"كان شابا محبوبا. يستمتع المرء بالنظر إلى وجهه، لقد أحببته حقًا ".
هذا ما قاله الحاج قاسم سليماني، الحاج قاسم الذي كان بطلاً ولديه خبرة ثماني سنوات من الدفاع المقدس والصداقة مع النجوم الشهداء الذين عايشوا تلك الأيام. عندما يكون لديه مثل هذا التعبير عن شخص ما، فمن المؤكد أن ذلك الشخص يستحق أن نعرفه بعمق أكبر.
الشاب الذي أحبه الحاج قاسم هو مصطفى صدر زاده. من مواليد عام 1987 في خوزستان، وقد أتت يد القدر به وعائلته أولاً إلى مدينة بابل في محافظة مازندران ثم إلى منطقة كهنز شهريار في محافظة طهران.
كما يتضح من حديث أصدقائه وأفراد أسرته، كان مصطفى مليئًا بالشغف والطاقة والرغبة في التحرك وهو فتى. لا يهدأ كالاسفند (الحرمل) على النار، مليء بالأفكار الجديدة ومترصد لفرص تنفيذها. في كهنز شهريار احتضن "مسجد أمير المؤمنين" هذه الشعلة المتقدة مع العديد من الفتيان الآخرين، ومدّه بالوعي وجعله نفس ذلك الشاب المحبوب الذي يستمتع الحاج قاسم برؤيته.
إذا بحثنا عن مصطفى في الأعمال المنشورة ، سنجده شابًا نحيفًا ونحيلًا يتمتع بصوت جهوري رائع، كانت حيويته وخفة حركته وروح الدعابة من سماته المميزة.
منذ أن كان مراهقًا، أينما وجدَ فنًّا أو مهارة يمكن تعلمها، ذهب إليها على الفور. كان يعتقد أن جندي إمام الزمان يجب أن يكون على دراية بكل العلوم والفنون. تعلم السباحة والمصارعة التقليدية والشطرنج والتدريب العسكري والغوص وحصل على شهادة في معظم هذه التخصصات.
كان مهتمًا جدًا بقراءة كتب سير الشهداء، كان ينظر نظرة خاصة إلى الشهيد إبراهيم هادي. في كثير من الأحيان كان يشتري كتاب "سلام بر إبراهيم" بكميات ويكتب عليه: "وقف لمطالعة الجميع" ويعطيه لمن حوله.
كان مصطفى رائدًا وغزير الإنتاج في الأنشطة السياسية والاجتماعية. بدأ العمل في الباسيج في سن الثالثة عشر وأصبح قائدا للمركز في سن السابعة عشر. تشمل أنشطته كونه كان عضوًا نشطًا في مركز باسيج الغدير شهريار، العمل الجاد لبناء مسجد أمير المؤمنين (ع)، حضور زلزال بم وتقديم الإغاثة للضحايا وإطعام الفقراء في المناطق المحرومة. في سن الحادي والعشرين تزوج من السيدة سامية إبراهيم بور التي كانت أيضا قائدة مركز باسيج الغدير للأخوات. ذكريات السيدة إبراهيم بور عن حياتهما المشتركة موجودة في كتاب "اسمك مصطفى". تقول عن بدايات الحديث في يوم الخطوبة:
"قال مصطفى في ذلك اليوم إنني لا أبحث عن زوجة فحسب، إذا أردت البحث عن زوجة فلن أكون هنا. بالإضافة إلى الزوجة، أريد رفيق جبهة ".
وقد ورد ذكر هذه الروح التي سادت شباب البلاد، بمن فيهم الشهيد صدر زاده، في تصريحات قائد الثورة على النحو التالي:
افترضوا أن شاباً تعبوياً يبذل سعياً بالقرب من طهران، فهو لديه نشاط، مثل الشهيد مصطفى صدر زاده. كُتبَ عنه كتابان أو ثلاثة وقد قرأتها. إذاً [هناك] يرى المرء مدى لهفته في العمل والتحرك. على الإنسان أن ينظر إلى هذه الأمور ويمضي قدماً[1].
خاض هذا الشاب المُجد أعمالا مختلفة بعد الزواج، مثل إدارة المحلات وتربية المواشي وإدارة المسابح، لكن همه الأساسي كان القيام بعمل ثقافي مناسب للشباب والمراهقين، وكان دائمًا ينفق جزءًا كبيرًا من دخله في هذا الطريق.
أسس بنفسه مركز شباب باسيج "الإمام روح الله" في كهنز شهريار، حيث جمع بين أنشطة الباسيج والألعاب والترفيه، مثل رمي السهام والمسبح و(صعود) الجبال وكرة القدم. وقد أدى ذلك إلى انجذاب العديد من المراهقين إلى شخصيته ومرافقته في أنشطته. في الفيلم الوثائقي "عابدون كهنز" الذي يتحدث عن صدر زاده وشهداء آخرين دافعوا عن حرم مسجد أمير المؤمنين، يشير أصدقاؤه إلى هؤلاء المراهقين بـ "أولاد مصطفى".
خلال الفترة التي كان يعمل فيها مديرا لأحد المسابح، مزج وظيفته بأفكاره الثقافية: يوم الاثنين، كان المسبح مجانيًا للباسيج. خلال شهر رمضان، من الفجر حتى الإفطار، وضع طاولة بجانب المسبح ودعى أحد زملائه من طلاب العلوم الدينية للإجابة على أسئلة الفتيان الدينية.
بعد متابعة كبيرة، قام بالتحضير لدفن شهيدَين مجهولين في أحد حدائق كهنز التي كادت تكون مكانًا آمنًا لمدمني المخدرات والبلطجية. وبعد ذلك، وبمساعدة تم جمعها من المسؤولين وجزء من مدخراته الشخصية، أطلق مركز باسيج للإخوة والأخوات في نفس المنطقة.
هذه التصرفات للشهيد صدر زاده أعجبت قائد الثورة وذكرها على النحو التالي:
لدينا اليوم في أنحاء البلاد كافة آلاف النّوى المقاومة للتعبئة في المساجد والهيئات، وينبعث من نُوى المقاومة هذه شباب باسم مدافعي العتبات المقدّسة، وباسم مدافعي الأمن، وباسم التعبئة الطلابية... ينشأ من قرية في أطراف شهريار شابّ مضحٍّ ونوراني مثل مصطفى صدرزاده. لدينا كثيرون من أمثال مصطفى صدرزاده في أنحاء البلاد. لدينا الآلاف، وهؤلاء جميعاً يبثّون الأمل.[2]
كان هذا مصطفى المتفائل أينما حضر، أينما شعر أن وجوده يمكن أن يكون مؤثراً. في الأحداث التي تلت انتخابات عام 2009، كان حاضرا في دوريات الباسيج في طهران وأصيب في مناوشات تلك الأيام. في عام 2013، عندما بدأت الحرب في سوريا، قرر أن يكون هناك. كان من الصعب الذهاب إلى سوريا في تلك الأيام، لكن مصطفى كان أيضًا أستاذًا في المهام الصعبة. بدايةً، عمل في مطبخ حرم السيدة الرقية (عليها السلام) كمساعد في الطبخ للمدافعين عن الحرم. بعد انتهاء المهمة، كان لا يزال يبحث عن وسيلة ليكون في سوريا كمدافع عن الحرم. على أي حال، انضم إلى القوات العراقية وذهب معهم إلى المنطقة عدة مرات. في هذه المهمات، كان يختار اسم "سيد إبراهيم" كاسم جهادي.
بعد ذلك بقليل تعرف على المجاهدين الأفغان في دمشق، فطلب منهم أن يصبح من أفراد لواء "فاطميون"،رغم أن قائد القوات الأفغانية، "أبو حامد"، عارض ذلك في البداية، لكن بعد إصرار مصطفى المتكرر، قبل مع بعض الشروط.
أمضى 70 يومًا مع "فاطميون" في المنطقة ثم عاد إلى إيران. عندما أراد العودة إلى سوريا مرة أخرى، واجه مشكلة. ومع ذلك، من خلال تعلم اللغة الأفغانية، والحصول على شهادة ميلاد أفغانية وجواز سفر، تمكن من الذهاب بعد شهرين.
قال عنه الحاج قاسم سليماني: "لأننا لم نسمح لهذا الشاب الذهاب إلى الجبهة، فقد سجل نفسه كعنصر من "الفاطميون" باسمه الأفغاني، هذا من يجب أن يسمى ذكيا (فهلوياً) ، ليس الذكي من يسعى لجمع الأموال وخداع الناس. الذكي والفطن هو من يحصل على هذه الفرص بهذه الطريقة، فهو يحصل على أكبر فائدة منها. هذا من يسمى بالشخص الذكي."
