بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا أبي القاسم المصطفى محمّدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.

أهلًا وسهلًا بكم أيها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات. أشكر جزيل الشكر إمام الجمعة وقائد الحرس الموقرين على ما تفضّلا به من كلماتٍ جميلةٍ وثريّةٍ بالمضامين والمواضيع[1]، شكرًا لكما.

كرمانشاه، هي إحدى المناطق البارزة في بلدنا. فضلًا عن النشاطات في الثورة والحرب وما شابه ذلك، كرمانشاه في الأساس مكانٌ يجتمع فيه أتباع المذاهب المختلفة والقوميّات المتنوّعة، ويعيشون معًا حياةً هادئةً وكريمةً؛ هذا هو حال كرمانشاه. وهذه المجموعة المتنوّعة من جميع أنحاء هذه المحافظة، وضمن نطاق الحدود الطبيعيّة لهذه المحافظة - بغضّ النظر عن التسمية الجغرافيّة - كانوا من حماة الحدود الصادقين والمخلصين للبلاد في تلك المنطقة. هذا تعريف عام لكرمانشاه.

عندما أعود بذاكرتي إلى ما أعرفه عن كرمانشاه، أراه يبعث السرور والرضا في نفس كلّ من يطّلع عليه. لقد رأيت كرمانشاه في زمن الحرب، كما أنّني زرتها قبل بداية الحرب، وشاهدت حركة الناس هناك. في اليوم الثاني والعشرين من بهمن كنت في كرمانشاه. وخلال مرحلة الحرب، زرت مدنًا مختلفةً منها: كرمانشاه نفسها، و[مدينة] غيلان الغرب، و[مدينة] إسلام أباد الغرب، و[مدينة] باوه، وبقيّة المناطق. كان السيّد الملّا قادر[2] آنذاك «ماموستا»[3] شابًّا في باوه؛ وهناك الشهيد العظيم، المرحوم السيّد أشرفي الأصفهاني[4]، الذي يبعث هو وأمثاله على المفخرة، للحق والإنصاف. كان المرحوم أشرفي رجلًا مسنًّا، لكنّه كان مناضلًا وذا عزيمة. [وكذلك] أهالي كرمانشاه كانوا حقًّا مصداقًا لمصطلحهم الرائج: «پهلوان»[5]، ومستعدّين للدّفاع والتصدي بصدورهم. بحمد الله، إنّ ذكرياتنا عن كرمانشاه كلّها ذكرياتٌ مميزة وطيبة.

في مرحلة الدفاع المقدّس وقبلها؛ منذ بداية الثورة، حين بدأت الاشتباكات في تلك المنطقة الغربيّة من البلاد، كانت كرمانشاه في خطّ المواجهة الأوّل؛ أي إنّ أوّل مجموعةٍ خرجت وانطلقت لمواجهة الانفصاليّين الخونة في منطقة كردستان كانت من كرمانشاه. كانت المجموعة الأولى من شباب كرمانشاه، وكانوا هم أوّل من أدرك سريعًا، وفي اللحظة المناسبة، ما الذي يجري. كنّا في ذلك الوقت نرى ما يجري هناك؛ في حين كان هناك في طهران أشخاص لم يدركوا معنى هذا الحدث، ونظروا إليه على أنه حركةٌ شعبيّةٌ عاديّةٌ، ولم يدركوا الأيادي الخفيّة وراء القضيّة، ولا الأزمات الكبيرة التي كانت لتجلبها هذه القضيّة للبلاد. شباب كرمانشاه المناضلون أدركوا هذا؛ ومنذ البداية، تجمّعوا وانطلقوا للمواجهة والتصدي. وهذا ما كان عليه الوضع خلال مرحلة الحرب؛ في تلك التفجيرات الرهيبة في أوائل عام 1981، كانت بعض مدن كرمانشاه شبه خاليةٍ – كنت أتردد إلى كرمانشاه، وكانت خالية؛ بلغ الأمر في بعض المدن ألّا يرى المرء أحدًا في أزقّتها وشوارعها - ولكنّ الناس كانوا يصمدون، ويستضيفون المناضلين الذين جاؤوا من مناطق أخرى، وتعاونوا معهم، وشكّلوا مجموعات عسكريّة، كما قدّموا الشهداء، وقد أتى جنابه على ذكر أسماء هؤلاء الشهادء الأعزاء، وطبعًا كان بعضهم من الشهداء البارزين، وقد ذكرهم.

