بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الطيبين الطاهرين المعصومين. السلام على الحسين، و على علي بن الحسين، و على أولاد الحسين، و على أصحاب الحسين.
جلسة الشباب الأعزاء من الطلبة الجامعيين و طلبة المدارس في الأيام التي أطلق عليها عنوان مجابهة الاستكبار و مقارعته، جلسة مغتنمة جداً. أنتم الجماعة الحاضرة هنا نموذج لمجموع الشباب الواعي من أبناء شعبنا، و ليس الشباب فقط بل الأفراد الواعون و أهل التحليل و أصحاب البصيرة، كلهم لهم نفس المواقف التي أبديتموها اليوم هنا بشعاراتكم و كلماتكم.
الأيام أيام ذات صلة بالحسين بن علي (عليه السلام)، و هي أيام حافلة بالحماس و الهياج التاريخي للأمة المسلمة، و هي ليست خاصة بالشيعة، فغير الشيعة أيضاً يعتبرون حركة الحسين بن علي (سلام الله عليه) حركة كبيرة و عظيمة و ذات دروس و عبر و نموذجية للشعوب، هذا عن المطلعين، أما غير المطلعين فأمرهم يختلف. و من مفاخر شعبنا أنه يعرف سيد الشهداء و يعرف كربلاء و يعرف الأمور و المسائل التي تطرح على هامش عاشوراء أو في ضمن هذا الحدث.
هذه الأيام هي أيام زينب الكبرى (سلام الله عليها)، و زينب الكبرى (سلام الله عليها) هي الشخص الذي أحيى حادثة عاشوراء، و حالت دون اضمحلال و نسيان هذا الحدث أو أن يصاب بالقدم و البلى، في غمرة الحيل السياسية للجهاز الحاكم آنذاك. زينب الكبرى (سلام الله عليها) هي التي أحيت القضية، و عليه فهذه الأيام أيام مهمة.
و فترتنا التاريخية فترة بالغة الأهمية. فشعب إيران يعمل على تكريس عزته و يرسم خارطته العامة للتقدم صوب المبادئ و القيم. إذن، وعي الشباب مهم و بصيرتهم تجاه الوضع القائم مهمة، و هذا الاجتماع فرصة للتحدث بمقدار معين حول هذه الأمور.
أولاً نشير إلى نقطة تمثل أساس الكثير من كلامنا و قضايانا، و هي إن مقارعة الاستكبار في الثورة الإسلامية و بين أبناء شعبنا حركة معقولة و منطقية و لها رصيدها العلمي و هي مسار عقلاني خلافاً لما يحاول البعض قوله من أن هذه الحركة حركة شعارية و عاطفية و لا تستند إلى المنطق و العقلانية، على العكس، حركة الشعب الإيراني حركة تعتمد على العقلانية. و حتى لو صرفنا النظر مؤقتاً عن الدين و الآيات القرآنية و الإلهام الديني، أي لو تركنا جانباً بشكل مؤقت الآيات التي تقول «اَشِدّآءُ على الكفّار» و «رُحَمآءُ بَينَهُم» (1) و «قاتِلوا اَئِمَّةَ الكفر» (2)، فهناك أفراد لا يؤمنون و لا يعتقدون حتى بهذه الأشياء، يمكن أن نعتمد على تجربة الشعب الإيراني.
