عرض الإمام الخامنئي في كلمته بمناسبة يوم القدس، التي أرسلت "جبهة النضال الشعبي" باسم جنابكم رسالة بشأنها، مفهوم استراتيجيّة التلاحم، واعتبر أنّ الوحدة أهمّ أسلحة الفلسطينيّين. نظراً إلى معركة سيف القدس التي كانت تجسيداً للوحدة العصيّة على التشتيت بين الشعب الفلسطينيّ من قطاع غزّة إلى الضفة الغربية وأراضي الـ 48، ما هو برأيكم تأثير هذه الاستراتيجية على مصير الشعب الفلسطيني؟

لقد كان لكلمة سماحة الإمام علي الخامنئي بمناسبة يوم القدس العالمي وما تلاها من كلمات موجهة للشباب الفلسطيني والعربي في ضوء المعركة البطولية والانتصار الكبير الذي تحقق للمقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الصهيوني في قطاع غزة وأبناء شعبنا في فلسطين، كان لهذه الكلمة والرسائل الأثر الكبير في الرؤية الإستراتيجية في مواجهة هذا الاستكبار العالمي سواء على صعيد فلسطين أو صعيد المنطقة.

بالنسبة لنا كفلسطينيين كانت هذه الكلمة بمثابة منارة يهتدي بها كل أبناء شعبنا في تعزيز وحدتهم الوطنية الميدانية التي واجهت بتصميم وتمسك كبير بأرض فلسطين وبحقوق الشعب الفلسطيني وأظهرت مواجهة بطولية للاحتلال الصهيوني والصمود أمام الجرائم التي ارتكبها في القدس وأحيائه والشيخ جراح والأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية والصمود الكبير والعظيم لأبناء شبعنا في قطاع غزة وما قامت به المقاومة الفلسطينية وفصائل الثورة الفلسطينية في مواجهة هذا العدوان؛ والتي قدمت نموذجاً حياً في الصمود واستمدت قوتها من خلال هذا الدعم والإسناد من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا وكل قوى محور المقاومة.

نعتبر أن استراتيجية التلاحم بين كل أبناء الشعب التي انتهجها الفلسطينيون والتي هدد بها وأكد عليها سماحة الإمام السيد علي الخامنئي أعطت دليلاً قاطعاً على تمسك شعبنا بأرضه وبحقوقه وأدت إلى تفاعلات وتضافر، وقد تكامل دور جماهير أمتينا العربية والإسلامية وأحرار العالم مع هذا الصمود، وتكامل مع هذه البطولات التي سطرها شباب المقاومة في مواجهة العدوان والتي سطرها أبناء شعبنا في القدس وفي الأراضي المحتلة عام 1948 وفي الضفة الغربية ليتكامل هذا الجهاد وهذا النضال الوطني بكل أشكاله وبإرادة صلبة وعزيمة قوية بوجه هذا العدوان تمسكاً بأرضنا وبحقوقنا.

 

صرّح الإمام الخامنئي بأنّ الشباب الفلسطينيّ الذي كان يدافع يوم أمس عن نفسه بالحجارة، بات اليوم يردّ على الصهاينة بإطلاق الصواريخ الدقيقة، برأيكم، أيّ دور لعبته إرادة النضال لدى الشعب الفلسطينيّ في تسريع هذا التطوّر العسكري النوعي؟

لقد شكلت إرادة النضال لدى الشعب الفلسطيني الذي مارس كل أشكال النضال والجهاد في مواجهة الاحتلال والعدوان بدءً من الاحتجاجات والمظاهرات والصمود أمام إجراءات الاحتلال والمقاومة بالحجر والسكين وبكل أشكال المقاومة والتي تطورت إلى إطلاق الصواريخ بكل أشكالها على عاصمة كيان العدو الصهيوني وعلى كل المستوطنات في وسط وجنوب فلسطين المحتلة وصولاً إلى كل قواعد ومعسكرات الكيان الصهيوني، شكلت انطلاقة جديدة وإرادة قوية لهؤلاء الشباب الذين ضربوا المثل القوي في مواجهة الاحتلال؛ وهذا التطور العسكري النوعي الذي لاحظناه خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة والرد القوي من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية كان الدور الذي لعبته أطراف محور المقاومة وخاصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ونتذكر الشهيد القائد قاسم سليماني الذي كان له الدور الكبير في تعزيز قدرات المقاومة، والدور الكبير في تدريب هؤلاء الشباب الذين أبلوا بلاءً حسناً في مواجهة الاحتلال وشكلوا خرقاً استراتيجياً للعدو الصهيوني ونصراً استراتيجياً تكامل مع الانتصار الذي حصل في سوريا، في لبنان، في اليمن والصمود الكبير أمام هذا الموقف الاستكباري للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

