بسم الله الرحمن الرحيم (1)
نحن مسرورن جداً لأننا توفقنا مرة أخرى و الحمد لله للقاء بكم أيها الأعزاء، مع أن هذا لا يكفي. قال لي بعض هؤلاء المعاقين الأعزاء إننا ننتظر هذا اللقاء منذ عشرين سنة و ثلاثين سنة، فقلتُ لهم إنني خجل حقاً لأنكم انتظرتم عشرين سنة لمثل هذا الشيء القليل الأهمية، و لكنها بالتالي حدود قدراتنا و قصورنا و ما إلى ذلك من أمور، أي إن الإنسان لا يستطيع أكثر من هذا، و إلّا لو كنا نستطيع فنحن نحبّ أن نكون معكم أكثر من هذا بكثير.
أولاً جهودكم و أجوركم محفوظة عند الله تعالى، و هي تتضاعف إن شاء الله يوماً بعد يوم، لأن عملكم لم ينته تماماً، فهذا الابتلاء و هذا الامتحان لا يزال مسلطاً عليكم، و ذلك بخلاف الشهداء. الشهداء أصابتهم قذيفة أو رصاصة و ذهبوا إلى الجنة و طاروا إلى الجنان، و انتهى عملهم، أما أنتم فلا، كل يوم يمرّ و كل ساعة تمرّ لديكم فيها آلامكم و مشكلاتكم، مع أنكم رضيتم بهذه المشكلات و الله تعالى يعلم ما في قلوبكم و أنكم تصبرون، و لكن كل دقيقة و كل ساعة و كل يوم من صبركم هذا له أجره المضاعف، و إذن، فهو كلام دقيق أن أجر المعاقين يزداد يوماً بعد يوم. كل ساعة تعيشونها أكثر يزداد أجركم بنفس المقدار. لدينا في الروايات أن الإنسان يعطي بعض الأحيان شيئاً - درهماً أو مالاً قليلاً على سبيل المثال - في سبيل الله، فيعيده له الله تعالى يوم القيامة مثل جبل أحد؛ و أعمالكم من هذا القبيل. أعطيتم عضواً من أبدانكم و تقبلتم الحرمان، و هذا بالطبع شيء كبير و مهم جداً، و له أجر كبير، لكن هذا الأجر يتزايد و يتضاعف باستمرار. اشكروا الله على زيادة الأجر هذه.
ثانياً أنتم المعاقين لا تزالون لحد الآن في حال كفاح و نضال، أنتم الآن، و في حالة الإعاقة هذه، تمارسون الجهاد في الواقع؛ كيف؟ ليس المراد الجهاد الثقافي، و ليس قصدي أنكم تلقون كلمة في مكان ما، أو تقولون شيئاً أو تفعلون شيئاً أو تنفقون شيئاً أو تعلّمون شيئاً - و هذه أعمال محفوظة في مكانها و هي جهاد - و لكن مجرد أنكم تجلسون على عربات المعاقين أو تتمددون على السرير أو تسيرون في الأزقة و الأسواق و أنتم محرومون من الأعين التي تنظرون بها أو من الأيدي أو من الأرجل، فهذا بحد ذاته كفاح و جهاد، لماذا؟ لأنه مؤشر على ابتلاء و محنة هذا الشعب الكبيرة خلال فترة عصيبة. إنكم في الواقع أشبه بصورة أو لوحة تصوّر الحرب و الدفاع المقدس لكل الذين يرونكم، إنكم صورة لفترة ذلك الابتلاء الكبير و الامتحان العظيم الذي مرّ به شعب إيران. حضوركم هذا و وجودكم كفاح و بيان و تبليغ و إعلام. النظر إليكم يدلّ على جرائم تلك القوى التي دعمت نظام صدام و دافعت عنه. النظر إليكم يدل على عظمة و جلالة ذلك الإمام و تلك الثورة التي استطاعا أن يربّيانكم هذه التربية و يبعثانكم إلى ساحات الحرب. النظر إليكم يشير إلى تاريخ شطر من عمر الشعب الإيراني. و عليه فالمعاق بوجوده و حضوره بين الناس يعلن عن حقائق حتى لو لم يتحدث بكلمة واحدة و حتى لو لم يشارك في مراسم معينة كمبلغ و خطيب، إنما نفس وجودكم يعبّر عن حقائق؛ حقائق تاريخية و حقائق معرفية و حقائق سياسية و حقائق دولية، هكذا هو الحال. و هذا بحد ذاته له أجره عند الله تعالى. هذه هي النقطة التالية.
و النقطة الثالثة تتعلق بهؤلاء السيدات اللواتي يرعينكم كزوجات و يتقبلن آلامكم. نعم، كما أوضح هذا السيد في شعره الجميل فهؤلاء النسوة مضحيات بالمعنى الحقيقي للكلمة، إنها تضحية كبيرة، و خدماتهن لها قيمة كبيرة جداً. آلام التمريض إن لم تكن أكبر من آلام المرض فهي ليست بأقل منها. أن يتقبل الإنسان معاقاً بمشكلاته و قيوده الجسمية و يرعاه و يسهر على شؤونه و يستمع لما يقول، و لا يتبرّم مقابل التبرّم الذي قد يعتري المعاق بشكل طبيعي، فهذا شيء له أجر عظيم عند الله تعالى. أستطيع أن أقول للسيدات - زوجاتكم أيها المعاقون - إن الله تعالى يبشركنّ بسبب عظمة العمل الذي تقمن به؛ هذا حقاً جهاد و ملحمة. هذه أيضاً نقطة.
النقطة الأخيرة هي أن تحاولوا أنتم المعاقين الأعزاء و كذلك السيدات و كذلك أبناءكم و أقاربكم و الذين لهم دور في رعايتكم، أن تحاولوا صيانة هذه الثروة المعنوية العظيمة. اعلموا أننا أحياناً و بسبب غفلتنا نخسر الثروات الكبرى التي نمتلكها. إذا غفلنا و أهملنا و لم نعمل بمقتضى هذا الشأن المعنوي و الإلهي فسنخسر ما نمتلكه كثروة معنوية، يجب الحذر. وفقنا الله تعالى جميعاً لنستطيع صيانة هذه المواهب الإلهية - و بعض المواهب مواهب مادية و بعضها مواهب معنوية - إن شاء الله، و نكون من الشاكرين عليها.
أرحب بكم مرة أخرى أيها الإخوة و الأعزاء و الأخوات العزيزات لمجيئكم إلى هذه الحسينية و لقاء اليوم، و أتقدم لكم بالشكر، و أسأل الله تعالى لكم سرور القلوب و التقدم في أعمالكم و تلبية حاجاتكم و مسائلكم. حفظ الله تعالى لكم أبناءكم و جعل حياتكم حلوة إن شاء الله، و منّ عليكم بأعمار طويلة مصحوبة بالشفاء التام.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - قبيل كلمة الإمام الخامنئي في هذا اللقاء، تحدث حجة الإسلام و المسلمين السيد محمد علي شهيدي محلاتي (ممثل الولي الفقيه و رئيس مؤسسة الشهداء و المضحين) و اللواء محمد علي جعفري (القائد العام لحرس الثورة الإسلامية) رافعين تقريريهما عن شؤون المعاقين.