نحن نجد أن قائد الثورة الإسلامية خلال ندائه بمناسبة موسم الحج 1443 هجرية يستثمر هذه الفرصة وهذه الفريضة، فريضة الحج، كما استثمرها أهل البيت (ع). أي سماحته تعاطى مع هذه الفريضة كما تعاطى معها أهل البيت (ع), كيف؟ باستثمار هذه الفريضة وهذه الفرصة في استنهاض الأمة، بمعنى بيان الواقع السياسي والاجتماعي وماهية التحديدات وأولوية الصراع للأمة الإسلامية والارتقاء بالنظرة الضيقة التي يمكن أن يقع فيها أي مسلم بحكم انتمائه العرقي أو الجغرافي أو القومي، فيرتقي بهموم المسلمين وهموم الشعوب الإسلامية إلى مستوى هم الأمة الإسلامية، الأمة الواحدة.

بذلك نجد أن القائد يقارب كثيراً في هذه الكلمة وما يفعله أو ما يسلكه من سلوكات أو يجريه من إجراءات تجاه هذه الفريضة، يقارب كثيراً ما فعله أهل البيت (ع) في السابق.

هذا الاستنهاض وإذا صح التعبير بيان الخريطة السنوية على الأقل للأمة ببيان أولويات صراعها وطبيعة التحديات المحيطة بها والفرص والتهديدات وبوادر الأمل ومخططات العدو وأين يستهدف، وما المكامن الأساسية للقوة التي تتمتع بها هذه الأمة ويستهدفها العدو، هذه تحتاجها الأمة من سنة إلى أخرى لكي تحدد البوصلة خصوصاً في ما يخص النخب وكذلك باقي طبقات المجتمع. ولكن النّخب معنيّون سواء نخب أكاديمية أو حوزوية أو فكرية بهذا الخطاب أكثر ومعنيّون بإيصاله أكثر إلى باقي شرائح وطبقات الناس وتبيانه، ولعله جزء من جهاد التبيين الذي يؤكده الإمام الخامنئي منذ أشهر بشكل مكثف.

نجد هنا أن القائد يبين نقطة في ما يخص هذه الفريضة، هي تركيبة هذه الفريضة. الآفة التي تصيبنا نحن المسلمين في أداء الكثير من العبادات - إن لم نقل كلها - أننا ننسى أو نغفل عن أهداف هذه العبادات وفلسفتها فتتحول هذه العبادات إلى عادات أو شعائر خاوية وخالية لا تستطيع أن تؤثر وتساعد هذه الأمة في طيّ مراحل الكمال فضلاً عن أن تجتاز هذه التحديات التي تواجهها.

يبين القائد هنا حقيقة من حقائق هذه الفريضة هي أنها فريضة مركبة من عنصرين أساسيين يعبر عنهما القائد بأنّهما إكسير مهم للحياة أو إكسير واهب للحياة، وهما عنصر الروحية أو الروحانية وذكر الله والارتباط بالله والثقة بوعوده، والعنصر الآخر هو عنصر الوحدة الذي هو العنصر ذو البعدين السياسي والروحاني. هذه التركيبة لعلها هي الأساس لفهم كنه الإسلام عامة. الدمج بين الروحانية وبين البعد السياسي أو إذا صح التعبير بعد تدبير الأمور الدنيوية. ومن هنا يؤكّد القائد هذه النقطة ويبين أن هذه التركيبة يجب أن تكون حاضرة في ذهنية الأمة التي تؤدي هذه الفريضة.

أيضاً يبين نقطة أخرى مهمة في معرض الحديث عن استثمار هذه الفريضة هي هذه الأمة يجب أن تنهض لكي تتجاوز العوائق التي يضعها العدو في طريق تحقيق هذين العنصرين، هذين المركبين اللذين يركبان الحج، المركبين اللذين يركبان الفريضة. ففي لحاظ البعد السياسي الذي هو بعد الوحدة بعد لم شمل الأمة، بعد وحدة الأمة في أولوياتها وثقافتها في نبذ كل أشكال التفرقة مثلما ذكر القائد تفاصيل من حيث اللون والعرق والجغرافيا والقومية واللسان، هنا لا بدّ أن يكون للأمة مواجهة وهبة ونهضة في مواجهة هذه العوائق التي هي من قبيل التفرقة والتي يضعها العدو إزاء البعد السياسي الذي له انعكاسات واضحة على الساحة السياسية في العالمين الإسلامي والعربي، مثلما نرى تفرق الأمة وتفتت الأمة وما إلى ذلك.

