بسم الله الرحمن الرحيم
هذا يوم و ساعة طيبة و محببة جداً بالنسبة لي؛ أولاً لأني بينكم أيها الأعزاء طلاب الجامعات و الأساتذة المحترمون و العاملون الأعزاء في الجامعات. و ثانياً لأن ما قيل هنا يدعو حقاً لشكري الصميمي لله تعالى. كل ما كنا نتمنى أن يغدو أفكاراً سائدة في البيئة و المجتمع الجامعي، نرى اليوم أن له حضوره الراسخ في الأذهان و على الألسن و في المناخ الفكري للجامعات، و هذا ما سوف يقربنا إلى نقطة تطبيق و تحقيق هذه الطموحات. لذلك كانت هذه الجلسة جد طيبة و رائعة بالنسبة لي، و أشكركم شكراً صميمياً و احداً و احداً أبنائي الأعزاء و كذلك الأساتذة و المسؤولين الأعزاء. و فوق كل جمال يشاهده الإنسان هناك جمال اللطف و التوفيق الإلهيين الذين يقلّ شكرنا بحقهما مهما كثر.
و قد كان من توفيقاتي هذا اليوم أن وزير العلوم المحترم حضر هذه الجلسة، و قد التقيته لأول مرة قبل مجيئ إلی هنا. الأمور التي ذكرها جعلتني أكثر أملاً بمستقبل الجامعة مما كنت عليه. طبعاً، ينبوع الأمل و بفضل من الله لم يجف في قلبي أبداً فهو متدفق دوماً و يحضّني على مزيد من التفاؤل و الأمل.
أقول لكم أيها الشباب في بداية كلمتي أن تواجدكم في مختلف ميادين البلاد من أكبر النعم الإلهية على هذا الشعب. كلما شاركت في اجتماعاتكم أيها الشباب أو الاجتماعات الشبيهة بهذا الاجتماع تذكرت بيت حافظ الشيرازي الذي يقول فيه:
أنفاس رياح الصبا ستعود مضوّعة بالمسك
و العالَم الشيخ سيرجع شاباً مرةً ثانية.
لقد تحقق هذا الوعد فيما يخص شعبنا الإيراني إلى حد كبير، و أنتم الشباب باعتباركم من أسباب عودة العالم الشيخ إلى عهد شبابه ستسعون إن شاء الله لتلوح على وجه هذا الشعب ملامح الشباب و الأمل و الحيوية و التحرك الشبابي.
التمتع بالشباب في طور معين أمر يتصل بشبابية الجيل في المجتمع، و البلد الشاب مدين في جزء من شبابه لكثرة الشباب الذين يعيشون فيه، و نحن من هذه الناحية بلد شاب. الأمر في أجزاء أخرى منه يتعلق بتجدد الآمال و انبعاث الهمم و بث روح الأمل في عروق و شرايين الشعب كي يبدأوا تحركاً جديداً. و هذا ما تحقق أيضاً بفضل الثورة.
كافة أيادي الشبكة الأخطبوطية للاستكبار العالمي تحاول اليوم سلب شعبنا و جهه الشبابي النشيط و روحه الشبابية المتحفزة. لكنهم غير قادرين. إنه لأمر محسوس و ملموس بالنسبة لي أن روح الشباب و إرادته و حيويته و دماءه تجري في بلادنا، و هذا لم يكن متاحاً تحت الظلال الثقيلة المخزية للحكومة الملكية، و لا في ظل التبعية الذليلة للأعداء. ما تحقق إنما تحقق بفضل تحرر الشعب الإيراني.
