... في زمن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام)، كان مقدرًا في التقدير الإلهي - وليس في القضاء الإلهي المحتوم - أن يحدث تحوّل يصبّ في مصلحة أئمة الهدى (عليهم السلام). هذا ما يفهمه الإنسان من روايات عدة وردت في هذا الشأن. ثمة رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول فيها: «إنَّ اللهَ قدَّرَ هذا الأمرَ في سنةِ سبعينَ»[1]. أي إن الله المتعالي قد وضع في تقديره هذا الأمر، أي أمر الإمامة - الإمامة بالمعنى الحقيقي للكلمة - إلى سنة سبعين للهجرة.
التفتوا، عندما عقد الإمام الحسن المجتبى (ع) الصلح مع معاوية، كانت مجموعة تأتي وتشتكي وتعترض، فكان الإمام يقول [لهم]: «مَا تَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»؛ هذا إلى وقت محدّد، أي إنه مؤقت. أي، لقد أشير في كلمات الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) إلى هذه الحادثة، إلى تسلط الكفر والنفاق هذا، وليس مقدرًا لذلك أن يكون دائمًا؛ بل إنه مؤقت في التقدير الإلهي. إلى متى؟ إلى سنة سبعين. أي طبقًا لهذه الرواية، كان من المقرر في سنة سبعين للهجرة أن يقوم كل مَن كان حيًّا من أهل البيت ويتولى الحكم، وأن تتحقق الإمامة الحقيقية. ثم يقول الإمام: «فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَخَّرَهُ إِلَى مِئَةٍ وَأَرْبَعِينَ»؛ أي إن حادثة كربلاء وهذا الاستخفاف من الناس بالأسس الدينية وإعراضهم هذا كان أثرها هو أن ذاك التقدير الإلهي قد تأخّر إلى سنة مئة وأربعين. طبعًا، سنة مئة وأربعين هي في زمن الإمام الصادق (عليه السلام)، فقد توفي الإمام سنة مئة وثمانٍ وأربعين. كان الشيعة يعلمون هذا الأمر. أي إن خواص الشيعة كانوا يعلمونه. لذا جاء في إحدى الروايات أن زرارة يقول لأصحابه - طبعًا، زرارة كان من المقرّبين - «لا تَرى على أَعوادِها إلّا جَعفَرًا»؛ الأعواد تعني قوائم المنبر، أي منبر الخلافة. يعني إنني أرى جعفرًا سيجلس على هذا المنبر؛ نعم كذلك كان.
أو في رواية أخرى عن زرارة أيضًا - فقد كان زرارة يسكن الكوفة - أنه يبعث رسالة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) ويكتب له بأن أحد أصدقائنا من الشيعة مدين ودائنوه يلاحقونه؛ ولأنه لا يملك مالًا، فقد ترك المدينة وغادر. إذا كانت هذه القضية، أي قضية الخلافة، ستحدث في غضون سنة أو سنتين - في الرواية وردت عبارة «هذا الأمر»؛ أي إذا كان من المقرر أن تحدث هذه القضية في غضون سنة أو سنتين - حسنًا إذًا فليبقَ هذا الشخص حتى تتولى الأمر، وتُعالَجُ القضايا، أما إذا كان الأمر سيطول، فليجمع الأصحاب المال ويسددوا دَينه.[2] أي إن شخصًا مثل زرارة كان ينتظر أن تنتهي المسألة في غضون سنة أو سنتين، وهذا ما يفسّر مجيء الناس إلى الإمام الصادق باستمرار وسؤالهم له: يا سيدي، لماذا لا تقوم؟ لماذا لا تقوم؟ هذا يدل على أنهم ينتظرون؛ أي إنهم سمعوا شيئًا ووصل إلى مسامعهم أمر ما.