أما من حيث البعد الروحي، فيتكلم على ما يضعه العدو في قبال البعد الروحاني، أو ما يروج له الغرب وهو نمط الحياة الغربي المعتمد أيضاً ويختزل الحياة والكون بالبعد المادي فيبين هنا القائد مسار المواجهة وما يجب أن ندافع عنه وما يجب أن ننهض من أجل إحيائه ويبين أيضاً ما يفعله العدو لإماتة هذه الركائز الأساسية أو لسلب هذا الإكسير. تعبر بعض الروايات أن الشيطان أقام إزاء كل حقّ باطلاً، وهنا يبين القائد ما هو الحق وما هو الباطل الذي أقيم إزاء هذا الحق. هذه مسألة مهمة جداً وأساسية في تصحيح رأي الأمة وتوجيه رأي الأمة.

النقطة الأخيرة التي أود أن أختم بها الحديث ولا أطيل وأسمح أيضاً للإخوة أن نستفيد من مداخلاتهم وإفاضاتهم هي الظروف عندما يستنهض القائد الأمة، فالاستنهاض يأتي في ظروف مؤاتية أكثر مما مضى وهذه الظروف خلاصتها أو ملخصها ثلاثة أمور.

الأمر الأول هو الواقع الذي تعيشه الأمة، وهذا الواقع. الأمة اليوم صارت أكثر وعياً بقيمة ما تملك من إرث روحي وفكري ومعنوي، وصارت أكثر وعياً بهزالة وضعف ما قدم لهم من الغرب، أو ما قدم لهم العدو، وهو ما يلخصه القائد بالتحفتين كما يعبر تحفتي الحضارة الغربية وهما الليبرالية والشيوعية، وإن كانا الآن ليسا في المستوى السابق قطعاً بل هما في تسافل واضمحلال وفي خريف، إن لم نقل إنهما في شتاء قارص بارد. هذا الأمر مهم على مستوى وعي الأمة. هذه النقطة التي يعبر عنها القائد بالصحوة الإسلامية، فالصحوة معناها معرفة قيمة ما نملك وهزالة ما يقدمه العدو، ومعرفة هذه البضاعة المزجاة التي طالما قبلناها لسنين كثيرة، وقد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.

الأمر الآخر المهم أو الظرف الآخر المواتي هو الظرف المتعلق بما ينتج عن هذا الوعي الذي يجب علينا كنخب أن نشيعه في ذهنية الناس وفي ثقافة الناس وهو المقاومة. عندما يجد هذا الإنسان هذا الواقع ويدرك هذا الواقع تتولد لديه روح المقاومة الذي يعبر عنها القائد بأنها تجلٍّ لمفاهيم الإيمان والتوكل والجهاد، وهذه المسألة أيضاً مهمة جداً وأساسية في تحقيق الاستنهاض، أي في تحقيق النهضة. فالقائد عندما يستنهض الأمة لا بدّ أن تنهض الأمة وتستجيب له، فواجب القائد الاستنهاض ومسؤولية الأمة النهضة والاستجابة والتلبية، وفق هذه الظروف الثلاثة.

الظرف الثالث والمهم هو النموذج في ظل هذا الواقع وهذه الروحية، روحية المقاومة، التي لها انعكاسات حتماً. وليس المراد فقط المقاومة العسكرية وإنما المقاومة في شتى المجالات الفكرية والاجتماعية والعسكرية من ضمنها، وأيضاً النقطة الأخيرة النموذج، أي في ظل هذا الواقع والروحية هناك نموذج يمكن تشبيهه بالبدر في الليلة الظلماء، هو كمنارة مصباح في ظل الطريق أمام هذه الأمة التي تبحث عن الخلاص من هذه التحديات التي تواجهها. وهذا النموذج يضخّ في داخل الأمة الأمل وهو كأنما يبين للأمة أن المستقبل الذي وعدتم به قابل للتحقيق لأن هناك نموذجا حقق نسبة كبيرة من هذا الأمل ويمكن أن تسيروا أنتم الأمة على خطى هذا النموذج وأن تستلهموا منه الدعم والصبر والثبات، هو فقط بمجرد كونه نموذجاً لتجربتنا أو لثقافتنا أو لما نعتقده نحن المسلمين وما ننظر به إلى الإسلام وكيفية نمط الحياة وطريقة العيش، ومحاكاته عامل قوة وعامل جاذبية كبيراً جداً لما نريد أن نذهب باتجاهه ونستنهض الأمة باتجاهه.

أعتذر جداً على الإطالة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون فعلاً ممن يقيم هذه الفريضة، وأن نرزق وجميع الإخوة والمستمعين الذين لم يرزقوا لأداء هذه الفريضة أن يرزقوا أداءها ويوفقوا لأدائها قريباً عاجلاً.