جاءت كلمة الإمام الخامنئي خلال هذا اللقاء على الشكل التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم
نتقدم بالشكر الجزيل لإمام جمعة قزوين المحترم والعميد المُكرَّم من قزوين على الكلمات التي ألقوها. وقد كانت كلمة السيد إمام جمعة [قزوين] طافحةً بآيات القرآن الكريمة، من الحسن جداً أن يكون الكلام من أوله إلى آخره، وحتى التعزية التي تقرأونها أنتم تعزيةً قرآنية. هذه من الأمور الحسنة جداً، فلا تتركوا هذا الأسلوب. طبعاً تلك الآية الشريفة «اَلَّذينَ استَجابوا لِله وَالرَّسولِ مِن بَعدِ ما أصابَهُمُ القَرح» (1) ليست عن الشهداء بل هي عن الجرحى والمصابين؛ أي الذين جُرحوا بعد غزوة أحد، ثم جاء جماعة وقالوا: «اَلَّذينَ  قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لكم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إيماناً وَقالوا حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكيلُ* فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضلٍ لَم يمسَسهُم سوء» (2)، [هذه الآية] تتحدث عنهم حيث وعلى الرغم من أنهم كانوا جرحى، ولكن عندما قال الرسول (ص): ليشارك الذين جُرحوا في هذه الحركة، قاموا وشاركوا فيها وردّوا على العدوّ وعادوا. على كلِّ حال شكراً جزيلاً لكلمتكم وكذلك لكلمة السيد المحافظ. 
قزوين -وكما أشرتم- هي محافظة تفتخر بموقعها الجغرافي وموقعها التاريخي وموقعها الثقافي وكذلك بالامتحان الكبير المتعلق بفترة الثورة [الإسلامية] والدفاع المقدس [الذي قدمته]، لا شكَّ في هذا أبداً، والشخصيات الكبيرة في قزوين سواء العلماء السابقون كالإخوة قرقاني، والشهيد الثالث، والمرحوم الملا صالح ـ جدّ السيد صالحي ـ وغيرهم من الذين كانوا في ذلك الزمان، وكذلك الشهداء البارزون كالشهيد بابايي والشهيد لشكري والشهيد رجائي والشهيد السيد أبو ترابي (رضوان الله عليه) ـ الأب والابن ـ وسواهم كلُّهم مبعث فخر واعتزاز؛ والواقع هو كما ذكرتم حقاً. 

طالما كان الشهداء على قيد الحياة كانوا يدافعون بأجسامهم، وحين يُستشهدون يدافعون بأرواحهم ومعنوياتهم عن الإسلام.
 

