بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.

عيدكم مبارك. نسأل الله تعالى ببركة هذا العيد الكبير وببركة ذكرى مولانا أمير المؤمنين، أن ينوّر قلوبكم  دوماً بألطافه وسكينته وطمأنينته ولطفه، وأن يوفقنا لننتفع إن شاء الله من هذه المناسبة وأمثالها على نحو مناسب وجيد. لقد بدأت جلستنا اليوم بداية حسنة جداً، وكانت تلاوة القرآن حسنة جداً، والأشعار التي قرأوها هنا كانت جيدة جداً من حيث القالب ومن حيث المضمون، وقلوبكم مفعمة بعشق ومحبة مولى الموحدين - عليه سلام الله وتحياته - وهذا الشوق وهذا العشق وهذا التولي والتوجّه يجب أن يكون إن شاء الله وسيلة تأخذنا إلى الاتجاه الذي يرتضيه مولانا أمير المؤمنين.

النقطة الأولى التي أروم طرحها تتعلق بالغدير نفسه. حين يقال في بعض العبارات إن عيد الغدير هو عيد الله الأكبر وهو فوق كل الأعياد، فما هو سبب ذلك ووجهه؟ في القرآن الكريم آيات لا يمكن أن تنطبق على قضية أخرى غير قضية الغدير. نفس هذه الآية المعروفة «اليومَ يئِسَ الَّذينَ كفَروا مِن دينِكم فَلا تَخشَوهُم وَاخشَونِ اَليومَ اَكمَلتُ لَكم دينَكم وَاَتمَمتُ عَليكم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكمُ الاِسلامَ ديناً» (1) في بدايات سورة المائدة، لا يمكن أن تنطبق على قضية سوى قضية الغدير بوزنها وأهميتها وحجمها. مثل هذه القضية فقط هي التي يمكن أن يكون تعبير «اليومَ يئِسَ الَّذينَ كفَروا مِن دينِكم» بشأنها. الذين شككوا في مضمون هذه الآيات، قالوا بعض الكلام، ويذكرون بعض الآراء، والمعارضون والذين لا يؤمنون بقضية الغدير أوّلوا هذه الآية بنحو من الأنحاء، بيد أن هذا الجزء من الآية لا يقبل التأويل. اليوم هو اليوم الذي يئس فيه الأعداء - الكفار - من دينكم. فما الشيء الذي أضيف إلى الدين بحيث جعل العدو ييأس؟ ما مدى أهمية الأحكام المذكورة في هذه الآية، في بداية سورة المائدة، وقبل وبعد هذه الفقرة؟ لم يرد هذا التعبير بشأن الصلاة، ولا بشأن الزكاة، ولا بشأن الجهاد، ولا بشأن أيّ من الأحكام الإلهية الفرعية، أن يقال «اَليومَ يئِسَ الَّذينَ كفَروا مِن دينِكم». إذن، فهي قضية أخرى غير هذه الأحكام الفرعية. فما هي هذه القضية؟ إنها قضية قيادة المجتمع الإسلامي، وقضية نظام الحكم والإمامة في المجتمع الإسلامي. نعم، قد يخالفون ويعارضون ولا يعملون - وهو ما قاموا به فعلاً، فقد حكم بنو أمية وبنو العباس وأمثالهم لقرون من الزمان حكماً ملكياً باسم الإمامة والخلافة وما شابه - لكن هذا لا يضر بفلسفة الغدير ولا ينال منها.

قضية التعيين في حادثة الغدير هي قضية تعيين الضوابط والقواعد. أقيمت قاعدة في الإسلام، و قد وضعها الرسول الأكرم (ص) في الأشهر الأخيرة من عمره، فما هي هذه القاعدة؟ إنها قاعدة الإمامة و الولاية. لقد كان للمجتمعات البشرية حكوماتها منذ القدم، وقد جرّبت الإنسانية شتى أنواع الحكومات وصنوفها. الإسلام لا يوافق هذه الحكومات والسلطات والأنظمة السلطوية، بل يوافق الإمامة.