 

نظراً إلى أنّ الإمام الخامنئي أشار في كلمته الأخيرة بيوم القدس إلى أهميّة الوحدة بين كلّ الحركات الفلسطينيّة في أنحاء فلسطين، واعتبرها مؤثرة في تحرير فلسطين، ما هي برأيكم أهم الخطوات في سبيل تحقيق هذا الهدف؟ وكيف استعرضت الحرب الأخيرة قوّة هذا التلاحم بين الفلسطينيّين أمام أنظار العالم؟

 إن إشارة سماحة الإمام في كلمته الأخيرة إلى وحدة كل الحركات الفلسطينية في كل أرجاء فلسطين والتي كان لها الأثر البالغ في إيقاع الخسائر داخل صفوف العدو والتي شكلت مفصلاً تاريخياً في مواجهة هذا العدو، أثرت في مجرى المعارك التي خاضتها فصائل المقاومة الفلسطينية. وفي هذا المجال  لابد أن نذكر أن الوحدة بين كل حركات المقاومة الفلسطينية هي الأساس وهي الجوهر في تحقيق هذا الانتصار. لكن لا بد لنا أن نشير إلى ما يطرح في الساحة الفلسطينية حول الوحدة الوطنية الشاملة، وخاصة مع أطراف السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية؛ لا يمكن أن تؤدي [هذه الوحدة] إلى خطوات جادة في مواجهة الاحتلال؛ لأن قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية تقوم بالتنسيق الأمني مع الاحتلال وتلتزم باتفاقيات ومعاهدات مع العدو الصهيوني عبر اتفاقيات أوسلو. نعتقد أن الكلام عن الوحدة بين قيادة السلطة وقيادة هذه المنظمة لا بد أن يكون مع التأكيد على أنه هناك شكل من أشكال التكامل بالحراك الجاري في مواجهة سياسة العدو، لكننا نعتبر أن التجربة السابقة في الحوارات الفلسطينية لم تكن تجربة ناجحة بل على العكس، حاولت القيادة الرسمية للسلطة والمنظمة بالتعاون مع النظام الرسمي أن تحاصر قوى المقاومة وأن تمارس ضغطاً على قوى المقاومة من أجل محاولة جرها لسياسات لا تخدم أهداف شعبنا وبالتالي فإن التلاحم بين الفلسطينيين يجب أن يكون في الميدان أولاً؛ وحدة في الميدان بين كل فئات الشعب الفلسطيني التي تناضل ضد الاحتلال والعدوان ووحدة كل فصائل المقاومة الفلسطينية التي يجب أن يرتقي مستوى التنسيق معها الى أعلى مستوى خاصة في هذه الحرب وهذه المعركة الناجحة التي خاضتها فصائل المقاومة الفلسطينية؛ ونحن نؤكد على ما أشار إليه سماحة الإمام بوحدة الحركات الفلسطينية كذلك نحذر من محاولات النظام الرسمي ومن قيادات السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية  التي تحاول الالتفاف على هذا الانتصار وإجهاضه من خلال الدور الذي تلعبه بعض الدول العربية، خاصة مصر ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن وغيرها؛ التي تحاول احتواء الموقف مجدداً للوصول إلى مسار سياسي يؤدي الى نتيجة مثل النتيجة التي وصلنا إليها في اتفاقيات أوسلو.