بعد اجتيازه العهود الطويلة للحكومات الاستبدادية و العوائل الملكية - التي جاءت و ذهبت الواحدة تلو الأخرى - دخل شعبنا طور العالم الجديد و الحال أن عصر الدكتاتورية لم ينته في هذا العالم من جهة، و من جهة أخرى بدأ فيه عصر التبعية. لو ألقيتم نظرة على الحقبة الأخيرة من تاريخ بلادكم - قبل الثورة - لشاهدتم الحال التي كنا عليها حوالي هذا المنعطف التاريخي الذي حققته لنا الثورة. في مثل هذه الحالة نستطيع تشخيص موقعنا الراهن بنحو صائب. في تلك الحقبة تحول عصر الاستبداد و الدكتاتورية في هذا البلد إلى عصر التبعية. هذه التبعية لم تنبثق في البلاد فجأةً بالطبع، إنما بدأت منذ أواخر العهد القاجاري و بشكل تدريجي فكانت هناك التبعية الاقتصادية و التبعية للسياسات العالمية و الدول الأجنبية عبر إعطاء امتيازات متلاحقة للأجانب كانت بضرر الشعب الإيراني. بعد ذلك حينما تراجع عهد الاستبداد بسبب ثورة الدستور و أمور أخرى، ارتفع فجأة بيرق التبعية المشؤوم المخزي في الحكومة البهلوية، أي سيادة السياسات التابعة، و العقود و المعاهدات المفروضة، و الحكام و الشخصيات السياسية العميلة الخاضعة لأوامر الأجانب.. و طبعاً كان هناك الاستبداد أيضاً و الذي كان يشتد و يزداد خطراً و تطوراً يوماً بعد يوم. انتصرت الثورة في مثل هذه الظروف، بمعنى أن الشعب الإيراني بدأ تحركين عظيمين في آن و احد ضد الدكتاتورية و الاستبداد و الحكومات المستبدة التي حكمت هذا البلد قروناً طويلة، و أيضاً ضد التبعية و العمالة و الرضوخ للأجنبي و الخضوع للقوى الخارجية. اشتبكت الثورة مع هذين العارضين الذين كانا جد عميقين و متجذرين و خطرين.. لذلك كانت مهمة الثورة صعبة.
لو لم تكن الثورة معتمدة على العقيدة الدينية و الإيمان الإسلامي لما أمكنها الانتصار. إيمان كل و احد من أبناء الشعب هو الذي استطاع خلق مثل هذه الحركة و مواصلتها. كل الانتفاضات طوال الأعوام المائة و الخمسين الأخيرة قبل انتصار الثورة الإسلامية طمحت إلى هذا الهدف، لكنها واجهت الإخفاق. و استطاعت الثورة التقدم في هذا الطريق بقوة و التغلب على عوامل الإخفاق.. لماذا؟ لأن الثورة الإسلامية طرحت أفكاراً جديدة في الساحة.. أفكاراً جديدة كان باستطاعتها احتلال مكانتها في عالم الأفكار و الرأي العام، لا سيما في العالم الإسلامي. الجزء الأكبر من هذه الأفكار الجديدة هو فكرة التوحيد بمعناها العميق الدقيق الشامل. التوحيد معناه سيادة القيم الإلهية على المجتمع و رفض الحكومات الطاغوتية، و الاستبدادية، و الفاسدة، و المتجبرة .. رفض سيادتها على القيم الإنسانية الأصيلة. إذن، كان التوحيد العمود الفقري و الركن الأساسي للشعارات الإسلامية و رسالة الثورة الإسلامية.
الركن الآخر للثورة الإسلامية هو التوجه لكرامة الإنسان. المجتمع الذي يعيش في موقع جغرافي و سياسي معين تستدعي كرامته أن يكون حراً مستقلاً، و أن تزدهر مواهبه و تتفتح، و أن يتسلط على مصيره، و لا يتعرض للإهانة و الذل، و أن تبرز إلى الضوء شخصيته الذاتية. هذا ما تم تجاهله طوال عهود الحكومات الاستبدادية، و من ثم الحكومة البهلوية‌ التابعة العميلة. الحكومات الاستبدادية قدمت للشعب أحياناً خدمات و إنجازات كبيرة من قبيل الفتوحات و العمران و البناء، لكنها سلبت الشعب الإيراني أعظم قيمة إنسانية لدى كل إنسان ألا و هي الحرية، و الاختيار، و الاستقلال، و حق تقرير المصير. هذه هي طبيعة كل السلطات الدكتاتورية.
للأسف ينبغي أن أقول لكم إنه في العديد من البلدان التي لا ترفع فيها راية الدكتاتورية، بل على العكس ترفع راية الحرية و الليبرالية و التوكؤ على أصوات الشعب، حقيقة الأمر في هذه البلدان هي الدكتاتورية و الهيمنة على إرادات الجماهير. الواقع أنه في الكثير من البلدان التي ترفع اليوم شعارات الديمقراطية و تنتهج الأسلوب السياسي الديمقراطي، لا تتمتع الجماهير بحرية الفكر، و الاختيار، و حق اتخاذ القرار، حيث تختفي هذه الحريات تحت طبقات متنوعة من الإعلام. هذا ما يقوله اليوم المستنيرون البارزون في الغرب بصراحة سواء في أمريكا أو في أوربا. كرامة الإنسان - و الثورة الإسلامية هي رافعة راية الكرامة الإنسانية - تعد الموقع المضاد لهذه الحالة و السياق.
يتوخى الأعداء حالياً أن يوحوا في إعلامهم أن إيران يجب أن تتجه نحو الديمقراطية! الثورة حققت لإيران واحدة من أكثر الديمقراطيات حرية.. أين تروم إيران أن تتجه اليوم؟! الديمقراطية تعني حكومة الشعب، أي تحكيم أصوات الجماهير و جعلها معياراً في المنهج السياسي للحكم و إرادة البلاد، و هذا ما نهضت به الثورة على نحو معجز في إيران. الأمر الذي لم يكن يخطر بالبال أساساً طوال كل العقود التي أعقبت ثورة الدستور و سبقت الثورة الإسلامية. طبعاً، في عهد نهضة تأميم النفط حيث كانت هناك انتخابات حرة تحقق هذا الأمر عملياً، بيد أن هذا العهد لم يستمر لأكثر من حوالي سنتين للأسف و ذلك نتيجة الأخطاء المتلاحقة للمسؤولين و الساسة آنذاك. على كل حال، القصد هو أن الشعب الإيراني لم يتمتع - باستثناء تلك الفترة القصيرة - و لا ليوم و احد بالحرية في تقرير مصيره في هذا البلد.
استطاع الشعب الإيراني بفضل الثورة التعرف على كرامته، و التفكير، و اتخاذ القرار، و المبادرة، و الانتخاب. و لحسن الحظ فإن إيمان الشعب الإيراني العميق بالمرتكزات الإسلامية جعل الديمقراطية ترتكز بشكل طبيعي على الأفكار الإسلامية، و هذا هو أفضل أشكال الديمقراطية. في إطار القيم الإسلامية و الدينية يمكن حماية الديمقراطية بصورة مطلقة، و هذا ما حصل بنحو طبيعي تلقائي في بلادنا، فشعبنا مؤمن و إيمانه ليس سطحياً.
إنكم ترون اليوم القيم الدينية و الإسلامية على ناصية التنظيمات و الأجهزة و المؤسسات الجامعية، و الحوزوية، و العمالية، و لدى الشباب و الشيوخ و العلماء. أحياناً أشاهد تجليات عجيبة في تواصلي و حواراتي مع الطلبة الجامعيين و المؤسسات الجامعية. البعض يصرون على إنكار هذه الجماليات و تجليات الحب و الشعور و الإيمان الديني في أجواء الشباب و الجامعة و التي بوسعها أن تشكل رصيداً لكافة أنشطة الإنسان.. لماذا؟ هذه الحالة في كثير من الأحيان لا صلة لها حتى بالتصنيفات الفئوية و الاصطفافات السياسية الفارغة.
بعثوا لي تقريراً طرحته ليلة أمس في اجتماع علماء الدين لكي يعلم إخوتنا الأعزاء أولئك ما يجري في الجامعات. كان التقرير حول أيام الاعتكاف في جامعات طهران و أحوال الشوق و الوجد العرفاني لشبابنا الأعزة و تعاون التنظيمات الطلابية المختلفة مع بعضها على الرغم من وجود جدران و حدود ظاهرية فيما بينها.. لكنهم حين يقارنون أنفسهم بشمس الدين لا يرون أية حدود و فواصل فيما بينهم و يتعاضدون و يضعون جميعاً يداً بيد. إذن، الذين يروجون لفكرة أن شبابنا الجامعي معرضون عن القيم الدينية أو يحاولون إيجاد مثل هذه الحالة يسلكون طريقاً خاطئاً، و سوف يخفقون طبعاً.