وقعت في بلادنا حادثة في سنة 1332 هي حادثة الثامن و العشرين من مرداد [19 أب 1953 م] و هي من الأحداث التي تمنح شعب إيران الكثير من التجارب و تمنعه من الوقوع في الخطأ و التباس الرؤية. في هذه الحادثة حصلت للشعب الإيراني تجربة كبيرة، و ينبغي عدم نسيان هذه التجربة على الإطلاق، نعم، مضت منذ سنة 32 إلى الآن ستون سنة. أولاً تكررت خلال هذه الأعوام الستين حوادث من قبيل هذه الحادثة، و ثانياً عندما تنطوي الحادثة التاريخية على دروس فلن يؤثر فيها مضي الزمن، و يجب استلهام الدروس منها. كانت الحادثة أن حكومة مصدّق التي استطاعت إخراج النفط، و هو مصدر الثروة الوطنية في البلاد، من قبضة البريطانيين بمساعدة أفراد كانوا آنذاك مثل المرحوم آية الله كاشاني و سواه، ارتكبت خطأ تاريخياً تمثل بالاعتماد على أمريكا. في مقابل عداء البريطانيين تصورت أنه يجب أن يكون لها سند على الساحة الدولية، و كان هذا السند يومذاك من وجهة نظرها هو أمريكا، فاعتمدت على أمريكا و عقدت عليها أملها. و استغل الأمريكان هذه الطيبة و البساطة في التفكير، فدبروا انقلاب الثامن و العشرين من مرداد. مأمور أمريكي باسمه و رسمه المعين و المحدد تماماً، و نحن نعرفه و نعلمه - و اسمه موجود في التاريخ - جاء إلى هنا، و كان أمريكياً، و توجه إلى السفارة البريطانية أو سفارة بلد غربي، أو ربما استقر في سفارة كندا، و وزّع المال الذي جاء به، فحشد معه أفراداً، و كان هناك عناصر و عملاء داخليون خونة، فدبّر انقلاب الثامن و العشرين من مرداد، و أهدر كل الجهود التي تحملها الشعب الإيراني طوال سنتين أو ثلاث سنوات هي فترة تأميم صناعة النفط. و ألقوا القبض على مصدق و سجنوه و أعادوا محمد رضا بهلوي الذي كان قد هرب من إيران إلى العرش، و بقي الشعب الإيراني مدة خمسة و عشرين عاماً من سنة 32 إلى سنة 57 تحت نير الحكومة البهلوية المفروضة و العميلة يتحمل شتى صنوف الإذلال و الضغوط و الشدائد. هذا ما قام به الأمريكان.
سيطر مستشاروهم على جيشنا، و شخصياتهم الاقتصادية كانت تمرر سياساتهم الاقتصادية. إضافة إلى ذلك قاموا بأعمال غير مشهودة - فقد كانت تلك أعمالهم المشهودة - لم يستطع محللونا لحد الآن للأسف أن يعالجوها و يبحثوا فيها، و هي أعمال و ممارسات غير مشهودة ترمي إلى تدمير الثروات المعنوية و البشرية للشعب الإيراني، و هو ما حصل طوال خمسة و عشرين عاماً في إيران على يد الأمريكيين. هذه أمور جديرة بالبحث و التحقيق و المتابعة. خمسة و عشرون عاماً من القمع و الضغوط على شعب إيران و إهدار مصادره الإنسانية، و نهب مصادره الطبيعية، و تشويه سمعته بين الشعوب المسلمة في المنطقة، هذه ممارسات قام بها الأمريكان خلال تلك الفترة. كم من الناس قتلوا، و كم من الناس سجنوا، و كم من البشر تعرضوا للتعذيب، و كم من السياسات الخيانية نفذت ضد الشعب الإيراني في الداخل، و كلها في ظل تواجد الأمريكان و وجود حكومة عميلة لهم في إيران، و بسبب الثقة التي كانت لذلك الرجل - عن بساطة في التفكير - بأمريكا يومذاك.
طيب، الشعوب حيال الحوادث على نوعين، بعض الشعوب تلمس الأحداث و الشدائد و العذاب لكنها لا تستطيع أن تكوّن لنفسها تحليلاً و تلخيصاً صحيحاً، بحيث يدفعها هذا التلخيص إلى فعل مقابل، هكذا هي بعض الشعوب. أما الشعوب التي لها قادة أكفاء و جديرون فلا، تصبر على الشدائد و لكن إلى جانب ذلك تتابع الوعي و البصيرة و الحل و تعزيز المعتقدات الصحيحة و المنطقية، و قد كان شعب إيران من هذا القبيل. لقد تفضل الله تعالى و منح هذا الشعب قيادة الإمام الخميني الكبير كموهبة إلهية، و عمل الإمام الخميني الجليل على توعية الشعب و منحه البصيرة، و قد تحمل هو نفسه الصعاب فسجن و نفي و لم يترك الجهاد، و شيئاً فشيئاً عمّ هذا الوعي و البصيرة إلى أن ظهر في سنتي 56 و 57 [1978 و 1979 م] على شكل حركة عامة بين الشعب الإيراني. لم يكن هدف هذه الحركة الجهاز الملكي الحاكم فقط، بل كانت تستهدف أمريكا أيضاً. لقد كان الشعب يعلم و يفهم أن أمريكا تقف خلف هذه الجرائم التي تحصل ضده و ضد البلد في الداخل. لقد قال إمامنا الخميني الجليل في سنة 42 [1963 م] في مطلع النهضة الإسلامية: إن رئيس جمهورية أمريكا هو أكثر شخص مبغوض في إيران اليوم (3). نشر هذا المعنى في أوساط الرأي العام و بيّن للشعب أن كل الشرور بسبب أمريكا. و آتت هذه الحركة الكفاحية نتائجها.
