وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين. 
أرحب بكل الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، ونبارك لكم جميعاً أيها الأعزة العاملون في هذا المجال المهم يوم وأسبوع السلطة القضائية، ونسأل الله تعالى لكم جميعاً التوفيق والعون والهداية إن شاء الله، كذلك الأجر والثواب الذي سيمنّ الله تعالى به عليكم في الدنيا والآخرة إن شاء الله. 
نتقدم بالشكر الجزيل لهذا التقرير المفصّل الوافي الذي قدَّمه سماحة الشيخ آملي رئيس السلطة [القضائية] المحترم وقد كان [تقريراً] جامعاً وشاملاً تماماً، وحبَّذا لو يتم إعلان هذه الأمور بأساليب وطرق مناسبة لعموم الناس. إننا مطلعون على التقارير وما شابهها، وقد قرأت قبل هذا اللقاء تقريراً مفصَّلاً شاملاً في هذا المضمار، ومع ذلك كانت بعض النقاط التي ذكرها [الشيخ آملي] مجهولة بالنسبة لي؛ أي إنني لم أكن على علم بها، والحال أننا مطلعون على الأمور بدرجة عالية، بينما الناس غير مطلعين أبداً، وسوف أتحدث إن شاء الله عن قضية التبليغ والإعلام. على كل حال كان تقريره جامعاً ومفصَّلاً وجيداً ونشكره لأنه أوضح هذه الأمور والمسائل. 
أسبوع السلطة القضائية ويوم السلطة القضائية كغيره من الأيام البارزة الأخرى في مفكرتنا الإسلامية «القائمة على الشهادة»، وقد طُرح هذا اليوم على أساس التضحية والقتل في سبيل الله مثله مثل يوم المعلم والخامس عشر من خرداد (2)، وباقي الأيام التي أقيمت على خلفية وأساس الشهادة في سبيل الله. هذا الأمر يُعرِّف السلطة القضائية بأسلوب خاص، ويمنح الجهاز القضائي معنى خاصاً. ليس الجهاز القضائي مجرد مجموعة إدارية لها واجباتها التي ينبغي أن تنجزها وتُقدَّم بها تقارير، بل هي مجموعة إنسانية يجب أن يكون فيها جهاد؛ يجب أن يكون فيها جهاد شامل. يجب أن يكون في السلطة القضائية إيثار، كما أن الشهادة هي أوج الإيثار. يجب أن يكون هناك تجاوز عن المطالب الشخصية والمصالح الذاتية وذلك خدمة للأهداف السامية العليا. هذا هو معنى السلطة القضائية وهو على جانب كبير من الأهمية ويرسم واجبات وتكاليف للسلطة القضائية تتجاوز أبعادها هذه الأعمال الدارجة والإدارية والواجبات المكتوبة على الورق. 

الجهاز القضائي مجموعةٌ إنسانيةٌ يجب أن يكون فيها جهاد وإيثار وتجاوز عن المطالب الشخصية والمصالح الذاتية خدمةً للأهداف السامية العليا.

من اللازم أن أتقدَّم بالشكر حقاً على الجهود المبذولة، سواء [الجهود التي بذلها] رئيس السلطة [القضائية] المحترم الذي دخل إلى الساحة والحمد لله بمؤهلات عالية وقدرة جيدة وروح عملٍ وتقدُّم، وهو لا يزال مستمراً في بذل هذه الجهود، أو مسؤولي اللجان، أو هيكلية السلطة في كل أنحاء البلاد سواء القضاة أو العاملون أو لجان العمليات في المحاكم، أتقدَّم بالشكر لهم جميعاً بحق فهم يسعون سعياً حقيقياً. وهذه النشاطات التي أوضح سماحة الشيخ آملي أنها تتم في السلطة ما كانت لتتم إلا بسعيٍ جماعيٍ وشامل لكادر وهيكلية السلطة. لم تكن هذه الأمور لتتم بجلوس عدد من الأفراد على رأس السلطة من دون أن تكون هناك مشاركة ومساعدة الهيكلية العامة للسلطة، وفي هذا دلالة على أن هيكلية وكادر هذه السلطة والحمد لله من أهل العمل والسعي. 
نقطة مهمة أخرى هي أنَّ وظيفة الجهاز القضائي وظيفة سيادية، وهذا ليس موضع شكٍّ أبداً. المهمة التي من واجب الجهاز الحاكم في البلاد النهوض بها، وهذا هو الحال في العالم كلِّه، واجب سيادي هو عبارة عن القضاء وفصل الخصومات ومعاقبة المخالف للقانون. هذه مهمة يجب على الدولة القيام بها. وإذا أنجزت هذه المهمة على نحو جيد فستكون النتيجة ارتياح الشعب ورضاه عن الجهاز الحاكم. وإذا أنجزت بشكل ناقص وسيئ ومعيب فسيكون الشعب منزعجاً وقلقاً من الجهاز الحاكم وغير راضٍ عنه. ليس الأمر بحيث يقولون: "لا بأس، الجهاز القضائي مثلاً فيه مشكلة"، لا، هذا الواجب واجبٌ سياديٌ ومجموعة الجهاز الحاكم السائد على البلاد مسؤول في هذا الخصوص. لذا فهذا الشيء يضاعف من حساسية عملكم. إذا تمَّ إنجاز هذا الواجب [على أتمِّ وجه] فلن يكون الشعب راضٍ وحسب بل سيترك هذا الأمر آثاره وخيراته على حياة الناس على أرض الواقع؛ أي إذا تمَّ التعامل مع مخالفة القانون بشكلٍ جدي وصحيح ومنطقي ومستمر وحاسم فلكم أن تلاحظوا كم سيترك هذا الشيء من تأثيرات في البلاد. مراعاة القانون أساس الحياة الجماعية ومن واجبات الجهاز القضائي مكافحة انتهاك القانون وإيقاف منتهكي القانون عند حدودهم. أو الفصل في الخصومات؛ إذا كان الجهاز القضائي ناجحاً في فصل الخصومات الموجودة فلاحظوا كم سيكون لهذا الشيء من آثار في حياة الناس. عدم جرّ المعارك والشكاوى وحالات القلق إلى داخل حياة الناس وإلى صُلب حياة الناس وإيقافها عند حدودها، هذا شيء له بركات كثيرة. 
وثمة نقطة مهمة هنا هي أنَّ السلطة القضائية بهذه المسؤولية الثقيلة التي تتحملها يجب أن تكون تجسيداً للعدالة؛ أي إنَّ الجميع يجب أن يشعروا أنه توجد عدالة هنا. قلت ذات مرة في أحد اللقاءات السابقة مع الأصدقاء (3) إنَّ السلطة القضائية يجب أن تصل إلى حيث لو تعرض أيُّ شخصٍ في أيِّ مكان من البلاد إلى مظلمة وكانت له شكوى ضدَّ شخص أو مؤسسة، يجب أن يُبشر نفسه بأنني سأذهب إلى السلطة القضائية. بمعنى أن يكون باله مطمئناً بأنه بمجرد مراجعته السلطة القضائية فسوف تُعالج المشكلة. يجب أن نصل إلى هذا المستوى؛ أي إنَّ هذا هو الهدف. السلطة القضائية يجب أن تكون مظهر العدالة، وأن يكون بال الناس مطمئناً أنه في هذه القضية التي أكلتَ فيها حقي وتطاولتَ عليَّ واعتديتَ أو قمتَ بمخالفة، فلا بأس، سأذهبُ وأراجعُ السلطة القضائية. أن تكون الراحة النفسية لكل واحد من الناس بأنهم يلجأون إلى السلطة القضائية ويلوذون بها. 

يجب أن تكون السلطة القضائية مظهراً للعدالة وملجأً وملاذاً للناس.

وكذا الحال بالنسبة لإحياء الحقوق العامة وهو واجب آخر أشار له سماحة الشيخ آملي. بمجرد أن تقع حادثة من قبيل هذه الأمثلة التي ساقها وهي أمثلة أعرفها ـ قضية اللحم وقضية الجادّة وقضية الطائرة وباقي الأمور ـ أن يقول الناس: لا بأس، سوف نرفع هذه القضية للسلطة القضائية. يجب أن يعلموا أيَّ مكان يراجعون ويكون بالهم مرتاحاً بأنهم إذا راجعوا فسوف يجري إحقاق حقهم العام هذا. يجب أن تصل السلطة القضائية إلى هذه المرحلة، ولنجعل هذا هو المعيار. 
