دخل مؤخّرًا أعضاء فريق كبير (15 ضابطًا) من وكالة التجسس التابعة لمنظمة "CIA" الأمريكية، إلى بيروت، وتوجّهوا إلى سفارة واشنطن في عوكر. وعقدوا اجتماعًا مع "شيري بيكر" مسؤولة مكتب المخابرات الأمريكية في السفارة. وقد ركّزت أمريكا جهودها على تحريض الجماعات الداخلية في لبنان ضد حزب الله. ما هو تقييمك في هذا الصدد؟
الولايات المتحدة الأمريكية، بعد حرب تموز 2006، أصبح لها دور مباشر في العدوان السياسي على لبنان، وقد طوّرت من وجودها العسكري والأمني، ووسّعت سفارتها بشكل كبير جدًّا، تكلفة بناء السفارة الحالية نحو مليار و200 مليون دولار، سفارة ضخمة جدًّا، توجد فيها غرفة عمليات. وكذلك بدأت تحضر للسيطرة على الدولة، وعلى الجيش، وعلى الأجهزه الأمنية بشكل مباشر، نتيجة عجز الكيان الصهيوني عام 2006 عن القضاء على المقاومة، والتفات الأمريكيين إلى أن الحاضنة الأساسية في حالة المقاومة في لبنان هي معضلة سياسية واجتماعية، بالنسبة لهم طبعًا، نتيجة تجذّر حالة المقاومة في لبنان. الآن، هم في هذه الحرب يحاولون العودة إلى الاستثمار السياسي، والاستفادة من الضغط العسكري الإسرائيلي لتطويق المقاومة داخليًّا، وإضعاف مجتمعها، وكذلك مساعدة الإسرائيليين أمنيًّا واستخباراتيًّا في أعمالهم.
قال مصدر أمني لبناني رفيع المستوى لصحيفة الأخبار إن سفيرة واشنطن في بيروت تتحدث صراحةً عن ضرورة استغلال حرب إسرائيل ضد حزب الله من أجل القضاء عليه بشكل كامل. وقالت جونسون للأحزاب اللبنانية المعارضة لحزب الله: «إن إسرائيل لا تستطيع إنهاء المهمة من خلال الحل العسكري. لقد حان الوقت لكي تثوروا ضد حزب الله». فهل يُعدّ هذا الدور الأمريكي ضد المقاومة استمرارًا للدور العدائي للصهاينة؟
كلام السفيرة ليزا جونسون هو أيضًا في نفس السياق، يحاول الأمريكيون تطبيق نظرية مكافحة التمرد من خلال الدمج بين الأعمال السياسية والعسكرية لإضعاف حالات المقاومة، وترى هذه النظرية أن العمل العسكري ضد حالات المقاومة لا يضعفها إذا كان منفردًا، بل يحتاج إلى استثمار سياسي أيضًا، وكلام ليزا جانسون في مرحلة ما بعد اغتيال سماحة السيّد الشهيد، في الأيام الأولى بعد الاغتيال، كان للاستفاده المباشرة والاستثمار المباشر في الاغتيال، وقالت: عليكم أن تجهّزوا أنفسكم لمرحلة ما بعد حزب الله. وكان هناك استعجال من قبلها بهذا الصدد؛ لأنها لا تعرف المقاومة وبيئتها ومجتمعها وعمق تجذرها وتاريخها، ولأنها ليس لديها يقين أو تأكد من نتيجة العمل العسكري البري الذي كان قد بدأ العدو الإسرائيلي يحضّر له، أو بدأه عمليًّا، ولذلك لجأت إلى استدعاء الوكلاء وأزلام أمريكا في الداخل؛ لمساعدة العمل العسكري الإسرائيلي ومعاونته، ولكن هؤلاء الوكلاء، وهؤلاء الأزلام أيضًا، يريدون أن يروا في البداية تغيّرًا فعليًّا في قدرات المقاومة حتى يبادروا، وكانوا بانتظار أن يعطي العمل البري العسكري نتيجة، حتى لا يدخلوا في مغامرة مواجهة المقاومة، ويتبيّن لهم لاحقًا أن المقاومة غير ضعيفة، وبذلك فإنهم سيتحملون التكاليف والأثمان والخسائر والمخاطر بمفردهم، ولذلك لم يقوموا بما طُلب منهم حتى الآن.