بعد قيام النظام الإسلامي على ركائز إيمان الشعب المتينة ظهرت أمامه تحديات عالمية عارمة.. لماذا؟ لأن هذا النظام يشتبك بصورة طبيعية مع أخطبوط النظم الاستكبارية الخطير في العالم. ليس معنى هذا الاشتباك أننا أردنا السير نحو حرب أمريكا، أو بريطانيا، أو البلد الفلاني. اعلموا أيها الشباب أنه طوال خمسة و عشرين عاماً من عمر الثورة الإسلامية لم يخطر على بال مسؤولي الثورة حتى ليوم و احد أن يتحركوا باتجاه محاربة هذا البلد أو ذاك و معارضته. كلا، هذه التحديات نابعة من هوية الثورة و طبيعتها الذاتية. حينما ينـزل بلد إسلامي ذو موقع جغرافي حساس و ثقافة عريقة إلى الساحة و يطرح فكرة و يبذل كل جهوده و جهاده لأجل إحيائها، و تلوح على سيمائه علامات النجاح فإنه سيهدد بنحو طبيعي جميع مصالح الاستكبار في المنطقة كلها. لذلك اشتبكت الأجهزة الاستكبارية يومئذ - المعسكر الليبرالي الرأسمالي من ناحية و المعسكر الاشتراكي الإلحادي الدكتاتوري الزعوم من ناحية ثانية - مع الثورة الإسلامية. و العجيب أن هذين المعسكرين كانا مختلفين مع بعضهما في تسعين بالمائة من القضايا، لكنهما اتحدا و اتفقا على ضرورة إطفاء هذا المشعل المتوهج و استئصال هذه الغرسة النامية! فكروا أيها الشباب الأعزاء في هذه الأمور.. هذا ليس كلاماً مكرراً.. هذا ما ينير طريقنا للمستقبل.
وقف النظام الإسلامي بوجه معسكري الشرق و الغرب، و لكن كانت هناك في تلك الآونة نظرية توصي بأن نتكيف مع الاستكبار بشكل من الأشكال! الذين طرحوا هذه النظرية لم يكونوا شخصيات سيئة، بل كانوا شخصيات بسيطة تقول لنتفاهم معهم كي ندفع بذلك أخطارهم عنا. لكنهم لم يجيبوا عن السؤال : إلى متى و إلى أين ينبغي مواصلة هذا التفاهم و التنازل و التراجع خندقاً بعد خندق.. ما الذي ينبغي أن يفعله الشعب الإيراني كي ترضى عنه أمريكا؟ كم ينبغي أن يغض النظر عن قيمه حتى تقول له أمريكا: لم يعد لنا شأن بك؟ ربما لم يكن بعض هؤلاء ليخطر ببالهم أساساً أن الاستكبار لا يقنع بحدود معينة. لاحظتم في الضجيج الأخير حول الأنشطة النووية الإيرانية أنهم راحوا يتقدموا إلى الأمام خطوةً خطوةً. قالوا أولاً إن على إيران قبول البروتوكول الإضافي، ثم قالوا يجب عليها منحنا المعلومات الفلانية.. ثم تقدموا إلى الأمام أكثر و قالوا إن إيران يجب أن لا تمتلك التقنية النووية أساساً! التراجع أمام منظومة تتمتع بالقوة المادية لكنها تفتقر تماماً للمحتوى الأخلاقي الذي يمنعها من استخدام هذه القوة بطريقة ظالمة، ليس هو سبيل الحل. سبيل الحل كان محصوراً في المقاومة، و قد كان إمامنا الجليل - هذا الإنسان المقاوم الصبور الصلب - مظهراً للمقاومة. و قد كان هذا هو السبيل الوحيد المتاح أمام الشعب الإيراني. لذلك لم يجدهم حتى هجومهم العسكري.
الهجوم العسكري لنظام صدام الذي اضطرنا للجهاد و تقبل مشكلات الحرب مدة ثمانية أعوام لم يكن أمراً غير مألوف. هذا هو أسلوب الاستكبار الدائم ضد الشعوب المستقلة التائقة للحرب. في السنين الأولى من رئاستي للجمهورية، زار إيران السيد أحمد سيكوتوري رئيس جمهورية غينيا كوناكري و هو شخصية ثورية و علمية و سياسية جد محترمة من أفريقيا و له سمعة حسنة في كل العالم و أوربا، و في حواراته معي قال لي ما مضمونه إننا لم نستغرب هجوم بغداد عليكم بعد انتصار ثورتكم، إذ تفيد التجربة أن من الخطوات التي يتخذها الاستكبار ضد معظم البلدان المستقلة هو الضغط العسكري عليها من الحدود الخارجية لكي يشغلوها و يهدروا طاقاتها المالية و البشرية و يحولوا دون بلوغها الأهداف و الطموحات التي رسمتها لنفسها. كانت هذه خطة رسمها الأعداء ضدنا. هؤلاء الأمريكيون و وزير دفاعهم الحالي الذين يعلو هراؤهم بين الحين و الحين ضد نظام الجمهورية الإسلامية، كان لهم تعاونهم القريب مع صدام حسين الذي يلاحقونه الآن، و كانوا يساعدونه علمياً و تسليحياً و معلوماتياً عسى أن يستطيع دحر إيران، لكنهم أخفقوا. أقول لكم: طالما كنتم يقظين، و طالما شعر المسؤولون بالمسؤولية بالمعنى الحقيقي للكلمة، فلن تقدر أمريكا و القوى الأخرى على فعل أي شيء ضد هذا الشعب و ضد هذا النظام.
أعزائي! هذا الكلام الجديد - التوحيد، و كرامة الإنسان، و العدالة الاجتماعية - أخذ موقعه و مكانته في العالم.. هذه ثلاثة أركان رئيسية. علينا أن نعتبر كل تخلفاتنا في هذه الأركان الثلاثة تخلفات حقيقية. كلما ابتعدت شخصياتنا و سلوكياتنا نحن المسؤولين عن السلوكيات التوحيدية، و انخفض مستوى احترامنا لحياة الشعب، و شخصيته، و هويته، و عزته، و بمقدار ما لم تعالج الفواصل الطبقية، و لم تتابع العدالة الاجتماعية في البلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة، فسيكون هذا تخلف. ينبغي أن تتركز كل جهودنا على تلافي حالات التخلف. و هكذا ينبغي أن تكون أجواء المجتمع. هذا هو السبب الذي يجعلني أحذر أحياناً بعض الأشخاص من مسؤولين أو سواهم.
اعتقد أن العمل لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية و ردم الفواصل الطبقية هو أكبر و أهم مسؤولياتنا. لحسن الحظ حضر هذه الجلسة عدد من مسؤولي المحافظة و أتمنى أن يفكروا في هذه القضايا. أهم قضايانا اليوم هي أن نستطيع ملء الهوة الطبقية بين الفقير و الغني. أكبر خدمة للشباب هي أن نستطيع تثمير مواهبهم و تفجيرها، و توفير فرص و إمكانات الدراسة لهم ثم نفكر بإيجاد فرص عمل لهم. حينما أشدد أحياناً على أن لا تدخلوا القضية الفرعية الفلانية أو الضجة أو الشجار السياسي الفلاني إلى ساحة النقاشات العامة، فهذا هو السبب، و إلا إذا اختلف تياران أو حزبان حول مائة قضية و تشاجرا بشأنها فهذا لن يعود بأي ضرر على البلاد. توقعي من المجلس، و الحكومة، و المسؤولين في كافة المستويات هو أن يتعرفوا على قضايا البلاد الأساسية بالمعنى الحقيقي للكلمة.
حضر أعزاؤنا هنا.. السيد رئيس الجامعة المحترم.. و السيد الدكتور ثبوتي، و حين شاهدت أنكم شجعتموه و حييتموه بحرارة حينما صعد إلى المنصة فرحت من أعماق قلبي. أن تكون الشخصية العلمية موضع تكريم الشباب و احترامهم فهذا شيء يفرحني كثيراً و دليل علی أن شبابنا يولون أهمية للعلم. المطاليب التي طرحها هو أو التي طرحها هذان الشابان العزيزان من النخبة العلمية، أو التي طرحها الطالب الجامعي نائب التنظيمات الطلابية تمثل أفكاراً صائبة ينبغي متابعتها. لحسن الحظ يحضر هنا وزير العلوم المحترم و المحافظ، و نواب المجلس. و سأوصي العاملين في مكتبي لمتابعة هذه المطاليب. و أؤكد طبعاً على المسؤولين أن يتابعوا المطاليب العملية لأن بعض المطاليب أفكار جيدة لكنها لا تتسق و الواقع العملي.
قال الدكتور السيد ثبوتي إن أهالي زنجان يساوون أكثر من مائتي مليار.. أنا أعتقد أنك وحدك تساوي أكثر من مائتي مليار.. كل واحد من هؤلاء الشباب ذوي المستقبل الزاهر يساوي أكثر من مائتي مليار. و هل يمكن قياس قيمة البشر و كرامتهم بالمال؟ القضية هي هل ميزانية بلادنا و منظمة الإدارة و التخطيط تتسع لإنفاق مائتي مليار فقط على الطرق المؤدية لمدينة زنجان؟ فهناك بالتالي مدن أخرى في إيران. زنجان لا تحتاج للطرق فحسب، بل تحتاج أيضاً للجامعات و الزراعة. على كل حال سأوصي كي يتابعوا القضية و يهتموا لها.