الشهداء [أحد] أسباب وعوامل ازدهار الحياة المعنوية في البلاد. الحياة المعنوية تعني الروحية والشعور بالهوية ووجود الهدف، وتعني كذلك السير نحو المبادئ والأهداف وعدم التوقف. هذا هو ما قام به الشهداء، وهو ما يعلمنا إيّاه القرآن. طالما كان الشهداء على قيد الحياة كانوا يدافعون بأجسامهم، وحين يُستشهدون يدافعون بأرواحهم: «وَيستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يلحَقوا بِهِم مِن خَلفِهِم أَلّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا‌ هُم يحزَنون» (3). لاحظوا أنَّ هذا الاستبشار حالة تختصُّ بما بعد استشهادهم ومفارقتهم الحياة. عندما يكونون موجودين تكون أرواحهم وأجسامهم وحركتهم المادية في خدمة الإسلام والمجتمع الإسلامي، وحينما يرحلون تكون معنوياتهم في خدمة الإسلام وترتفع أصواتهم بعد رحيلهم. نُطق الشهداء ينفتح بعد استشهادهم، فيبدأون يتكلمون مع الناس ـ «بِالَّذينَ لَم يلحَقوا بِهِم» ـ إنهم يقولون ذلك لنا، ويجب أن لا تكون أسماعنا ثقيلة لنستطيع سماع هذا الصوت. هذا العمل الذي تقومون به وتقوم به عوائل الشهداء المُعظمة، أو يقوم به القائمون على تكريم ذكرى الشهداء في المدن المختلفة ـ في قزوين مثلاً أو بيرجند (4) أو أماكن أخرى ـ هو أن توصلوا هذا الصوت لأسماعنا الثقيلة، فالمهم هو أن نسمع هذا الصوت. وقد جعل الله تعالى هذا الصوت صوتاً مؤثراً؛ لقد جعله مؤثراً حقاً، فعندما يُنقل شيء عن شهيد، عندما يُنقل كلامٌ دقيقٌ ورصينٌ عنه، فإنه يؤثر في القلوب ويغيّرها. وهؤلاء الشهداء الشباب الذين يذهبون هذه الأيام للدفاع عن المراقد أو ذهبوا واستُشهدوا ـ ومنهم شهيدكم العزيز من قزوين ـ كلام هؤلاء وأفعالهم وحركتهم وذكراهم والكلام الذي يُقال عنهم؛ كلُّ هذا مما يوقظ الإنسان وينبّهه ويوعّيه. 
إنَّ أسماعنا ثقيلة، ولا نسمع هذه الرسائل كما يجب. لو يُسمعوننا هذه الرسائل فسوف تفارقنا هذه الميول نحو الشرق والغرب والعدو والكفر والإلحاد وما إلى ذلك. سبب حالات الضعف هذه التي تلاحظونها بيننا أننا لا نسمع هذه الرسالة، ولو سمعنا هذه الرسالة فسوف تتعزز المعنويات والروحيات [في داخلنا] وتكون الحركة حركة جدية. على كلِّ حال إنَّ العمل الذي تقومون به ـ تكريم الشهداء ـ هو عملٌ قيّم جداً، وقلنا إنه تمضي ثلاثون سنةً على نهاية الدفاع المقدس ولكن حتى لو مضت ثلاثمائة سنة فلن يُنسى [ذكر] شهدائنا الأعزاء هؤلاء، بل سيزدادون حياةً يوماً بعد يوم، إنهم يزدادون حياةً في مجتمعنا يوماً بعد يوم والحمد لله. طبعاً ثمَّة من حاول الدفع بذكرى الشهداء نحو النسيان والتشكيك في عظمة العمل الذي قاموا به، وناقشوا واختلفوا في ذلك، لكنهم لم يفلحوا، وكانت النتيجة عكسية. والشهداء اليوم هم نموذجنا وقدوتنا وأسوتنا ولله الحمد. نسأله تعالى أن يحشر شهداءنا الأبرار مع النبي (ص)، وأن يمُنّ عليكم بالتوفيق أنتم الذين تعتبرون تكريم هؤلاء الأعزاء واجبكم وتخوضون غمار هذه الأعمال، وأن يُجزل لكم الأجر لتستطيعوا النهوض بهذه المهمة على أفضل نحو إن شاء الله. 

الحياة المعنوية تعني الروحية والشعور بالهوية ووجود الهدف، وتعني كذلك السير نحو المبادئ والأهداف وعدم التوقف؛ هذا هو ما قام به الشهداء، وهو ما يعلمنا إيّاه القرآن.

وكما أشرنا سابقاً بمناسبة شهداء بيرجند، انتفعوا ما استطعتم من ذكرى هؤلاء الشهداء، واكتبوا عنهم ما استطعتم، واسمعوا عنهم، وسجّلوا وأنتجوا أعمالاً فنية. ولا ضرورة أبداً للمبالغة حولهم. أرى البعض يبالغون أحياناً، لا ضرورة لذلك أبداً. فأعمال [الشهداء] نفسها من العظمة بحيث لا تحتاج إلى تجميل وتزيين ومبالغات وما إلى ذلك، فأعمالهم أعمال مهمة. من الذي يتنازل عن حياته؟ نحن الناس العاديون في الدنيا مستعدون لارتكاب حتى المخالفات من أجل منفعة صغيرة، وإذا بهؤلاء يتنازلون عن أعزِّ شيء بالنسبة للإنسان ـ أي عمره وروحه ـ يتنازلون عنها في سبيل الله، وفي سني الشباب، وفي الوقت الذي تكون فيه شهوات الإنسان قوية، وفي الوقت الذي تكون فيه آمال الإنسان قوية، سحقوا آمالهم تلك وغضّوا الطرف عن راحتهم ودعتهم الجسمية وتحركوا في سبيل الله تعالى وقدّموا أرواحهم. هذه الحركة نفسها [حركةٌ] عظيمة وجليلة إلى درجة لا تحتاج معها إلى أيِّ مبالغات. تابعوا العمل إن شاء الله وأنجزوه بنفس هذه الدقة وبنفس هذا الإتقان. جزاكم الله خيراً ومَنَّ عليكم بالعون إن شاء الله. 
والسّلام‌عليكم ‌ورحمة‌ اللّه ‌وبركاته
 
الهوامش:
1-    سورة آل عمران، شطر من الآية 172.
2-    سورة آل عمران، الآية 173 وشطر من الآية 174.
3-    سورة آل عمران، شطر من الآية 170.
4-    كان أعضاء مؤتمر تكريم شهداء محافظة خراسان الجنوبية حاضرين في هذه الجلسة.