بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأخ مجتبى أماني، سعادة المستشار الثقافي، السادة العلماء، الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن اختيار الإمام الخامنئي ـ مدّ ظلّه الشريف ـ لعنوان الوحدة والروحانية في ندائه لحجاج بيت الله الحرام يؤكد على عمق اتطلاعه على مشاكل العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص إذ إن المعركة المقبلة هي معركة يخوض فيها المؤمنون صراعاً من أجل تأكيد وحدتهم في مواجهة الفتنة وتأكيد المعاني الروحية التي يذكر بها الإسلام، لمواجهة محاولة أعداء الإسلام والغرب المستكبر لضرب القيم الحضارية والروحية والأخلاقية والإنسانية، من خلال نشر الميوعة ونشر الأفكار المنحرفة والدعوة إلى الشذوذ الجنسي وضرب كل القيم.
بل والاعتداء على ذلك من خلال ضرب المقدسات التي يؤمن بها المسلمون، ويتعدى ذلك القيم والأخلاقيات التي يؤمن بها المجتمع الإنساني والأديان بشكل عام، يعني الهجوم ليس فقط على القيم الإسلامية بل القيم الدينية والإنسانية أيضاً.
ابتدأ الإمام الخامنئي نداءه بقول الله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ هذا النداء، النداء الذي توجه به الله عزّ وجل كما قال الإمام الخامنئي إلى جميع أفراد البشر لم يقل للمسلمين لم يقل للمؤمنين وإنما قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ﴾.
وبالتالي فإنه يمكن للحج أن يتحول من اجتماع للمسلمين يدرسون مشاكلهم ويضعون الحلول الناجعة لها، إلى معالجة لمشاكل البشرية على اختلاف أنواعها، لذلك يقول الإمام الخامنئي ـ مدّ ظلّه ـ: يمكن للحج أن يرفد البشرية كلها بالاعتلاء والارتقاء الروحي والأخلاقي، وهذه هي الحاجة المصيرية للبشر اليوم.
مع معرفة مشكلة البشرية يمكنك من خلالها أن تضع حلولاً لها وتصل إلى نتائج.
ولذلك اعتبر الإمام الخامنئي أن المشكلة التي تعاني منها الإنسانية في هذا العصر هي مشكلة الارتقاء الروحي والأخلاقي، حيث إنه هنالك في المجتمعات الغربية خواء روحي خواء إنساني، خواء أخلاقي لدى هذه المجتمعات الغربية.
الإسلام قادر على تقديم الإجابات لهذه المشاكل التي يعاني منها الغرب، وبالتالي إن البشرية بشكل عام تحتاج إلى النوع من الارتقاء المعنوي والروحي والأخلاقي، وهو ما عبر عنه الإمام الخامنئي بقوله: إنها هي الحاجة المصيرية للبشر اليوم.
إضافة إلى ذلك إن العالم ينقسم في هذا اليوم، إلى عالم مستكبر يهيمن على شعوب العالم المستضعف، يسرق ثرواته ويستعبد شعوبه، ويستعمره ويملي عليه الأمور التي يؤمن بها هو أي الغرب، أو التي يسعى إليها من خلال إبعاده كما قلنا عن القيم الروحية، لذلك هل يمكن للحج أن يقدم مساهمة في مواجهة هذه المشكلات؟
يقول الإمام الخامنئي: إنه في استطاعة الحج أن يدحض جميع مشاريع الاستكبار والصهيونية الرامية إلى السقوط الأخلاقي للبشرية في اليوم والغد، يعني يعتبر الإمام الخامنئي أن كل المشاكل التي نعاني منها اليوم هي ضمن مخطط يعد عند جهاز الاستكبار المركزي والصهيونية العالمية.
يعني بمعنى آخر إن الحج في مفهومه الأساسي هو ما لو تم التعامل معه على أساس ما أكد الله عزّ وجل عليه في كتابه الكريم ﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم﴾، وما لو تم التعامل معه من قبل الحكومة المشرفة ومن قبل حكومات العالم الإسلامي على أساس أنه مؤتمر عام يجتمع فيه المسلمون من أقطار الدنيا ويقومون بالسعي من أجل وضع خطط للنهوض في المجتمعات الإسلامية أولاً، ومن أجل نشر الإسلام في مفاهيمه وأخلاقه في الخطوة الثانية.
ويعمل على تقديم علاجات للمجتمع الإنساني ومواجهة ما يخطط له أعداء العالم الإسلامي وأعداء الإنسانية من الغرب المستكبر، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية التي تعمل لإسقاط المجتمعات في متاهات الانحراف وفي متاهات الميوعة بكل أشكالها.
لذلك قال الإمام الخامنئي: باستطاعة الحج أن يدحض جميع مشاريع الاستكبار والصهيونية. وبالتالي هذه الصهيونية تشكل خطراً لا على مستوى احتلالها لفلسطين فقط، المسألة ليست فقط مسألة احتلال فلسطين، هم يدعمون احتلالهم لفلسطين بتمييعات، بتمييع المجتمعات حول فلسطين وفي خلق الفتنة فيما حول فلسطين.
