شهدنا نجاحات في المجال العسكري والتوسعي للاحتلال منذ نشأة الكيان الصهيوني حتى منتصف الثمانينيات، مما يعني أن "إسرائيل" حققت ردعاً بطريقة ما في تلك الفترة. لكن شيئًا فشيئًا بعد التسعينيات، وخاصةً بعد دحر "إسرائيل" من جنوب لبنان، انقلبت الموازين لصالح الشعب الفلسطيني والمقاومة، بعد ذلك شهدنا انتصارات متتالية لجبهة المقاومة داخل فلسطين وخارجها. شهدنا في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد سيف القدس، نشوء أشكال جديدة من النضالات ضد الاحتلال داخل فلسطين المحتلة. من ناحية أخرى، شهد الكيان الصهيوني خلال العامين المنصرمين حكومات غير مستقرة وأزمات سياسية واجتماعية داخلية. يبدو أن هذه الأحداث أثرت على قوة الكيان وردعه السياسي والعسكري. كيف تحللون هذه العوامل وهل يمكن القول إن الكيان الصهيوني فقد قدرة ردعه؟

أعتقد أنه إذا أردنا كتابةَ تاريخٍ مختصرٍ للكيان الصهيوني، يجب أن نشير إلى أنه لدينا مرحلة تأسيس وبناء الأرضية لتأسيس هذا الكيان. في الواقع، بناء دولة عليها شعب، وقد اجتمع فيها الصهاينة ليتكاتفوا لبناء دولة ولبناء شعب في آن واحد، فلم ينجحوا في بناء الشعب، أما فيما يتعلق بتأسيس الدولة عام 1948، هذا الكيان تم صنعه بالتواطؤ مع القوى الموجودة في ذلك الزمان مثل بريطانيا وأمريكا وروسيا والاتحاد السوفيتي، وكذلك الأمم المتحدة. على الرغم من أن الكيان الصهيوني احتل أقل من 6٪ من الأراضي الفلسطينية وكانت أكثر من 94٪ من الأراضي مملوكة للفلسطينيين بشكل قانوني، إلا أنه رغم ذلك تم تشكيل حكومة "إسرائيل" المزيفة. اتبع الصهاينة سياستين في نفس الوقت. إحداهما سياسة قتل الشعب الفلسطيني وسكان هذه الأرض الأصليين حتى يضطروا لمغادرتها، والأخرى جلب اليهود إلى الأرض الفلسطينية.

لقد اعتقدوا أن جلب اليهود من جميع أنحاء العالم يعني ضخ دماء جديدة في عروق "إسرائيل". اعتقد الصهاينة أنه كلما استمرت هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة، وكلما ازداد استمرار سياسة جلب وتهجير اليهود إلى فلسطين المحتلة، ستُضخ المزيد من الدماء في الدولة الصهيونية. لذلك، لم يكن البناء السكاني الذي يُعرف الآن بـ"إسرائيل" المتواجد في فلسطين المحتلة نتيجة لعملية تجديدية وطويلة الأمد امتدت لعدة قرون، ولكن هذا التكوين السكاني استند إلى هجرة اليهود من مختلف أنحاء العالم و حسب المخططات العامة للصهاينة. نقلت الوكالة اليهودية المتطوعين اليهود، أو بالأحرى اليهود الذين استدرجوهم إلى فلسطين. لذلك تشكلت هذه الدولة على هذا النحو. لكنهم لم يتمكنوا من بناء الشعب.

دخل الكيان الصهيوني بعد تأسيسه مرحلة الاستقرار والتنمية. فمنذ عام 1948، وعلى الرغم من صدور قرار تقسيم فلسطين، احتلت أجزاء أخرى من فلسطين لم تكن تحت سلطتهم من قبل. في عام 1967، خلال حرب الأيام الستة بين العرب و"إسرائيل"، ضاعف الصهاينة أراضيهم المحتلة أربع مرات. أي أنه بالإضافة إلى الـ 22٪ المتبقية من الأراضي الفلسطينية، فقد احتلوا أجزاء كبيرة من صحراء سيناء في مصر ومنطقة الجولان في سوريا. وضاعفوا أراضيهم أربع أضعاف. وفي عام 1982 هاجم الكيان الصهيوني لبنان بذريعة مواجهة عمليات فصائل المقاومة الفلسطينية المتمركزة في لبنان واحتل أكثر من نصف الأراضي اللبنانية. وهنا اعتقد أن احتلال لبنان سيكون مثل احتلال أراض عربية أخرى. ما يعني أن بإمكانه أن يوسع حدوده وأن يضم بالفعل مناطق لم نشهد احتلالها رغم توقعاتنا بذلك. في نفس الوقت من عام 1982، قدم أريئيل شارون أيضًا خطة للاستيلاء على آبار النفط في منطقة الخليج الفارسي وكان على يقين من أنه إذا تقدم الجيش الإسرائيلي إلى منطقة الخليج الفارسي، فسيكون قادرًا على احتلال آبار النفط في المنطقة. لذلك، كانت السياسة التوسعية للكيان الصهيوني ناجحة تمامًا بالنسبة لتل أبيب وكانت لها اليد العليا حتى ذلك العام.

في الحقيقة انتهج الصهاينة سياسة الردع ضد العرب، فظن العرب أنهم لن يستطيعوا محاربة الكيان الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة ودول غربية أخرى. واجه الصهاينة مقاومة عند مدخل بيروت الجنوبي. يجب أن نعتبر العام 1982 الذي هاجم فيه الصهاينة لبنان، وتأسست المقاومة ضد احتلال الكيان الصهيوني للبنان، نقطة النهاية للاحتلال والتصرف التوسعي للكيان الصهيوني. منذ عام 1982، انطلقت مجموعات المقاومة تدريجياً. في لبنان، دق ناقوس الخطر لانهيار الكيان الصهيوني. واضطر هذا الكيان إلى الانسحاب من لبنان شيئاً فشيئاً ومن منطقة إلى أخرى.

وصل الكيان الصهيوني عام 2000 إلى نقطة أُجبر فيها على الانسحاب من لبنان. فالمقاومة الإسلامية في لبنان التي أعلنت عملياً وجودها عام 1984 - رغم أنها قد تشكلت بالفعل قبل ذلك - وجهت ضربات متتالية وقاصمه للكيان الصهيوني، اضطرته بعد ذلك إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية. لذلك انسحب بالكامل من الأراضي اللبنانية عام 2000.

أدى أداء حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان إلى إحياء الجيل الفلسطيني المنسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. في عام 1987 نشهد قيام الانتفاضة الفلسطينية. كان لهذه الانتفاضة تأثيرٌ كبيرٌ على فلسطين والفلسطينيين وحتى على الإسرائيليين أنفسهم. فقد شعر الفلسطينيون بشرعية مقاومتهم لأنهم بدأو يشعرون أنهم يبرزون ببطء في الرأي العام العالمي. كما شعر الإسرائيليون أنه على أي حال، لا يمكن تحقيق النتائج المرغوبة في بناء دولة إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لذلك، يمكننا أن نرى أنه منذ ذلك الوقت، ازدادت الأفكار التي يشوبها التردد حول اتجاه الصهيونية لتشكيل "إسرائيل" الكبرى، وانتقد بعض اليهود والإسرائيليين والمنظرين الإسرائيليين التوسع الصهيوني. لقد اعتقدوا أن لا ينبغي اعتبار إقامة الدولة الفلسطينية تهديدًا بل ضرورة أمنية ويجب النظر إليها بطريقة خاصة. كان هذا الرأي الشائع بين المجتمع الإسرائيلي وسياسييه. لكن بعض المتطرفين اليمينيين والدينيين عارضوا ذلك. لذلك، بدأ الحديث عن السلام والمفاوضات مع الفلسطينيين ومنح حكم ذاتي لسلطة في أرض معينة من فلسطين، وعن بناء الدولة الفلسطينية عمليًا إلى جانب الحكومة الإسرائيلية، واتباع سياسة الدولتين. من الناحية السياسية، يمكن القول إنه كان فشلًا للكيان الصهيوني، الذي لم يكن مستعدًا للاعتراف بالشعب الفلسطيني على الإطلاق. هذه أيضًا نقطة يجب الانتباه إليها.