أشاروا إلى التحول والتطور، وهذه من الأمور التي طرحناها مراراً وتكراراً في لقاءاتنا [بمسؤولي وأعضاء] السلطة القضائية سواء في هذه الدورة أو في دورات الأصدقاء السابقين الذين كانوا على رأس السلطة القضائية. حسنٌ، كيف يحصل التحول؟ ينبغي أولاً أن نرسم معياراً للتحول. فما الذي لو حدث سيكون بمعنى أنَّ السلطة القضائية قد شهدت تحولاً؟ إنَّه لمن المهم جداً أن [ندرك] ما هو معنى التحول. لنحدِّد أولاً مؤشرات التحول ومعاييره، ثم لنعيِّن الجدول الزمني للوصول إلى هذه المعايير. وإلا إذا لم يكن هذا، وكما أشاروا ـ وقرأت أنا أيضاً في التقرير ـ وكنا نسير نحو التحول بالتدريج فلن يكون هذا تحولاً، لأن المشكلات تتحرك دائماً قبل حركتنا إذا أردنا أن نسير ببطء هكذا. التحول عملية يجب أن تحصل بصورة مباشرة وعلى دفعة واحدة تقريباً. أقول «تقريباً» ولا أقول «حتمياً»؛ أي يجب أن يحصل حدثٌ ما بسرعة وتسارع مناسبين، ليتضح حينها أنَّ تحولاً قد حصل وأنَّ تلك المعايير والمؤشرات قد تحققت. الأوقات التي يتولى فيها رؤساء السلطة المحترمون المسؤولية أوقاتٌ جيدةٌ جداً ومناسبة لأن يحدث فيها تحولٌ بالمعنى الواقعي. ولا إشكال أبداً في أن يحدث طوال عدة عقود في السلطة القضائية في البلاد عدة حالات تحول، فهذه العملية عادية وطبيعية جداً. أي افترضوا أنَّ سماحة الشيخ آملي يوجد تحولاً في السلطة القضائية بتحركه [وجهوده] ويحدث تجديداً وحيوية وشباباً وكأنه بدأ الحركة من جديد. وفي دورة أخرى يأتي شخص آخر فيرقّي ويطوّر هذا الشيء أيضاً وبشكل أفضل ويتقدم به إلى الأمام ويرتقي به. يجب أن ننظر لقضية التحول في السلطة القضائية على هذا النحو. 
نقطة مهمة حول السلطة القضائية ـ وأرى أنها أحد هموم المسؤولين المحترمين في السلطة القضائية وأحد هموم شخص سماحة الشيخ آملي، والتي لا تصل إلى نتيجة في الغالب؛ أي إنها لا تتقدم إلى الأمام بشكل صحيح ـ هي قضية بناء الثقة لدى الناس، والتي سبق أن أشرت لها، وسأتناولها الآن بشكل أوسع وبمزيد من التفصيل. الرأي العام مهم جداً. يجب أن نعمل بصلابة وحسم في مواجهة العدو والمتآمر والحاقد والكاذب والذي يوجه التهم، والحمد لله على أنَّ مواقف سماحة الشيخ آملي والحقُّ يُقال مواقف جيدة جداً في مواجهة هؤلاء. هذا الكلام الذي قاله قبل أمس (4) كان كلاماً جد قوي وجيد ومحبَّذ لدى الشعب؛ أي مقابل الإنسان الذي يوجه التهم، ومقابل الإنسان الفاسد، ومقابل الإنسان المخالف للقانون يجب اتخاذ موقف قوي. لا يمكن الظهور بهذا الشكل مقابل الرأي العام. مقابل الرأي العام ينبغي التعامل بتواضع وإخلاص ومحبة وتفاهم. هذا شيء مهم جداً من أجل أن نستطيع استقطاب ثقة الرأي العام. 
استقطاب ثقة الرأي العام من أكثر الأعمال أهمية بالنسبة للسلطة القضائية. وهي بالطبع مهمةٌ بالنسبة لكل أجهزة ومؤسسات [البلاد]، ولكن لأن للسلطة القضائية معنيةٌ بالخلافات والمعارك وتدخل في ميدان المعارك ومواجهة المعتدي والمنتهك للقانون، فهي تحتاج لبناء الثقة أكثر من غالبية الأجهزة الأخرى، سواء السلطة القضائية نفسها، أو الأجهزة التابعة لأوامر السلطة القضائية والتي تعدُّ أذرعاً لها، تلك الأجهزة أيضاً. افترضوا مثلاً قوات الشرطة التي تعدُّ ذراعاً للسلطة القضائية تحتاج أن يثق الناس بها، حتى إذا لزم أن تمارس سلطتها في موضعٍ ما أو تستخدم القوة يكون الناس واثقين بها إلى درجة أنهم سيقولون: نعم، كان هذا المحل المناسب واللازم وكان يجب القيام بهذا الفعل. 