وإنما تشكل خطراً على مستوى مشروعها العالمي في الهيمنة والسيطرة، وبمساعدة الاستكبار العالمي وعلى رأسه الشيطان الأكبر أمريكا من أجل إسقاط القيم الأخلاقية للبشرية بشكل عام، في اليوم والغد كما قال الإمام الخامنئي، يعني مشروعهم مستمر.
وهنا لابد من الإشارة إلى مسألة مهمة جداً وهي أن الغرب المستكبر يسعى وبكل قوة من أجل أن يكون هو القطب الأوحد، أمريكا تريد وتصر على أن تكون هي القطب الأوحد.
وهو يواجه في هذا المجال قوى عالمية أخرى تسعى لتمنع أحادية سيطرته على العالم، وهي الصين وروسيا والقوة الواعدة التي سيكون لها مستقبل كبير وهي الإسلام المتمثل بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. إلا أن هذه السيطرة بالنسبة للإسلام ليست كالسيطرة بالنسبة إلى بقية الدول، ليست كما هي سيطرة الغرب، سيطرة القوة والسلاح، وإنما هي من خلال بث الوعي وجعل الناس يقتنعون بالإسلام باعتباره المخلص الأوحد للبشرية.
الإمام الخامنئي يقدم من خلال نداء الحاج مشروعا للتغيير العالمي لا على أساس الاحتلال والقمع.. وإنما على أساس تقديم مشروع حضاري يتبناه الناس ويدخلون من خلاله في الإسلام، وهذا مستوى الخطر الذي يشكله الإسلام بالنسبة للغرب.
وبالتالي الغرب التفت إلى خطر الإسلام بشكل أساسي وعمل من خلال توجهين:
التوجه الأول بث الفتنة في المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الأخرى والأديان الأخرى، والأمر الآخر بث الفتنة في داخل المجتمعات. يعني أولاً بين المجتمعات الإسلامية والآخرين، وثانياً في داخل المجتمع الإسلامي.
الأمر الثالث، العمل على تمييع المجتمعات الإسلامية وحرفها عن الإسلام باعتبار أن الإسلام عامل قوة لهذه المجتمعات، ولذا عمل الغرب وهذا استنتاج رائع للإمام الخامنئي، على الفتنة وضرب القيم الروحية فكان نداؤه إلى حجاج بيت الله الحرام أنه عليهم أن يركزوا على الوحدة وعلى الروحانية لذلك يقول: من أجل أن يستطيع الحج ـ كلام الإمام الخامنئي ـ أن يؤدي دوره المطلوب منه من أجل دحض مشاريع الاستكبار والصهيونية العالمية، فإن الشرط اللازم لهذا التأثير على المستوى العالمي أن يسمع المسلمون أنفسهم ـ أن تسمعوا لأنفسكم أولا ـ كخطوة أولى، الخطاب الباعث على الحياة للحج على نحو صحيح، يعني افهموا الحج حتى تستطيعوا أن تغيروا، إذا لم تفهموا لن تستطيعوا أن تغيروا. يعني معنى الحج يجب أن يتغير بالنسبة لفهمكم.
ويسخر كل ما لديهم من همم من أجل تحققه عملياً، بمعنى أن يكون الحج يمتلك في داخل أركانه ومناسكه وأعماله إمكانية أن يحقق ما تقدم، أي أن يكون لديه إجابة، وأن يقدم للعالم وللبشرية إمكانيات الخلاص الروحي والأخلاقي ولكن هذا لن يتحقق إذا لم يقم المسلمون بسماع أنفسهم كخطوة أولى، وأن يحصنوا أنفسهم، وأن يسمع الواحد منهم الآخر، وأن يحققوا الوحدة في داخلهم، وأن تكون الوحدة الإسلامية مقدمة للوحدة الكونية والوحدة الإنسانية.
ولذلك يجب على المسلمين أن يسخروا كل ما لديهم من همم لتحقيق المبادئ الأساسية للحج، لذلك يقول للإمام الخامنئي: إن الركيزتين الأساسيتين لهذا الخطاب الباعث للحياة للحج، على النحو الصحيح هما الوحدة والروحانية، الوحدة والروحانية هما الضامن للارتقاء المادي والمعنوي للعالم الإسلامي حتى تشع أنواره في أرجاء المعمورة.
هذا الكلام هو كلام دقيق جداً، وفي الحقيقة يحتاج إلى أن نؤكد على ضرورة أن يعمل على دراسة هذا النداء من خلال لجان تعمل على تحويله إلى برنامج عملي يمكن أن يستعمل في الحج بل ويمكن أن يستعمل في العمل لتحقيق الوحدة والروحانية على مستوى العالم الإسلامي حتى في خارج الحج.
هذه مهمة المستشاريات الثقافية ولن أكمل الباقي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir