بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، أصحاب السماحة والفضيلة، العلماء الكرام الإخوة ممثلي الفصائل والأحزاب اللبنانية والفلسطينية الإخوة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بدايةً، تقبل الله أعمالكم وكل عام وأنتم بخير حيث أننا نلتقي اليوم في رحاب شهر ذي الحجة شهر الحج والطاعات شهر الوحدة والتضحية. فإن الله سبحانه وتعالى شرع الحج لحِكم كثيرة وأسرار عظيمة ومنافع جمة أشار إليها سبحانه في قوله تعالى: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج، 27-28-29). فأوضح سبحانه في هذه الآيات أنه دعا عباده للحج ليشهدوا منافع لهم وفسر العلماء هذه المنافع وقسموها إلى جزئين منها منافع في الدنيا ومنها منافع في الآخرة. ويأتي هنا نداء سماحة الإمام الخامنئي حفظه الله للحجاج، يأتي أو یُستنبط من هذه الآية الكريمة المنافع التي يجنيها الحجاج ويجنيها المسلمون عموماً، فأهم منفعة في الدنيا هي الوحدة الإسلامية التي أشار إليها نداء الإمام الخامنئي وأهم منفعة في الآخرة هي الروحانية التي تؤدي إلى رضا الله سبحانه وتعالى في الآخرة حيث يحصل الحاج أو الإنسان المسلم على رضا الله وعلى الثواب من الله سبحانه وتعالى من خلال إيمانه وتعلقه بالله وذكره لله وإخلاصه في عبادته.

فنداء الإمام الخامنئي هو ترجمة لهذه الآية الكريمة وهي ترجمة للمنافع؛ منافع الدنيا ومنافع الآخرة. فالدعوة إلى الوحدة بين المسلمين هي من أهم فوائد الدنيا التي يمكن أن يحصل عليها الحجاج بشكل خاص، والمسلمون بشكل عام. فالحج يوحد المسلمين ويساعدهم على التعارف والتعامل ومعالجة قضاياهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية خصوصاً وأن المسلمين اليوم في حاجة ماسة إلى الوحدة والتعاون لنصرة قضايا المظلومين من أمتنا، ومن هذه القضايا اليوم قضية فلسطين حيث يخوض شعب فلسطين معركة تحرر وطن ضد الاحتلال الصهيوني وتابعتم قبل أيام قليلة، واليوم وأمس وغدا تتابعون ما تقوم به حكومة الاحتلال الصهيوني من عربدة ومن إغتيالات ومن إجتياحات ومن مصادرة للأراضي في فلسطين ومن بناء وحدات إستيطانية ومن مخطط لتهويد مدينة القدس وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً. هم أعلنوا رسميا أنهم يريدون أن يقسموا الأقصى مكانياً 70 بالمئة لليهود و30 بالمئة للمسلمين. هذا مخطط كبير مخطط خطير يهدد القدس يهدد الأقصى يهدد فلسطين فهذه من أهم القضايا التي نحن بحاجة إلى نصرتها كمسلمين وبحاجة إلى أن نتوحد أولا حتى ننصر قضايا المظلومين ومنها قضية فلسطين.

كذلك إن عوامل الوحدة الإسلامية متوفرة اليوم، وأهم هذه العوامل اثنان، أطرحهما الآن. العامل الأول الوحدة الدينية، إن الدين عند الله الإسلام. نحن كمسلمين لدينا دين واحد، إن الدين عند الله الإسلام، إلهنا واحد نبينا واحد قرآننا واحد قبلتنا واحدة. الله سبحانه وتعالى سمانا المسلمين، قال تعالى: "وَجاهِدوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ ۚ هُوَ اجتَباكُم وَما جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ ۚ هُوَ سَمّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ وَفي هٰذا لِيَكونَ الرَّسولُ شَهيدًا عَلَيكُم وَتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ ۚ فَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعتَصِموا بِاللَّهِ هُوَ مَولاكُم فَنِعمَ المَولىٰ وَنِعمَ النَّصيرُ" (الحج، 78). الله سبحانه وتعالى سمانا المسلمين فالسؤال هنا متى نلتزم بهذه التسمية ونتخلى عن التسميات التقسيمية التي تقسم الأمة، التقسيمات الطائفية والتقسيمات المذهبية. نحن مسلمون جميعاً، وإن الدين عند الله الإسلام. فلذلك أتوجه إلى العلماء والمسؤولين وقادة الرأي والفكر لنعتمد تسمية المسلمين ونترك التسميات الأخرى التي تقسمنا والتي يدخل منها الاستعمار الذي يجزئ هذه الأمة ويعزز الشرخ بين المسلمين. فنداء الإمام الخامنئي هو للوحدة الإسلامية، أولى عوامل ذلك أن نسمي أنفسنا كما سمانا الله عزوجل المسلمين.

النقطة الثانية التي تساعد على الوحدة الإسلامية هي القضية السياسية الجامعة. لابد لنا من قضية سياسية جامعة وهي متوفرة اليوم، قضية فلسطين لا خلاف بين المسلمين على هذه القضية. نستطيع كمسلمين من مشارق الأرض ومغاربها أن نقف خلفها، هذه القضية قضية القدس قضية فلسطين هذه قضية جامعة. اليوم عندنا قضية، حيث نستطيع أن نتوحد جميعاً من أجل تحرير القدس من أجل تحرير فلسطين. الخطر داهم اليوم على هذه القضية وهذه هي القضية الوحيدة التي نجمع عليها، فلذلك أمام الوحدة الدينية الموجودة لدينا قضية جامعة وهي قضية فلسطين، ولذا أنا أرى أن دعوة الإمام الخامنئي حفظه الله للوحدة الإسلامية ممكن أن تترجم عملياً أي أنها ليست قضية نظرية فقط، بل هي قضية قابلة للتطبيق لكن علينا أن نأخذ القرار كأصحاب الرأي كأحزاب إسلامية كأحزاب عربية كنخب وعلماء وهكذا...

النقطة الأخرى أو المفهوم الآخر يتمحور حول الروحانية وأتحدث عنه باختصار، الروحانية الإيمانية أي أنّ الحج فيه المنافع للآخرة هذا هو المقصود والإمام الخامنئي أشار إلى ذلك. أي يوجد في الحج منافع اقتصادية وسياسية لكن فيه منفعة روحانية، أب نحصل على ثوابها في الآخرة. ويعني أن نكسب رضا الله سبحانه وتعالى، حيث أننا عندما نصلي وعندما نصوم وعندما نزكي وعندما نحج فنحن نسعى إلى رضا الله عز وجل، وهذا المقصود بالروحانية. إنه فرصة للإنسان ليعود إلى الله سبحانه وتعالى ويُخلص لله سبحانه وتعالى حتى كما قال عليه الصلاة والسلام: "يعود الحاج كيوم ولدته أمه" و "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".  فالروحانية هي التي تؤدي إلى رضا الله عز وجل، لذلك فإنّ الإنسان يعمل للدنيا كأنه يعيش أبدا ويعمل للأخرة كأنه يموت غدا وجزاكم الله خيرا.

 

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir