننا ونحن نتقاتل في ما بيننا.

حسنًا، هنا يجب معرفة العدو وفهم مؤامرته، وهذا نقصٌ يعاني منه العالم الإسلامي. ثمّة بين الأمّة الإسلاميّة أفراد يضعون أيديهم في أيدي أعداء الإسلام من أجل مجابهة إخوتهم المسلمين؛ هذا واقعٌ مشهودٌ نعاني منه اليوم. يقتربون من الشيطان من أجل أن يحاربوا إخوتهم المسلمين ويجابهوهم ويقاتلوهم. ثمّة أشخاصٌ اليوم مستعدّون للتعاون مع الكيان الصهيوني من أجل إسقاط إخوتهم المسلمين؛ {اتَّخَذوا الشَّياطينَ أولِياءَ مِن دُونِ الله ويحسَبُونَ أنَّهُم مُهتَدُون} (٢) يتحالفون مع الشيطان ويضعون أيديهم في يده ويتصوّرون باطلًا أنّهم يسيرون في طريق الهداية. هذه هي المعايير القرآنيّة وهي معاييرٌ واضحة يضعها القرآن الكريم تحت تصرّفنا، ويجب أن نفهمها، فمتى نتمكّن من فهمها؟ عندما نأنس بالقرآن وعندما نفتح قلوبنا على القرآن، وكلّ هذه المراسم مقدّمة لذلك.
 

 ثمّة أشخاص اليوم مستعدّون للتعاون مع الكيان الصهيوني من أجل إسقاط إخوتهم المسلمين؛ يتحالفون مع الشيطان ويضعون أيديهم في يده ويتصوّرون باطلًا أنّهم يسيرون في طريق الهداية.

أوصيكم أيّها الشباب الأعزّاء بأن تزيدوا من أنسكم بالقرآن الكريم: ليعرف الذين يتواصلون مع القرآن قدر هذا التواصل، وليعرف الذين يحفظون القرآن قدر هذا الحفظ؛ ليحتفظوا لأنفسهم بهذه الجوهرة الثمينة. يجب أن لا يُفلت المستأنسون بتلاوة القرآن الكريم هذا الزمام المبارك من أيديهم وأن لا يتركوه، وليجعل من تربطهم علاقة بالقرآن التدبّر فيه وفي معانيه والتعمّق في مفاهيمه هدفاً لهم. هذه أمور تقرّبنا من القرآن خطوة خطوة. إذا استأنسنا بالقرآن واقتربنا منه واستطاعت مفاهيم القرآن أن تؤثّر في قلوبنا، عندئذٍ نستطيع أن نأمل ونتفاءل بأن تحظى الأمّة الإسلاميّة بالعزّة الموعودة من قبل الله تعالى؛ {وَللهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلمُؤمِنين} (٣) في تلك الحالة سوف يمنّ الله تعالى على الأمّة الإسلاميّة بهذه العزّة. ستكون هذه هي الآثار والبركات إذا استأنسنا بالقرآن الكريم. 

أكرّر شكري لجميع القائمين على هذه المراسم من أساتذة ومشاركين في المسابقات والشباب الأعزّاء ومدراء هذه المراسم الجميلة العظمية والجماهير التي أقبلت عليها. أسأل الله تعالى أن يحفظكم جميعًا ويديمكم، كما نشكر المقدّم المحترم والحسن البيان الذي أدار الجلسة -هنا وفي محلّ إقامة المراسم على ما يبدو- بشكل جميل (٤). 

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

  1. سورة الأنعام، شطر من الآية 125.
  2. سورة الأعراف، شطر من الآية 30.
  3. سورة المنافقون، شطر من الآية 8.
  4. السيد مجيد يراق بافان.