و أوصي التنظيمات الطلابية.. يا أعزائي، ليكن اسمكم ما يكون.. الأسماء غير مهمة بالنسبة لي.. و ليكن تياركم و اتجاهكم السياسي ما يكون.. اليسار و اليمين غير مهم بالنسبة لي. المهم بالنسبة لي هو أن يتفطن الشاب و العنصر الناشط سياسياً أين تقف بلاده اليوم، و ماذا ينبغي عليه أن يفعل و ما الشيء الذي يهتم به. لينفق طاقاته من أجل ذلك الشيء، و لا ينظر لما يقوله الأعداء الذين يخططون لنا و يريدون بنا سوءاً.
من ممارسات الأعداء الاستهانة بما لدينا و بخسنا أشياءنا؛ بالضبط كبعض السماسرة و الدلالين المجحفين المخضرمين الذين إذا أرادوا بضاعة بخسوها و استهانوا بها و أشاعوا أنها غير ذات قيمة لكي يخسرها أصحابها بسهولة! نظامكم الإسلامي مهم جداً و ذو قيمة كبيرة جداً.. و مواهب الشعب الإيراني متألقة جداً. لكن العدو بخس بضاعتنا القيمة دوماً. قال الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام لأحد أصحابه: إذا كانت في يديك جوهرة ثمينة تعرف قدرها و اجتمعت الدنيا كلها و قالت لك إنها رمل لا قيمة له فلن تصدق ذلك.. و إذا كان في يدك رمل و شهد العالم بأسره أنه ألماس فلن تصدق أيضاً.. المهم أن تعرف ماذا تحمل في يديك. ما أحاوله هو أن يعرف الشعب الإيراني ما الرأسمال الهائل الذي يمتلكه و يعلم أية امتدادات قيمة له في العالم الإسلامي.
قلت أمس إن رئيس جمهوريتنا سيتوجه إلى ماليزيا و سيتألق هناك إن شاء الله. قال البعض و كيف؟ أقول: أي رؤساء الجمهوريات في العالم إذا زار بلداً أجنبياً تقيم له الجماهير هناك استقبالاً يدهش حتى مسؤولي ذلك البلد؟ زرت أنا باكستان خلال فترة رئاستي للجمهورية. كان الاستقبال في لاهور و إسلام آباد بحيث لفت إليه أنظار العالم كله و أذيعت أخباره في كل وسائل الإعلام في العالم. و مثل هذا حدث في زمن رئاسة جمهورية السيد خاتمي في باكستان و لبنان، و في زمن رئاسة جمهورية الشيخ رفسنجاني في السودان. أينما توجه مسؤولو البلاد البارزون حالياً و أية بلاد إسلامية يزورونها يواجهون ترحيب الجماهير و مشاعرهم و هياجهم. أين يمكن مشاهدة نظير هذا في البلدان الإسلامية و غير الإسلامية؟ لو أراد رئيس جمهورية أمريكا على سبيل الفرض زيارة إيطاليا أو البلد الفلاني، فإن الجماهير تتظاهر قبل شهر من زيارته و تطالب بعدم مجيئه! لأن أمريكا شر مطلق. » حكيم هديجي « أحد الشخصيات اللامعة و مفاخر هذه المنطقة و قد قرأت بالأمس أحد أبياته الشعرية في كلمتي، له بيت آخر أقرأه بقليل من التغيير:
أيها الشقي اللئيم أنت الذي تظلم الناس في العالم اليوم لا غيرك.