الغدير بيَّن قاعدة الحكم في الإسلام وأعلنها...إنها قاعدة الإمامة والولاية

هذه هي قاعدة الإسلام. الغدير يبين هذه القاعدة ويعلنها. ومصداقها واضح معروف. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شخص لم يستطع أحد لا في ذلك الزمان ولا في الأزمنة اللاحقة النيل حتى بأدنى الدرجات من شخصيته السامقة وتمثيله للمفاهيم والمعارف القرآنية. نعم، أطلقوا عليه الشتائم، وهم يطلقون الشتائم حتى على الله، ويطلقون الشتائم - والعياذ بالله - حتى على الرسول الأكرم (ص)، والشتائم ليست دليلاً. لا يستطيع أي إنسان عندما يفكر ويتحرر من أحاسيسه وعصبياته، لا يستطيع أبداً - حتى في حدود معينة - أن يسجل أبسط مؤاخذة على هذا الهيكل النوراني المقدس. وقد عيّن الرسول الأكرم (ص) هذا الشخص كمصداق للإمامة، فكانت هذه قاعدة. إلى آخر الدنيا، أين ما أراد المسلمون وعقدوا الهمم وهدوا من قبل الله إلى تحقيق الإسلام وتطبيقه وتحقيق المجتمع الإسلامي، فالضابطة والقاعدة لذلك هي هذه: ينبغي إحياء الإمامة. طبعاً لا يمكن لأيّ مصداق على الإطلاق الارتقاء إلى مستوى تلك المصاديق التي عينها الرسول الأكرم (ص)، بل لا يصل حتى إلى أدنى من ذلك. إن أعظم شخصياتنا العلمية والمعنوية والعرفانية وعظماء السلوك والمعرفة بالمقارنة إلى الإمام أمير المؤمنين كمثل نور ضعيف في قعر بئر يمنح المرء قليلاً من الضياء، فقارنوا هذا بضياء الشمس. نعم، إنه من نفس الشعاع، ولكن كم هي المسافة بين هذا وذاك؟ وكم هو الفرق بينهما؟ أعظم شخصياتنا، ويمكن أن نقول على سبيل المثال شخصية إمامنا الخميني الجليل الذي كان والحق يقال شخصية كاملة كبيرة عظيمة جامعة للأطراف وممتازة وبارزة من كل النواحي، إذا أردنا مقارنته بالإمام أمير المؤمنين، فستكون المقارنة على ما ذكرت، أي مقارنة ضياء الشمس بذلك النور الذي يبصره الإنسان من قعر بئر أو زاوية. هكذا هي المسافة والفاصلة.

نعم، هذه الفواصل موجودة، ولكن هذه هي الضابطة، الضابطة هي الإمامة. لقد تعينت وتأسست بالغدير قاعدة الحكومة والاقتدار والسلطة في المجتمع الإسلامي. هذه هي أهمية الغدير. لا تنحصر أهمية الغدير بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد تعين فيه، وهذا مهمٌ بدوره، لكن الأهم من ذلك هو أنهم عينوا الضابطة والقاعدة، وتبين أن الحكومة الملكية لا معنى لها في المجتمع الإسلامي، ولا معنى للحكومة الشخصية، ولا معنى لحكومة المال والعسف، ولا معنى لحكومة النبلاء والارستقراطيين، ولا معنى لحكومة التكبّر على الناس، ولا معنى لحكومة الامتيازات والجشع والاستزادة وجمع الأموال، ولا معنى لحكومة اللهاث وراء الشهوات. تبيّن أن هذا هو المقرر في الإسلام. وقد وضعت هذه القاعدة في الغدير. عندما وضعت هذه القاعدة «يئِسَ الَّذينَ كفَروا مِن دينِكم»، عندها يئس الأعداء من أن يستطيعوا تغيير مسيرة هذا الدين، لأن مسيرة الدين تتغير عندما يتغير ذلك القطب الأساسي والنواة الأصلية. بمعنى أنه إذا تغيّرت نواة السلطة ونواة الإدارة ونواة الرئاسة فإن كل شيء سيتغير. نعم، تحدث تغييرات في الواقع العملي، ويحكم أفراد من قبيل خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس بإسم الإسلام، ويحكم بإسم الإسلام الحجاج بن يوسف، لكنهم لن يستطيعوا تغيير الضابطة. عندما يراجع المراجعون في العالم الإسلامي اليوم والمطلعون على المعارف الإسلامية، عندما يراجعون القرآن ويطلعون على الضوابط المذكورة في القرآن لعبودية الحق وحياة واتجاهات عباد الحق - أي الشعوب - فلا يمكن أن يتوصلوا إلى نتائج سوى نتيجة إمامة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وامتداداته. هذا هو ما ندّعيه، ونستطيع إثبات هذا الادعاء تماماً. كل شخص في العالم الإسلامي، المثقفون والمفكرون وأصحاب الاعتقادات المختلفة والذين نشأوا منذ البداية على عقائد أخرى، إذا جعلوا القرآن الكريم والقيم والضوابط القرآنية ملاكاً لحياة المجتمعات البشرية، لن يصلوا لأية نتيجة سوى أن شخصاً مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام) يجب أن يحكم المجتمعات الإسلامية. أي إن هذا هو الطريق، طريق الإمامة. هذا ما يتعلق بالغدير.

