من أين بدأت معرفتكم بالمرحوم محتشمي بور؟

تعود معرفتي بالمرحوم محتشمي بور إلى الدورة الثالثة لمجلس الشورى الإسلامي. طبعاً كان أحد المقربين من الإمام الخميني (قده) وأحد أصحابه. وبعد عودة الإمام إلى إيران كان يُعتبر ضمن المجموعة المقرّبة من الإمام. منذ تشكيل الحكومة وتشكيل وزارة الخارجية عام 1981، ذهب إلى سوريا كسفير لإيران، ولم أكن أعرفه ولم يربطني عمل به، لكن قبل الانتخابات النيابية الثالثة، عندما تأسس مجمع علماء الدين المجاهدين؛ بدأ التعاون الرسمي بيننا مع المعرفة الوثيقة. عندما تأسس المجمع، ترشح هو عن طهران وأنا عن مدينة زرند في كرمان، ودخلنا المجلس معاً.

 

يرتبط جزء مهم من شخصية المرحوم محتشمي بور بالنضالات التي سبقت الثورة الإسلامية ضد نظام الطاغوت. بالنظر إلى أنه كان متواجداً خارج إيران بشكل أساسي، ما هي المعاناة التي تحملّها وما هي الإجراءات التي اتخذها؟ وما هي علاقته بنهضة الإمام الخميني (قده) منذ عام 1963؟

وُلد السيد محتشمي بور في طهران وأكمل تعليمه الابتدائي في طهران، وفي عام 1961 غادر إلى قم لمتابعة التعليم الحوزوي. منذ بداية وصوله إلى قم، انجذب إلى خطابات الإمام (قده). فقد كان طالباً شاباً موهوباً وشغوفاً. في ذلك الوقت، الشباب الذين كانوا في الحوزة، سينجذبون تلقائياً إلى الإمام، إذا كان لديهم حقاً الإخلاص والشغف وبُعد النظر الاجتماعي.

اعتُقل لفترة وجيزة عام 1963. وفي عام 1964، عندما نُفي الإمام أولاً إلى تركيا ثم إلى العراق، هاجر إلى النجف عام 1965 بسبب اهتمامه الكبير بالإمام، ليصبح من المقربين من الإمام وواحداً من حواريّيه.

لقد كان طالباً خاصاً لدى المرحوم آية الله الشهيد الحاج السيد مصطفي الخميني في الفقه والأصول والتفسير. كما درس خارج الفقه عند المرحوم آية الله السيد الخوئي (قده).

الأمر البارز طوال حياة المرحوم محتشمي بور في قم والنجف هو حبّه الكبير للإمام وإيمانه الراسخ بالنهضة الإسلامية وثورة الإمام.

الحاج السيد مصطفى، بغض النظر عن كونه ابن الإمام، كان له شخصية بارزة، بالإضافة إلى الإيمان والشجاعة والإخلاص الكبير، كان أيضاً ذائباً في الإمام وكان له حمية جادة وغيرة في الدفاع عن الثورة الإسلامية والإمام، ولا سيما أهل البيت (ع). لقد تعلّم السيد محتشمي بور كل هذه الخصال والدروس في المدرسة العملية للحاج السيد مصطفى.

 

يعود جزء من الشخصية النضالية للمرحوم محتشمي بور، علاوة عن القضايا المتعلقة بالثورة الإسلاميّة، إلى النضالات ضد الصهيونية وقضية تحرير القدس، أخبرنا عن مصدر تَشكّل هذه الارتباطات. ففي النهاية، كان من أبرز الشخصيات في تأسيس المقاومة وتقويتها وتشكيلها، لا سيما في لبنان.

كل شخص في مدرسة الإمام الفكرية والسياسية، لا يمكن أن يكون غير مبال بقضية فلسطين والنضال ضد النظام الصهيوني الزائف والغاصب. في الواقع، قبل النضال ضد الشاه، دق الإمام ناقوس الخطر في قم بشأن وجود «إسرائيل». في الوقت الذي لم ينتبه أحد إلى حقيقة أن الكيان الصهيوني له أهداف توسعية هنا ويعتزم تنفيذ الأهداف الاستكبارية لأعداء الإسلام في العالم الإسلامي. إن تحذير الإمام الخميني من خطر «إسرائيل» وقضية اغتصاب أرض فلسطين يعود إلى سنوات ما قبل الثورة الإسلامية.

كان الإمام شديد الحساسية تجاه مسألة «إسرائيل» وفلسطين والقدس. وأولئك الذين في دائرة الإمام كانوا أيضاً حساسين تجاه هذه المسألة. ذهب السيد محتشمي بور، منذ تلك السنوات التي قضاها في النجف، إلى دول المنطقة، بما في ذلك سوريا ولبنان، من أجل الترويج لمدرسة الإمام، وكان لديه علاقة ومعرفة ببيئة جبهة المقاومة. لذلك، بعد انتصار الثورة الإسلامية، وبسبب خلفيته ومعرفته للمنطقة، اختارته وزارة الخارجية آنذاك كأول سفير لجمهورية إيران الإسلامية في سوريا عام 1981.

كما اغتنم السيد محتشمي بور فرصة التواجد في سوريا وأسسّ صداقة وثيقة ومستمرة للغاية مع القوى الثورية والنضالية في لبنان وفلسطين وحركات المقاومة في ذلك الوقت. لكن «إسرائيل» احتلت مناطق من لبنان، وكان خطر التوسع الإسرائيلي يتزايد يوماً بعد يوم، فجاء السيد محتشمي بور الذي كان مثابراً جداً بفكرة مساعدة المناضلين الفلسطينيين بشكل مباشر وإنشاء مركز مقاومة في لبنان. لم يكن هناك وجود لحزب الله في ذلك الوقت، والجيش اللبناني وحده غير قادر على المقاومة بجدية. سوريا أيضاً كان لها أعذارها الخاصة. لذلك، جاء إلى خدمة الإمام الخميني واقترح أن يذهب بعض المتطوعين من حرس الثورة الإسلامية أو قوات التعبئة إلى لبنان ويقاتلوا «إسرائيل». وهذا يعني أن يصير لإيران حضور رسمي مباشر.

ففي ذلك الوقت كنا في حالة حرب أيضاً ولم يكن من المناسب فتح جبهة أخرى. لذلك، قال الإمام للسيد محتشمي بور أن هذا ليس صائباً وفعّالاً، ويجب أن تعمل في لبنان على تجهيز الشباب اللبناني وتدريبهم على الوقوف في وجه «إسرائيل». بالطبع، كانت هناك مراكز تدريب «حرب العصابات» في لبنان قَبل الثورة الإسلامية، لكن من الواضح أنه لم يكن هناك منظمة مقاومة رسمية. كان السيد محتشمي أيضاً رجلاً ذكياً للغاية وعاد إلى لبنان بنفس الذكاء السياسي العالي وبتوجيه من الإمام، وتم وضع حجر أساس حزب الله مع الشهيد السيد عباس الموسوي وقوى المقاومة الأخرى، والذي صار اليوم البنيان المرصوص والسد الفولاذي ضد «إسرائيل».

بالطبع، كان مرتبطاً أيضاً بحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وساعد في تقوية بُنيتها. لذلك، تابع السيد محتشمي عملياً هيكليات المقاومة هناك. كما كان يتمتع بشعبية كبيرة بين قادة وقوى حزب الله الرئيسية وكانت تربطه علاقات جيدة معهم. وفي رسالة التعزية التي أصدرها حزب الله في لبنان في وفاته، فإن إقرارهم بدور المرحوم محتشمي بور بدا واضح جداً.

بعد عودته إلى إيران، في الدورة الثالثة لمجلس الشورى الإسلامي، لم يغب ملف القضية الفلسطينية عن باله أبداً، وكان في صلب أولوياته الفكرية والسياسية. لذلك، مع متابعاته، تم تشكيل مكتب دعم الشعب الفلسطيني والانتفاضة الفلسطينية كهيئة دائمة في المجلس والسلطة التشريعية. لقد شغل منصب أمين سر هذه الهيئة لفترة طويلة حتى عام 2010. كان السيد محتشمي بور عضواً مؤسساً وناشطاً في المؤسسات الداعمة للفلسطينيين داخل البلاد، وكان ملتزماً بقضية القدس وتحرير فلسطين بشكل كامل. كان من الروّاد والسبّاقين في هذا المجال وعمل بإخلاص من أجل القضية الفلسطينية.

 

ما هو موقعه بين تيارات المقاومة المتنوعة من شيعية وسنية وبين التيارات السورية؟ هل كانت تعتبره هذه التيارات مجرّد سفير أم أسندت إليه دوراً آخر؟

لا بد أنه كان من أكثر الأشخاص فاعلية. بالطبع، في رأيي، كان المؤسس الرئيسي هو الإمام وفكره، وقد أنشأ السيد محتشمي بور من هذه الهديةِ القيّمةِ المقاومةَ ضد المطامع الصهيونية. خلال كل السنوات التي كان فيها في المسؤولية، لم يقطع السيد محتشمي بور علاقاته الوثيقة مع الحركة الفلسطينية والشخصيات المناضلة في العالم الإسلامي وكان مرتبطاً بهم. فكانوا يعرفونه كعنصر ناشط ملتزم بالقضية الفلسطينية. لهذا السبب، كان يكنّون له احتراماً خاصاً.

لو لم يكن للسيد محتشمي بور دوراً بارزاً ولم تعتبره «إسرائيل» تهديداً لها، لما قامت رسمياً بتنفيذ عملية إرهابية ضدّه. لقد حفظه الله حقاً. تسبب انفجار العبوة البريدية أمام وجهه في بتر كلتا يديه؛ واحدة قُطعت من الرسغ والأخرى قُطعت من راحة اليد ولم يبقَ منها سوى إصبعين. وبالطبع، تضرّر سمعه وبصره بشدة.

كانت عائلة السيد محتشمي بور من التجار في السوق ومن الوجهاء والمتدينين، لكنه أدار ظهره للقضايا المادية ووَقَفَ حياته بالكامل من أجل الأهداف الكبرى، وحرية الشعب الإيراني، والنضال ضد استبداد الشاه، ومن أجل إقامة النظام الإسلامي، ورفاهية الناس، ومن أجل العالم الإسلامي، وحرية الشعوب المسلمة.