بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً نرحب بالإخوة الأعزاء أجمل ترحيب. لم نلتق بجماعة مجلس صيانة الدستور المحترم سويةً منذ فترة، رغم أننا نلتقي ببعض السادة من أعضائه. ثانياً أشكر جهود الإخوة الأعزاء و أعلم أنهم بذلوا مساعٍ مخلصة حثيثة كثيرة لأجل الانتخابات. نتمنى من الله تعالى و نسأله أن يمنَّ بفضله و يتقبل هذه الجهود و يجزل الأجر لكل الإخوة سواء الذين في المركز أو المتوزعون في كل أنحاء البلاد.
جميع الذين يعملون و يجدّون للانتخابات مأجورون عند الله تعالى لأن الانتخابات قضية مهمة حقاً في بلادنا. الشيء الذي استطاع سدّ أفواه أعداء الجمهورية الإسلامية المعاندين اللجوجين و جعل ذرائعهم واهية هشة في أعين الجميع هو مشاركة الشعب و انتخاباته و تدخله في شؤون نظام الحكم. لا ريب أن الدولة الدينية إذا لم تتمتع بهذه الدعامة الكبرى لوجد الأعداء مساحات أوسع لإصدار أحكامهم غير المنصفة.
كل من يقوم بواجبه من أجل الانتخابات بإخلاص و لمجرد أداء الواجب فله أجر جد كبير. سواء الذين يعملون في وزارة الداخلية أو الذين يعملون لمجلس صيانة الدستور، أو أعضاء هذا المجلس المحترمون أنفسهم. إذن، مع أن ضغوط العمل كانت كبيرة و ستتضاعف أكثر، و لكن حين يفكر الإنسان بالأجر و الرضا الإلهيين فسيشعر أن الأعمال الكبيرة الثقيلة تسهل عليه و بوسعه العمل بحيوية.
حول اختلاف وجهات النظر بين لجان الإشراف و اللجنة المركزية للإشراف و بين وزارة الداخلية - و قد كانت اختلافات وجهات النظر هذه موجودة دوماً - كانت توصيتي الدائمة للجانبين دوماً و لا تزال هو أن يجعلوا القانون ملاكهم و معيارهم. لأن ما يمكن أن يمثل خطاً بارزاً و يحول دون الفوضى النابعة من اختلاف وجهات النظر هو القانون. ليجعلوا خط القانون ملاكهم و يعملوا حسب القانون. إذا كان هذا » انقطع عنه ألسن المعاندين «.. فلا يستطيع المعاندون التذرّع بشيء و العثور على نقطة ضعف و التشديد عليها.
حول إحراز الأهليات كانت لنا فيما سبق تداولات عديدة مع حضرة الشيخ » جنتي « و كذلك مع غيره من الأعزاء. ما يخطر ببالي حول قضية إحراز الأهليات هو أن هذا الإحراز من واجب مجلس صيانة الدستور و لا بد له من إحراز الأهليات، و هو من واجب وزارة الداخلية أيضاً. الذي يتطوع ليخوض في ميدان معين له شروطه و أنتم المسؤولون عن هذه القناة، فمن الطبيعي أن تحرزوا فيه الشروط. و هذا شيء لا يختص بمجلس صيانة الدستور بل يقع على عاتق الجميع. طبعاً لينظر السادة لإحراز الشروط نظرة حتمية، و لكن لا يضيّقوا من دائرة الإحراز كثيراً. أي ينبغي تعيين ما هي الأهلية اللازمة للمجلس. لنرى حقاً ما هي درجة الأهلية اللازمة للمجلس فيما يتعلق بالالتزام بالدستور و الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف و باقي الشروط. يمكن اعتبار