طيب، عندما يكون الغدير مهماً إلى هذه الدرجة، سيتضح معنى تلك الآية القرآنية الأخرى القائلة: «ياَيهَا الرَّسولُ بَلِّغ مآ اُنزِلَ اِلَيك مِن رَبِّك وَ اِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَه» (2). يقول: إذا لم تبلغ هذا الحكم فكأنك لم تبلغ رسالة الله. الرسول الأكرم (ص) يجاهد منذ 23 سنة - جهاده في مكة، وجهاده في المدينة، وتلك الحروب وتلك التضحيات والفداء والصعوبات والشدائد في الصدامات، وتلك الهداية البشرية العظيمة التي نهض بها ذلك الإنسان الكبير، هذه كلها حدثت خلال هذه الفترة - فأية حادثة وأية قضية هذه التي لو لم تحصل فكأنما لم تحصل كل تلك المجاهدات والمعاناة «وَ اِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَه». لا يمكن لهذه القضية أن تكون حكماً فرعياً، بل هي قضية فوق هذه القضايا، فما هي؟ إنها الإمامة. من هو الإمام الأول. إنه الرسول الأكرم (ص) نفسه. يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في منى: «اِنَّ رَسولَ اللهِ كانَ هُوَ الاِمام». رسول الله هو الإمام الأول. «ثُمَّ مِن بَعدِهِ عَلي ‌بنِ‌ اَبي‌ طالِب»، ومن بعدهما بقية الأئمة (3). بعد أن امتحن الله تعالى النبي إبراهيم كل تلك الامتحانات و بعد أن مرّ بكل تلك المراحل الصعبة - وقع في شبابه في النار، ثم جاء إلى بابل و المناطق التي كان فيها، و بذل كل تلك الجهود والمشاق، عندما وصل إلى سنّ الشيخوخة، قال الله تعالى: «اِنّي جاعِلُك لِلنّاسِ اِمامًا» (4)، الآن نريد أن نجعلك إماماً. هذا هو معنى الإمامة. هذه عقيدة. عقيدة إسلامية مبتنية على أسس متينة و براهين لا يطالها الشك. إننا ندعو كل العالم الإسلامي و كل المفكرين إلى متابعة هذه المسائل إذا كانوا من أهل الفكر والأدلة، والتي يمكن أن تستخلص بسهولة  من التدبّر في آيات القرآن الكريم وبالتأمل في هذه الحقائق.

طبعاً ينبغي من جهة ثانية عدم استفزاز مشاعر الآخرين. يتصور البعض أن إثبات التشيع بالسباب الدائم على الشخصيات المعروفة التي يعتقد بها أهل السنة والآخرون، لا، هذا بخلاف سيرة الأئمة. حين ترون أن إذاعات أو تلفزيونات تظهر في العالم الإسلامي مهمتها باعتبارها شيعية وتعمل باسم الشيعة أن تسيئ لكبار الشخصيات التي تعتقد بها سائر الفرق الإسلامية، فواضح أن ميزانية هذه الأعمال من ميزانية الخزينة البريطانية. ميزانية هذه الممارسات ميزانية بريطانية. هذا تشيع بريطاني. لا يتصورنّ أحد أن نشر التشيع والعقيدة الشيعية وتقوية الإيمان الشيعي ممكن بالإساءة والشتائم وبهذه الطريقة من الكلام. لا، هذه ممارسات تؤتي نتائج عكسية.

