ما أساليب الحلّ التي يمكن أن تؤدّي إلى وقف شلّال الدّم واستمرار إبادة الفلسطينيّين وأن تفرض الضغوط الشاملة على الكيان الصهيوني في مختلف المجالات. ما الإمكانات والقدرات المهمّة التي تملكها الدول الإسلاميّة من أجل ممارسة الضغط على الكيان الصهيوني، خصوصاً في المجال الاقتصادي؟

إجابةً عن السؤال الأول، إن ما يجري في غزة جريمة كبيرة يفعلها العدو الصهيوني بحق الأبرياء، ويومياً نشهد استشهاد أطفال ونساء وشيوخ. حتى النازحون لم يستثنهم العدو من هذه المجازر البشعة، وهي أكبر من مجزرة. هي في الحقيقة محرقة ينفذها العدو الصهيوني على مرأى ومسمع من العالم الذي يدّعي الحضارة.

واقعاً، العالم بأكمله شهد مظاهرات شعبية تعبر عن وجهة نظر الشعوب ولكن معظم الحكام أهملوا كلّ هذه المظاهرات لأن هذه الدول التي تستمر في دعمها إسرائيل لا تتخذ موقفاً من العدو الصهيوني كأنها مشاركة حقيقية في هذه الجرائم.

إن الموقف المتفرج لعدد من الدول الإسلامية والعربية يعني تجرؤ إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية على التمادي بحقّ أهلنا في غزة والضفة الغربية والجنوب اللبناني، الذين يعانون الممارسات البشعة بحقّ المدنيين.

المطلوب من الدول الإسلامية موقف متضامن يقطع العلاقة مع إسرائيل للّذين يقيمون علاقات معها، كما عليهم أن يتخذوا موقفاً موحداً يشكّلُ ضغطاً حقيقياً على العدو الصهيوني، وأيضاً على الإدارة الأمريكية والأوروبيين الذين يدعمونه.

حقيقةً هناك مواقف خجولة جداً من الدّول الإسلامية لا تتناسب مع حجم الجرائم التي يتخذها هذا العدو الصهيوني. فإذا استثنينا موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض الدول التي وقفت في وجه العدو الصهيوني، تتبيّن مواقف الدول الأخرى كأنها غير معنية بما يجري على الساحة. وهذا يعني تشجيع العدو الإسرائيلي على المضي في إجرامه بحقّ الشعب المظلوم في غزة، الذي يعاني جرائم حرب كبيرة وغير مسبوقة في التاريخ.

إنّ إلقاء نظرة على علاقات الدول الإسلاميّة بعضها ببعض يثبت أنّ هذه الدول شكّلت تحالفاً مشتركاً في بعض المراحل بما يتناسب مع أهدافها. على سبيل المثال، تمكن الإشارة إلى تحالف الدول العربيّة عام 1967 من أجل حظر النفط عن أمريكا وعدد من الدول الأوروبيّة. الآن توجد حاجة ملحّة إلى تشكيل تحالف إسلامي لمنع ارتكاب جرائم الحرب ضدّ الفلسطينيّين في غزّة، غما الأسباب والعوامل التي تمنع اتخاذ قرار تاريخي في هذا الصّدد؟

إن المواقف التي اتّخذتها بعض الدول الإسلامية والعربية في السابق باتت من الماضي. فلا نجد من يسعى لتشكيل ضغط على العدو الصهيوني، وهذا يعني تجاهل الدماء الزكية في غزة التي تريد بدم أطفالها إحياء الأمة، لكن مع الأسف النظام الرسمي في هذا العالم لا توجد عنده إنسانيةٌ لكي يقف مع الحقّ وإلى جانب الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، الذي يتعرض لأبشع أنواع العدوان.

أما عن تحالف الدول العربية عام 1967 من أجل حظر النفط عن أمريكا وسواها، فلا أعتقد أن هناك جهوزية لدى هذه الأنظمة لاتخاذ مثل هذا القرار، وهذا ناجم عن التزامات مع العدو والولايات المتحدة.

