كيف بدأت المواجهات الأخيرة بين فلسطين والكيان الصهيوني، وما كانت مميزاتها؟
لم تكن مواجهات، لقد كانت حرباً شرسة وغير متكافئة للغاية. كان مستواها أعلى بكثير من مجرد مواجهات. صحيح أنها لم تدم طويلاً، لكن حجم النيران والدمار والخسائر، خاصة بين المدنيين الفلسطينيين، يدل على أنها كانت حرباً ظالمة جداً وغير متكافئة. لحسن الحظ كانت فصائل المقاومة هي التي انتصرت في هذه الحرب بمحض إرادتها وبالتحضيرات التي قامت بها في السنوات الأخيرة وبدعم من الشعب الفلسطيني وخاصة أهل غزة.
بدأت الحرب باشتباكات في حي الشيخ جراح. كانت الحكاية أنه في القدس، في الأحياء القديمة وفي قلب القدس، في أطراف المسجد الأقصى، هناك حي اسمه حي الشيخ جراح. هذا الحي يحيط بالمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة من ثلاثة اتجاهات. أصدرت إحدى محاكم الكيان الصهيوني قراراً يقضي بأن أراضي هذه المنطقة ملك للمستوطنين الصهاينة. في الواقع، قاموا بمصادرة ملكية أصحاب المنازل في المنطقة. كما أصدرت الحكومة الصهيونية قراراً يطالب الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة إما بمغادرة منازلهم على الفور أو أن يوقع المسؤول عن العائلة اتفاقية إيجار مع الصهاينة حتى يتمكنوا من الاستمرار في العيش في هذه المنازل. هذا العقد ساري المفعول أيضاً طالما أن رب الأسرة على قيد الحياة. عند وفاة هذا الشخص لأي سبب من الأسباب، يعتبر العقد منتهياً ويغادر باقي أفراد الأسرة المنزل. هذا قرار جائر جداً وبلا منطق، وهذه عنصرية ضد سكان حي الشيخ جراح!
كان الهدف هو تفريغ المنطقة بالكامل من الفلسطينيين وتحويلها إلى حي صهيوني. كانت المشكلة أنه لأن هذا الحي محيط بالمسجد الأقصى، فإن أي فلسطيني أراد زيارة المسجد الأقصى أو حضور صلاة الجمعة كان عليه أن يمر من خلال حي صهيوني، بينما الآن هذا الحي منطقة فلسطينية. إذا تم تنفيذ هذا المرسوم، فسيتم قطع وصول المسلمين ومحبي المسجد الأقصى إلى هذا المسجد تدريجياً، لأن أكثر الصهاينة تطرفاً سوف يسكنون في هذا الحي ولن يسمحوا للفلسطينيين بالمرور. إذا وقع هذا الحي في أيدي الصهاينة، فلن يقتصر الأمر على المسجد الأقصى فحسب، بل سيتم قطع حركة المرور بين الأحياء المسلمة والفلسطينية الأخرى في القدس وسيحدث كارثة على الفلسطينيين. هذا القرار الجائر لم يكن قراراً يقبله أهالي حي الشيخ جراح وسكانه ويستوعبونه ويلتزمون الصمت. دفع هذا القرار أهالي حي الشيخ جراح وسكانه بشكل عفوي إلى الشوارع من دون أي سلاح.
مع بدء المظاهرات رأينا مشاهد باعثة على الفخر حقاً. رأينا رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً، من سكّان حي الشيخ جراح، نزلوا إلى الميدان خالي الوفاض دون انتظار البقية أو العالم العربي أو الإسلامي، وراحوا يواجهون ويتعرّضون للقمع والإصابات والاعتقالات، ولا ينكفئون. وهذا ما أثار غضب الجماعات الصهيونية المتطرفة على مقاومة أهالي الشيخ جراح، وأعلنت عزمها احتلال المسجد الأقصى لبضعة ساعات في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان. كما يعلم الجميع، تُعرف الليلة السابعة والعشرون من رمضان بين الإخوة من أهل السُنّة بليلة القدر. في هذه الليلة يأتي عدد كبير من الصائمين والمسلمين ويحيون ليلة القدر في المسجد الأقصى ويقومون بالعبادة حتى الصباح. عندما أُعلن أن الصهاينة يعتزمون مهاجمة المسجد الأقصى واحتلاله، فإن العديد من هؤلاء الذين جاءوا لإحياء ليلة القدر لم يغادروا المسجد الأقصى وظلوا للدفاع عن المسجد.
