بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

نحن على أعتاب شهر محرم. ما يجعل هذا الشهر يحظى بهذه الأهمية، هو ذكرى لحادثة فريدة في التاريخ، لا بمعنى الفرادة في المأساة، والحزن- طبعا هذا الأمر موجود - وإنما الفرادة في الملاحم و البطولة، وإظهار عظمة الإنسان، وعظمة أهل الحق. لو تأملتم في وضع الإمام الحسين، ستجدون أن حركته، وثورته كانت تتمتع بخصائص فريدة. هناك الكثير من الثورات التي عرفناها، و نعرفها، لكن هذه الثورة، بما فيها من خصائص لا مثيل لها. الوضع على النحو التالي:  كانت سلطة الباطل تزداد قسوة و غطرسة يوماً بعد يوم. و لم يكن هناك إمكانية للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مطلقا. كان جو الرعب هو السائد، لدرجة أن من يمكنهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كانوا يتحاشون ذلك، حتى من كان منهم يملك الجرأة والشجاعة. أمثال عبد الله بن الزبير، فقد كان شخصاً جسوراً، و شجاعاً جدا، لكن مع هذا، كان يتجنب الاصطدام مع الجهاز الحاكم، كان الوضع صعباً إلى هذا الحد، ما جعل شخصاً مثل عبد الله بن جعفر، ابن أخ أمير المؤمنين، وصهره، وزوج السيدة زينب عليها السلام، يتحاشى حتى الاقتراب من الجهاز الحاكم. فيما جعل شخصاً مثل عبد الله بن عباس يختار الانزواء، والعزلة عن المجتمع، أي  أن أولئك الأشخاص الذين كانوا يمثلون الشخصيات البارزة، و الأعيان من بني هاشم، وقريش، وشباب صدر الإسلام المعروفين ببطولاتهم، لم يكونوا يجرؤون على المواجهة، و النزول إلى الساحة، فكيف بعامة الناس، ليس فقط في الشام، بل حتى في نفس المدينة. إذا كان الوضع في المدينة كذلك، فلكم أن تخمنوا حال غيرها من المناطق غير المركزية.  نفس الظروف، نفس سياسة القمع العجيبة والغريبة. كان تحرك الإمام الحسين، وثورته في ذلك الوقت، للإطاحة بهذه السلطة، لكن ليس بهدف التسلط،« ما خرجت أشرا، ولا بطرا، ولا ظالما، ولا مفسدا » (1) فهو لیس كالآخرين الذين يثورون، وينتفضون، ويضربون، ويقتلون من أجل الاستيلاء على السلطة، بل لأجل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. 

ما كان ينتظر الإمام الحسين أمران: إما أن ينتصر، أو أن يُقتل، رغم هذه العاقبة المفجعة المتوقعة-  فهؤلاء لم يكونوا يراعون حرمة لشيء-  و في ظل هكذا ظرف، قام الإمام الحسين، بنفس ما قام به الرسول الأكرم مع النصارى، في حادثة المباهلة، التي ذكرها القرآن الكريم- فهذه الأيام قريبة من أيام المباهلة- أي أنه جاء بأولاده، ونسائه، وبنفسه إلى الساحة، أي جاء بأعز ما يملك، وبكل ما لديه، وزجه في الساحة للدفاع عن الحق والحقيقة، والثورة لله. ثم بعدها صَبَر، موضوع صبر الإمام الحسين مهم جدا. كنت قد تحدثت في وقت سابق بشكل مفصل عن صبر الإمام الحسين،  لكن الآن لا مجال لذلك. نحن في الحقيقة لا نعرف ما معنى الصبر. إنما يُعرف الصبر من أهل الصبر. كان الكثيرون من الأعيان، والمحدثين، و الشخصيات البارزة، والوجهاء، والعقلاء، والمشفقين، ونصف المشفقين، يأتون إلى الإمام الحسين، ويقولون له، أنت بعملك هذا، لن تجني أية فائدة، وستلحق خسائر كبيرة بنفسك، وبأهل بيت النبي، وستذل أهل الحق، وأمثاله من الكلام. هذه المحاولات المختلفة لثني الإمام الحسين عن حركته، بدأت منذ أن عزم الإمام الحسين على المسير إلى مكة، واستمرت حتى ليلة عاشوراء. الصبر على أمثال هذه الأمور صعب جدا، أنا  في كلمتي التي كنت قد أشرت إليها سابقا، قلت، إن إمامنا [الخميني] (رضوان الله عليه) كان قد تعرض لنفس هذه المواقف، و صبر نفس هذا الصبر ايضا. قالوا للإمام كثيرا: أيها السيد العزيز، على هذا النحو سيَهلك شبابنا، ويُقتلون، وتُدمر البلاد. و في مرحلة الثورة، كانوا يقولون له، أنت ترسل هؤلاء الشباب إلى القتل. إن الصبر على أمثال هذه المواقف غير الناضجة، عمل كبير و عظيم، ويحتاج إلى قدرة كبيرة على التحمل. فالصبر لا يكون فقط على الضغوط والآلام الجسدية، بل هناك صبر يكون قبال الضغوط النفسية التي يمارسها أشخاص  بعنوان المصلحة، والنصيحة، بأن يقولوا لك:« يا سيد عملك هذا خلاف المصلحة»، وصبر على التمسك بطريق الرشد الواضح،  وهذا هو الصبر الجميل الذي قام به الإمام الحسين(عليه السلام).

بعد هذا، راحوا يقتلون أصحابه الواحد تلو الآخر بهذا الشكل المفجع، كالشخص الذي  يُقطّعون بدنه رويداً رويدا ،هكذا كان حال الإمام الحسين يوم عاشوراء. لم تكن المسألة، مسألة قنبلة سقطت وقتلت عدداً من الأشخاص دفعة واحدة، بل كان أصحابه، وأهل بيته، يُقتلون أمام عينيه الواحد تلو الآخر، وكأنه بفقد كل واحد منهم، كان يفقد قطعة من جسده. وهو يصبر على المصاب تلو المصاب، و يرتشف كأس الصبر جرعة، جرعة 

حركة الإمام الحسين كانت بهذه العظمة. أما النتيجة، فكانت واضحة، تلك القيم التي كان يريد لها الحسين أن تبقى، بقيت، بقي القرآن، وبقي اسم الإسلام، وبقيت قيمه، وبقي حديث النبي، وفي دائرة أضيق وأكثر أهمية، بقيت مدرسة آل البيت، وبقي التشيع.  لو لم يقم الإمام الحسين بما قام به، وبقي مسار تحريف الإسلام على ما كان عليه طوال ستين سنة بعد رحيل الرسول، ليصل إلى مرحلة يُنكل فيها بفلذة كبد الرسول -  بالتأكيد كانت الأوضاع اختلفت كثيرا، هذا الموضوع كنت قد شرحته بشكل مفصل في وقت سابق، أن تصل الأمور في العالم الإسلامي، إلى مرحلة يقتل فيها ويؤسر أمثال الإمام الحسين، وزينب الكبرى، وأبناء الرسول، فلذات كبد الرسول، أن يقتلوهم، ويأسروهم علناً، هذا يعني أن الأوضاع قد اختلفت كثيرا – لكان خلال زمن قصير، تضاعف هذا التحريف، ووصل إلى مرحلة يُقضى فيها على الإسلام بشكل كامل. لقد كانت دماء الإمام الحسين كالوتد الذي حفظ خيمة الإسلام من أن يجرفها الإعصار. يجب الاستفادة من عاشوراء لعلاج كل أمور المسلمين على مر التاريخ.
 

الهوامش: 
1-    مثير الأحزان، ص4