اليوم أيضاً يكمن علاج أمور الشعب الإيراني في الثبات و المقاومة. ليس معنى المقاومة عدم التدبير. لا شك أن المقاومة لا تعني عدم التدبير. سجلت رواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و أردت ذكرها في بداية كلمتي، لكنني سأذكرها الآن. يقول الرسول الأكرم مخاطباً الصحابي المعروف عبد الله بن مسعود: » يا بن مسعود، إذا عملت عملاً فعملٌ بعلم و عقل «.. أي عمل تريد القيام به يجب عليك القيام به بعلم و عقل.. هذه قضية لا استثناء فيها و تشمل جميع الأعمال، هذه شعارات إسلامية. و إذا بالبعض يريدون الآن تعليم المسلمين - الذين تحولت هذه المفاهيم إلى جزء من ثقافتهم منذ ألف و أربعمائة سنة - أن يتجهوا نحو العلم و العقل! هذه أمور لا ينال منها الزمن.. إنها جديدة تماماً. » وإياك أن تعمل عملاً بغير تدبير و علم «. كل الأعمال ينبغي أن تكون خاضعة للدراسة العلمية.. » فإنه جلَّ جلاله يقول: و لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثاً «.. فالله تعالى يقول لا تكونوا كتلك العجوز التي غزلت و حولت الصوف إلى خيوط ثم عادت و حولت الخيوط إلى صوف. إذا عملتم العمل دون منطق، أو علم، أو تدبير، فسوف تهدرون القوة التي أعطاكم الله إياها و تنقضون أرصدة العلم و العقل و تسكبونها على الأرض و تعودون أدراجكم إلى الوراء. يجب أن لا نعود إلى الوراء.
المقاومة المصحوبة بالتدبير من شعارات النظام الإسلامي، و المسؤولون يأخذون هذه الأمور بنظر الاعتبار. طبعاً يمكن تفسير أي عمل و انتزاع حالة اللاتدبير منه.. العدو يفعل ذلك، و البعض يتحولون مجاناً إلى مكبّرات أصوات العدو فيكررون الشيء الذي يريده العدو، و كأنه لم يجر أي تفكير أو تدبير أو عمل خبروي يسبق الأمور و المبادرات. طبعاً لا نريد القول إن مسؤولينا لا يخطئون. الخطأ حالة طبيعية في كل واحد من أبناء البشر و لا يمكن أن تنفصل عنا، بيد أن درجة الاطمئنان ترتفع حين يعلم الإنسان أن مسؤولي البلاد يفكرون و يدبرون و يدرسون و يستشيرون، خصوصاً في المجالات الحساسة و رسم السياسات العامة، و الأمور غير المرتبطة مباشرة بمنطقة التنفيذ، و يحددون الخطوط و يقومون بتمهيدات خبروية واسعة و دقيقة جداً و متظافرة. في إطار هذا التدبير يجب على الشعب الإيراني أن يقاوم، و هذه المقاومة هي التي جعلته يتقدم لحد الآن.
أعزائي، في بدايات انتصار الثورة كنا نعاني من قلة الأساتذة، و الأطباء، و العلماء، و الباحثين. أولاً كان هؤلاء قلة في البلاد أساساً، و ثانياً البعض أدار ظهر المجن لشعبه و لم يمد يد العون للشعب و ثورته، لكن النظام قرر المقاومة و الصمود. نتيجة هذه المقاومة اليوم هي أن عدد الطلاب الجامعيين في محافظتكم قياساً إلى ما قبل الثورة - طبقاً للتقرير الذي رفعه رئيس الجامعة و اطلعت عليه - ازداد مائتين و خمسين ضعفاً. مركز الدراسات التكميلية الذي تأسس هنا، وهذا الباحث الشاب الذي حضر و تحدث، ومجموعة النخبة المجتمعون حول بعضهم.. كل هذه إنجازات لا يمكن تحديد قيمة لها. تحقق كل هذا ببركة الثورة.. ثم نأتي و نرسم صورة سوداء حالكة لكل أنشطة النظام؟!
أقل مؤشر للتنمية في هذه المحافظة و قد ذكرت هذا في كلمتي يوم أمس هو 500 بالمائة، ثم يرتفع الرقم إلى 1200 بالمائة. إذن، سجلت جميع مؤشرات التنمية في هذه المحافظة زيادة كبيرة. كانت محافظة زنجان ذات يوم ساحة مفتوحة لتنعم الإقطاعيين، و كانت العوائل الإقطاعية تصادر جميع خيرات هذه المحافظة لنفسها و الناس تعيش حياة العسر و التعاسة. كان هؤلاء الإقطاعيون موجودون في العصر القاجاري، و لبسوا ربطات العنق في العهد البهلوي، و تعطروا بـ « القلونية »، و تصاهروا مع العوائل الملكية لتأمين مصادرهم و مصالحهم، و لبسوا قبعات الشابو على رؤوسهم و ظهروا بمظهر عصري! انقرض هؤلاء مع الثورة الإسلامية الشعبية، و وصلت محافظة زنجان بفضل هذه الجهود إلى أن تكون أرقى من سائر المناطق في بعض الميادين. ينبغي أن يبقى ينبوع الأمل في قلوبنا دفاقاً باضطراد.