هذا الأمر أمراً » تشكيكياً « له درجات متفاوتة من الشدة و الضعف. ليس من الواضح أن نائب المجلس لا بد له من الالتزام الشديد العالي الذي تنال منه أبسط الأمور.. ذاك الالتزام الضروري للقيادة أو لبعض الشخصيات الرفيعة الأخرى. المجلس بحاجة إلى درجة معينة من هذه السمات و الشروط نسميها الأهلية. ينبغي تشخيص هذه الدرجة بنحو صحيح و إحرازها. أحياناً يتموضع الإنسان في أجواء تجعله يتحمس و يطلق كلاماً قد لا يكون صحيحاً و مناسباً، لكنه لا يشفّ عن عدم التزامه بالدين أو بنظام الجمهورية الإسلامية. لنفترض شاباً يعيش أجواء حماسية و قال البعض شيئاً فقال هو أيضاً شيئاً معيناً. أو تفوّه في جلسة من شخصين أو ثلاثة أو خمسة أشخاص من أصدقائه بعبارة حول البلاد و الإسلام قد تكون مقبولة ضمن حوار الأصدقاء حتى لو كانت ناقدة، أو أنه انتقد القيادة أو بعض أسس النظام، و لكن لا يمكن اعتبار هذه الجملة أو الكلام الذي بلغ أسماعنا دليلاً على سقوط أهلية ذلك الشخص. أقول هذا لأشرح معنى عدم تضييق دائرة الإحراز. ثمة شروط يجب إحرازها، لكن مقدار توفر هذه الشروط في الأشخاص قد يختلف، كما أن الأمور الدالة على وجود أو عدم وجود هذه الشروط تختلف أيضاً باختلاف الظروف و الأوضاع و الأحوال.
النقطة الأخرى هي أننا نعتبر الإحراز حتمياً، لكن الإحراز اليقيني و العلمي لا يكون متاحاً عادة في مثل هذه المواقف، و كذلك تقريباً الإحراز بمعنى قيام البيّنة. رغم أنّه قيل إن شخصين أو ثلاثة يكفون، و لكن قلما يحدث أن يشهد شاهدان عادلان بخصوص قضية معينة شهادةً عن حس. حدود الظن و الحس قريبة من بعضها في كثير من هذه الأمور، و أحياناً تشتبه الظنيات و الحسيات ببعضها، خصوصاً و أن المجال مفتوح للتفاسير المختلفة في كثير من التصريحات و الأقوال. أي إن الشخص يطلق كلاماً معيناً و حينما تراجعونه يقول إن قصدي كان شيئاً آخر. و هنا لا يمكن إدانته بأن هذا هو ظاهر كلامك. إذا أراد الشخص شيئاً بخلاف ظاهر كلامه، أو أنه لم يتنبه للظاهر في تلك اللحظة لن يكون قد ارتكب مخالفة شرعية. إذن » يمكن « أن يتكلم الشخص بخلاف الظاهر. و إذا كان هذا » ممكناً « دخل الاحتمال و تضعضعت أسس الشهادة عن حس. و بالتالي حين نقول إحراز لا نعني الإحراز العلمي أو الإحراز الشرعي بمعنى قيام البيّنة، إنما المراد الإحراز العرفي الناجم عن القرائن و الأمارات حيث ينبغي قيام قرائن و أمارات و يصل الإنسان للنتيجة باطمئنان عرفي، و قد تكون هناك طبعاً قرائن و أمارات في كلا الجانبين. مثلاً لو قال الشخص كلاماً في مكان ما و قال كلاماً غيره في مكان آخر يعارض كلامه الأول، ينبغي أخذ هذا الأمر أيضاً بنظر الاعتبار ليحرز الإنسان النتيجة من مجموع هذه الأقوال و محصلتها. أي يجب أخذ النقاط التي تثبت الأهلية إلى جانب النقاط التي تدحض الأهلية في ظاهرها.