بعد يوم من ليلة القدر هاجم متطرفون صهاينة المسجد الأقصى. وشهد العالم كله في ذلك اليوم مشاهد اشتباكات غير متكافئة بين المستوطنين وقوات الأمن وشرطة الكيان الصهيوني مع الصائمين الذين دافعوا عن المسجد الأقصى خالي الوفاض. واستمرت هذه الاشتباكات لساعات. أثار هذا الصراع ذروة الغضب والانزجار عند الفلسطينيين والمسلمين في جميع أنحاء فلسطين. اللافت أن الناس المتواجدين في الساحة، سواء في حي الشيخ جراح أو في المسجد الأقصى نفسه، ردّدوا هتافات وطالبوا السيد محمد الضيف، قائد كتائب القسام التابعة لحركة «حماس»، بمناصرتهم ومهاجمة مواقع الجيش الصهيوني والكيان الصهيوني بشكل عام. وهذا يدل على ارتباط الشعب بفصائل المقاومة الفلسطينية، الذي كان يعلم أن السلطة الفلسطينية لا يأتي منها شيء، وأن فصائل المقاومة هي التي تستطيع الرد على الصهاينة ودعم المسجد الأقصى. والسيد محمد الضيف أصدر بياناً أعلن فيه أنه إذا لم يتم وقف الحصار والهجوم على المسجد الأقصى فإنه سيشن هجوماً صاروخياً على المناطق الصهيونية في القدس لأول مرة. لم يأخذ الصهاينة التهديد على محمل الجد وظنوا أنه خدعة سياسية، لكن السيد الضيف أوفى بوعده ونفّذ الهجوم. حدث غير مسبوق في التاريخ المعاصر، أظهر مدى تقدّم قدرة صواريخ المقاومة ومدى جدّية تصميم المقاومة على دعم المسجد الأقصى والشعب الفلسطيني.
من هنا اندلعت حرب حاول فيها الكيان الصهيوني بأوحش الطرق زيادة تكلفة الحرب على أهل غزة وفصائل المقاومة لدرجة يتسبب فيها ضغط الرأي العام في غزة وفي عموم فلسطين على فصائل المقاومة في استسلام المقاومة. خلال مدة الحرب، رأينا أنه ليس فقط الرأي العام الفلسطيني لم يتشكل ضد المقاومة، ولكن ولأول مرة نزل الفلسطينيون، وعلى رأسهم أهل غزة، بشكل متماسك ومتزامن إلى الميدان.
الأراضي المحتلة عام 1967، سواء في القدس نفسها، أو في حي الشيخ جراح، أو في بقية الأراضي المحتلة عام 1967 في مختلف مدن رام الله والبيرة ومدن أخرى من جنين وغيرها، والتي هي الآن اسمياً تحت حكم السلطة ولكنها عملياً محتلة، جاؤوا إلى الميدان وواجهوا. بالإضافة إلى هذين المشهدين، رأينا لأول مرة أن فلسطينيي مناطق 1948 نزلوا إلى الميدان أيضاً. وبالنظر إلى أن الفلسطينيين في تلك المناطق يشكلون أقلية مقارنة بالغالبية الصهيونية، فإن هذا الأمر لم يجعلهم يبقون في منازلهم. حدثت مشهدية باعثة على الفخر، حيث حضرت الساحات الثلاثة لغزة والأراضي المحتلة عام 1967 وفلسطينيي 1948 إلى الميدان بشكل موّحد ودعمت بعضها. كانت هذه صدمة كبيرة للكيان الصهيوني، لا سيما الهبّة التي اندلعت في مناطق 1948، لأن الإسرائيليين زعموا أن الجيل الجديد من الفلسطينيين الذين ولدوا في مناطق 1948 في عقود مختلفة ونشأوا داخل الكيان الصهيوني قد تحوّلوا وأصبحوا راضين جداً عن كونهم «مواطنين إسرائيليين». لم يتخيل الصهاينة أبداً أن يخرج هذا الجيل إلى الشوارع ويشتبك مع عناصر الكيان الصهيوني، لكننا رأينا أن هذا الجيل اشتبك معه، الجيل الذي نشأ وترعرع في ظل الكيان نفسه. وهذا يدل على أن ادعاء الصهاينة غير صحيح. إن السلوك التمييزي والعنصري والتعسّفي والقمعي للصهاينة لا يترك مجالاً للفلسطيني الحرّ لقبول العيش في ظل الكيان الصهيوني. هذا حدث مبارك للغاية. يُظهر أن الصراع في فلسطين قد دخل مرحلة جديدة وأن الترابط بين الساحات المختلفة واعد للغاية. يجب زيادة هذا الترابط.
بالطبع، مع وجود التقنيات الجديدة، زادت إمكانية الترابط هذه، ولكن يجب اغتنام هذه الفرص ويجب على الفلسطينيين الوقوف متحدين ضد الكيان الصهيوني وتعطيل حياتهم وخلق حالة من عدم الاستقرار لهم لإجبار الكيان على التراجع في مختلف الساحات. ورغم أن إسقاط هذا الكيان يتطلب وحدة العالم الإسلامي كله، إلا أن مقدمة تلك الوحدة هي الفلسطينيون أنفسهم التي رأيناها تحققت في هذه الحرب، وإن شاء الله ستستمر.
ما هي التغيرات التي طرأت على كل من تيار المقاومة المعادي للصهيونية وتيار التسوية داخل فلسطين مقارنة بما كان عليه قبل عقدين أو ثلاثة عقود؟ الوقت يمضي لصالح أيّ من التيارين؟
منذ أن قام تيار التسوية داخل منظمة التحرير الفلسطينية بتلك الاتفاقية السرية والمشؤومة مع الصهاينة في مفاوضات أوسلو لتشكيل حكومة مستقلة مقابل الاعتراف ب«إسرائيل»، أصبح هذا التيار يضعف وليس العكس. عاد ياسر عرفات إلى الأراضي المحتلة ورأى في ذلك انتصاراً وقام إنشاء السلطة الفلسطينية، لكننا رأينا فيما بعد أن الصهاينة لم يفوا بالتزاماتهم بموجب اتفاقية أوسلو إطلاقاً. وكان الجانب الفلسطيني يفي بجميع التزاماته، لكنه في المقابل إما لم يحصل على أيّ شيء، أو كان صغيراً لدرجة أنه لم يحسب على الإطلاق. في نهاية المطاف، أدى ذلك إلى قيام عرفات نفسه بدور في الانتفاضة الثانية، بحيث كان الصهاينة يتهمونه بالتحدث بلغة السلام والتسوية وتطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، ولكنه عملياً أصدر أمراً للجناح العسكري لحركة «فتح»، كتائب الأقصى، ولقائدها مروان البرغوثي بالكفاح المسلح.
في النهاية، حوصر عرفات في مكان عمله، وشُدد الحصار لدرجة أن عرفات كان في غرفة ومرض في النهاية وذهب إلى فرنسا، حيث توفي هناك. ثم اتضح من الذي سممه وأطعمه السم. محمد دحلان هو الشخص المتهم الذي فعل ذلك منذ عهد السلطة الفلسطينية نفسها. كان هذا هو مصير تيار التسوية الذي بدأ مع عرفات. ثم جاء أبو مازن الذي لا يزال في منصبه ولم يبق له أيّ صلاحيات. لقد تعرض للإذلال من قبل الأمريكيين والصهاينة لدرجة أنه اضطر إلى إدارة ظهره لأي نوع من العلاقات في عهد ترامب.
يسعى محمد دحلان الآن لخلافة أبو مازن بدعم من الإسرائيليين والأمريكيين والإماراتيين. هذا هو مصير تيار التسوية. لم يكن لهؤلاء الأشخاص أي دور في تطورات مهمة للغاية مثل حرب غزة الأخيرة. لم يكن لهم دور في الكفاح المسلح، ولا في مفاوضات وقف الحرب، ولا بعد ذلك، واشتروا لأنفسهم وصمة عار تاريخية فقط.
لكن في المقابل، لدينا تيار مقاومة معادٍ للصهيونية، كان يقاتل خالي الوفاض قبل ثلاثة عقود. في الانتفاضة الأولى، كان أهم سلاح لديهم هو الحجر، لكنهم وصلوا الآن إلى النقطة التي أصبح لديهم فيها صواريخ قوية جداً وطائرات مسيرة هجومية وحتى قذائف هاون وقذائف مدفعية جيدة. إنهم الآن في وضع خلقوا فيه الردع مع الكيان الصهيوني. ونجحوا من كل الجوانب في أن يكونوا قادرين على توجيه ضربات فعالة للكيان الصهيوني في حرب غير متكافئة تماماً، وتعطيل الحياة في الكيان الصهيوني، وإرغام الصهاينة لعدة أيام على الفرار واللجوء إلى الملاجئ، وتعطيل الحياة العادية والاقتصادية والاجتماعية تماماً، بينما لم يكن هناك توازن قوى على الإطلاق.