مصطفى صدر زاده الذي، كما قيل: "ذهب إلى سوريا بلباس واحد وزوج من النعال"، بسبب سماته الشخصية، سرعان ما أصبح قائد كتيبة في لواء "فاطميون". ونظرا لاهتمامه الشخصي بكتيبة عمار التابعة للفرقة السابعة والعشرين التابعة لمحمد رسول الله للدفاع المقدس، اختار لكتيبته اسم "عمار" واعتقد أن هذه الكتيبة تواصل طريق شهداء الدفاع المقدس. كانت تربطه علاقة وثيقة بالمجاهدين الأفغان وكان يعتقد: "إن شباب "الفاطميون" غرباء ومميزون للغاية وتهتم بهم السيدة الزهراء (عليها السلام) كثيرًا". تروي زوجته في كتاب "اسمك مصطفى" أنه أصيب ثماني مرات خلال عامين ونصف في سوريا، وأن الشيء الوحيد الذي كان يجعل زوجها يترك الحرب ويعود إلى المنزل هي هذه الإصابات:
عندما وصلت إلى المستشفى رأيتك ... كان لونك مصفراً، أزلت الملاءة عن ساقك، وكانت مُجبّرة. قلت بسعادة: الحمد لله، أنت ضيفي على الأقل لبضعة أيام! ... فقلت لي: لو علمت أنك ستكونين سعيدة بإصابتي، لكنت قد أصبت مسبقاً!
حارب صدر زاده مع العديد من المجاهدين والشهداء، بمن فيهم مرتضى عطايي (أبو علي) (نائبه في كتيبة عمار)، محمد أجند، سجاد عفتي، الحاج حسين بادبا، الشهيد مهدي صابري، الشهيد علي رضا توسلي (أبو حامد) رفيق قتاله. في برنامج وثائقي، ردًا على سؤال: "كيف تترك زوجتك وأطفالك وترحل، أليس هذا صعبًا؟" قال: "زوجتي وأولادي وكل أجدادي فداءً لبلاطة في مرقد السيدة زينب (ع)."
كانت والدته قد نذرته لحضرة أبي الفضل العباس (ع) عندما كان في الثالثة من عمره، وقع له حادث يوم تاسوعاء، وطلبت والدته من العباس (ع) أن يجعله جنديًا له إذا نجا ابنها الصغير من هذا الحادث. في صباح يوم تاسوعاء عام 2015، تم الوفاء بنذر الأم واستشهد مصطفى البالغ من العمر 29 عامًا بآطلاق نار أثناء عملية تحرير حلب.
في لقائه الرمضاني مع الطلاب الشباب، وصف قائد الثورة الشباب أمثال "مصطفى" كقوة دافعة للبلاد ونموذج يحتذى به لجميع الشباب:
منذ بداية الثورة إلى اليوم هم من أخذوا على عاتقهم المهمات الكبرى في الجبهات والمجالات المختلفة، وتقدّموا بها... إنّ هذه السلسلة مستمرة أيضاً إلى اليوم، إلى عهدكم. وفي زمنكم المعاصر هذا: الشهيد حججي، ومصطفى صدر زاده، وآرمان علي وردي، وروح الله عجميان. إنّ هؤلاء بارزون، وهم حقيقةً علائم بارزة. يوجد اليوم الآلاف المؤلفة، عشرات الآلاف، مئات الآلاف من الشباب الإيرانيين الذين يتحمّلون المسؤولية. إن هؤلاء محرِّك التحرُّك. هؤلاء هم المحرك الذي يمضي قُدماً بحركة البلاد، وحركة النظام، كلٌّ في قطاعٍ. يتعيّن عليكم جميعاً، وعلى كل واحد منكم أن تكونوا كذلك.[3]
حول شخصية وحياة الشهيد صدر زاده، تم تأليف وتحرير مؤلفات مهمة، منها كتب «اسم تو مصطفاست»، «قرار بیقرار»، «سرباز روز نهم» و أفلام وثائقية مثل «عابدان کهنز» و «صدر عشق».