لقد أشار قائد الثورة الإسلامية في اجتماعه مع أعضاء الحكومة إلى المفاوضات الأخيرة وقال إن الجانب الغربي أصرّ على شرط في نص المفاوضات، بحيث يصبح هذا الشرط ذريعة لمزيد من المداخلات من قبل الغرب. ما هو هذا الشرط وكيف تم طرحه في المفاوضات؟ ماذا كان رد فعل المفاوضين على هذا النوع من الاشتراطات؟

أصرّت أمريكا والأطراف الغربية من أجل المُضي بالاتفاق وتثبيته، بالإضافة إلى رفع بعض الحظر، على إدراج بند في بيان الوزراء بشأن المزيد من المحادثات حول ثلاث قضايا: أولاً، إجراءات إضافية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارة الدولية لإيران بشكل فعّال، والتغيير في سياسة الحظر الأمريكية. ثانياً، ضمان المصالح المرتبطة بالاتفاق النّووي والتي تقضي عدم نشر الإسلحة الدمار الشامل على المدى البعيد، وثالثاً، خطوات لدعم وتعزيز الأمن الإقليمي بين دول الخليج الفارسي، بما في ذلك الحد من التوترات، والعمل على إجراءات لبناء الثقة من خلال الحوار في المنطقة. بصرف النظر عن كون القضية الثانية لا محل لها من الإعراب، لأن الجداول الزمنية محددة في الاتفاق، وهذا الموضوع يمكن أن يكون بمثابة أساس لتحديد الالتزامات والجداول الزمنية الجديدة، فإنّ المسألة الثالثة أيضاً كانت تتعارض بشكل واضح مع أهداف وجدول عمل المحادثات، لذلك رفض الوفد الإيراني هذا الطلب على الفور. في الواقع، كانت أمريكا والغربيون يسعون لتحقيق أهدافهم الخاصة. وهذا يدل على أنهم ما زالوا ينظرون إلى الاتفاق النووي على أنه جسر للدخول إلى قضايا أخرى غير ذات صلة، مثل القضايا الإقليمية والصواريخ. وهذه المرة ذهبوا إلى أبعد من ذلك وأصرّوا على إدراج مطلبهم في النص بطريقة ما. هدفهم هو التعامل مع هذه القضايا فوراً بعد أي اتفاق، واعتبارها جزءاً لا يتجزّأ من الاتفاق النووي، وتمهيد الأرضية لتدخلهم في هذه المجالات، وحيثما أنّهم لم يحققوا أهدافهم، يقدمّون إيران على أنها المقصّرة ويهيّؤون الأرضية من أجل الضغط على إيران تحت ذرائع أخرى.

 

صرّح قائد الثورة الإسلامية أن الأمريكيين رفضوا في المفاوضات الأخيرة التراجع عن موقفهم العنيد ولو اتخاذ خطوة واحدة. كيف كانت تفاصيل سلوك الأمريكيين في هذه المفاوضات؟

يزعم الأمريكيون أنهم مستعدون للعودة إلى التزاماتهم بموجب الاتفاق النووي ورفع الحظر المُنافي للاتفاق، لكن سلوكهم في المفاوضات لا يُثبت ذلك. يمكن النظر في أمثلة مختلفة في هذا الصدد:

1- لقد ربطوا كلّ الاتفاق بقبول بند بشأن المحادثات المقبلة حول القضايا الإقليمية، وهو أمر لا صلة له بموضوع المفاوضات إطلاقاً ويضرّ بها. وجعلوا رفع بعض الحظر، وكذلك شطب اسم حرس الثورة الإسلامية من قائمة الجماعات الإرهابية، منوطَين بقبول هذا البند.

2- لقد رفضوا إلغاء الأمر التنفيذي بشأن حظر الأسلحة المتعارفة، والذي يتعارض بشكل واضح مع قرار مجلس الأمن الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 2231، ويتعارض مع الاتفاق النووي، ويتنافى مع مزاعم أمريكا بالعودة إلى التزامات الاتفاق.

3- رفضوا رفع الحظر المفروض على أكثر من 500 شخصية حقيقية وحقوقية - الذي فُرض من قبل إدارة ترامب لذرائع غير نووية – ورفضوا أيضاً إلغاء قانون حظر كاتسا، في حين أن جميع إجراءات ترامب، بما في ذلك استخدام الذرائع غير النووية من أجل فرض الحظر بهدف تدمير الاتفاق النووي بالكامل. من ناحية أخرى، هذا يُظهر التصميم الجاد للإدارة الأمريكية الجديدة على استخدام الأوراق التي تم إنشاؤها في الإدارة السابقة، وكذلك اتباع سياسة الضغوطات القصوى ضد إيران.

4- رفضوا تقديم ضمانات بأن نفس سلوك الحكومة السابقة لن يتكرر في الاتفاق النووي، حتى أنهم رفضوا تحديد فترة زمنية معقولة لاستمرار عمل الشركات التي تدخل في التجارة والعمل الاقتصادي مع إيران في حال حدوث أي مشاكل في التفاهم المحتمل، وإمكانية إكمال عملها دون القلق بشأن الحظر الأمريكي الذي يتعدّى الحدود الجغرافية.

5- رفضوا مناقشة الضرر الذي لحق بإيران نتيجة الانسحاب الأحادي وغير القانوني من الاتفاق النووي.

6- لقد طرحوا مطالب جشعة بشأن أنشطة والتزامات إيران النووية، والتي تتجاوز حتى نص الاتفاق. بالطبع، تم رفضها كافة من قبل إيران، لكن هذا يدل على نكثهم وروحية العناد لديهم. في هذه القضية، كان للأطراف الغربية موقف مشابه أيضاً.