طبعاً لحسن الحظ و كما قال حضرة الشيخ جنتي للقانون مديات و امتدادات منطقية، بمعنى أن القضية تدرس في لجان المدن و المحافظات ثم في اللجنة المركزية خلال واحد و عشرين أو اثنين و عشرين يوماً. و خلال هذه المدة تسنح الفرصة لمجلس صيانة الدستور نفسه كي تعيد هذه اللجان النظر بخصوص ما حدث. هذه فرصة مناسبة جداً و لا إشكال فيها أبداً. طبعاً متى ما اكتشف الإنسان أن شيئاً هو الحق لا إشكال أبداً في أن يقول إن تشخيصنا في ذلك الحين كان كذا، و اتضح لنا الآن شيء آخر، لذلك عدنا عن كلامنا. ينبغي أن لا يصرّ الإنسان ضد ما أدرك و علم أنه الحق.
منظومة مجلس صيانة الدستور منظومة جد قيمة و الحمد لله.. إنهم فقهاء و رجال قانون محترمون، و شخصيات أمينة حسنة الصيت و الماضي. عليه تستطيعون حقاً إلقاء نظرة متأنّية و سوف يتم كسب ثقة الشعب. أنا طبعاً لا أوصي أحداً على الإطلاق بالتنازل أو التراجع أمام من يريدون مجابهة القانون. و قد قلت هذه للسادة، و لبعض الذين جاءوني يشتكون. لكنني أوصي مؤكداً أن تحذروا من ضياع حق أحد، لأن رفض الأهلية ليس بالشيء القليل، أي أنْ نرفض أهلية شخص قد يكون مؤهلاً. » الجرح « قضية مهمة جداً. لا أننا نقول: هكذا فهمنا، لا، ينبغي ملاحظة و مراعاة كل الجوانب. في بعض الحالات و المصاديق - لا نروم الخوض في التفاصيل - التي عرضت عليَّ قبل يومين أو ثلاثة و رأيتها لم يكن قد توفر هذا المعنى و ما يتوقعه الإنسان. ينبغي أن تحاولوا إتقان ما تفعلونه. قلت دوماً للأصدقاء الأعزاء المحترمين في مجلس صيانة الدستور إن على الإنسان اختيار موضع أقدامه رصيناً قوياً ليقف عليه، إذ لا ينبغي أن تكون الأقدام متزلزلة و يجب أن لا تبقى أية شبهة مخالفة أو تجاوز للقانون أو تقصير في تطبيق القانون.
الناس يرغبون في المشاركة في الانتخابات و سيشاركون إن شاء الله و هم يحبون الانتخابات و سياق إحراز الأهلية و تشخيصها هذا موجود في كل مكان من العالم و لا يختص بإيران أو مجلس الشورى الإسلامي. في كل مكان حينما يكلّف الإنسان بمهمة تعيين مسؤول، فسوف يبحث و يحقق بالتأكيد هل يتمتع هذا الشخص بالأهلية أم لا. و لا علاقة لهذا بأن يكون الموضوع مجلس الشورى الإسلامي أو سواه. إذن، القضية قضية عادية يُعمل بها في كل مكان من العالم و لدى جميع عقلاء العالم. لنفترض شخصاً يُطرح على المجلس لتولي مسؤولية معينة؛ لن يمنحه المجلس أصواته اعتباطاً، إنما يحقق و يبحث و يدرس ليتأكد من عدم وجود نقطة ضعف في هذا الشخص. و إذا لم يستسغه سيرفضه. لا يمكن مؤاخذة المجلس على رفضه هذا، لأن المجلس لم يحرز أهلية هذا الشخص. و عين هذه الحالة تصدق أيضاً على نواب المجلس. إذن، السياق سياق عادي و الشعب يوافقه و الدستور أيضاً يؤكده. واجبي أنا و أنتم هو أن نحاول القيام بالواجب القانوني بدقة، و إتقان، و بمراعاة أحوال الذين نتعامل معهم. أي يجب أن لا يقع ظلم على أحد و لا يغمط حق أحد. أصحاب الأصوات الفظة و الجميع يسمع أصواتهم لا أهمية لهم في رأيي بقدر أهمية الأستاذ الجامعي الذي يكتب على سبيل المثال رسالة شخصية لحضرة الشيخ جنتي بأنهم قد رفضوا أهليتي و الحال أن هذه هي سوابقي و سماتي. أنا أشفق على مثل هذا الشخص و من يكون خارج الأضواء و يهمل حقه لا سمح الله و ترفض أهليته، و الحال أن أهليته ممكنة الإحراز بنحو عقلاني و عرفي و بالقرائن الدارجة. ما يقلقني هو أن تقع مثل هذه الأمور. الفرصة الآن سانحة و الحمد لله. انظروا في ملفات الأشخاص واحداً واحداً بدقة. طبعاً قد تكون للبعض سابقة تجعل الإنسان يؤيّد وفقاً للقرائن المتوفرة لديه أن تلك السوابق - غير الإيجابية - انقطعت عن صاحبها الآن. لذا ينبغي تقييمه بحسب حاله الراهن.