هناك أنباء جديدة تشير إلى أن السفيرة الأميركية في بيروت تمارس ضغوطًا على القوى السياسية اللبنانية لتقديم قائد الجيش جوزيف عون مرشّحًا للرئاسة. وقالت السفيرة الأميركية في هذا الصدد: «عندما يصبح عون رئيسًا، سيكون مسؤولًا عن اختيار قائد الجيش، وسيختار مَن يقف في وجه حزب الله». ما هو هدف واشنطن من هذا الإجراء؟
ضمن نظرية مكافحة التمرد، هناك عملٌ على إفقاد المقاومة المشروعية من خلال دولة تُسمى دولة مضيفة للاحتلال، تقوم هذه الدولة المضيفة بوظائف نزع المشروعية عن المقاومة، والصدام المباشرمعها، كما يفعل – مثلًا - محمود عباس في الضفة الغربية، ليخفف من تكاليف الاحتلال ويقوم نيابةً عنه بالمهام الأمنية الميدانية المباشرة، وهذا ما يُراد لقائد الجيش أن يتحمله، أو يقوم به، ولكن حتى هذا الخيار هو خيار غير واقعي؛ لأن الجيش أيضًا ينتمي إلى الشعب اللبناني، وأغلب الشعب اللبناني في هذه المرحلة يقف إلى جانب المقاومة ،وبالتالي هناك معضلة أيضًا في هذا السعي.
يقال إن وكالة الاستخبارات الأميركية التي تتولى "شيري بيكر" مسؤولية مكتبها في سفارة بيروت، أدّت دورًا في جمع معلومات تتعلق بشخصيات حزب الله، وتسليمها إلى ليمها لسؤولاًريكي ضد المقاومة إإسرائيل لاغتيالها. وكمثال على ذلك، يمكننا الإشارة إلى المحاولة الفاشلة لاغتيال أحد كبار الشخصيات في حزب الله، وهو وفيق صفا (رئيس لجنة الاتصالات والتنسيق في حزب الله)، والتي كانت نتيجة لجهود استخباراتية أميركية. ما هو رأيك في هذا؟
الأمريكيون لديهم دور في التخطيط، وفي المعلومات، وفي الاستخبارات، وأحيانًا أيضًا في إدارة تنفيذ العمليات الكبرى التي قام بها العدو الصهيوني، ابتداءً من عملية اغتيال السيد محسن شكر، ومرورًا بعملية تفجير البيجرات، وعملية اغتيال سماحة السيد حسن نصرالله، سواء على مستوى نوع الأسلحة التي تم استجلابها خاصةً لهذه العمليات، أو على مستوى الدعم الاستخباري والمعلوماتي الخاص الذي قدّمته طائرات الاستخبارات الأمريكية، من خلال حضورها المباشر أثناء تلك العمليات أمام الشواطئ اللبنانية.
أثارت صور سفارة "عوكر" الواقعة على بعد 13 كيلومترًا شمال بيروت، الكثير من الجدل. تبلغ مساحة هذه السفارة 120 ألف متر مربع، وقد تبادر إلى الأذهان هذا السؤال: ما أهداف سفارة بهذا الحجم في مساحة صغيرة؟ وتشير بعض وسائل الإعلام اللبنانية إلى هذه السفارة على أنها مكان للتجسس على المقاومة. هل تُعدّ سفارة واشنطن وكرًا للتجسس؟
هذه السفارة هي سفارة إدارة العمليات السياسية والأمنية ضد المقاومة في لبنان، وفي الجوار كذلك أيضًا، وهي تعبّرعن النوايا الأمريكية في المزاوجة بين الجهود السياسية الأمريكية والجهود العسكرية والأمنية الإسرائيلية، وتعبّر أيضًا عن النظرة الأمريكية إلى أن الصراع مع لبنان، والصراع مع المقاومة في لبنان تحديدًا، هو برنامج عمل استراتيجي وبعيد المدى، ويحتاج إلى بنية لوجستية وإدارية ضخمة أيضًا.