حيثما تحركت الشعوب و صمدت و أبدت الصبر و المقاومة كان النصر حليفها بالتأكيد، هكذا هو الحال في كل مكان. مشكلة العمل الكفاحي الذي ينتهي بالخسارة هو إما أن الشعوب لا طاقة لها و لا تصمد، أو إنها لا تمتلك قادة يقودونها بشكل صحيح. لقد شاهدنا في السنين الأخيرة أن هناك شعوباً تحركت و أبدت عن نفسها عزيمة و إرادة و وصلت إلى نتائج، و لكن لم يكن هناك قادة يستطيعون إدارة هذه الشعوب بنحو صحيح و تشخيص الهدف بشكل صائب، و رسم الطريق أمام الشعب، لذلك انكسرت تلك الشعوب، و قد شاهدتم كلكم هذا الشيء في نفس هذه الأعوام الأخيرة، و لا أروم ذكر اسم بلد أو مكان.
لقد سار شعب إيران في الدرب بشكل صحيح، و قام بحركته على نحو صحيح، و كانت هناك قيادة مقتدرة و واعية و مصممة و متوكلة على الله و معتمدة على الله و معتمدة على الوعد الإلهي «اِن تَنصُرُوا اللَّهَ ينصُركم» (4) فأدى هذا إلى أن يستطيع هذا الشعب الانتصار و القضاء على الحكومة المفروضة العميلة السوداء لعائلة بهلوي و الحكومة الشاهية المشؤومة المخزية - و الحكومة الملكية مخزية لكل شعب من الشعوب حسب المنطق الإنساني الصحيح - في إيران، فانتهت و صار الشعب حراً يملك مصيره.
النقطة المهمة هنا هي أن أمريكا كانت أول حكومة و دولة أخذت تعارض حركة الشعب هذه معارضة جادة. طبعاً كانت هناك حكومات أخرى، فهي أيضاً كانت غير راضية عن الوضع الذي حصل في إيران، لكنها لم تبد ردود فعل تذكر، و ربما كانت بعض الحكومات مرتاحة، لكن الحكومة الأمريكية لم تكتف بعدم الارتياح القلبي، بل عمد مجلس الشيوخ الأمريكي في الأشهر الأولى بعد انتصار الثورة إلى إصدار قرار شديد اللهجة ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، و بدأ العداء بشكل عملي، هذا في حين كانت السفارة الأمريكية في إيران لا تزال مفتوحة! الذين يتصورون أن العلاقة مع أمريكا و الصداقة مع أمريكا تستدعي أن يبقى الإنسان مصاناً من إيذاء أمريكا، ليراجعوا هذه التجربة التاريخية. كانت السفارة الأمريكية لا تزال موجودة في إيران و الأمريكان يترددون بسهولة إلى إيران و يأتون إليها و يذهبون منها، فالثورة لم تؤدي إلى إخراج الأمريكان من إيران، بل كانت لهم سفارتهم مثل باقي البلدان و لهم مأموروهم الذين كانوا يعيشون هنا، و في نفس ذلك الأوان أبدت الحكومة الأمريكية عداءها مع الثورة. بالإضافة إلى ذلك، استضافت محمد رضا الذي كان عدواً أكيداً للشعب الإيراني في داخل أمريكا، أخذوه إلى أمريكا، و في الواقع منحوا اللجوء لعدو الشعب الإيراني. طيّب، كانت خطوة الطلبة الجامعيين ردّ الفعل على هذا العمل، حيث ذهبوا و استولوا على سفارة أمريكا، و تبيّن أنها وكر تجسس، و اتضح أنه طوال هذه الأشهر بعد انتصار الثورة الإسلامية كان هذا المكان مركزاً للتآمر ضد الثورة، و هذا ما دلت عليه و أثبتته الوثائق المنشورة لاحقاً و التي وجدوها في داخل السفارة. أيها الشباب الأعزاء، اقرأوا وثائق وكر التجسس ففيها عبر و دروس. الطلبة الجامعيون الذي استولوا على السفارة و أدركوا أنها وكر تجسس نشروا هذه الوثائق بعد جهود كبيرة - فقد حاول الأمريكان إتلافها بأجهزة تقطيع الورق، لكن الطلبة ألصقوها ببعضها و أعادوا استحصالها بجهود كبيرة - و نشرت في سبعين أو ثمانين مجلداً. و هي تدل على أن الأمريكان سواء في ذروة النهضة أو عندما انتصرت النهضة و الثورة و تأسست الجمهورية الإسلامية كانوا دوماً يعملون على التآمر ضد النظام الإسلامي، هذه هي أمريكا. هذه قضايا تعود لما بعد الثورة.