و بخصوص نواب المجلس أرسلتُ إلى حضرة الشيخ جنتي - و أنا مصر على هذه الفكرة و اعتقد أن لا شبهة فيها أبداً - أن هذا الموطن هو موطن استصحاب طالما لم يثبت خلافه. أي لا تقولوا إننا لم نكن متيقنين في ذلك الحين، لا، احملوا على الصحة. حينما تشكّون في عملكم - حينما كنتم - و في عمل الآخرين - حينما لم تكونوا - احملوا على الصحة. الذين تقدموا للترشيح تقدموا بإحراز إلا إذا ثبت خلاف ذلك. إذا ثبت خلافه فلا تصغوا لكلام أيٍّ كان و أعملوا بما ثبت لديكم. أما إذا لم يثبت خلافه فهذا إحراز استصحاب و لا حاجة أبداً لأن يحرز المرء هذه الأهلية عن طريق آخر. في رأيي يمكن العمل بهذا في خصوص نواب المجلس. طبعاً يختلف الحال بالنسبة للشخص الذي ثبتت عدم أهليته بعد إحرازها، و لا كلام في ذلك، و لكن طالما لم تحرز عدم أهليته فالموطن هنا موطن استصحاب الأهلية. كان مؤهلاً في ذلك الحين و استصحبوا أهليته الآن. و حينما تكون في القضية شكوك استصحبوا أيضاً. هذا يختص بالنواب الذين تم إحراز أهليتهم في الدورة السابقة. طبعاً كان ثمة أشخاص في الدورات الأسبق إذا رفضت أهليتهم في الدورة السابقة فلن يكون الوضع هنا وضع استصحاب، أما إذا كان هناك أشخاص صعدوا إلى المجلس في الدورات الماضية ثم لم يرشحوا أصلاً فسينطبق عليهم هذا الكلام.
الطريق طريق سالك و ليس بصعب. البعض يحاول تصعيب الأعمال السهلة و لا يتبع سبيل القانون في أمور لها طرقها القانونية.. لا.. لهذه المسألة طريق قانوني و قد بدأت مسؤوليتكم القانونية الرسمية لتوّها و بوسعكم العمل و المتابعة. لا يبدو أن ثمة أي مشكلة في هذا الجانب.
على كل حال، نحن ندعو لكم، و نعلم بصعوبات عملكم. مثل هذه الأعمال التي تصطبغ بصبغة القضاء و التحكيم تتعرض للهجوم دوماً. أحد الشخصين في القضاء سيطعن في الإنسان بالتالي. هذه حالة حتمية و على الإنسان إعداد نفسه لمثل هذه الأمور. كلما كانت هذه الضغوط أكبر كلما ازداد أجركم عند الله تعالى. لا تتحاشوا هذه الأمور كثيراً فهي موجودة على كل حال. ينبغي الكفاح و الجهاد في سبيل الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية المقدس و لبناء هذا الصرح الشامخ المتين الذي يمثل أمل مستقبل الأمة الإسلامية و هو اليوم أيضاً مصدر أمل للأمة الإسلامية. و ينبغي الصبر على المشاق و الصعاب. ثمة صنوف شتى من الصعاب و هذه إحدى الصعاب و هي ليست الوحيدة طبعاً. ستتحملون هذه الصعاب إن شاء الله و سوف يوفيكم الله أجوركم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.