بسم ‌اللَّه ‌الرّحمن ‌الرّحيم‌

أُرحّب ترحيباً حاراً بكم أيها السادة و السيّدات، و أسأل الله لكم التوفيق. إن ما تحدّث به السيد الدكتور عادل آذر كان كلاماً علمياً و ينمّ عن إحاطته التامّة بالموضوع. ندعو الله أن تكون هناك همّة عالية للنهوض بهذا العمل المهم و الكبير.
إنَّ ما أقوله هو إن الإحصاء أمر حيوي للتخطيط لشؤون البلد؛ بمعنى أنه إن لم تكن هناك إحصائيات، فمن المتعذر القيام بعملية التخطيط. و حتى إذا كان هناك تخطيط صوري فإن محتواه سيكون مغلوطاً و لا يتطابق مع الواقع. و على هذا فإن الإحصاء بمثابة العمود الفقري للتخطيط. و لا فارق في أن يكون ذلك التخطيط اقتصادياً، أو ثقافياً، أو اجتماعياً، أو سياسياً، بل و حتى لو كان دبلوماسياً. فكل أنواع التخطيط تتوقّف على الإحصاء. فنحن إن لم تكن لدينا معرفة بما لدينا، و كيفية ما لدينا و خصائص ما لدينا، فلن نتمكّن أبداً من وضع الخطط للمستقبل. و هذا شيء واضح و جلي. و هذا ما ينبغي أن يدركه الجميع؛ ينبغي أن يدركه الشعب، كما ينبغي أن تدركه الأجهزة الحكومية على وجه الخصوص.
إن دور الشعب في هذا المجال ـ و هو ما سنشير إليه لاحقاً ـ دور دفعي؛ أي إنكم تأخذون استمارة الإحصاء، و أبناء الشعب يقدّمون المعلومات المطلوبة فيها. و ينتهي الأمر إلى هنا. بينما دور الأجهزة المعنية دور متواصل، و تعاون متتابع، و مساندة مستمرة. فالجهاز المركزي للإحصاء عبارة عن مركز عملياتي. و التحرّك يكون وفقاً لهذا الإحصاء، و بالاستفادة من هذه المعطيات، ثم إعادة المردودات. و هذا من عمل الأجهزة المختلفة التي يجب أن تتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء. و على هذا الأساس يجب أن تتعامل جميع الأجهزة المعنية في هذا المجال.
حسن، ما الذي ينبغي فعله من أجل أن تكون لدينا إحصائيات صحيحة و دقيقة؟ إن أفضل سبيل إلى ذلك، بل ربّما يمكن القول إنه السبيل الوحيد إلى ذلك هو التعداد، الذي يعني الذهاب إلى الناس و الاستفسار منهم. و على هذا الأساس حين وضع هذه الصغرى والكبرى إلى جانب بعضهما نصل إلى هذه النتيجة و هي أن الإحصاء يُعدّ ضرورة لمستقبل البلد، و للتخطيط الصحيح، و لأجل أن يكون للبلد مستقبل منطقي و معقول و مطلوب. و في ضوء ذلك يتّضح أن التعداد السكاني شيء في غاية الأهمية.
إن التعداد له طرفان؛ أحدهما أنتم الذين توجهون الأسئلة، و طرفه الآخر أبناء الشعب. و تقع على كل واحد من هذين الطرفين واجبات. و أمّا ما ينبغي أن يلتفت إليه أبناء الشعب إن شاء الله فهو أن يقدّموا إحصائيات صحيحة و دقيقة، و أن تكون إجاباتهم عن الأسئلة إجابات صحيحة؛ و يقدّموا إجابات صحيحة و دقيقة في جميع الميادين التي يُسألون عنها. و أنا هنا أدعو شعبنا العزيز إلى التعاون في هذا المجال تعاوناً تامّاً؛ أي أن يستقبلوا موظف الإحصاء و يجيبوا عن أسئلته، و يتعاونوا معه، لكي تُملأ هذه الاستمارة بشكل صحيح إن شاء الله. هذا في ما يتعلّق بدور الشعب.
و أمّا ما يتعلّق بكم أنتم فهو أن تواظبوا على عملكم هذا بشكل دقيق و علمي و واقعي تماماً و بنهج حيادي. و لا ينبغي أن تؤثر في الإحصاء و لا في معالجة الإحصائيات و استخراج النتائج منها أيّة مؤثّرات أو دوافع، لا سياسية و لا غيرها من الدوافع التي يحتمل وجودها. من الطبيعي أن هناك قسماً من الإحصائيات في كل بلد قد تكون سرية، و في غاية السريّة. بينما الكثير منها لا يتّصف بالسرية. و في كل أشكال تصنيف المعلومات يجب أن يكون عمل جهاز الإحصاء دقيقاً و علمياً و متطابقاً مع الواقع. عليكم أن تدوّنوا بشكل دقيق كل المعلومات و الإحصائيات المتعلّقة بالأُسر، و إحصائيات التوجّهات، و إحصائيات الأموال، و إحصائيات العمل و البطالة، و أعداد المتعلّمين و الأمّيين، و كل هذه الأمور التي يُسأل عنها و غيرها، لكي يتسنّى لأجهزة التخطيط و البرمجة المختلفة أن تثق بها و تعوّل عليها. أنتم تتحدّثون عن الثقة بهذا الجهاز؛ و هذه الثقة يستطيع جهاز الإحصاء نفسه إيجادها. برهنوا عملياً على حياديّتكم في معالجة المعلومات و الاستنتاج منها؛ أي كونوا تابعين للواقع، و اعكسوا الأمور مثلما هي في الواقع. فإذا حصل هذا ستُخلق الثقة التامة إن شاء الله.
لقد أوصيت من قبل و أوصي هنا مرة أُخرى الأجهزة المختلفة في الدولة أن لا تتسرع في تقديم الإحصائيات حول مختلف الشؤون و القضايا. عليها أن تترك الأجهزة المعنية تقدّم لها المعلومات المستقاة من الواقع حول بعض الإحصائيات مثل أعداد المدمنين على المخدّرات، و أعداد العاطلين عن العمل، و أعداد الأميين و المتعلّمين، و أعداد المصابين بكذا مرض مثلاً، ثم على تلك الأجهزة أن تعلن عمّا تريد إعلانه استناداً إلى تلك الإحصائيات، و يمكنهم عند ذاك إذا أرادوا أن يضعوا الخطط و البرامج بناءً على ما جاء في تلك الإحصائيات. أي يجب الوثوق بالجهاز المركزي للإحصاء.
و على هذا فإن عملكم عمل جيد جداً، و هو عمل مهم، و مفيد للبلد. و سيجري بشكل جيّد إن شاء الله. ينبغي توصية موظفي التعداد أن يتصفوا بالصبر التام، و الخلق الإسلامي، و أن يقابلوا الأُسر و يوجهوا الأسئلة إليها. و سيجيب أفراد الشعب إن شاء الله بسعة صدر، و أن ينتهي هذا العمل إلى خير، بعون الله. ندعو لكم الله بالتوفيق.