قبل الثورة و خلال فترة الحركة الشعبية العظيمة - و لا نتحدث الآن عن أحداث السابع عشر من شهريور و المذابح التي ارتكبت ضد الشعب، و كلها كانت على يد الحكومة العميلة لأمريكا - في الثامن من بهمن، أي قبل بضعة أيام من عودة الإمام الخميني إلى البلاد، في شوارع طهران هذه، و في شارع انقلاب هذا، كانت الجماهير مجتمعة، و قال الجنرال هايزر المبعوث الأمريكي لإيران الذي جاء لإيران عسى أن يستطيع بشكل من الأشكال حفظ نظام الشاه و إنقاذه من الثورة، يكتب هو في مذكراته - و هذه وثائق تاريخية - فيقول إنني قلت للجنرال قره باغي أنزلوا فوهات بنادقكم إلى الأسفل في مواجهة الشعب، أي اقتلوا الناس، و لا تطلقوا الرصاص إلى الأعلى في الهواء اعتباطاً، أي ارتكبوا مذابح ضد الشعب. و قد فعلوا ذلك، حيث أنزلوا فوهات بنادقهم إلى الأسفل و قتل عدد من الشباب و الأحداث، لكن حشود الجماهير لم تتراجع. يقول هايزر إن قره باغي جاءني و قال إن تدبيرك هذا لم ينفع، فالناس لم يتراجعوا. و علّق هايزر يقول وجدتُ كم أن جنرالات الشاه يفكرون بطريقة صبيانية، أي إنهم كان يجب أن يستمروا في المذابح و لا يتوقفوا عنها. لاحظوا هذا هو النظام العميل. الجنرال الأمريكي يصدر للجنرال الإيراني أمراً بمذابح ضد المواطنين، و يعمل الجنرال الإيراني بتوصيته و أمره، و لأنه لا يجد فائدة في ذلك يقول له إن هذا الفعل لم ينفع، فيعود الجنرال الأمريكي و يقول إن هؤلاء أطفال يفكرون بطريقة صبيانية. هذه هي خلاصة الحكومة البهلوية في إيران.
هكذا بدأ الأمريكان معنا، هكذا بدأوا مع الثورة. ثم مارسوا المؤامرات طوال تلك الفترة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. أية جماعة تستطيع أن تقوم بشيء ضد الثورة كانت تدعم من قبل الأمريكان. و من هذه الأحداث الانقلاب الذي عرف بانقلاب قاعدة الشهيد نوجه في همدان. و هناك المساعدات للذين عملوا ضد الثورة في أطراف البلاد تحت عناوين قومية. ثم كان تشجيع صدام حسين على الهجوم على إيران و مساعدته لمدة ثمانية أعوام. ثمانية أعوام! شدد و زاد الأمريكان من مساعداتهم لصدام طوال الحرب، و خصوصاً بعد السنة الثانية و الثالثة، فمنحوه الإمكانيات، هم فعلوا ذلك، و كذلك حلفاؤهم الأوربيون للأسف. هكذا تعامل الأمريكان مع ثورتنا، انصبّت هممهم على استئصال هذا الأساس و هدمه. لقد كان هذا خطأ في التحليل و في فهم القضية. تصوروا أن الأمر هنا على غرار البلد الأفريقي أو الآسيوي الفلاني حيث يقع فيه انقلاب يطلقون عليه اسم الثورة، و يستطيعون هم القضاء عليه. لم يكونوا يعلمون أن الأمر هنا أولاً يعتمد على الشعب و الجماهير - فهذه الثورة ثورة الشعب - و ثانياً يستند إلى المعتقدات الدينية، لم يكونوا يفهمون هذه الأمور. لذلك أخفق الأمريكان طوال 36 أو 37 سنة في كل عمل قاموا به ضد الثورة، و سوف يخفقون بعد الآن أيضاً إن شاء الله. الغاية من هذا الكلام هو أن نعرف أمريكا باعتبارنا شعب إيران الذي يحب وطنه و بلاده، و باعتبارنا شعباً رسم لنفسه مستقبلاً و يروم الوصول إلى ذلك المستقبل، هذه هي الغاية.