حسنًا؛ نحن أمام إرث هؤلاء الشهداء؛ نحن أمام ذكرى هؤلاء الشهداء. ما الذي يمكننا أن نغتنمه اليوم ونقدّمه للبلاد وللإسلام من خلال هذه الحركة العظيمة للشباب المؤمنين والمخلصين؟ هذا هو المهمّ في الأمر. هؤلاء الشباب، في يومٍ من الأيّام، وقفوا وتصدّوا ولم يسمحوا للعدوّ أن يعتدي على هذه الأرض؛ لقد صمدوا في تلك الصحاري، وفي تلك الجبال الشاهقة، وفي تلك الظروف الصعبة. لا أنسى كيف كنّا نمرّ من جانب الطريق، وجبال «برآفتاب» على يميننا، كان قلب المرء يعتصر [ألمًا] حينما تقع عينه على تلك الجبال؛ لوقوع هذه الأماكن الحساسة في أيدي أعداء البلاد، ونحن نعلم أنّ النقاط الأساسيّة للعدو تستقرّ عليها. في مثل هذه الظروف، صمد هؤلاء الشباب - سواءٌ شباب كرمانشاه أو أولئك الذين جاؤوا من مناطق أخرى إليها وانضمّوا إلى الجبهات هناك -، وارتقى بعضهم شهداء، وبعضهم جرحوا. لقد استشهد من أبناء هذه المحافظة وحدها ما يقرب من عشرة آلاف شهيد، وجُرح ضعف هذا العدد أو ثلاثة أضعافه. حسنًا، لقد أدّى هؤلاء واجبهم في ذلك الحين؛ فما العمل الآن؟ هل البلاد اليوم في غنى عن وجود هؤلاء الشباب الذين لا تزال حقيقتهم حاضرة رغم غياب أجسادهم؟ أم أنّها لا تزال بحاجة إليهم الآن أيضًا؟

برأيي، إنّ حاجة البلاد إلى هؤلاء الشباب اليوم ليست أقلّ من حاجتها إليهم أيّام الحرب. نحن بحاجةٍ إليهم اليوم؛ لماذا؟ لأنّ حرب العدوّ آنذاك كانت حربًا عسكريّةً جلية وواضحة، أمّا اليوم فهي حربٌ مركّبةٌ؛ تحتوي على جوانب عسكريّةٍ وأخرى ناعمةٍ؛ إنّها حربٌ جسديّةٌ وكذلك حربٌ نفسيّةٌ. بهذا النحو يخوض العدو الحرب اليوم. إنها حربٌ بالأسلحة الناريّة وما إلى ذلك - عندما يرون ذلك ضروريًّا - وكذلك حربٌ باستخدام السلاح الثقافيّ. هذا ما هو عليه و ضع البلد اليوم. نحن أقوياء؛ لقد أصبحنا اليوم أقوى مئة مرّةٍ ممّا كنّا عليه في ذلك الوقت؛ لا شكّ في ذلك. إننا اليوم، بحمد الله وبتوفيقه، ومن النواحي كافة، لا نُقارَن بما كنّا عليه في ذلك اليوم. كان العدوّ في ذلك اليوم يقصف طهران، أي مركز البلاد، بالصواريخ، وأقصى ما كان بإمكاننا فعله هو الردّ بمدفعيّةٍ من عيار 155 على البصرة، على سبيل المثال، ولكنّنا لم نكن نفعل ذلك؛ لأنّ فيها سكّانًا ومدنيّين. أمّا اليوم، فالوضع مختلفٌ كما ترون. لقد أصبحنا أقوى، ولكن مؤامرات العدوّ أصبحت أكثر تعقيدًا؛ وهذا هو المهمّ. اليوم، لا يكفي مجرّد حضورنا في ميدان الحرب العسكريّة، والعمل والسعي وتصنيع الصورايخ. نعم، حقّقنا تقدّمًا جيّدًا في هذه المجالات، ولكنّ هذا غير كافٍ؛ علينا أن نعمل على قلوبنا، وأرواحنا، وألسنتنا، وعلى توجهاتنا.