ثم جاء في تتمّة هذه الرواية التي حددت سنة 140، أن الإمام قال: «لقد أفشَيْتُم السِرَّ، فَأَخَّرَ اللهُ الأمرَ». يعني لو أن شيعة أهل البيت حفظوا ألسنتهم ولم يفشوا السر، ربما كان الأمر لينجز في ذلك الوقت؛ انظروا كم كان التاريخ سيتغير! بل إن مسار البشرية كان سيأخذ منحىً آخر، ولكان العالم اليوم عالمًا آخر. أي إن تقصيراتنا، وأحيانًا زلة ألسنتنا، وأحيانًا امتناعنا عن تقديم المساعدة، وأحيانًا اعتراضاتنا العبثية، وأحيانًا انعدام الصبر لدينا، وأحيانًا التحليلات الخطأ التي نجريها عن الأوضاع، كلّها تؤثر أحيانًا - [بل] تؤثر تأثيرًا تاريخيًا -، أي إنها تغيّر المسار على هذا النحو؛ لذا يجب الحذر الشديد.
طبعًا، إنّ حياة الإمام الصادق (عليه السلام) حياة استثنائية ومدهشة، وقد حقّقت نجاحًا باهرًا من حيث نشر الأحكام الإلهية وكثرة الروايات التي نُقلت عنه وعن أصحابه. وأمّا بالنسبة إلى ما يُقال عن أن الإمام لديه أربعة آلاف تلميذ، قد يتصوّر السامع أن الإمام كان يبدأ درسًا فيجلس أمامه أربعة آلاف شخص؛ الأمر ليس كذلك. بل المقصود أنه طوال عمره الشريف، نقلَ عنه الروايات أربعةُ آلاف شخص - وفقًا لما ورد في ذلك الكتاب - أي لديه أربعة آلاف راوٍ، هذا هو معنى «أربعة آلاف تلميذ»، وليس أنهم كانوا يجلسون عند درسه وهو يُلقي عليهم الدرس.
إننا نعيش بعيدًا عن حياة الأئمة؛ فمعلوماتنا ضئيلة، بشأن أقوالهم أو تصريحاتهم أو رواياتهم وسِيَرهم.
وأمّا هذه الأمور التي تُنقل في رواياتنا والتي تقول إنه أُخذ (الإمام) إلى المنصور، وإنّ المنصور أظهر له غضبًا شديدًا، فقال الإمام [ما معناه]: «يا ابن العم! الأولياء والأنبياء قد تعرّضوا للظلم، وقد صُفحَ عنهم، فاصفح عنا أنت أيضًا»، أقولها بضرس قاطع أنها كذب، هذه الأمور لا تمتّ إلى الواقع بصلة. الإمام لا يتحدث بهذه الطريقة مع أي شخص، سواء أكان هناك خطر القتل أم لم يكن، ومهما كان الأمر، الإمام لا يتحدث أبدًا بهذه الطريقة. مَن هو الراوي؟ إنّه ربيع؛ الراوي هو ربيع الخادم! ربيع هو خادم المنصور، أي هو الشخص المسؤول عن خدمة المنصور؛ شخص من البلاط، كاذب على ذلك النحو. جاء هذا الشخص ليُخبرنا أن الإمام الصادق قال ذلك! طبعًا، هذه أداة جيدة لتدمير معنويات الشيعة؛ لذا يجب تجنب نقل هذه الروايات تمامًا. بعض الأشخاص ينقلونها عبثًا، في حين أن هذه الروايات ليست صحيحة. الأئمة كانوا يعلّمون درس الاستقامة والثبات ودرس المنطق، ويعلّمون كيفية إفحام الطرف الآخر عبر التحدّث بمنطق واستدلال.
انظروا كيف تتحدث السيدة زينب (ع) في مجلس ابن زياد وفي مجلس يزيد! ذلك هو الصحيح؛ ذلك النهج هو نهج الأئمة الصحيح. إنّ كل مَن يثبت، فهو يسير على نهج هؤلاء الكرام. اليوم أيضًا، الذين يثبتون في غزة ولبنان، هؤلاء في الواقع يعملون على نهج أئمة الدين وأئمة الهدى.