حسنٌ، ماذا نفعل الآن لنحرز هذه الثقة؟ يبدو أنه يجب القيام بعملين أساسيين. الأول عمل عملي والثاني عمل إعلامي. ولنتحدث أولاً عن العمل الإعلامي. لاحظوا، السلطة القضائية اليوم تتعرض لأشد الضغوط الإعلامية. سواء من قِبَل الأعداء الذين هم في الخارج أو من قِبَل الغافلين في الداخل. ولنُعبِّر بتعبير الغافل ليكون في الأمر حُسن ظن. لنفترض أنَّ قاتلاً عديم الرحمة يقتل عدة شباب من حراس الأمن، ثم تأتي السلطة القضائية وضمن عملية قانونية طوال عدة أشهر تتابع جريمته وتحكم عليه وتنفذ الحكم. أي إنه عمل عادل منصف صحيح تماماً. الإعلام الذي يبثه العدو على الضد تماماً من الذي يجب أن يحدث؛ أي إنهم يصورون هذا القاتل عديم الرحمة كمظلوم ويتحدثون عن السلطة القضائية المخلصة الراغبة في إحقاق حقوق المظلومين باعتبارها ظالمة أو معتدية. الإعلام الآن على هذا النحو. والإعلام السلبي المضاد يؤثر أكثر، هكذا هو الحال عادة، أي إن الاتهامات والإشاعات والكلام الرخيص يحقق نتائج أكثر مما لو أراد الإنسان تعويضه وتلافيه وتصحيحه وإصلاحه وإحلال الكلام الصحيح محله. 
حسنٌ، كيف تريدون معالجة هذه المسألة؟ لا بدَّ من عمل إعلامي مقابل هذا. يجب أن يكون الإعلام بمعنى إيصال تلك الحقيقة إلى قلب المتلقي لا إلى سمعه. يجب التأثير في قلب المتلقي. إنه عملية فنية تقنية. هذا ما يحدث اليوم في العالم على مستوى واسع جداً وهو أن يظهروا الأسود أبيض. دققوا وسترون أنَّ ممارسات هذا الإعلام الموجه في العالم الآن على هذا النحو. إنهم يظهرون شيئاً خاطئاً على أنه صحيح وشيئاً باطلاً مطلقاً محضاً على أنه حق. والناس يصدقون، كيف يحدث هذا؟ هل بمجرد أنهم يقولون ذلك ويطلقون كلاماً معيناً مثلاً ويتحدثون بطريقة علمية واجتهادية؟ لا، إنما لهذا الأمر أسلوبه وطريقته، فهو عمل فني. هذا من أهم أعمالكم، أي يجب أن تستخدموا فريقاً إعلامياً فنياً قوياً يعمل ويخطط ـ لا لمدة يوم ويومين وشهر بل بشكل مستمر ـ ليستطيعوا بمجرد أن تقولوا إننا أقلنا هذا العدد من القضاة بهذا الشكل أو قمنا بالحركة الإصلاحية الفلانية أو التنقيح القانوني الفلاني أو قمنا بالتخمين الفلاني الطويل الأمد، ليستطيعوا توضيح هذا الشيء للناس على نحو صحيح ليشاهده الناس ويروه. حسنٌ، هذا العمل عمل مهم. ونحن نستهين به كثيراً. الكثير من أجهزتنا مبتلاة بهذه القضية وتعاني منها. ليس الجهاز القضائي فقط، لكن الجهاز القضائي يحتاج كثيراً لكسب ثقة الناس واعتمادهم وحسن ظنهم. أحد العملين اللازمين لكسب ثقة الناس هو الإعلام الفني التقني الصحيح، وهذه مهمة مجموعة كفوءة من الإعلاميين والخبراء في فنون التواصل الإعلامي. ينبغي القيام بهذا العمل. هذا أولاً. 

الجهاز القضائي بحاجة إلى مجموعة كفوءة من الإعلاميين والخبراء في التواصل الإعلامي وإلى حركة داخلية بصورة جادة لكي يستطيع كسب ثقة الناس وحسن ظنهم.

وثانياً [إننا بحاجة] لحركة داخلية في السلطة القضائية بصورة جادة وهي حركة قد بدأت طبعاً، وأنا لديّ اطلاع، وقد أخبرني [الشيخ آملي] بهذا الأمر، وجرى الحديث عدة مرات وتمَّ طرح الموضوع، وقلت في المواضع اللازمة مثلاً أن يذهب مأمورون مجهولون إلى المحاكم ويرصدوا أوضاعها ومراجعات الناس ثم يراجعوا ذلك القاضي أو ذلك المحقق ليروا كيف هي المحكمة، وكيف هو القضاء وكيف يصدرون الأحكام. هذه أعمال حسنة جداً لكنها ينبغي أن تتم عشر أضعاف ما هي عليه الآن، عشرة أضعاف! ولا أقول هذا عن حساب وكتاب، بل هكذا يبدو لي. وربما كان اللازم أن نقول مائة ضعف بدل العشرة أضعاف، لكنني أحتاط فأقول إنه يجب أن يتم بعشرة أضعاف على الأقل، لأن الشكاوى كثيرة. ومن المفترض أنهم يراجعونكم ويراجعوننا أيضاً. 
قلت في إحدى الجلسات ـ أخال أنها كانت في العام الماضي أو قبله ـ إنَّ عدد القضاة الجيدين عندكم ليس بقليل، لديكم قضاة جيدون جداً. قضاة لا يعرفون الليل من النهار وينتقصون من أوقات نومهم واستراحتهم وتواجدهم بين عوائلهم وكلُّ هذا من أجل الوصول إلى أعماق قضية من القضايا ويُحقَّ الحق في هذه القضية ويحييه. قضاة مجتهدون ومثابرون وجادون وصادقون وقانعون. حسناً، سلطوا الأضواء على عدد منهم وعرفوهم. جدوا قاضٍ تابع هذا العدد من القضايا على أحسن وجه وبشكل يرضي المتخاصمين أو يرضي مجموع الجهاز القضائي ووصل بها إلى نتائجها وعرِّفوا الناس به. الأمر على غرار المعلمين المميزين أو الأساتذة المميزين أو الباحثين البارزين أو صُنَّاع فرص العمل المميزين. سلطوا الأضواء على القاضي المميز ليتشجع الآخرون على هذا  النوع من العمل. الكل يطمحون إلى السمعة الحسنة، وهذه العملية تمنح هؤلاء الأفراد السمعة الحسنة. هذا أحد الأعمال. وكذا الحال بالنسبة للحالة المضادة، وأنا لا أقول شهِّروا بكل من ارتكب مخالفة فوراً ـ فقد لا تكون هناك ضرورة لهذا الأمر وقد يكون أمراً غير جائز في بعض الحالات ـ لكن التشهير في بعض الحالات لازم وضروري، فشخِّصوا هذه الحالات وعرِّفوها للناس. القاضي الذي يخون موقع القضاء ـ إما القاضي أو أعضاء المحكمة لا فرق في ذلك ـ عرِّفوا الناس بهم، فما الإشكال في ذلك؟ شهِّروا بهم. يجب أن تكون هناك بعض هذه الحالات. ومسيرة السلطة القضائية نحو الإصلاح الذاتي لجهاز القضاء يجب أن تكون برأيي مسيرة بلا توقف. أقول لكم إن كل قضية مهمة تتابعونها وكل خلاف تنتهون به إلى حُكمٍ عادلٍ هو صدقة وعمل خير ونعمة من الله عليكم «وَأمّا بِنِعمَةِ رَبِّك فَحَدِّث» (5)، فأظهروا هذه النعمة وتحدثوا بها ليعلم الجميع أن هذا الشيء قد حدث. هذه أيضاً نقطة ذكرناها. 

كل قضية مهمة تتابعونها وكل خلاف تنتهون به إلى حُكمٍ عادلٍ هو صدقة وعمل خير ونعمة من الله عليكم.

قضية أخرى هي قضية مكافحة المفاسد والتي أعتقد أنها قضية مهمة. قضية الاقتصاد اليوم قضية أساسية في البلاد على كل حال. والمعني الأصلي بإدارة اقتصاد البلاد هو السلطة التنفيذية طبعاً، والسلطة التشريعية في جانب من الجوانب. هذا مما لا شكَّ فيه، بيد أنَّ السلطة القضائية أيضاً تستطيع ممارسة دور في مواطن مختلفة من القضية الاقتصادية. من المواطن التي يمكن للسلطة القضائية ممارسة دور فيها لإصلاح اقتصاد البلاد هو توفير الأمن في المناخ الاقتصادي. هذا هو عمل السلطة القضائية. يجب على السلطة القضائية أن تستطيع التعامل والتصدي للمُخلين بالأمن والمُخلين بأجواء العمل والكسب وأجواء حياة الناس ومعيشتهم بحيث توفر لهم مناخاً آمناً. هذه من مجالات عمل السلطة القضائية لصالح اقتصاد البلاد. ومجال آخر من مجالات عمل السلطة القضائية في حيز الشؤون الاقتصادية يتمثل في مكافحة المفاسد الاقتصادية والمفسدين الاقتصاديين. لتخوض السلطة القضائية في هذا المجال بشكل واضح بل وحتى بشكل مثير للضجيج بعض الأحيان. 
برأيي أنَّ الجهاز [القضائي] على العموم يرتكب خطأ من ركنين اثنين في مجال التعاطي مع الشؤون الاقتصادية، الركن الأول عبارة عن نوع التكلم والتحدث والنهج فيكون التصور العام أنَّ الفساد حالة عامة، والحال أنَّ الفساد ليس حالة عامة، الفساد هو من فعل عدد قليل من المفسدين. المفسدون في الأجهزة الحكومية وفي الأجهزة الشعبية وفي أجواء الكسب والعمل أفراد معدودون، لكننا نتحدث في تصريحاتنا وكلامنا بحيث يكون تصور الناس أنَّ الفساد قد استشرى في كل مكان! هذا خطأ، والواقع غير هذا. هذا أحد ركني الخطأ. والركن الثاني للخطأ هو أننا لا نتصدى بشكل حاسم وواضح لحالات الفساد الحقيقية. يجب التصدي. حينما يكون هناك مفسد اقتصادي حقيقي يجب التصدي له بشكل صريح وواضح. 
ويجب أن يكون التصدي مصحوباً بالتبيين والتوضيح، وهذا أحد الممارسات المهمة والذي يعود إلى قضية التبليغ والإعلام؛ أي إنكم عندما تحاكمون مفسداً اقتصادياً وتحكمون عليه بجزاء وعقوبة معينة، يجب تبيين هذا الشيء للناس بحيث يشعر جميعهم أنَّ هذا العمل صحيح وكان يجب أن يتم على هذا النحو. 
وتذكرت الآن أنه تمَّ هذا الشيء في تاريخنا الماضي. في التاريخ في حياة الإمام الحسن (عليه السلام) كان عبيد الله بن عباس قائد قسمٍ مهم جداً من جيش الإمام الحسن، وعندما ناموا مساء واستيقظوا صباحاً رأوا أنه غير موجود في خيمته. كان قد ذهب وهرب والتحق بمعاوية. جاءوا إليه وأعطوه رشوة وأشياء وأموال فذهب إلى معاوية. مثل هذا الحدث كان حدثاً قاصماً جداً لجيش الإمام الحسن (عليه السلام). هناك جاء أحد الصحابة المقربين ـ ولا أتذكر من هو الآن فقد قرأت ذلك منذ زمن، هل كان حجر بن عدي أو شخصاً آخر ـ وألقى كلمة على الناس وقدَّم بياناً وتوضيحاً [لما حدث] وبعد كلمته تلك فرح الجميع وقالوا الحمد لله أن ذهب هذا عنا! لاحظوا، هكذا يكون التبيين والتبليغ بالمعنى الواقعي. يتقدم ويتكلم ويوضِّح بأن ما حدث هو لصالحنا. وعلى حد التعبير الدارج اليوم يحوِّل التهديد إلى فرصة. هذا ما يجب أن يتوفر في السلطة القضائية. توفير الأمن لأجواء الكسب والعمل ومكافحة المفسدين الاقتصاديين بشكل حاسم، والتعاون مع الحكومة لحل المشكلات، هذه أيضاً من الأعمال التي يمكن للسلطة القضائية أن تمارسها في الحيّز الاقتصادي. 