حسنًا، حينما نقول علينا أن نعمل في مجموعتنا «نحن»؛ فمن «نحن»؟ «نحن»، أي في هذه المجموعة التي تشمل الشعب بأسره؛ من هو الأكثر تأثيرًا؟ الشباب؛ الشباب هم الأكثر تأثيرًا. في ذلك اليوم أيضًا، كان الشباب هم من تصدّوا. فهل يعرف الشاب اليوم نفس ما لديكم من معرفة عميقة بالشهداء؟ هذا أمر مهمٌّ. بمعنى، هل يدرك شابّنا اليوم وجيلنا القادم عمقَ القيمة وأهميّة حضور الشهيد في ميدان المعركة يومذاك، والعمل الذي قام عليه؟ هل يعرفون الإخلاص، والتضحية، والأخلاق الإسلاميّة، والسلوك المتوافق مع الشريعة الذي أظهره شبابنا في ميدان الحرب آنذاك؟ عليكم أنتم أن تجيبوا عن هذه الأسئلة، وعلى هذه المؤتمرات الإجابة عن هذه الأسئلة، وأن تملأ أيّ فراغٍ قد يكون موجودًا.

وكأنّ شبابنا في ذلك الوقت، قد خرجوا من هذا القالب البشريّ. انظروا إلى حروب العالم - شاهدوا الأفلام، واقرؤوا القصص عن الحروب المختلفة في العالم؛ فقد كُتبت آلاف الأفلام والقصص -، فعادة ما يكون المحارب في ميدان المعركة شخصًا لا مباليًا، غير مقيّد بشيء، يفعل كلّ ما يريد لنفسه حين يتسنى له ذلك؛ وعندما يظفر بالعدوّ، أو يستولي على مدينةٍ، يرى النهب والتدمير أمرًا طبيعيًّا. هذا هو حال المحاربين في العالم. قارنوا ذلك مع مناضلينا، الذين إن حوصروا في مكان ما، وانقطع عنهم الطعام والمؤونة، ثم وجدوا متجرًا فيه بعض البسكويت، وأكلوه اضطرارًا، فإنّهم يأخذون إذنًا من الوليّ الفقيه، وكذلك يكتبون لصاحب المتجر يعلمونه أنّهم قد أكلوا البسكويت. هذه ليست مجرّد قصصٍ؛ لقد شاهدناها، وأنا بنفسي رأيت ذلك، ولديّ اطّلاع عليها. كان شبابنا محاصرين في مدينة سوسنجرد لمدة من الزمن، ولم يكن يصلهم أيّ شيءٍ، وكانوا جائعين، في حين كانت المتاجر مليئةً بالطعام والموارد والمعلّبات وما إلى ذلك، لكنّهم لم يأكلوا، وقالوا: يجب أن يأذن الإمام. كنّا نخاطبهم من الأهواز، ونصرّ عليهم مرارًا وتكرارًا أن يأخذوا منها ويأكلوا، لكنّهم لم يفعلوا! ما معنى ذلك؟ أين تجدون مثل هذه التقوى، والورع، والإخلاص، والتفاني؟ يجب أن يعرف شابّنا اليوم هذا الأمر؛ يجب أن تبرزوه وتظهروه: المقارنة بين شبابنا المناضلين ومحاربي العالم الآخرين على المستوى الروحانيّ، وعلى مستوى النيّة، وعلى مستوى طبيعة العمل، وأمثال ذلك. إنّ الأمور التي تحدّثنا عنها مرارًا، وسمعناها وجرى تكرارها، كالذي ضحّى بنفسه من أجل رفيقه؛ هذه وقائع حدثت. ذلك الذي لم يشرب الماء رغم ظمئه؛ لكي يروي رفيقه، ثمّ يستشهد ويرحل عن هذه الدنيا ظمآنًا؛ هذه أمور ذات أهمّيّةٍ.