لطالما كان الاحتلال جزءًا لا يتجزّأ من سياسات الكيان الصهيوني منذ تأسيسه عام 1948، ولهذا لم تنحصر ممارسات الصهاينة الاحتلاليّة في أرض الفلسطينيّين. إنّ امتداد الكيان من النيل إلى الفرات جزء لا يتجزّأ من فكر الصهاينة. عليه، في حال استمرّ «تكتيف الأيدي» مقابل الصهاينة في قضيّة الحرب ضدّ غزّة، هل سيكون من المحتمل أن تطاول عدوانيّة تل أبيب ورغبتها في الاحتلال الدول الأخرى التي اكتفت بالإدانة الدبلوماسيّة لممارسات الكيان الصهيوني؟

إن المجازر التي يفتعلها العدو الصهيوني في غزة والضفة والجنوب اللبناني ليست جديدة عليه، فهو المعروف بمجازره منذ ما قبل عام 1948.

نعرف أن الشهيد عز الدين القسام كانت له معارك مع العنصرية اليهودية، ومع هذه المجازر اليهودية منذ عام 1935، أي قبل إعلان الاحتلال سيطرته على جزء كبير من فلسطين. هذا أمر واضح وجلي.

إذن، العدو الصهيوني يصعد يومياً من مجازره، فإذا أردنا العودة إلى التاريخ، فعلينا استحضار مجزرة دير ياسين، ومن قبلها مجزرة حيفا، ومن بعدها كفر قاسم، وفي لبنان مجزرة قانا الأولى ثم الثانية، وأيضاً صبرا وشاتيلا، ومدرسة الأطفال في مصر.

المجازر التي افتعلها العدو الصهيوني بحقّ الآمنين بمناسبة ودون مناسبة تؤكد أن طبيعته الإجرام، فهذه ممارسات واضحة تماماً. العدو الصهيوني بدأ مشروعه في فلسطين، وهو يستهدف المنطقة بكاملها. ففي أدبياته العلم الإسرائيلي يشير إلى حدود إسرائيل المغتصبة لفلسطين، ويريد توسيع هذه الحدود من الفرات إلى النيل.

هناك العديد من المعلقين والمتابعين يقولون إن إسرائيل لا يوجد فيها دستور حتى هذه اللحظة، لأن هناك خلافاً حول الهوية، وحول الحدود. فحتى هذه اللحظة لم تحدد في دستور، لأنه لا دستور عند الصهاينة، ولم يسعوا لإنشاء دستور، رغم أن بن غوريون حاول الإيحاء بأنه أعطى أوامره أو توجيهاته لكتابة نصوص دستورية. ولكن اصطدم ذلك مع طبيعة العدوان الإسرائيلي التوسعي. إذن، الاستهداف لأكثر من أرض فلسطين ليس احتمالاً بل في صلب العقيدة القتالية عند الجيش، وفي صلب العقيدة عند حكام بني صهيون مراهنين على اغتصاب فلسطين على قاعدة أن الكبار يموتون والصغار ينسون.

لكن التجارب أثبتت أن الصغار بدؤوا على نحو فعال وقوي إحياء هذه القضية ليكملوا مسيرة الكبار الذين استشهدوا وضحوا. فلا بد من التصدي لهذه المشاريع، والحل بالمقاومة، وكما قال الإمام المغيب السيد موسى الصدر أعاده الله سالماً: «إسرائيل شرّ مطلق»، أو كما قال الإمام الخميني(رض): «إسرائيل غدة سرطانية». دون هذا الفهم يكون هناك وجهة نظر قاصرة وناقصة عن المشروع الإسرائيلي العدواني الدائم.

منذ بدء جرائم الكيان الصهيوني ضدّ الفلسطينيّين في غزّة لم تنفكّ شعوب غالبيّة دول العالم عن التظاهر. وكما قال الإمام الخامنئي: «هزّ أهالي غزّة بصبرهم الضمير البشريّ». بغضّ النظر عن الدور الذي تلعبه الحكومات، ما دور الشعوب في مجال حظر بضائع الكيان الصهيوني وفرض الضغوط الاقتصادية على الكيان عامة؟

هناك دور كبير للشعوب في حراكها لاستنكار ما تفعله إسرائيل من جرائم كبيرة في غزة، وعلى مساحة فلسطين بحق الشعب الفلسطيني المظلوم. هذا الأمر واضح للعيان: الوقفات الجماهيرية من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا حتى داخل الولايات المتحدة، وداخل بعض الدول العربية هناك مظاهرات لفتت نظر المحللين والمتابعين، فعلى مستوى الجماهير بدأ العدو الصهيوني يخسر شيئاً فشيئاً رغم محاولته تشويه الصورة وقلب الحقائق.

لقد سعى هذا العدو الصهيوني ليُرى بالعين الصهيوني. لكن متابعة الشعوب والتواصل وبعض وسائط الإعلام الحر قلبت الموازين. المشكلة تبقى في الحكام الذين يمارسون ممارسات بشعة تتناقض مع رؤية الشعوب، وهذا يدل على الديكتاتورية وعلى حكام الطغيان الذين يدّعون الديموقراطية ويمارسون الإجرام الطاغوتي الحقيقي ويستعبدون شعوبهم باسم الحرية.

ينبغي ألا نيأس، وأن تستمر هذه الشعوب بدورها، كل في موقعه. وكما يقاتل الفلسطيني بسلاحه في ظروف صعبة، ويشهر دمه في مواجهة الأعداء، على صاحب القلم أن يستخدم قلمه ويواجه هذا التعنت والعدوان والإجرام الصهيوني، وفضح الحكام الذين يتواطؤون مع العدو بسكوتهم وتخليهم عن قول الكلمة التي يمكن أن تشكل ضغطاً كبيراً عليه.

نؤكد دائماً وأبداً أن يبقى الصوت مرتفعاً لأن الأكاذيب الصهيونية بدأت تتبدد في العالم، وبدأ العالم يكتشف كل الإعلام المزيف والمأجور وبدأت تظهر الحقائق كما هي. لكن المشكلة أن من يقبض على السلطة هم من الطواغيت الذين يتعاونون مع الاحتلال الإسرائيلي ويدعمونه بالمال وبالسلاح، والشواهد كثيرة على هذا.

 ذا الأمر ليس جديداً إنما منذ تأسيس الكيان عام ثمانية وأربعين، ومن قبل ذلك حضروا لتغطية هذا العدوان والتغطية على جرائمه.

نظراً إلى العمليات التي أقدمت عليها المقاومة في لبنان دعماً لحركات المقاومة الفلسطينيّة في غزّة، إلى أيّ حدّ استطاعت هذه الخطوات أن تشكّل وسيلة ضغط على الكيان الصهيوني من أجل إيقاف إبادة الأجيال في قطاع غزّة؟

العدوان الإسرائيلي على لبنان ليس حديثاً، فهو منذ عام 1948 وهناك انتهاكات للحدود اللبنانية. كانت إسرائيل تفعل ما تشاء، ساعة تشاء، وتهدد باحتلال لبنان بفرقة موسيقية، إلى أن جاءت المقاومة واستطاعت أن تضع حدّاً لغطرستها، فأصبحت قوة دفاعية جبارة. 

المقاومة في لبنان تقوم بواجبها وهناك ميدان حقيقي لهذا الصراع: شهداء يستشهدون يومياً، وتهجيرٌ من القرى في منطقة الشريط الحدودي أو المنطقة المتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة. في لبنان شعبٌ يتصدى بكل مكوناته لهذه الهجمة الصهيونية.

بطبيعة الحال، لا يوجد في العالم تكافؤ بين المقاومة والطاغية، أو بين الشعوب المنتفضة والشعوب الظالمة ولذلك أقول إن المقاومة تقاتل بإمكاناتها ضمن فهمها هذا الواقع. المعركة تبدو طويلة، والتمسك بخيار المقاومة ضروري.

طبعاً ينبغي أن نعمم مفهوم المقاومة على المستوى العسكري والفكري والثقافي، وكما يقول الإمام السيد موسى الصدر: «احذروا العصر الإسرائيلي وتهويد الأفكار وتهويد القيم»، أي إشغال الناس بأمور ليس لها ليس لها علاقة بالتحديات التي تواجهنا.

إن من الممكن أن ندعم المقاومة في غزة بالدفاع عن أرضنا بالكلمة الحرة، وبتعميم ثقافة الوعي الحرّ على أن المقاومة ضرورة ينبغي أن نتمسك بها. ونحن في لبنان استطعنا أن نسجل انتصاراً كبيراً عندما أكدنا أن الدفاع عن الأرض حقّ من حقوق اللبنانيين: الجيش والشعب والمقاومة على حدّ سواء.

طبعاً في النهاية لا بد من تحية إكبار وإجلال لجميع المقاومين. نقف احتراماً وخشوعاً أمام الشهداء، وحزناً وألماً أمام الأطفال الذين قتلتهم آلة الدمار الصهيونية بحقد. كما ندعو لإدانة كل الذين يتخذون موقف المتفرج والساكتين عن إجرام العدو.