المقاومة التي كانت تقاتل بالحجارة قبل ثلاثين عاماً، والآن ببركة جمهورية إيران الإسلامية والدور الذي لا بديل له الذي أدّاه الشهيد الجنرال الحاج قاسم سليماني، وصلت إلى تلك القدرة بأن تلجأ «إسرائيل» إلى دول مختلفة للضغط على حركة المقاومة في غزة من أجل وقف إطلاق النار.
الكيان الصهيوني، الذي كان يقول ذات مرة «من النيل إلى الفرات»، ذهب الآن إلى حد بناء جدار حوله في أراضي 1948 لحماية نفسه من الهجمات الفلسطينية. والآن اكتسب الفلسطينيون قوة كبيرة لدرجة أن هذا الجدار أصبح غير فعّال. من الناحية العملية، يمكن القول إنه لا يوجد أمن أو حتى رفاه لمستقبل هذا الكيان الغاصب. يتحدث الصهاينة الآن عن حقيقة أن فلسطين المحتلة لم تعد مكاناً للبقاء وعليهم مغادرتها. إن الاستراتيجية التي رسمتها جمهورية إيران الإسلامية للدفاع عن فلسطين كانت ولا تزال استراتيجية قوية وصحيحة وفعّالة. إن شاء الله، مع استمرار هذه الاستراتيجية سنشهد إسقاط هذا الكيان وزواله عن الخارطة السياسية للعالم.
ما هو الدور الذي أدّته جمهورية إيران الإسلامية في تقوية تيار المقاومة وقلب الظروف لصالح المقاومة؟
هذه القضية ليست مخفية عن أي أحد. في العقود الثلاثة الماضية، ولا سيما منذ تعيين الشهيد سليماني قائداً لـ«قوّة القدس»، تم إطلاق استراتيجية واضحة تماماً ودقيقة ومستمرة في تقوية فصائل الفلسطينية الحاضرة في مقاومة الكيان الصهيوني بجدية. في هذه الاستراتيجية، لم تكن الطبيعة الفكرية لهذه الفصائل معياراً للجمهورية الإسلامية. سواء كانوا فصائل إسلامية أو قوميين عرب أو جماعات اليسارية، فقد تم دعمهم جميعاً. المهم أن لا يقبلوا بالاحتلال الصهيوني ولا ييأسوا، وأن يسعوا للبقاء أوفياء للمقاومة ورفع مستواها يوماً بعد يوم.
نشهد الآن نتيجة جهود سنوات طويلة كان فيها الجنرال سليماني قائداً لـ«قوة القدس». العالم يعترف بذلك. حديث نتنياهو ليلاً ونهاراً هو موضوع إيران. يدور نقاش بين الصهاينة حول خطر إيران، سواء كان الخطر المباشر لإيران نفسها، أو الخطر الذي يتعرض له الصهاينة في إطار دعم حركات المقاومة، أو الآن في إطار وجود الحرس الثورة الإسلامية في سوريا التي أصبحت كابوساً للنظام الصهيوني. نتنياهو يبذل قصارى جهده لإنهاء هذا الوجود، لكنه لم ينجح على الإطلاق. هو نفسه يشير إلى أن تجربة تشكيل حزب الله في لبنان وتحويله إلى لاعب إقليمي تتكرر في سوريا. لهذا يقول إنني لن أسمح بتكرار هذه التجربة في سوريا ووصولها إلى نتيجة. لحسن الحظ، لا أحد يطلب الإذن منه وليس لديه القدرة على منع التغيير في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، تشهد مجموعات المقاومة لدينا الآن تشكيل مقاومة جديدة في المنطقة وستتأصل بالتأكيد. يجب على المشككين في استراتيجية الوجود الإيراني في سوريا أن يعيدوا النظر ويروا مدى قلق الصهاينة، وخاصة نتنياهو نفسه، من هذا الوجود الحساس.
كيف تقيّمون ميزان القوى الحالي بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني؟ ما هي المصاديق على القول بأن «إسرائيل» تضعف والفلسطينيون يزدادون قوة؟
عندما هزمت «إسرائيل» كل الأنظمة العربية، أصبح الأمر بحيث لا تشعر «إسرائيل» بأي خطر من هذه الأنظمة والجيوش العربية. لكنها تشعر الآن بالتهديد من قبل فصائل المقاومة. الفصائل التي، بحسب تعبير القرآن، هي فئة قليلة، ويبدو أنها مجموعات صغيرة مقارنة بالجيوش العربية، لكن من حيث النوعية، من حيث الإيمان، من حيث الإرادة، من حيث الروح الجهادية لا يمكن مقارنتها بهم على الإطلاق. وهذا هو سر النجاح.
