ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
سورة آل عمران المباركة ﴿١٦٤﴾
الهدف من بعثة الأنبياء
لقد بُعث النّبي الأكرم من أجل تعليم النّاس وتزكيتم؛ ”وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ“(١)؛ وفي مكانٍ آخر ”يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ“(٢). ينبغي تعليم النّاس وتزكيتهم، لكي تستطيع هذه الكرة الأرضيّة وهذا المجتمع البشري الهائل طيّ مسار الكمال كعائلة سليمة، والتنعّم بخيرات هذا العالم. هذا هو هدف النبوّات والبعثات كلّها. فكلّ واحد من الأنبياء الذين بُعثوا بالنبّوة، عمل على إنجاح خطوة التعليم والتربية العظيمة هذه ضمن الحدود التي كانت إمكانات زمانه تسمح بها. (٣)
حاجة الأمّة الإسلاميّة الأولى
وفي الحديث الوارد أيضاً: ”بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق“(٤). أي تهذيب الإنسان، وتزكيته، ودفعه نحو الحكمة وانتشاله من الجاهليّة العاميّة البسيطة والعبور به نحو الفهم والحياة الحكيمة.(٥)
الأخلاق هي ذلك الهواء النّقي الذي متى ما توفّر في المجتمع البشري، فسوف يقدر البشر باستنشاقه على امتلاك حياة سليمة. وعندما تنعدم الأخلاق، ويتفشّى انعدام الأخلاق هذا، ويتغلغل في المجتمع الحرص، هوى النفس، الجهل، طلب الدنيا، الأحقاد الشخصيّة، الحسد، البخل، سوء الظن بالآخرين -عندما تسود هذه الرذائل الأخلاقيّة- تصعب الحياة؛ وتختنق الأجواء؛ ويُسلب الإنسان القدرة على التنفّس بشكل سليم. لذلك وردت آية ”يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ“(٦) في عدّة مواضع من القرآن؛ والتزكية هي ذاتها الدفع نحو التسامي الأخلاقي، وقد تقدّمت على قضيّة التعليم. وفي رواية عن رسول الله (ص) حول العقل يقول النّبي الأكرم أنّه عندما خُلق الحلم من العقل، خُلق العلم من الحلم.
حكمة تقديم التزكية على التعليم
البعض استفادوا من تقديم ”يزكّيهم“ في كلتا الآيتين في القرآن على ”يعلّمهم“ بأنّ التزكية أرقى من التعليم أيضاً. قد يكون الأمر على هذا النّحو. وفي الحدّ الأدنى تقع التزكية إلى جانب التعليم؛ ”يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ“؛ والمقصود أيضاً تعليم الكتاب والحكمة، لا تعليم أيّ شيء. يقع ذلك إلى جانب التزكية؛ لذلك فإنّ التزكية ذات منزلة كبيرة جدّاً. التزكية، تعني التربية.(٧)
كلّ العبادات والتكاليف الشرعيّة التي أمرونا بها نحن وأنتم، هي في الحقيقة أدوات للتزكية أو التربية، وغايتها أن نتكامل؛ وهي كالرياضة. فأنتم حين لا تمارسون الرياضة يصبح جسدكم عاجزاً، عديم القدرة وهشّاً؛ وعليكم بممارسة الرياضة كي تمنحوا جسدكم القوة، والجمال، والقدرة وتساعدوه على الكشف عن مؤهلاتكم وقدراتكم.(٨)
التقدّم في التزكية بموازاة التقدّم العلمي
من بين نقاط ضعفنا أنّنا لم نحقق تقدّماً أخلاقيّاً وتطوّراً في التزكية الأخلاقيّة والنفسية بموازاة العلم والتقدّم العلمي؛ هذا تخلّف. طبعاً لا يمكن إجراء مقارنة بين المرحلة التي سبقت الثورة الإسلامية والوقت الراهن، فالمرحلة الحاليّة أفضل بأضعاف وأضعاف -لا شكّ في ذلك- لكن كان علينا تحقيق التقدّم. لقد تقدّمنا في العلم، وفي السياسة؛ وكان علينا أن نتقدّم في المجال المعنوي وتزكية النّفس أيضاً. وفي القرآن الكريم أينما تحدّث الله عزّوجل حول التزكية والتعليم، تمّ تقديم التزكية على التعليم؛ والتعليم يعني تعليم الكتاب والحكمة -”يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ“(٩)- ويتمّ تقديم التعليم في مكان واحدٍ فقط في قول للنبي إبراهيم (عليه السلام) (١٠). لذلك فإنّنا غفلنا عن التزكية الأخلاقية والنفسيّة.(١١)
الهوامش:
1) سورة البقرة؛ الآية ١٢٩
2) سورة آل عمران؛ الآية ١٦٤ وسورة الجمعة؛ الآية ٢
3) كلمته في لقاء مختلف الفئات الشعبيّة في عيد الغدير السعيد ١٤/٣/٢٠٠١
4) بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج٦٧، الصفحة ٣٧٢ (بقليلٍ من الاختلاف)
5) كلمته في لقاء مسؤولي النظام ٢١/١/١٩٩٣
6) سورة آل عمران؛ الآية ١٦٤ وسورة الجمعة؛ الآية ٢
7) كلمته في لقاء مع عدد من مسؤولي وزارة التربية والتعليم ١٧/٧/٢٠٠٢
8) كلمته في خطبتي صلاة الجمعة ٢/١/١٩٩٨
9) سورة آل عمران؛ الآية ١٦٤ وسورة الجمعة؛ الآية ٢
10) سورة البقرة؛ الآية ١٢٩
11) كلمته في خطبتي صلاة الجمعة في طهران ٣/٢/٢٠١٢