العدو يفزع بعض الأشخاص، و يطرح على البعض تحليلات خاطئة عن واقع البلاد. و يجعل البعض تابعين له - و ليس أمام هؤلاء سوى أن يفعلوا فعل العدو و يكرروا أقواله - و يشجع البعض على قرع طبول فارغة و الركض وراء الشهوات و الأهواء، خصوصاً حينما تنعقد عليهم آمال أكبر. عدم متابعة الطموحات و المبادئ، و القضاء على إرادة الإصلاح في القلوب، و إشاعة اللانظام و الفوضى كلها من ممارسات الأعداء.
إنني أتحيز للمشاريع النابعة من الإيمان و التدين و أناصر الشاب الذي يدخل ساحة السياسة و العلم، و الاقتصاد بمحفزات دينية. الشاب صاحب الشعارات الدينية هو بالنسبة لي كالشخص المقدس المحبوب. أنا طبعاً أحب جميع الشباب، لكن الشباب الذين يهتمون للقيم الدينية أعزاء عليّ جداً. البعض يشيعون اللانظام بتظاهرهم بالالتزام بالقيم الدينية، و أنا لا أوافق هذه الممارسات. من الأمور التي أعجبتني في جامعات زنجان هو أنهم قالوا لي إن التنظيمات الطلابية المختلفة في هذه الجامعات لا تتعامل مع بعضها بسوء أدب و هتك الحرمات و الإساءة في الكلام و الاشتباك بالأيدي. هذا أسلوب جيد جداً و أوصيكم أن تكونوا هكذا. لينهض كل واحد من التنظيمات بأعماله، و لكن لتسود بينهم الصداقة و لا يهينوا بعضهم. طبعاً، التحديات العلمية و الفكرية جيدة و مفيدة للتقدم و التطور. الجماعة ذات الأفكار السياسية و الاجتماعية يمكن لأفرادها الاجتماع في مكان ما و التحاور و تقديم الأدلة و البراهين. و حينما تنتهي جولتهم تجتمع جماعة أخرى لا توافقهم الرأي في مكان آخر و يقدم أفرادها بدورهم أدلتهم و آراءهم.
إذا ساد هذا المناخ فهو جيد جداً و أنا أحب سيادة هذا المناخ. أما المبادرة إلى الإخلال في النظام مقابل الأعداء فهو أمر ضار، و قد حدث هذا للأسف قبل أشهر في طهران و كان بأبعاد صغيرة لحسن الحظ.
المهم بالنسبة لنا متانة البنية الداخلية، و قد ذكرت هذه القضية للطلبة الجامعيين قبل أشهر، و أقولها لكم الآن أيضاً ليعلم الجميع أن الشعب إذا كانت بنيته الداخلية قوية فإن اختلاف أذواق أفراده لا يحولهم إلى أعداء لبعضهم. الشعب يحترم مسؤوليه و محاور إدارة بلاده، فهذه القضية قضية مصيرية. إذا انطوت قلوب الشعب على الإيمان العميق - إيمان كإيمانكم - فلن تستطيع قوة هزيمته و دحره و فرض التراجع عليه. بوسعنا بفضل هذا الرصيد مواجهة كل التحديات الدولية و التقدم إلى الأمام.
نتمنى أن نعمل جميعاً بواجباتنا. و سوف ترسم المنظومة الطلابية إن شاء الله واجباتها أكثر مما فعلته في السابق و بنحو واضح و تتابعها بكل إصرار. استودعكم الله جميعاً أيها الأعزاء. أدعو الله ببعض الأدعية لننتهل الفائدة من قلوبكم الطاهرة النيرة:
اللهم اجعل هؤلاء الشباب الأعزاء ذخائر قيمة لمستقبل الإسلام و المسلمين. ربنا احفظ أبناء هذا الشعب الأعزاء لهذا الشعب. اللهم انصر الشعب الإيراني في كافة الميادين، مُنّ بأنوار المعرفة و العبودية على قلوبنا أكثر فأكثر. ألّف بين قلوب جميع أبناء شعبنا و خصوصاً مسؤولينا.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.