هُزم الكيان الصهيوني في لبنان وتشكلت تدريجياً انتفاضة داخل فلسطين. اندلعت الانتفاضة الأولى عام 1987 وحصلت العديد من الأزمات بسبب التركيبة السكانية للكيان الصهيوني. وبهذه الطريقة بدأ اسحاق رابين مفاوضات السلام عام 1991، مع منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الدول العربية، وفي عام 1993، تم الاتفاق على معاهدة أوسلو للسلام. كان إسحاق رابين  يقول إنني آمل يومًا ما أن أستيقظ وأجد قطاع غزة بكل سكانه قد ابتلعهم البحر. لهذا الحد واجهت الأزمات الكيان الصهيوني. سواء على الصعيد الأمني ​​في الداخل أو على الصعيد السياسي. فبسبب عدم تنفيذه حتى لاتفاقية أوسلو، تعرض لنوع من العزلة السياسية من قبل الرأي العام العالمي. استمر هذا الوضع حتى اضطر الكيان الصهيوني للانسحاب من غزة عام 2005 وانتصرت المقاومة لأول مرة وتمكنت من تحرير منطقة فلسطينية محتلة وتحويلها إلى قاعدة للمقاومة. المقاومة الفلسطينية في غزة، وخاصة المقاومة الإسلامية، بدأت تنظم نفسها، وبعد ذلك شهدنا هزيمة تدريجية للكيان الصهيوني. الكيان الصهيوني، الذي فشل على الصعيدين السياسي والعسكري، اتخذ خطوة في عام 2006 أدت إلى هزيمة الصهاينة في حرب استمرت 33 يومًا مع حزب الله. لقد هاجموا غزة في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009 خلال الحرب التي استمرت 22 يومًا. بعد ذلك، في عام 2012، كانت هناك حرب استمرت 11 يومًا، ثم في عام 2014، حرب استمرت 51 يومًا، ومن المثير للاهتمام أن الكيان الصهيوني عانى من الهزيمة في كل هذه الحروب. الكيان الذي استطاع مضاعفة أراضيه المحتلة عام 1967 أربع مرات، هزمته المقاومة في كل هذه الحروب التي خاضها مع قطاع غزة الذي لا يزيد عرضه عن 365 كيلومترًا وفي بعض المناطق يبلغ عرضه 6 كيلومترات. حسنًا، كانت هذه الإخفاقات المتتالية تعني، أولاً وقبل كل شيء، تقويض قوة الكيان الصهيوني وردعه السياسي والعسكري، وأن هذا الكيان على وشك الانهيار. بحسب بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني قال إن الهزيمة الأولى ستكون الهزيمة الأخيرة وقد حدث ذلك. فقد توالت هزائم الكيان الصهيوني الواحدة تلو الآخرى. ووصل به الحال إلى نقطة اضطر فيها إلى مواصلة المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية حفاظًا على وجود وهوية الصهاينة المستوطنين في فلسطين المحتلة. وعليه، فإن العوامل المذكورة، سواء في الخارج أو الداخل، تدل على أن الكيان الصهيوني تحول من كيان إرهابي وعنصري توسعي غير شرعي إلى كيان جبان وخائف يرى كوابيس الانهيار في كل لحظة.

كانت قيادات الكيان الصهيوني، بما في ذلك رئيسه، قد حذرت مرارًا وتكرارًا من انهياره من الداخل خلال الأشهر الماضية. هل يمكن أن يكون هذا الأمر لوحده أحد العلامات المهمة في تسريع الانهيار التدريجي للكيان الصهيوني؟

كانت قيادات الكيان الصهيوني، بما في ذلك رئيس هذا الكيان، قد حذرت مرارًا وتكرارًا من انهياره من الداخل في الأشهر الماضية. والسبب يكمن في طريقة تكوين الكيان الصهيوني نفسه. ماذا سيحدث إذا تم حقن دم ملوث في شخص مريض؟ من الطبيعي أن يبدأ هذا الدم الملوث بالتأثير تدريجياً ويسبب موت ذلك الشخص أو ذلك الإنسان. منذ البداية، قالت قيادات الكيان الصهيوني إن نقل اليهود إلى فلسطين بمثابة ضخ دماء في عروق "إسرائيل"، لكنها لم تكن تعلم أن هذا الدم ملوث. لماذا؟ لأن اليهود الذين تم تهجيرهم ونقلهم إلى فلسطين من أصول ثقافية واجتماعية واقتصادية مختلفة. الشيء الوحيد المشترك بينهم هو أنهم يهود. لذلك، كانت بنية المجتمع الإسرائيلي دائمًا بنية خاصة وضعيفة. كما أدى الجمع بين المهاجرين اليهود والسكان الأصليين لفلسطين في البداية قبل قيام الكيان الصهيوني إلى تعميق وتعقيد الانقسامات الداخلية لـ"إسرائيل". أي، كان هناك سكان مهاجرون يهود في فلسطين المحتلة وسكان فلسطينيون أصليون لديهم خلفية تاريخية قديمة في هذه الأرض ومعروفة بالثقافة الإسلامية واللغة العربية. تشكلت هذه الفجوة الاجتماعية من البداية.

تدريجياً، ازدادت هذه الانقسامات الاجتماعية في الأجواء السياسية للكيان الصهيوني، وانتشرت في المجتمع اليهودي، وأدت إلى تعدد الأحزاب السياسية وتنوعها، وواجهت العملية السياسية في "إسرائيل" دائمًا تعقيدات كبيرة. لماذا حدث هذا؟ لأن عددًا من اليهود كانوا من أصل غربي، يُطلق عليهم يهود أشكنازيين. وكان هناك أيضاً عدد من اليهود أتوا من آسيا وأفريقيا. كان لكل منهم ثقافات مختلفة وبعضهم لم يكن يهوديًا على الإطلاق من حيث المعتقدات. تم جلبهم إلى هذه الأرض فقط لزيادة عدد سكان "إسرائيل". لذلك، منذ ذلك الحين، على الرغم من وجود حزبين رئيسيين في "إسرائيل"، حزب العمل وحزب الليكود، رأينا دخول الانقسامات الاجتماعية تدريجياً في العملية والأجواء السياسية في إسرائيل. كما نشأت الفجوة بين الديني والعلماني في وقت لاحق. حسنًا، في الواقع، يمكن القول إن هذه الفجوات تسببت في عدم وجود توافق بين الفئات الاجتماعية وخلقت في النهاية أزمة في تشكيل الهوية السياسية والوطنية وعملية بناء الأمة داخل المجتمع الصهيوني.

عندما نضع الانقسامات الداخلية لـ"إسرائيل" بجانب البيئة الأمنية للكيان الصهيوني، نرى أن احتمال انهيار هذا الكيان يزداد ويظهر بالفعل. كانت البيئة الأمنية الإسرائيلية ولا تزال قضية مهمة للغاية بالنسبة للكيان الصهيوني، ونرى أن البيئة الأمنية الإسرائيلية لا تزال حرجة بعد أكثر من سبعة عقود. وما زال الاشتباك والصراع الداخلي بين فلسطين و"إسرائيل" يعتبر الصراع الدولي الأساسي وبؤرة الصراع بين العالم الغربي والإسلامي. في هذا الصدد، أشار المنظرون الصهاينة إلى أن سياسة القمع داخل الأراضي المحتلة والحفاظ عليها لم تعد تضمن أمن "إسرائيل".

يمكن القول أن سلسلة التغيرات الفكرية والاجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي المتفكك منذ عام 1987، عندما انطلقت الانتفاضة، وخاصة خلال العقدين أو الثلاثة عقود الماضية، كانت واضحة تمامًا، وفي العقد الماضي شكلت أيضاً تحديا سياسيا مهما للكيان الصهيوني وانعكست هذه التطورات الاجتماعية على الساحة السياسية. وبناءً على ذلك، فإن تحذيرات السلطات الصهيونية من انهيار هذا الكيان هي بنفسها إحدى العلامات المهمة على سرعة الانحدار التدريجي للكيان الصهيوني.

بالطبع، هناك قضايا أخرى أثارها ذوي النظرة التشكيكية حيث ظهرت وجهات نظر مختلفة، ونشأت المزيد من الخلافات بين الصهاينة، وحدثت انقسامات مختلفة داخل الأحزاب بحيث أنه لم يتمكن أي حزب من تشكيل حكومة مستقرة أو تشكيل حكومة بمفرده خلال العقدين الماضيين. هذه كلها علامات على انهيار الكيان الصهيوني.