 

نظراً إلى ما شهدناه في الحرب الأخيرة والدور الذي لعبته المقاومة في الدفاع عن المقدسات والشعب الفلسطيني في مختلف الأقسام، هل بات بإمكاننا القول أنّنا نشهد تغييراً في موازين القوى يصبّ في صالح المقاومة؟

إن ما حصل في الحرب الأخيرة والدور الذي لعبته فصائل المقاومة بالدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية وتراثها وتاريخها والدفاع عن الشيخ جراح والقوة الصاروخية في قطاع غزة قلبت موازين على أصعدة مختلفة، وعلى صعيد هذه الحرب وهذا الأسلوب وهذه الإستراتيجية في مواجهة العدوان الذي يملك آلة عسكرية كبيرة ويملك النووي. إلا أن هذه الإستراتيجية واستراتيجية الصواريخ والحرب الشعبية التي خاضها شعبنا في قلب الاحتلال  أدت إلى قلب موازين القوى على الصعد العسكريّة والسياسية والنفسية والمعنوية؛ حيث أصابت العدو في العمق وأصابت استراتيجيته، ونعتبر أن ما جرى من انتصار وصمود شكل معجزة حقيقية بعد 73 عاماً من الاحتلال وبعد 73  عاماً من قهر الفلسطينيين خاصة في أراضي 1948 التي شكلت نموذجا جديداً  في تكامل الجهاد والنضال ضد العدو الصهيوني.

 

ما هو تحليلكم لمستقبل الكيان الصهيوني وما هي مسؤولية الأمّتين الإسلاميّة والعربية في إزالة هذه الغدة السرطانيّة؟

لقد كانت لهذه الحرب الأخيرة في قطاع غزة محطة نوعية في صراع الأمة مع الاحتلال، وفي مواجهة هذا العدوان والسياسة الوحشية الصهيونية ودور هذا الكيان ليس فقط في قهر الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس وأراضي 1948، بل دور الكيان الصهيوني مع الولايات المتحدة الأمريكية  وبالتنسيق -مع الأسف- مع دول عربية طبعت اتفاقيات تعاون مع هذا العدو الصهيوني؛ لذلك نعتبر أنها شكلت محطة ومفصلاً تاريخيّاً كبيراً في قرب إزالة هذا الكيان. وما حصل في هذه الحرب هذا العام -باعتراف الكيان الصهيوني-  أنه كان يدافع عن وجوده ومستقبله وهناك أصيب المجتمع الصهيوني وكذلك المؤسسات وكذلك قطاعات واسعة؛ وصرّحت مراكز الأبحاث بأن المعركة كانت معركة وجودية أدّت إلى اختلال موازين القوى واختلال تفكير هذه المؤسسات؛ وأصبحت العديد من العائلات في الكيان الصهيوني تبحث عن العودة الى البلاد التي هاجرت منها، سواء من الولايات المتحدة الأمريكية، أو أوروبا، أو دول أخرى ... فلذلك تزعزت الثقة لدى المجتمع الصهيوني بقيادته ومؤسساته العسكرية والسياسة التي خدعته طوال 73 عاماً بأنها قادرة على التمدد وقادرة على حماية هذا المشروع، هذا المشروع الصهيوني الى زوال وهذه المعركة التي هي جزء من معركة الأمة، جزء من معركة محور المقاومة، ستؤدي بالنهاية الى زوال الاحتلال؛ ونعتبر أن زوال الاحتلال حقيقة أكدتها المعارك التي خاضتها هذه الأمة مع الكيان، أكد الشعب الفلسطيني هذا الموقف العقائدي  لجماهير أمتنا ولشعبنا ولأحرار العالم، خلال تمسكه رغم مرور 27 عاماً على اتفاقيات الذل والعار التي وقعتها القيادة الفلسطينية في أوسلو ووقعها نظام مصر بكامب ديفيد والأردن في وادي عربة واتفاقيات الإمارات والسودان والبحرين وغيرها بالتطبيع؛ وقد شكلت نتائج هذه المعركة صفعة لكل هؤلاء وصفعة لاستراتيجية الكيان الصهيوني وسوف تساهم في الوصول الى حقائق تاريخية في المرحلة القادمة، ومنها بالتأكيد، زوال هذا الاحتلال.