من الأعمال التي قام بها الأمريكيون في السنوات الأخيرة حضّهم بعض الأفراد على تجميل وجه أمريكا و تزويقه، و أن يتظاهروا بأنه إذا كان الأمريكان في يوم من الأيام أعداء، فإنهم لم يعودوا يمارسون العداء الآن، هذا هو الهدف. الهدف أن يبقى وجه العدو خافياً عن شعب إيران ليغفل عن عدائه، و يستطيع هو ممارسة عدائه و الطعن بالخنجر في الظهر، هذا هو الهدف. البعض طبعاً يقومون بهذه الممارسة بطريقة مغرضة، و هناك آخرون يقومون بها عن سذاجة. واقع الأمر هو أن أهداف أمريكا تجاه الجمهورية الإسلامية لم تتغير أبداً، لم تتغير على الإطلاق. اليوم أيضاً إذا استطاعوا تدمير الجمهورية الإسلامية لما ترددوا حتى للحظة واحدة، لكنهم لا يستطيعون، و لن يستطيعوا في المستقبل أيضاً إن شاء الله بهممكم أيها الشباب و بتقدمكم و باتساع و تعمق بصيرة الشعب الإيراني. و هم يبكون أيضاً! في هذه المفاوضات النووية شوهد أحد المأمورين الأمريكان يقول إنني كنتُ معارضاً للحرب منذ شبابي، و راح يبكي (5).
قد يقول البعض عن سذاجة: عجباً، حقاً إنهم أناس طيبون، و يستبشرون بتغير طباع الذئب! لكن نفس هذا الشخص الذي يكره الحرب إلى هذه الدرجة، و الذي يغلبه البكاء لذكر الحرب فيذرف الدموع أمام الكاميرات، هو من أولئك الناس الذين عندما يتقطع مئات الأطفال في غزة أوصالاً أوصالاً، و لا يرحم الصهاينة النساء و الأطفال و الكبار و الشيوخ و الشباب، بل يعاملونهم بمنتهى القسوة و الفضاعة، تراهم لا يبالون أبداً و حتى لا يعبسون! إذا كنتم تكرهون الحرب لهذه الدرجة قولوا كلمة واحدة لذاك الطرف السفاح الخبيث الذي يذبح الناس و الأطفال هكذا، و قطبوا في وجهه، لا يقطبون في وجهه حتى، بل يشجعونه! في الوقت الذي كان الصهاينة يشنون هجماتهم تلك على غزة، و راحوا اليوم أيضاً يقتلون الناس في الضفة الغربية و غزة بشكل آخر، صرح الأمريكان - مسؤولوهم الكبار - بأنّ من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها. أي إن الشعب الفلسطيني ليس من حقه الدفاع، يدمرون مزارعهم و يقتلون شبابهم و يحرقون بيوتهم و يحرقون طفلاً له من العمر عدة شهور، و يحرقون أباه و أمه بالنار، و لا يحق للشعب الفلسطيني أن يردّ أيّ ردّ. و اليوم أيضاً يشجعون الكيان الصهيوني و يساعدونه و يدعمونه. منذ شهور و الشعب اليمن تتدمر مستشفياته و بيوته و بناه التحتية الحيوية تحت القصف، و يقتل البشر منه بالجملة بواسطة الطائرات المعتدية، لكن الأمريكان لا يقولون حتى كلمة واحدة، و لا يعبسون، بل يدعمون! هذه هي أمريكا، فهل يمكن و الحال هذه أن يعدّ البكاء أمام الكاميرات عملاً صادقاً؟ هل يصدّق أحد هذا الشيء؟
لقد اختار الشعب الإيراني دربه و طريقه، الشعب الإيراني لا يتعدى على الشعوب و الحكومات التي لا شأن لها به و لا تعتدي عليه، و هذا ما تشاهدونه. هناك حكومات - و لا أتحدث الآن عن الشعوب - قلوبهم ليست نقية تجاه الجمهورية الإسلامية، هذا شيء نعلمه و نفهمه و هو مشهود تماماً، لكنها لا تتطاول علينا، فنحن أيضاً لا شأن لنا بها، و لدينا معها علاقات و تجارة و اجتماعات و مفاوضات، لكن الحكومة التي تعتدي و التي تروم استغلال أية ذريعة لتدمير الشعب الإيراني و القضاء على الجمهورية الإسلامية و القضاء على المبادئ الإسلامية، فلا يمكن للشعب الإيراني أن يغض الطرف عنها، لا يحق له ذلك عقلانياً و لا شرعياً و لا وجدانياً و لا إنسانياً، لا يحق له القعود حيال هذا العدو و النظر له بعين الصديق و مد يد الصداقة نحوه، مثل هذا الشيء غير ممكن! هكذا هم الأمريكان. إنهم يريدون بكل قواهم و قدراتهم صد الجمهورية الإسلامية عن هذا الدرب الذي تسير فيه، و لهم أساليب مختلفة، يبثون الدعاية و الإعلام، و ينشطون اليوم نشاطاً كبيراً.
قلتُ إن خطأهم الأول أنهم لم يدركوا في بداية الثورة لماذا يبدي هذا الشعب عن نفسه كل هذه التضحيات، و قد أدركوا هذا الأمر الآن تدريجياً، ففهموا أن معتقدات الشعب و معتقدات الشباب و إيمانهم و دروس الدين و القرآن هي التي تدفعهم نحو ذلك، لذلك راحوا يستهدفون هذه المعتقدات، و هم اليوم يسعون بمختلف الأساليب و الوسائل الحديثة التي لم تكن موجودة آنذاك إلى استهداف المعتقدات و القناعات، و هذا ما ينبغي للشباب أن يلتفتوا إليه. على الشباب أولاً أن يزيدوا من قراءة تاريخ كفاح الشعب الإيراني و يعلموا عنه أكثر، و على من هم أصحاب منابر و خطابة أن يوضحوا لشباب الحاضر ما الذي جرى على شعب إيران خلال فترة الكفاح، و من هم الذين وقفوا ضد الشعب الإيراني، و من هم الذين أوجدوا السافاك، و من هم الذين علموا السافاك أساليب التعذيب، و تحت إشراف أي العناصر كانوا يعذبون المؤمنين و المجاهدين في داخل البلاد، يجب على شبابنا أن يكونوا مطلعين على هذه الأمور واعين لها.
و لحسن الحظ فإن شعب إيران قد استيقظ، فالشعب الإيران يقظ و الحمد لله، و الجامعة يقظة، و الطالب الجامعي يقظ، نعم، هناك محاولات كثيرة لإرجاع الوضع إلى ما كان عليه، لكنهم لم يستطيعوا و لن يستطيعوا. الطالب الجامعي يقظ، و كذلك طلبة المدارس. هذه التسليات و الظواهر لا تستطيع تغيير لباب عقيدة الشعب الإيراني. الشعب الإيراني يعلم ما الذي يفعلونه و إلى أين يذهبون. ذات يوم كانت جامعاتنا أشبه بجسور للعبور نحو الغرب، و كأنّ البعض يقولون: «لنلتحق بالجامعة حتى نسقط بعد ذلك في أحضان الغرب»، أو أن يصير الشخص الموهوب المفيد منجذباً للغرب فيعمل للغربيين، و يتحول الآخرون إلى عملاء للغربيين في الداخل أو ينشغلوا بالمتع الدنيوية. ليست الجامعة اليوم على هذه الشاكلة، إنما هي في الوقت الحاضر سلّم نحو المبادئ العليا، و البعض يرومون تحطيم هذا السلّم، و تحويله مرة أخرى إلى ذلك الجسر الموصل نحو الغرب، يريدون إعادة جامعاتنا إلى تلك الحال السابقة. على شبابنا أن يكونوا يقظين، و هم يقظون بحمد الله.