وحتى الآن يقف الشعب الفلسطيني وراء فصائل المقاومة ويؤيدها. إنهم يتحملّون أبشع جرائم الكيان الصهيوني، لكنهم لا يرددون شعاراً ضد المقاومة، بل يضعون شبابهم في اختيار هذه الفصائل حتى تكون هذه الفصائل مكتفية دائماً من حيث القوى البشرية.
ومع أن الجيل الجديد من الكيان الصهيوني ليس لديه دافع للقتال وهو خائف للغاية. الخوف من الموت، وهو من صفات اليهود ومذكور في القرآن، وهو ما رأيناه في السلوك المعتاد للصهاينة، خاصة في الحرب الأخيرة، وحتى جنرالات الجيش الصهيوني، الذين ينبغي أن يتمتعوا بأقوى روح قتالية، كانوا يحاولون الوصول إلى أقرب ملجأ عند سماع صوت صفارات الإنذار. يُظهر سلوك هذا الكيان أنه لا مستقبل له بعد الآن. لقد كان كياناً لا يجرؤ أحد على مهاجمته وكان هو من يهاجم الجبهة الداخلية للدول العربية، ولكن الآن أصبحت عدة فصائل مقاومة في أرض صغيرة تسمى غزة، ولديها من القدرة ما يتيح لها استهداف أبعد الأهداف داخل الكيان الصهيوني. أي أنهم وجدوا القدرة والجرأة على الهجوم أيضاً. حسناً، هذا يدل على أن «إسرائيل» أصبحت في منحدر الضعف والعجز، وأن الفصائل الفلسطينية تتسلق قمم القدرة.
ما هو وضع المقاومة في الضفة الغربية الآن؟ ما الذي يمكن فعله لتقوية وتسليح الضفة الغربية؟
في الحركة العامة للمقاومة، نرى استمرار المقاومة في الضفة الغربية، ولم يكن الأمر أن المقاومة بهتت وتوقفت تحت ضغط الكيان الصهيوني والأجهزة الأمنية للسلطة. لقد رأينا هذا في التطورات الأخيرة. فصائل المقاومة نفسها، والحركات الشعبية التي أدّتها في الضفة الغربية، أظهرت حضوراً قوياً وحيّاً ونشيطاً، ولكن نظراً لاختلاف الأوضاع في الضفة الغربية عن تلك الموجودة في قطاع غزة، فإن شكلها ونوعها مختلفان أيضاً.
لكن ما يمكن فعله لتقوية وتسليح الضفة الغربية، بغض النظر عن الآراء السياسية أو الأيديولوجية، هو دعم الفصائل والشخصيات والتيارات التي تؤمن بالمقاومة في الضفة الغربية. بل إنه من الضروري دعم التيارات داخل حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية التي أصيبت بخيبة أمل من عملية التسوية. وهذا الفعل يغيّر الوضع في الضفة الغربية أكثر فأكثر لصالح المقاومة، ويخلق بطريقة ما وحدة النهج ووحدة الهدف بين الفصائل الفلسطينية المختلفة في الضفة الغربية من أجل مقاومة الأعمال الوحشية والعنصرية للصهاينة. ساحة الضفة الغربية هي ساحة تُظهر الطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني بشكل واضح جداً.
إن الطريقة التي يتعامل بها الكيان الصهيوني مع شعب وأهالي الضفة الغربية وحتى مع مسؤولي السلطة الفلسطينية واضحة للغاية بحيث لا يبقى شك عند أحد في أن طبيعة الكيان الصهيوني عنصرية. كل متفرج، وخاصة المراقبين الدوليين، عندما يقومون بجولات في الضفة الغربية ويرون نقاط التفتيش والمعاملة المهينة والمذلة التي يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون العاديون، يعترفون بأن الصهاينة قد شكّلوا نظام فصل عنصري.
لذلك، فإن تعزيز الوحدة بين الفصائل الفلسطينية وتوجيهها نحو مقاومة شاملة ومتماسكة وموحدة هو أفضل وسيلة لتعزيز المقاومة في الضفة الغربية. وقد أصدر قائد الثورة الإسلامية توجيهاً قبل بضع سنوات أنه بعد غزة، حان الوقت الآن لتسليح أهالي الضفة الغربية للدفاع عن أنفسهم وعدم الوقوف خالي الوفاض أمام آلة الحرب التابعة للكيان الصهيوني.