حين ترون أن إذاعات أو تلفزيونات تظهر في العالم الإسلامي مهمتها باعتبارها شيعية وتعمل بإسم الشيعة أن تسيئ لكبار الشخصيات التي تعتقد بها سائر الفرق الإسلامية، فواضح أن ميزانية هذه الأعمال من ميزانية الخزينة البريطانية. ميزانية هذه الممارسات ميزانية بريطانية. هذا تشيعٌ بريطاني.

عندما توجّهون الشتائم والسباب فسوف يمتد حوله سور من الغضب و المشاعر، ولن يكون حتى كلام الحق مقبولاً عنده. لدينا الكثير من الكلام الرصين المقبول المنطقي. كلام لو سمعه أي صاحب فكر وتدبر لقبله ووافقه. لدينا الكثير من هذا الكلام. دعوا هذا الكلام يسمع، دعوا هذا الكلام ينفذ إلى قلوب الطرف المقابل. عندما تسبّون وتسيئون فسوف يقوم سدّ ولن يمكن سماع هذا الكلام أصلاً، سوف لن يسمعوه. وعندها تأتي الجماعات الخبيثة العميلة المرتزقة القابضة للأموال من أمريكا والسي آي أي وجهاز الإنتلجنس - مثل داعش وجبهة النصرة - باستخدام حفنة من الناس العاميين الجهلاء الغافلين فيطلقون هذه الأوضاع والأحداث والتي تلاحظونها في العراق و سورية و أماكن أخرى. هذا من فعل العدو. العدو ينتظر الفرص و يستفيد من أية فرصة. لدينا كلام حق و كلام منطقي. لدينا كلام متين رصين. ما قلته لكم اليوم كان نموذجاً بسيطاً منه. هذا عن الغدير.

ثمّ لنا كلام عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). كل القيم و الصفات التي يحترمها الإنسان ويكرّمها - سواء كان إنساناً مؤمناً بالإسلام، أو إنساناً مؤمناً بأيّ دين، أو حتى الإنسان الذي لا يؤمن بأيّ دين، أي إنسان - مجتمعة في علي بن أبي طالب. أي إن علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) شخصية تحترمونها إذا كنتم شيعة، وتحترمونها إذا كنتم سنة، وتحترمونها حتى لو لم تكونوا مسلمين أصلاً لكن تتعرفون عليه وتتابعون أحواله و صفاته. كثيرون هم عبر الزمن الأشخاص من أهل السنة الذين كتبوا عن فضائل الإمام أمير المؤمنين. وقد كتب جورج جرداق المسيحي (5) ذلك الكتاب ذا المجلدات الخمسة. شخص مسيحي يكتب حول الإمام أمير المؤمنين كتاباً قبل سنين بكل وله وحبّ. نفس هذا الشخص جاء إلى هنا عندي و جرى معه حديث عن كتابه (6) فقال إنني تعرفت على نهج البلاغة منذ حداثة سني وفي ريعان شبابي، وقد هداني نهج البلاغة إلى شخصية علي بن أبي طالب، فكتب هذا الكتاب: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية. حتى الشخص الذي ليس له أي دين - أي إنه لا يؤمن بأي دين - عندما يتعرف على شخصية الإمام أمير المؤمنين يخضع لها و يبجلها و يعظمها.

هناك ثلاثة أنواع من الصفات في الإمام أمير المؤمنين: أحدها تلك الصفات المعنوية الإلهية التي لا يمكن قياسها وفحصها بأيّ معيار من قبلنا. إيمانه إيمان سام عميق. وسبقه إلى الإسلام وتضحيته في سبيل الإسلام. وهناك إخلاصه حيث لا تشوب عمله حتى ذرة من نيّة غير إلهية. فهل نفهم هذا أصلاً؟ هل يمكن إدراك مثل هذه الحالة من قبل أمثالي؟ كل أعماله لله ولرضا الله ولتطبيق الأمر الإلهي، أي إنه الإخلاص. هذه أصلاً أشياء لا يمكن وزنها وقياسها من قبلنا، كما لا يمكن إيضاحها بشكل صحيح من قبلنا. العلم والمعرفة بالله. المعرفة بالله. ما الذي نفهمه عن الله؟ عندما نقول «سُبحانَ رَبِّي العَظيمِ وَبِحَمدِه» ما الذي نفهمه من هذه العظمة، وما الذي يفهمه أمير المؤمنين منها؟ المعرفة بالله. هذه سلسلة من صفات الإمام أمير المؤمنين لا يمكن توصيفها وفهمها من قبلنا. إذا أوضحوها لنا فلن نفهمها فهماً عميقاً، من شدة عظمتها وعمقها. هذه مجموعة من صفات الإمام أمير المؤمنين.

