على الرغم من مرور ما يقارب 11 شهرًا على الحرب غير المتكافئة التي شنّها كيان الاحتلال الصهيوني ضد قطاع غزة، فإن القوة المقاومة في هذه المنطقة لم تتناقص، بل شهدنا ظهور أسلوب جديد في القتال من قبل مجاهدي المقاومة ضد العدو الصهيوني. رغم أن الصهاينة قد وعدوا بالقضاء على المقاومة عبر العمليات العسكرية العدوانية في غزة، ووضعوا ذلك هدفًا رئيسيًا لهم من الحرب، إلّا أن المقاومة ما زالت مستمرة في صمودها بقوة.

المقاومة التي - وفقًا لادّعاءات الصهاينة - كان من المفترض أن تُدمّر بعد مرور ما يقارب العام على الحرب، لا تزال اليوم قائمة وصامدة، بل وتُحقّق أيضًا خسائر في صفوف العدو. كمثالٍ على ذلك، في يوم الجمعة 23 أغسطس/آب، أعلنت «كتائب القسّام»، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أنها أوقعت جنودًا إسرائيليين قتلى وجرحى في محيط حي الزيتون بمدينة غزة وفي مدينة رفح[1]. وإضافة إلى تحقيق الإنجازات الميدانية، تقوم فصائل المقاومة في الوقت ذاته بإعادة تنظيم صفوفها، وهذا يعني أنه مع استمرار الحرب، ينضمّ أفراد جدد إلى صفوف المقاومة، وبعد تلقّيهم التدريب العسكري اللازم بنحوٍ مكثّف، يُرسلون إلى ميدان المعركة. وهذا يعكس القوة المتزايدة للمقاومة الفلسطينية.

من بين علامات ثبات المقاومة، وعدم تراجع قدرتها في الأشهر الماضية رغم امتلاكها إمكانيات محدودة، نجاحها في منع تحقيق أحد أهم أهداف الصهاينة من الحرب، ألّا وهو تحرير الأسرى الإسرائيليين. في يوم 20 أغسطس/آب، أعلن الصهاينة عن استعادة 6 أسرى إسرائيليين من جنوب قطاع غزة، لكنهم كانوا قد قُتلوا، وليسوا أحياء. وذكرت وسائل الإعلام الصهيونية أن هؤلاء الأسرى قُتلوا نتيجة الهجمات التي شنّتها قوات الاحتلال. وقد أدى ذلك إلى تصاعد النزاعات والخلافات بينهم، ووُجّهت انتقادات حادّة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني. بناءً على ذلك، لا يزال المقاومون الفلسطينيون حتى اليوم يعيقون تحقيق هدفين مهمّين وأساسيين للصهاينة من الحرب، وهما: «القضاء على المقاومة» و«تحرير الأسرى الإسرائيليين»، مما يُبرز مدى جاهزيتهم العالية. من ناحية أخرى، تمكّنت المقاومة الفلسطينية من وضْع الطرف الصهيوني بمواجهة مشكلة كبيرة، تُعرف بـ«العمليات المشتركة». «العمليات المشتركة» للمقاومة، إضافةً إلى كونها دليلًا واضحًا على التنسيق والتعاون الميداني بين الفصائل الفلسطينية، قد وضعت الكيان الصهيوني أمام تحدٍّ خطير وجديد بعد مرور ما يقارب 11 شهرًا من الحرب.

من تدمير دبابات العدو في الشجاعية، إلى العملية الكبيرة في تل أبيب

قبل مدة قصيرة، نشرت «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، صورًا لعمليتها المشتركة مع «كتائب القسّام»، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية «حماس». خلال العملية المذكورة، تم تدمير دبابتين تابعتين للكيان الصهيوني في منطقة الشجاعية الواقعة شرق غزة[2]. كما أن قوات المقاومة الفلسطينية، خلال الأيام الأخيرة، قامت بتدمير دبابة «ميركافا 4» تابعة للكيان الصهيوني في مدينة رفح الواقعة جنوب قطاع غزة، وذلك خلال عملية مشتركة. كما قامت بعملية قنْصٍ مشتركة في مدينة خان يونس، أدّت إلى مقتل أحد جنود العدو الصهيوني[3].

نُفّذت عملية مشتركة أخرى للمقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني في محور «نتساريم» في غزة، حيث قام مجاهدو «سرايا القدس» و«القسّام» بقصف موقع تجمّع الجنود الصهاينة هناك[4]. ومن بين العمليات البارزة، يمكن ذكْر العملية المشتركة للمقاومة الفلسطينية في تل أبيب، التي نُفّذت في 18 أغسطس/آب 2024، على أنها واحدة من أهم العمليات. بعد العملية الاستشهادية في تل أبيب، والتي نَجَمَ عنها انفجارٌ قوي، قام الجناحان العسكريان لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بإصدار بيان أعلنا فيه مسؤوليتهما عن هذه العملية. الهدف من هذه العملية المشتركة كان إحداث موجة من الخوف والرعب في صفوف المستوطنين الصهاينة. عقْب هذا الحدث، أعلنت السلطات الأمنية للكيان الصهيوني عن تأهّب تام لقوّاتها في تل أبيب[5]. لذلك، في خضمّ حرب غزة، أثبتت الاستراتيجية الناجحة لـ«العمليات المشتركة» ضد الصهاينة، التي وصلت حتى إلى قلب الأراضي المحتلة، أنها استطاعت إشغال جزء كبير من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للكيان الصهيوني.

ما هي الرسائل التي تحملها «العمليات المشتركة للمقاومة الفلسطينية»؟

تحمل العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية في ميدان القتال ضد الكيان الصهيوني رسائلَ عديدة، ومن أبرزها: زيادة مستوى «التنسيق والتعاون الميداني» للمقاومة. في هذا السياق، جديرٌ بالذكر أن تعزيز التنسيق والتعاون الميداني بين «كتائب القسّام» و«سرايا القدس» في مواجهة الكيان الصهيوني يُظهر بوضوح أنهم قد وصلوا إلى مستوى متطوّر من التنسيق والتكامل في مراحل التخطيط والتنفيذ للعمليات المشتركة[6]. من ناحية أخرى، من الممكن أن تكون فصائل المقاومة الفلسطينية قد شكّلت غرفة عمليات مشتركة. ولا شكّ أن مثل هذا الإجراء له فوائد جمّة؛ بما في ذلك إدارة ساحة المعركة بنحوٍ صحيح، ومنع ظهور أي تباين في تنفيذ الهجمات على الأهداف المحددة. تستمرّ فصائل المقاومة في إظهار قوّتها باستخدام الموارد المحدودة التي تمتلكها لمواصلة القتال ضد العدو، ومنْعه من تحقيق أي انتصار. وقد جعل هذا الأمر المقاومة الفلسطينية اليوم أقرب إلى تحقيق النصر في الميدان، مقارنةً بالاحتلال[7].

التنسيق والتعاون على المستويات الاستخباراتية

اليوم، ما يُلاحظ في الميدان الفلسطيني هو أن معظم عمليات مجاهدي المقاومة ضد الكيان الصهيوني في نقاط مختلفة من قطاع غزة تُنفّذ بشكل مشترك؛ هذا التعاون لا يقتصر على المجال القتالي، بل يمتد أيضًا إلى المجال الاستخباراتي، إذ تتعاون «كتائب القسّام» و«سرايا القدس» في جمع المعلومات. يبعث مجاهدو المقاومة، من خلال جمع المعلومات واستهداف مواقع الكيان الصهيوني، برسالة واضحة إلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، مفادها أنهم يواصلون عملياتهم حتى تحت القصف، ورغم التحليق الدائم للطائرات الحربية الإسرائيلية في سماء غزة. كما يستهدف مجاهدو المقاومة العدو من «مسافة صفر»، ويحققون خسائر فادحة له. وكان هذا واضحًا بشكل خاص في تل السلطان، كما استُهدف العدو من «مسافة صفر» أيضًا شرقي خان يونس[8].

الدور المهم لـ«العمليات المشتركة» في تحطيم معنويات جنود العدو

من بين أهم إنجازات العمليات المشتركة لمجاهدي المقاومة الفلسطينية ضد جنود الكيان الصهيوني، الانخفاض الكبير في معنوياتهم القتالية. في هذا السياق، يقول الخبير العراقي الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، العميد الركن حاتم كريم الفلاحي: «في الأيام الأخيرة، تمّ نشر مقاطع فيديو لعمليات مشتركة للأجنحة العسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، من بينها العملية المشتركة في مدينة خان يونس. هذه العمليات تكشف مستوى عاليًا من التنسيق والتعاون بين فصائل المقاومة، ولها تأثير كبير في خفض الروح المعنوية لدى جيش الاحتلال»[9].

تكبيد العدو خسائر فادحة في الميدان

من بين أهم نتائج العمليات المشتركة لمجاهدي المقاومة الفلسطينية في ميدان القتال ضد الصهاينة أيضًا، تكبيد العدو خسائر فادحة في صفوفه؛ الأمر الذي أشار إليه الفلاحي قائلًا: «إنّ التنسيق المشترك بين فصائل المقاومة الفلسطينية كبير جدًّا على مستوى القيادات، وعلى مستوى القاعدة، حيث يتم تنفيذ العمليات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. يبدأ التنسيق بين فصائل المقاومة من القيادات العسكرية للفصائل، ثم تنزل الأوامر إلى المقاتلين في الميدان، وتُوكَل مهام التنفيذ لكل القطاعات العسكرية الموجودة في منطقة معينة. فعندما تكون هناك عملية للمقاومة في منطقة ما، يتم الاستهداف من قبل الوحدات الموجودة في المنطقة نفسها، حتى لا يتم الهجوم على الهدف ذاته في آن واحد من طرف مقاتلي الفصائل». وينوّه الخبير العسكري والاستراتيجي إلى أن «التنسيق بين الفصائل يؤدي إلى عمليات قوية جدًّا ضد قوات الاحتلال، وتكبّده خسائر أكثر»[10].

بناءً على ما تقدّم، يواجه الكيان الصهيوني تحديًا جديدًا يتمثل في «العمليات المشتركة للمقاومة»، وعلى الرغم من القصف الهمجي على نقاط مختلفة من قطاع غزة، لم يتمكن العدو حتى الآن من إيجاد حلٍّ للخروج من هذا التحدي. يُظهر التنسيق والتعاون بين المجاهدين الفلسطينيين أن الصهاينة قد فشلوا في تحقيق أحد أهم أهدافهم في قطاع غزة، وهو خلق الانقسام بين فصائل المقاومة، وهذا هدف كانوا يسعون لتحقيقه حتى قبل «طوفان الأقصى». كما تُظهر العمليات المشتركة في قطاع غزة أنه على الرغم من الجهود المتواصلة للكيان الصهيوني، فإنّ الانقسام بين الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة لم يحدث، بل على العكس، فَهُم في ذروة التنسيق والتعاون، ويشكّلون صفوفًا متراصّة في مواجهة العدو الصهيوني.