أتحدث حول عبارة لأمير المؤمنين (ع) تتصل بوصيته لأبنائه وذويه، وكما صرَّح (ع) في هذا الكتاب - نقلاً عن «نهج البلاغة» - فإن المخاطَب بهذه الوصية هم من تبلغهم هذه الرسالة وهذه الوصية كافة، أي نحن أيضاً من المخاطبين بكلمات أمير المؤمنين (ع)، وهي تلك الوصية المعروفة التي يقول فيها بعد سطر أو سطرين: «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومَنْ بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم».
ورد في هذه الوصية نحو عشرين أمراً. ذلك بديهي، فهي وصية إنسان عظيم قد كُتبت في الساعات الأخيرة من عمره وتتضمّن أهم الأمور في نظره، وقد سطَّر أمير المؤمنين (ع) هذه الوصية بعد أن ضربه ابن ملجم؛ «لمّا ضربه ابن ملجم». إن ما يقارب المواضيع العشرين التي وردت فيها مهمة. مواضيع عن: طلب الدنيا، «القرآن»، الحج، الجهاد، الأيتام، الجيران... لقد انتقيتُ اثنين من هذه المواضيع العشرين لكي أتحدث عنهما اليوم: أحدهما «نظم أمركم»، والثاني «صلاح ذات بينكم»، أي خلق الألفة بين الإخوة. هنا يُفهم أنّ هذين الموضوعين من الأمور المهمة للغاية في نظر أمير المؤمنين (ع).
صلاح ذات البين الذي يشير إليه أمير المؤمنين (ع) في وصيته ليس الائتلاف والاتحاد الظاهري، أي أنْ تتفق فئتان أو جماعتان حول أمر ما، وتشكّلا ائتلافاً ظاهرياً، بل هو أسمى من ذلك، أي أنْ تتصافى القلوب بينها، وتصير الأذهان حسنة الظن ببعضها بعضاً، وألا يقع أي تجاوز وإيذاء من شخص أو جناح معيّن تجاه أي فئة أخرى. 
بعد قوله (ع): «وصلاح ذات بينكم» في هذه العبارة، يستشهد (ع) بحديث للنبي الأكرم (ص) حيث يقول: «وإني سمعتُ جدكما (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام»، أي فضيلة «صلاح ذات البين» في الناس - تقريب القلوب من بعضها بعضاً وزرع حسن الظن في الأذهان إزاء بعضها بعضاً - تفوق كل صلاة وصيام. فإذا ما خُيِّر امرؤ بين أداء صلاة مستحبة أو صيام المستحب، وبين السعي إلى إصلاح ذات البين، فإن الثاني هو الأفضل. هذا من الأمور التي نحن بأمسّ الحاجة إليها اليوم.
~ الإمام الخامنئي | 22/11/2002