مجموعة أخرى هي صفاته الإنسانية المميزة. وتلك هي الصفات التي ينجذب نحوها الإنسان المسلم وغير المسلم والمسيحي وغير المسيحي وصاحب الدين وعديم الدين: الشجاعة والرحمة. ذلك الإنسان الذي يقاتل في ساحة المعركة على ذلك النحو عندما يتعامل مع عائلة يتيمة يتلطف بهم كل ذلك التلطف وينحني لهم ويرأف بهم ويلعب مع الأطفال اليتامى ويحملهم على أكتافه. هذه هي الأمور التي لا علاقة لها أصلاً بأن نكون متدينين وبأي دين نؤمن حتى نحترمها. أي إنسان عندما يقف أمام هذه العظمة يشعر بالخضوع والإجلال. وهناك الإيثار. الإيثار بمعنى ترجيح الآخر على نفسك، بمعنى التجاوز والتضحية، بمعنى عندما يكون الحق معك تغض الطرف عن حقك من أجل الله ولأجل مصلحة - الحق الشخصي طبعاً - سواء الحق المالي أو الحق في السمعة وماء الوجه أو أي حق آخر من حقوقك. هذا هو معنى الإيثار. هذه أيضاً مجموعة من صفات الإمام أمير المؤمنين التي لو أراد المرء تعدادها في كتاب لكان كتاباً ضخماً جداً.

أي إنسان يقف أمام عظمة الإمام علي وصفاته الإنسانية المميزة يشعر بالخضوع والإجلال

الفئة الثالثة من خصوصيات الإمام أمير المؤمنين هي خصوصياته الحكومية الناتجة عن قضية الإمامة. الإمامة معناها الحكم بهذه الطريقة. وبالطبع هناك درجات في تطبيق هذه الطريقة والالتزام بها، وقد كان مثلها الأعلى متجسداً في شخصية الإمام أمير المؤمنين. ما هي أمثلة الخصوصيات الحكومية؟ من أمثلتها العدالة والإنصاف والمساواة بين كل الناس، وحتى الذين يعيشون في مجتمعكم لكنهم ليسوا على دينكم. عندما سمع الإمام أمير المؤمنين أن بسر بن أرطأة (7) قد سار بجنوده ودخل مدينة وانتهك حرمات العوائل، خطب خطبة مؤلمة: «بَلَغَني اَنَّ الرَّجُلَ مِنهُم لِيدخُلُ المَرأَةَ المُسلِمَةِ وَالأخرى المُعاهَدَةِ فَينتَزِعُ حِجلَها» (8). يقول سمعتُ أن هذه القوات الظالمة الجائرة الوقحة دخلت على بيوت النساء المسلمات و النساء غير المسلمات - المعاهدون هم اليهود والنصارى الذين كانوا يعيشون في المجتمع الإسلامي - وانتزعوا ثيابهن و حجولهن (9) و أساورهن و حجول أرجلهن و نهبوها. ثم يقول لو إن إنسان مات كمداً لمثل هذه الأحداث فلا ينبغي ملامته. لاحظوا، هذه هي الشخصية، رحمته بالناس وحرصه عليهم، وعلى كل الناس، وقد كان يعيش في المجتمع الإسلامي يهود ونصارى وسواهم، وهم المعاهدون. هذه هي خصوصياته الحكومية: العدل والإنصاف والمساواة.