تشير التطورات الأخيرة في العالم الإسلامي إلى تقارب الدول الإسلامية بعضها من بعض، بحيث نرى في الأخبار التحركات بين دول المنطقة وخاصة الدول الإسلامية. هل يمكن لتقارب الدول الإسلامية من بعضها البعض أن يساعد المقاومة الفلسطينية؟

إنّ التطورات الأخيرة في العالم الإسلامي هي إحدى آثار الانهيار التدريجي للكيان الصهيوني وسقوطه. هذا الكيان فعل كل شيء لتطبيع العلاقات مع الأنظمة العربية. تدخل بشكل مباشر وغير مباشر في دول المنطقة المختلفة. بعد أن اضطر إلى التراجع من لبنان، حاول التسلل إلى سوريا بشتى الطرق، ولعب دورًا مهمًا في نشوء الفتنة التكفيرية في هذا البلد، لكن تل أبيب فشلت في سوريا.. لعب الصهاينة عبر التيارات الواقعة تحت تأثيرهم في سوريا دورًا مهمًا في تشكيل الفتنة التكفيرية. وحاولوا كثيراً، إلى جانب الأمريكيين والأوروبيين وبعض دول المنطقة مثل السعودية وقطر والإمارات وتركيا وبعض الدول الأخرى، إضعاف هذا البلد وإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. لكن رغم ذلك فشل الصهاينة أيضًا في سوريا، كما عانوا من الهزيمة في اليمن. فشلوا أيضًا في دول أخرى في المنطقة، كذلك فشلوا في الحفاظ على الرأي العام العالمي.

إحدى التطورات الأخيرة في المنطقة المفاوضات بين إيران والسعودية واتفاقهما مع بعضهما البعض. بعدما فشلت دولتان مهمتان في المنطقة، السعودية وتركيا، في الأزمة السورية، وخصوصاً فشل السعودية في لبنان واليمن، حيث لم يستطع الأمريكيون مساعدتهم. وأصبحت جمهورية إيران الإسلامية يوما بعد يوم أكثر قوة وتأثيرا في المعادلات السياسية في العالم، لذلك لم يكن أمامها سوى طريق واحد وهو استئناف علاقاتها مع إيران. أي أن السعودية، تليها الإمارات، ثم النظام البحريني أجبروا على قبول شروط جبهة المقاومة. لذلك تبنى السعوديون بعد ذلك موقفاً متوافقاً مع دول المنطقة الإسلامية ومنظمة التعاون الإسلامي في الأحداث الأخيرة لفلسطين المحتلة، وهذا يعني تقارباً أكبر بين الدول الإسلامية. هذا يدل على أن الكيان الصهيوني على طريق الانهيار، لأنه حاول توسيع نفوذه من خلال تطبيع العلاقات مع الدول العربية في المنطقة، وخاصة منطقة الخليج الفارسي، ومع ذلك، تحول هذا الهدف إلى سراب أيضًا.

شدد قائد الثورة في تصريحاته الأخيرة على أن استراتيجية العالم الإسلامي اليوم تجاه فلسطين يجب أن تكون لمساعدة حركات المقاومة داخل فلسطين. ما هي برأيك الحلول المتوفرة لتحقيق هذه الاستراتيجية؟ وهل يمكن اعتبارها أحد أهداف تقارب دول المنطقة من بعضها البعض في الأشهر القليلة الماضية تعزيز وحدة الأمة الإسلامية من أجل حل القضية الفلسطينية؟

