بسم الله الرحمن الرحیم
إنها فکرة حسنة جداً خطرت ببال الإخوان الأعزاء أن خططوا لهذا البرنامج و نفذوه. أولاً مجرد تکریم المعاقین شدیدی الإعاقة - مثلکم أنتم - یعدّ عملاً کبیراً، لا لأن عدداً من أعز الناس علینا و هم أنتم سیفرحون و یسرّون و یبتهجون و حسب، بل مضافاً إلی ذلک سوف تبرز و تتجلی و تتجسّم أمثلة الإیثار و نماذجه و رموزه فی المجتمع، و مجتمعنا الیوم بحاجة کبیرة لهذه الرموز. أحیاناً یکون الإنسان مؤمناً و معتقداً بمعنی و بمفهوم معین. هذا جید. و لکن أحیاناً یکون هذا المفهوم الذی ینعقد علیه الإیمان و الاعتقاد متجسماً أمام الإنسان. قبل انتصار الثورة و فی عهد الطاغوت کنا قد سمعنا اسم الجهاد، و کنا نعرف أحکام الجهاد، و کنا قد قرأنا فی الکتب عن الصمود بوجه الأعداء و التضحیة و الإیثار، و کنا نذکر ذلک للناس، لکننا لم نکن قد شاهدنا ذلک و لمسناه. أین هذا - أن ینظر الإنسان للأمر من بعید - من أن ینظر المرء للجهاد و التضحیة و الإیثار و التجاوز عن النفس عن کثب و یراها و یشاهدها.
عندما تسلط الأضواء علی المعاقین الیوم فی المجتمع بنحو متمایز، و یعرفوا و یکرموا و یحترموا، فمعنی ذلک عرض المثال الواقعی للإیثار. و هذا مهم جداً. لذا فقد کنا بحاجة لهذا التکریم و التقدیر.. النظام کان بحاجة لمثل هذا الشیء. مضافاً إلی هذا فإن هذا العمل یعدّ شکراً بسیطاً لهذه المجموعة المضحیة و عوائلهم. و إذن فقد کان عملاً حسناً جداً ما قمتم به أن برمجتم و نفذتم مراسم تکریم الإیثار هذه. و ستقام هذه المراسم إن شاء الله فی کل عام، و یفکر أصحاب الأفکار و الأذواق من أجل تکامل هذه المراسم.
طبعاً لساننا قاصر إذا أرادنا تقدیم الشکر لکم أنتم الذین قدمتم وجودکم و کیانکم و سلامتکم و عافیتکم و راحة العمر کله من أجل الثورة و الإسلام. الحق أنه جهد عبثی أن یحاول أمثالی تقدیم الشکر لکم. لقد تعاملتم و تاجرتم مع الله، و حقاً یجب أن یقال فی مخاطبتکم: «فاستبشروا ببیعکم الذی بایعتم به» (1).
و نفس المقدار من الاحترام و التکریم یجب أن أقدمه لهؤلاء السیدات، الممرضات و الزوجات و اللواتی حسب تعبیر أخینا العزیز رفرفن کالفراشات حول المعاقین مقطوعی النخاع و حوّمن حول معاقی الرقبة من أجل توفیر الراحة لهم و تمکینهم من مواصلة الحیاة بسهولة. إننی أتقدم بالشکر حقاً لجمیع هؤلاء الزوجات المحترمات من الصمیم و من أعماق القلب. لتعلم هؤلاء النسوة أن أجرهن علی تقدیم الخدمة الصادقة و بوجه بشوش لهذا المعاق من أکبر أنواع الإیثار، و من أبرز صنوف الجهاد، و هو أجر عظیم جداً عند الله.
کلنا محتاجون. ستأتی لحظة یشعر فیها الإنسان بأن یدیه خالیتان. یأتی یوم یشعر فیه الإنسان أمام الله تعالی و مقابل المحاسبة الإلهیة و المؤاخذة الإلهیة أن کفة أعماله خفیفة و خالیة. و هذه الخدمات التی تقدمنها ستنفعکن هناک. کل لحظة من لحظات الصبر التی تحملتموها طوال ثلاثین عاماً أو خمسة و عشرین عاماً من بدایة إعاقتکم و إلی الآن و ما ستتحملونه فی السنوات القادمة - و نسأل الله تعالی أن یمنّ علی المعاقین بالشفاء - و سوف تصبرون کلما توالت مثل هذه الحالات، فإن الله سیحتسب ذلک. لا شیء یفوت فی الحسابات الإلهیة. یتألم الإنسان لساعة و یشعر بوجع و انزعاج و یتحسر بسبب آلامه لکنه یصبر علی ذلک فی سبیل الله.. هذا سوف یکتب. و هذه أمور لا تقبل الوصف. ما عدا الذات المقدسة للربّ و ملائکته - و هم الکرام الکاتبون - ما من شخص من أفراد البشر بوسعه إدراک الشعور الذی یعتمل فی نفوسکم. إنه شیء لا یقبل البیان و الإیضاح أساساً. لکن الله تعالی یشعر به و یعلمه و یفهمه و یسجله. و حینما یسجل فسوف تعطون ثوابه إن شاء الله. إعرفوا قدر هذه اللحظات.
یقول الشاعر: کل بلاء یأتینا منک إنما هو رحمة و کل ألم تعطیه للإنسان إنما هو راحة
تترک العبد فی الظلام من أجل أن یری ذلک الوجه المنیر
یضربون الفؤوس علی عروقی و جذوری لکی یربطونی بحبک
انظروا للحالة التی ابتلیتم بها من هذه الزاویة. حینما یکون الإنسان فی الظلام یری الضیاء و النور أکثر و یشعر به أکثر. فی مثل هذه الآلام یمکن أن ینظر المرء لله عن قرب. هذا هو المهم. علی کل حال سوف یجزل لکم الله تعالی الأجر بإذنه.
العمل الکبیر الذی قام به الشعب الإیرانی فی الثورة بقیادة الإمام الخمینی الکبیر ذلک الرجل الإلهی السماوی، کان له تکالیفه بالنسبة لهذا الشعب. کان عملاً کبیراً و تکالیفه أیضاً کبیرة. و هذه من تکالیفه. لقد فقد شعبنا الکبیر عدداً من أبنائه هم الذین استشهدوا، و صار البعض مثلکم، و هناک من هم أدنی درجة منکم. هذه من التکالیف التی یدفعها هذا الشعب من أجل عمله الکبیر هذا.
طبعاً إذا أردت أن أقول رأیی لوجب أن أقول إن الإعاقة بدرجة سبعین بالمائة و إقاعة قطع النخاع فی الرقبة - و هو الوضع الذی تعیشونه أنتم - أهم من حالة الشهادة. لأن الاستشهاد مرة واحدة و ینتهی الأمر و یعرج الإنسان إلی الأعالی. لکن هذا الوضع الذی أنتم علیه، بالرأی الذی أجده الیوم، یبدو لی أن وزن هذا الإیثار أثقل من ذلک الإیثار الذی یسمی الشهادة، و ذلک بسبب آلامه و مشکلاته سواء بالنسبة لکم أو بالنسبة لآبائکم و أمهاتکم و أقربائکم و بالنسبة لزوجاتکم و أبنائکم. هذه من النقاط الکبیرة جداً فی هذا العمل الکبیر الذی أنجز. و سوف یجزل الله تعالی لکم الأجر العظیم بمشیئته بنفس درجة الصعوبات.
و طبعاً أقول لکم إن لکم أنتم أنفسکم دوراً کبیراً جداً فی أن تزیدوا من هذا الأجر، أو أن تنقصوا منه بعض الشیء. هذه الآیة التی تلیت الآن: «الذین استجابوا لله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذین أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظیم» (2) تشیر إلی هذه النقطة: الذین جرحوا و أصیبوا لهم أجر عظیم و لکن بشرط التقوی و الإحسان. قاطعیة الاختیار لا تسلب من الإنسان أبداً. أی إنکم دوماً تمارسون اختیارکم و أنتم الذین تنتخبون. و صبرکم هذا و صمودکم و احتسابکم و أجرکم سوف یزید و یزید إلی آخر المطاف. الاحتساب معناه کتابه الأشیاء و حسبانها عند الله. یتحدث المرء مع الله و یقول له: ربی، هذا جسمی و جسدی و راحتی و شبابی قدمته لک خالصاً و أنا الآن راض. هذا هو الاحتساب. و لهذا أعظم التأثیر فی العروج إلی المراتب العلیا و إحراز الأجر و الثواب الإلهی.
حسناً، أظن أن هذا یکفی، فقد أطلت الحدیث. أشکر السیدات ثانیة و أعتذر لأنی لم استطع کما سألت أحوال المعاقین الأعزاء واحداً واحداً عن قرب، أن أسأل أحوالهن واحدة واحدة. نحیّی السیدات من بعید، و نتمنی لکم التوفیق و التأیید جمیعاً.
و کما مدحناکنّ و ذکرناکن بخیر، و هو مدح فی محله و صحیح، و لکن علیکن فی الوقت نفسه أن تعرفن قدر هؤلاء المعاقین، فهم نعم إلهیة. حفظکم الله تعالی جمیعاً.
و السلام علیکم و رحمة الله.
الهوامش:
1 - سورة التوبة، الآیة 111 .
2 - سورة آل عمران، الآیة 172 .