اجتنابه لزخارف الدنيا و زينتها لشخصه هو. وهذه من آفات الحكومات الدنيوية. لأننا حين نتولى رئاسة البلاد تقع مصادر البلاد المالية تحت تصرفنا، فتوسوس لنا أنفسنا فنقول: هنا توجد أرض جيدة، وهنا توجد إمكانيات جيدة، وهنا يوجد مال حسن كثير، فلنأخذ سهماً منها. أما الأشقياء والتعساء وسود الوجوه جداً فيأخذوها كلها لهم، مثل رضا خان، والذين يتحلون بإنصاف أكثر يعطون الآخرين قليلاً منها، وغالباً ما يعطون لأقاربهم وأصدقائهم، ويأخذون جزءاً منها لهم. هذه من بلايا الحكومات وآفاتها. وهكذا هو الحال حتى بالنسبة للحكومات الديمقراطية في العالم. تسمعون أن رئيس الجمهورية الفلاني سافر في عطلته الشتوية أو الصيفية إلى الجزيرة الفلانية الحسنة المناخ، وأنفق كذا مليون من الدولارات! من أين؟ والعائلة الأرستقراطية الملكية الفلانية دخلت إلى المدينة الفلانية وأفرد لهم هذا العدد من الفنادق والإمكانيات، وأنفقوا خلال عشرة أيام أو عشرين يوماً من مكوثهم هناك كذا مليار، مبالغ بالمليارات! حكومة الإمامة تعارض هذه الأشياء. الاستخدام الشخصي للإمكانيات العامة ممنوع، والعزوف عن الدنيا من قبل شخص الإمام.

في حكومة الإمامة الاستخدام الشخصي للإمكانيات العامة ممنوع

التدبير. التفكير بالتدبير للمجتمع الإسلامي، والفصل والتمييز بين العدو والصديق، وتصنيف الأعداء إلى عدة طبقات ومراتب. خاض الإمام علي بن أبي طالب ثلاثة حروب، وقد كانت هذه الحروب الثلاثة مع ثلاثة أنواع من الأعداء، لكنه لم يحاربهم على شاكلة واحدة. فقد كانت الحرب مع معاوية والشام بطريقة معينة، والحرب مع أهل البصرة بطريقة أخرى. عندما حارب عليه السلام طلحة والزبير حاربهم بطريقة مختلفة. هناك طلب الزبير في وسط ساحة الحرب وتحدث معه ونصحه وقال له يا أخي تذكر السوابق، فقد حاربنا سوية وعملنا سوية كثيراً. وقد ترك ذلك تأثيره. طبعاً لم يفعل الزبير الشيء الذي كان ينبغي عليه أن يفعله، فقد كان عليه أن يلتحق بالإمام أمير المؤمنين، لكنه لم يفعل ذلك، بيد أنه ترك ساحة الحرب وانصرف. هكذا كان سلوك الإمام علي بن أبي طالب في حربه مع طلحة والزبير. لكن سلوكه في حربه مع الشام لم يكن على هذا النحو. ما الذي يقوله عليه السلام لمعاوية؟ هل يقول له إنني وأياك كنا سوية؟ فمتى كانا سوية؟ لقد وقفوا ضد بعضهم في معركة بدر، و قد قتل الإمام علي بن أبي طالب جده وخاله وقومه وأقاربه، ولا توجد سوابق مشتركة بينهما. وقد راح معاوية يستغل هذا العداء ويحارب الإمام أمير المؤمنين. كان الإمام عليه السلام يقسّم الأعداء ويصنفهم. في واقعة النهروان كان عديد الأعداء عشرة آلاف شخص، وقال لهم الإمام أمير المؤمنين كل من يأتي منكم تحت هذه الراية التي نصبتها فلن نحاربه، فجاء أكثرهم صوبه. فقال الإمام عليه السلام إذهبوا، فأطلقوهم لحالهم. نعم، الذين بقوا ولجّوا وتعصّبوا حاربهم وانتصر عليهم. هذا معناه التدبير في إدارة البلاد، ومعرفة العدو ومعرفة الصديق، فليس جميع الأعداء على شاكلة واحدة. صرف النظر عن بعضهم، وبعضهم لم يبايعوه منذ البداية، وكان مالك الأشتر واقفاً والسيف بيده فقال إئذن لي يا أمير المؤمنين أن أضرب عنق هذا الذي لم يبايعك، فضحك الإمام و قال: لا، لقد كان فظاً سيّئ الخلق عندما كان شاباً، وازداد فظاظة الآن حين شاخ، فدعه يذهب، فتركوه يذهب. هذا تدبير. أرقى أنواع التدبير أن يعرف الذي هو على رأس السلطة من عدوه ومن يقف ضده وكيف ينبغي التعامل مع كل واحد منهم. كانت هذه إحدى سمات الحكم عند الإمام أمير المؤمنين.