تمت الإشارة إلى شؤون حقوق الإنسان والشؤون الدولية. وللإنصاف فإن السلطة القضائية قامت في هذا المضمار بأعمال جيدة وغير مسبوقة. هذه الـ 120 مليار دولار التي تفضل بالإشارة لها ـ وهل نستطيع أخذها أم لا نستطيع فهذا بحث لاحق ـ لكن هذه الخطوة خطوة صحيحة تماماً. أو قضية حقوق الإنسان، ونحن في شؤون حقوق الإنسان نُدين العالم ونطالبه ولسنا مُطَالَبين. في السنوات الأولى من الثورة كنت أذهب إلى الجامعة دائماً، كنت أذهب دائماً وألقي كلمات، وكان الطلبة الجامعيون يسألون فنجيبهم. وذات مرة سألني أحد الطلبة الجامعيين ما هو دفاعكم في خصوص قضية المرأة؟ ما هو الدفاع الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية عن نفسها في قضية المرأة؟ فقلت له ليس لدينا دفاع! بل لدينا هجوم وادعاء! عن أي دفاع [تتحدث]؟! إننا المُدَّعين وأصحاب الحق في قضية المرأة. إننا ندَّعي ضدَّ العالم في قضية المرأة وندّعي ضد النظام الطاغوتي ـ حيث كانت هذه الأمور والآراء مطروحة حينها ـ وليس لدينا دفاع. 
وكذا الحال في قضية حقوق الإنسان، يجب أن لا ندافع بل يجب أن نهاجم! هؤلاء الذين ارتكبوا كلَّ هذه الجرائم وأوجدوا كلَّ هذا الفساد ـ ليس في التاريخ فحسب بل الآن أيضاً ـ وأصبح الفرنسيون مثلاً مظهراً لحقوق الإنسان!. الفجائع التي ارتكبها الفرنسيون في إفريقيا وفي الجزائر وفي غير الجزائر فعلوا أفعالاً عندما يقرؤها المرء يرتعد حقاً! تخيلوا مثلاً أنهم خلطوا بحيرة أو مستنقعاً كبيراً بالنفط وما شاكل، ثم هجّروا جماعة كبيرة من الناس ـ نساء ورجالاً وأطفالاً ـ من إحدى القرى باتجاه هذا المستنقع ثم يطلقون عليهم النار، ويهرب هؤلاء من خوفهم نحو تلك البحيرة، فيشعلون تلك البحيرة بالنار! تصوروا أنَّ مثل هذا الشيء قد حدث! مثل هذا الشيء قد حدث على يد الفرنسيين. في الهند تجمع وتظاهر ستة آلاف شخص في إحدى الحدائق، فجاء الإنكليز ووضعوا رشاشاً عند باب الحديقة وقتلوا كل أولئك الستة آلاف شخص خلال يوم أو نصف يوم أو عدة ساعات! هذا ما يعود إلى خمسين سنة أو مائة سنة ماضية، ولكن في زماننا هذا وفي إطار قضايا داعش وأحداث سوريا وأحداث بورما، لاحظوا ما الذي فعلوه حقاً! وإذا بهم يتشدقون بحقوق الإنسان. لدينا كلامنا في خصوص حقوق الإنسان، ولنا ادعاؤنا ضدَّ أدعياء حقوق الإنسان الكاذبين الوقحين. هذه الأعمال أعمال حسنة جداً آخذة بالتنفيذ في السلطة القضائية والحمد لله. 
وفقكم الله جميعاً وأعانكم لتستطيعوا كما قيل إيجاد سلطة قضائية يرتضيها الله تعالى ويرتضيها الشعب المُصلح والمنصف في البلاد ويرتضيها النظام الإسلامي إن شاء الله، و أن توفروا مقدماتها على الأقل. كلُّ من يقطع خطوة واحدة في هذا السبيل فهي خطوة مغتنمة وثمينة. وفقكم الله جميعاً. 
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:
1-    في بداية هذا اللقاء ألقى آية الله الشيخ صادق آملي لاريجاني (رئيس السلطة القضائية) كلمة بالمناسبة. 
2-    انتفاضة الخامس عشر من شهر خرداد سنة 1342 هجري شمسي الموافق 5 حزيران 1963م والتي تعتبر محطة مهمة في تاريخ الثورة الإسلامية ضد النظام الملكي البائد في إيران.
3-    كلمة الإمام الخامنئي في لقائه المسؤولين القضائيين في البلاد بتاريخ 25/06/2008 م. 
4-    كلمة آية الله صادق آملي لاريجاني في ملتقى السلطة القضائية بتاريخ 25/06/2018 م. 
5-    سورة الضحى، الآية 11.