7- فيما يتعلق بالتحقّق من المصداقية، على الرغم من أن إيران في النموذج الأولي للاتفاق قد أوفت بالتزاماتها النووية لعدة أشهر، والتي تم التحقق منها أيضاً من قبل الوكالة الدولية، ثم قامت الأطراف الأخرى بإجراء التزاماتها لرفع الحظر، لكن في السلسلة الجديدة من المحادثات، رفض الأمريكيون قبول هذه الحقيقة المهمة المتمثلة في أن جميع المشاكل القائمة ترجع إلى سلوكهم العدائي والتخريبي، وأن عليهم أولاً الوفاء بجميع التزاماتهم، وفقط بعد التحقق من المصداقية في مدة زمنية معقولة، ستقوم إيران بالتزاماتها. النموذج الأمريكي للوفاء بالتزاماته الأساسية والتحقق من المصداقية في يومين هو مجرّد نموذج شكلي خالٍ من المنفعة العملية.

 

بالنظر إلى تجربة الاتفاق وزيادة الحظر في السنوات الأخيرة، ما رأيكم بأداء ونموذج جمهورية إيران الإسلامية في المفاوضات النووية وطريقة تعاملها مع مخططات الحكومة الأمريكية؟

يجدر بي هنا أن أشير إلى بعض النقاط:

1- المفاوضات لم تصل إلى نتيجة نهائية، وفي العرف الدبلوماسي لا شيء مُتفق عليه، ما لم يتم الاتفاق على كل شيء. هذا المبدأ يعني أنه حتى لو بقي 10% من النصوص التفاوضية، فإن المفاوضات لا تزال غير مكتملة ولا يوجد اتفاق، وربما تكون القضايا القليلة المتبقية أكثر أهمية من تلك المتفق عليها.

2- لقد أتاحت مواقف المقامات العليا في النظام، وقانون العمل الاستراتيجي لمجلس الشورى الإسلامي والإنجازات النووية للبلاد فرصة جيدة لجمهورية إيران الإسلامية في أي مفاوضات. بطبيعة الحال، ستحاول الأطراف المقابلة منعنا من الاستفادة من الموقف المعزّز باستخدام أدوات مختلفة، ولكن من المهم أن نستفيد منها إلى أقصى حد من خلال التخطيط المناسب وتجنب التسرّع.

3- ينبغي أن نلتفت إلى أن أمريكا هذه هي التي نكثت التزاماتها وتدّعي الآن العودة إلى الاتفاق، ولم تكن إيران هي التي نكثت التزاماتها. لذلك يجب الحرص على عدم تبديل مكان المدّعي والمتهم.

4- ما يجب أن يكون أساسياً وذات أولوية على جدول الأعمال الرئيسي بالنسبة لإيران هو الرفع العملي للحظر. يجب على أمريكا والغرب قبول كل ما هو ضروري في هذا الصدد وتطبيقه عملياً، وهذا لن يتعارض مع الاتفاق ولا يذهب أبعد منه. تم وضع الاتفاق النووي من أجل رفع الحظر المفروض على إيران والمغاير له. كيف يمكننا التأكد من أنهم سيكونون صادقين في رفع الحظر عملياً عندما لا يكونون مستعدين للحديث عن الضمانات ومستقبل عمل الشركات! ليست مشكلة إيران في عدم قدرتنا على تحويل أو استخدام أموالنا من البنوك في دول أخرى بسبب الحظر المفروض على استخدام الـ«يوترن» لإيران، لأنه حظر أساسي وليس حظراً ثانوياً ويبدو أنه لا علاقة له بالاتفاق النووي. ماذا يضمن لنا أن نتلقى أو ننفق عائدات بيع النفط من خلال اتفاق جديد وعدم حل هذه المشكلة وما شابهها بنحو يضمن ظروف استفادة إيران من منافع الاتفاق النووي؟!

5- يجب أن تكون المفاوضات نووية بحتة، كما يجب حذف طرح ودراسة أي أفكار غير ذات صلة من جدول الأعمال. إن الوجود والنفوذ الإقليمي والصواريخ هي أدوات قوة لإيران ولن تكون قابلة للتفاوض بأي شكل من الأشكال.

6- يجب تنفيذ الإجراءات النووية الإيرانية بما يتناسب مع إجراءات رفع الحظر. إذا واجهنا عدم تنفيذ أو إعاقة للوفاء بالتزامات الطرف الآخر بالتنفيذ الكامل للالتزامات النووية، وخاصة إرسال الأموال إلى الخارج، فإن أيدينا حينها ستكون فارغة لفترة طويلة. (فإنّنا سنكون خالي الوِفاض حينها لفترة طويلة)

7- ضمن بذل الجهود اللازمة لرفع الحظر، يجب أن يكون إبطال مفعول الحظر على جدول الأعمال الجاد للبلاد بنحو يسلب وسائل الحظر من يد أمريكا.

في الختام، أرى أنه من الضروري أن أذكّر أنه في نظام الجمهورية الإسلامية، لا يوجد مسؤول أو مؤسسة تعارض التوصّل إلى اتفاق جيّد يؤدي إلى رفع الحظر عملياً، لكن بناءً على التجارب السابقة، نحتاج إلى التحرّك بحذر وذكاء أكثر. الإشكالات التي أشير إليها هنا ترتبط ببُعد المضمون في الاتفاق، وإن عدم معالجتها لن يؤمّن الانتفاع لإيران عملياً. هذه قضايا قد عُكست للطرف الآخر (قد عُرضت على الطّرف الآخر) في المفاوضات ولا تزال مفتوحة.