إن الاستراتيجية التي ذكرها قائد الثورة الإسلاميّة تقوم على فكر سياسي إسلامي خالص مشتق من القرآن الكريم والتعاليم الدينية. «وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ» حسنًا، هذا حل مهم جدًا للعالم الإسلامي. لذلك نرى أنه انطلاقاً من هذا الحل يمكن اقتراح استراتيجية لمساعدة القضية الفلسطينية والمجاهدين الفلسطينيين ويمكن أن تصل هذه الاستراتيجية إلى النتيجة المرجوة. كما أن النقطة الثانية في استراتيجية قائد الثورة الإسلامية، عندما قال أن على العالم الإسلامي أن يساعد القضية الفلسطينية، تقوم على تجربة تاريخية. فكيف كان الوضع داخل الكيان الصهيوني حتى عام 1982؟ عندما هاجم الكيان الصهيوني لبنان وفي كل عام مضى كيف كان وضعه؟ أي خلال الأربعين سنة الماضية وأكثر. هذا الكيان أجبر على التراجع مرحلة بمرحلة ومنطقة بمنطقة. كانت استراتيجية مساعدة حركات المقاومة داخل فلسطين استراتيجية ناجحة. إن تسليح قطاع غزة عرّض الكيان الصهيوني بشكل كامل لضرر جسيم، بحيث تضاعفت ظاهرة الهجرة العكسية أو هجرة اليهود إلى أوطانهم، وحاول الكيان الصهيوني منع اليهود من الفرار من فلسطين المحتلة عبر تطبيق قوانين مختلفة، كي لا يعودوا إلى بلادهم. لذلك، كانت هذه الاستراتيجية ناجحة تمامًا. أما فيما يتعلق بالحلول المتوفرة لتحقيق هذه الاستراتيجية، فإن إحدى النقاط التي أشار إليها قائد الثورة بالفعل هي المساعدة في تسليح الضفة الغربية. يجب أن يتم ذلك من قبل حركات المقاومة بأي طريقة ممكنة. صحيح أنه أحد الحلول الأمنية والعسكرية وله أسلوبه الخاص، لكن أحد الحلول الأخرى في محيط فلسطين المحتلة المطروحة لتحقيق هذه الاستراتيجية التي ذكرها القائد هي تقارب دول المنطقة من بعضها البعض، أي تقريب وجهات نظر الدول الإسلامية من بعضها البعض من الناحية السياسية. وهذا يعني أن سياسة التقريب في المنطقة، وخاصة بين الدول الإسلامية، يجب أن تنمو، وينبغي تعزيز علاقات حسن الجوار مع دول المنطقة. علاوة على ذلك، أدركت الدول العربية في المنطقة أن جمهورية إيران الإسلامية كانت نزيهة تمامًا في عرض سياساتها واستراتيجياتها وليس لديها طمع في ضم أراضي الدول العربية الأخرى. ينبغي عليهم أن يزيدوا من التأكيد على هذه الفكرة، وأن يختاروا التقارب مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مما يساعد على تقوية وحدة الأمة الإسلامية وبناء أمة إسلامية واحدة.

كما أن الحل الآخر يكمن في مواءمة الرأي العام العالمي مع القضية الفلسطينية من خلال وسائل الإعلام المتاحة. على الرغم من أن القوة الإعلامية للدول الإسلامية أو على وجه التحديد محور المقاومة ضد وسائل الإعلام لمنظومة الهيمنة والصهيونية العالمية صغيرة، وربما لا يمكن ملاحظتها، لكن تأثير السياسات الإعلامية لحركة المقاومة على الرأي العام في العالم كان أكبر. مثال على ذلك أنك إذا نظرت الآن في الدول الأوروبية وحتى في الولايات المتحدة سترى لديهم نوعاً جديداً من التفكير والعقلية تجاه الكيان الصهيوني.

لذلك، يجب إيلاء هذا الحل، الذي طالما أكد عليه قائد الثورة الإسلاميّة، اهتمامًا خاصًا ونشره على الملأ. وكذلك لا بدّ من التأكيد على القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية من قبل الفلسطينيين أنفسهم. يبدو أن هذين الحلين أو الثلاثة اللذين أشرت إليهما في المجال الإعلامي والسياسي يمكن لها أن تقوّي وحدة الأمة الإسلامية من أجل حل القضية الفلسطينية. بطبيعة الحال، فإن تعزيز العلاقات الاقتصادية للدول الإسلامية مع بعضها البعض أمر مهم أيضًا. إن وحدتهم النظرية فيما يتعلق بهيمنة الدولار وكذلك فيما يتعلق بمنع استيراد السلع الغربية وخاصة الإسرائيلية في الدول الإسلامية هي حلول يجب أن تأخذها جميع الدول الإسلامية بعين الاعتبار في المجال الاقتصادي.