الأعمال التي أنجزتموها، والتي أشار إليها العميد[6] بنحو مختصرٍ وعميق، هي أعمالٌ جيّدةٌ للغاية، وكلّها مفيدةٌ؛ لكن ما الهدف من هذه الأعمال؟ الهدف هو التأثير. انظروا إلى نتائج هذه الأعمال؛ تحقّقوا كم عدد الأشخاص الذين قرؤوا كتابكم، كم عدد مَن استفادوا، كم عدد مَن دوّنوا نقاطًا منها، كم عدد مَن دوّنوا النقاط البارزة في دفاترهم عن ذلك الشهيد الذي قدّمتموه في الكتاب، لكي يستفيدوا منها. ركّزوا على هذه الأمور، واعملوا عليها. مخاطبوكم هم الشباب؛ يجب أن تترك هذه الأعمال التي تعملون عليها أثرًا في الشباب. طبعًا، هذه الأعمال ذات قيمةٍ؛ وإذا كانت هذه الأعمال من دون شكل [وقالب] فإنها سوف تبقى بلا معنى ومحتوى، كوجودنا نحن، فإن لم يوجد لنا جسد وقوّة، لن تتمكّن الروح من العمل؛ لا بد من ذلك. لا بدّ أن نستعين بأقدامنا للذهاب إلى المسجد، ولا بدّ من استخدام أيدينا لمساعدة الآخرين، إذًا جسم هذه الأعمال مهمّ، لكن اهتمّوا أيضًا بروح هذه الأعمال. روحها هي «التأثير»؛ ينبغي أن تثمر هذه الأعمال عن نتائج ملموسةٍ في ما تتطلّعون إليه، إن شاء الله.

على كلّ حالٍ، نحن نشكركم على جهودكم، وعلى العمل الجيّد الذي تنجزونه، وعلى العناء الذي تتكبدونه؛ نسأل الله أن يتقبّل منكم، وأن يزيد أهالي كرمانشاه توفيقًا يومًا بعد يومٍ، إن شاء الله. هذا الاتّحاد الذي يتمتّع به أهالي كرمانشاه يرجع في كثيرٍ منه إلى بركة العلماء الأجلّاء. أي هؤلاء العلماء، والسادة الأعزّاء، الذين بذلوا جهدهم، وعملوا، وسعوا. هذا أمر قيّم للغاية، وقد أدّى، بحمد الله، إلى وجود هذه الأجواء الطيّبة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 


[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم كل من حجّة الإسلام حبيب الله غفوري (إمام جمعة كرمانشاه) واللواء بهمن ريحاني (قائد فرقة النبيّ الأكرم في محافظة كرمانشاه) تقاريرهما.

[2] ماموستا الملا قادر قادري (إمام جمعة مدينة باوه).

[3] «ماموستا»: مصطلح باللغة الكردية المحلية بمعنى الأستاذ، وهو لقب يُطلق على كبار علماء الدين من أهل السنّة الأكراد.

[4] آية الله عطاء الله أشرفي الأصفهاني (إمام جمعة محافظة كرمانشاه وممثل الإمام الخميني فيها).

[5] «پهلوان» (بهلوان): مصطلح فارسي بمعنى البطل الباسل.

[6] قائد فرقة النبي الأكرم (ص) في حرس الثورة الإسلامية بمحافظة كرمانشاه.