الجمهورية الإسلامية بفضل اعتصامها بالإسلام، و ببركة الاستناد على الشعب، و بفضل البصيرة و الوعي الذين يتحلى بهما شعبنا و الحمد لله، لا يتميز بالثبات و الصبر و الصمود و حسب، بل لقد تقدم أيضاً، لقد تقدمنا إلى الأمام. في نفس قضية المفاوضات النووية هذه كان تقدم الشعب الإيراني هو الذي فرض على القوى المدّعية أن تتعاضد و تتعاون و تجلس كلها مقابل الشعب الإيراني، و أن يستخدموا تلك التدابير العدوانية ضد شعب إيران عسى أن يستطيعوا فرض السقوط عليه، هذا عائد إلى قوة الشعب الإيراني.
تشديدنا على عداء الأعداء الخارجيين لا يعني غض النظر عن نقاط ضعفنا الداخلية. أقولها لكم أيها الشباب الأعزاء إن لدينا نقاط ضعف في داخلنا، و قد استغل العدو في حالات كثيرة نقاط ضعفنا هذه. ينبغي أن نرفع نقاط الضعف هذه. لدينا ضعف في التخطيط و رسم السياسات، و لدينا ضعف في التنفيذ، و لدينا ضعف في السعي و بذل الجهد، و نصاب أحياناً بالكسل و الخمول في تحركاتنا، و هناك ضعف في تشخيص أولويات البلاد. أحياناً تشتبك جماعات منا في داخل البلاد بسبب شيء جزئي غير مهم، يتشاجرون على شيء غير ضروري و لا لزوم له، فنغفل عن العدو. هذه نقاط ضعفنا، و يجب التغلب على نقاط الضعف هذه و إزالتها. بيد أن وجود العدو - العدو اليقظ الذي ينفق الأموال و الذي لا يتوانى عن ارتكاب أية جريمة إذا استطاع ارتكابها - شيء ينبغي عدم الغفلة عنه. البعض بذريعة هذه الأمور الجزئية الداخلية ينسون العدو الخارجي، و ينسون أمريكا. حين كان الإمام الخميني (رضوان الله عليه) يكرر دائماً بأنْ وجّهوا كل صرخاتكم ضد أمريكا، فالسبب هو أن تقللوا من الصراخ بعضكم ضد بعض. لا نقول يجب أن لا نمارس النقد، لا، فالمجتمع بالتالي مجتمع حرّ و الأفكار حرة و هناك حق النقد، و النقد مبعث تقدم، و لكن لا نخلط بين العدو الأصلي و بين أعداء الدرجة الثانية أو بين الأصدقاء الذين نختلف معهم في وجهات النظر و ليسوا بأعداء حتى. العدو الأصلي في مكان آخر. العدو الأصلي هو ذلك العدو الذي يروم بكل ما أوتي من قوة أن يسلب الشعب الإيراني مكتسباته العظيمة، و هذه المكتسبات هي تواجد الشعب و حضوره و مشاركته و السيادة الوطنية و نفوذ الأفكار القرآنية و الإسلامية بين الجماهير. هذه هي تلك المكاسب الكبيرة التي تأخذ بأيدينا نحو التقدم. و قد حققنا لحد الآن الكثير من التقدم، و بعد الآن أيضاً ستأخذنا هذه الأمور إلى مطامحنا و أهدافنا. يريدون سلب الشعب هذه الأمور، يرومون تسويد حكومة ظالمة عميلة منبهرة بالغرب مستسلمة أمامه و خائفة منه، هذا هو هدفهم. هذا ما ينبغي أن لا ننساه، و يجب أن نأخذ هذا العدو بنظر الاعتبار.
توصيتي للشباب هي أولاً أن يتابع الشباب من الطلبة الجامعيين و طلبة المدارس دراستهم جيداً. العلم أداة قوة، فواحد من أهم مكونات القوة الوطنية هو العلم، ليتابعوا العلم، و يقدموا الأهداف العامة على الإرادات الشخصية، و ليزيدوا باستمرار من بصيرتهم تجاه الأوضاع الراهنة و الماضي التاريخي القريب، كي يستطيعوا مشاهدة الساحة العالمية الراهنة.
هكذا هي الساحة الهائلة في العالم اليوم، في طرف تقف القوى المستكبرة بما لها من قدرات مادية و بإرهابها و رعبها و ما تبديه عن نفسها من هيبة فتغلب الآخرين بهذه المهابة، هؤلاء في طرف، و هناك في الطرف الآخر بعض الحكومات الضعيفة لا تتجرأ على البروز و الظهور، و ثمة بينها طرف يدين هذا الوضع بصوت قوي بليغ، و هو الجمهورية الإسلامية. الجمهورية الإسلامية اليوم ترفع صوتها بالهتافات ضد الظلم و الهيمنة و الاستغلال و الاستكبار من دون خوف أو فزع من تهديد الأعداء، و هذا ما تسمعه الشعوب و تتأثر به. أقولها لكم: إن الشعوب واقعة تحت تأثير حركة الشعب الإيراني، و هذه حالة مشهودة في العالم، و خصوصاً في العالم الإسلامي. إنهم يحترمون و يكرّمون شعب إيران و شخصيات الثورة الكبيرة و شخص إمامنا الخميني الجليل بدرجة لا مثيل لها بالنسبة لأيّة شخصية أخرى. و السبب هو أن هذا الصوت القوي يصلهم، فلا تفقدوا هذا الصوت القوي (6). و اعلموا أن شعاركم هذا «الموت لأمريكا»، هذا الشعار الذي يرفعه الشعب الإيراني له رصيده من القوة و المنطق و الفكر العقلاني. و واضح أن المراد من «الموت لأمريكا» ليس موت الشعب الأمريكي، فالشعب الأمريكي كسائر الشعوب، إنما المراد هو موت السياسات الأمريكية و موت الاستكبار، هذا هو معناه. هذا الشعار له رصيده و سنده العقلاني، و دستور بلادنا ينطق بهذا، و الأفكار المبدئية العميقة المنطقية تنطق بهذا، و أي شعب نشرح له هذه الأفكار يتقبلها و ينجذب لها.
الحمد لله على أن الجمهورية الإسلامية فتحت طريقها و تتقدم فيه إلى الأمام. ليس لديّ شك في أنكم أيها الشباب الأعزاء سترون الأيام التي تتحقق فيها الكثير من هذه المبادئ العليا التي رسمتها الجمهورية الإسلامية في بلادكم. لا أشك في أن المستقبل سيكون هكذا، و ستستطيعون إن شاء الله بناء بلدكم، و ستستطيعون أن تلهموا باقي الشعوب، و ستستطيعون بتوفيق من الله القضاء على أغوال الرعب هذه التي تخيف الشعوب، و تحرير الشعوب إن شاء الله من تحت ظلال الرعب و الخوف. هذا ما سوف ترونه يقيناً أنتم الشباب بتوفيق من الله، شريطة أن تواصلوا هذا الدرب، و شريطة أن تسيروا و تعملوا بإيمان و أمل، و أن لا تفقدوا البصيرة، و أن تأخذوا في كل شؤون البلاد المختلفة - و هناك الكثير من الشؤون و القضايا سنخوض فيها لاحقاً - المعايير و الملاكات الأصلية بنظر الاعتبار، و هذا من شأنه أن يجعلكم تسيرون في الدرب بصورة صحيحة إن شاء الله.
نسأل الله تعالى أن يحشر شهداءنا الأبرار مع الرسول الأكرم (ص)، و أن يحشر إمامنا الخميني الجليل مع أوليائه، و أن يزيد من توفيق و تقدم و انتصار شبابنا الأعزاء في الدرب نحو الأهداف السامية إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - سورة الفتح، شطر من الآية 29 .
2 - سورة التوبة، شطر من الآية 12 .
3 - صحيفة الإمام، ج 1 ، ص 42 ، كلمة الإمام الخميني في حشود الجماهير بتاريخ 26 تشرين الأول 1964 م .
4 - سورة محمد، شطر من الآية 7 .
5 - وزير خارجية أمريكا.
6 - ارتفاع أصوات الحضور بشعار «الموت لأمريكا».