وامتاز أيضاً بسرعة العمل وعدم التعلل والتأخير، فبمجرد أن يشخّص أنه ينبغي القيام بهذا العمل كان يتجه نحو العمل به.

وامتاز أيضاً بالتبيين، حيث كان يبين الحقائق للناس. لاحظوا خطب نهج البلاغة، الكثير منها بيان لحقائق وواقعيات كانت قائمة في المجتمع آنذاك - سواء خطبه عليه السلام أو كتبه ورسائله - جزء من نهج البلاغة خطب وجزء منه رسائل، وغالباً ما كانت هذه الرسائل موجهة لأشخاص يعترض عليهم الإمام عليه السلام، فهم إما أعداء مثل معاوية أو عمّاله وولاته يعترض عليهم الإمام ببعض الأمور. هكذا كان الحال في الغالب. وبعضها توصيات وأوامر، مثل عهده لمالك الأشتر. إنه يبين الحقائق للناس في جميع هذه الخطب والرسائل. كان هذا جانباً من منهج الإمام أمير المؤمنين في العمل.

عمل الإمام أمير المؤمنين على تبيين الحقائق للناس في جميع خطبه ورسائله

وهناك قضية «هداية المجتمع نحو التقوى» يطرحها الإمام أمير المؤمنين في هذه الخطب. قلّ ما توجد خطبة لم يوص فيها الإمام أمير المؤمنين بالتقوى: «اتَّقواالله»، لأن التقوى هي كل شيء. عندما تسود التقوى في مجتمع تنحلّ كل المشكلات المادية والمعنوية لذلك المجتمع. هكذا هي التقوى؟ طبعاً التقوى بمعناها الصحيح، إذ ليست التقوى مجرد أن يغض الإنسان طرفه عن الحرام أو لا يقوم بالأعمال المحرمة وحسب. هذا جزء من التقوى، غير أن التقوى أوسع من ذلك بكثير. معنى التقوى الحقيقي هو أن يراقب الإنسان نفسه و يراقب حركاته وسكناته ويحاول صيانة نفسه والحفاظ عليها على الجادة المستقيمة والصراط المستقيم. هذا هو معنى التقوى. إذا تحقق هذا في المجتمع أمكن معالجة كل المشكلات. الإمام أمير المؤمنين يدعو الناس دوماً إلى التقوى.

و قد كان متفانياً في العمل بالحق، ولا يلاحظ هذا وذاك، ولا تأخذه في الله لومة لائم. كان متفانياً غير هيّاب في العمل بالعدل ولا يأخذ الاعتبارات غير المبررة بنظر الاعتبار. لم يكن هناك تردد سلبي ومجاملات في حياة الإمام أمير المؤمنين. نفس هذا الشخص الذي يقول لمالك الأشتر دع هذا الممتنع عن البيعة يذهب لحاله، كان يتشدد في مواطن أخرى و يدقق ويصرّ على الأمور.

لم يكن هناك تردد سلبي ومجاملات في حياة الإمام أمير المؤمنين. ولم تكن تأخذه في الله لومة لائم

هذه هي المجموعة الثالثة من صفات الإمام أمير المؤمنين وهي الصفات الحكومية، وهي غير الصفات الشخصية وغير تلك الجوانب المعنوية والإلهية التي لا يمكننا فهمها ولا يمكننا وصفها بألسنتنا القاصرة الناقصة. هذه هي شخصية الإمام أمير المؤمنين. إنها شخصية جامعة يصدق عليها حقاً البيت الشعري القائل «كبير أنت ولا يمكن ظهورك في مرآة صغيرة» (9). إننا لا نستطيع بأعيينا الضعيفة العاجزة هذه وبنظراتنا الناقصة هذه وبقلوبنا المغطاة بالأوهام أن نرى تلك الشخصية العظيمة، لكننا بالتالي نعلم شيئاً عن ذلك الإنسان الكبير وبعض أوصافه ونقولها ونتحدث بها. لقد تمّ تعيين هذا الإنسان في الغدير.

طيب، ما الذي ينبغي علينا فعله الآن؟ من الواضح أننا لا نستطيع أن نعيش حياتنا مثل الإمام أمير المؤمنين، ولا نستطيع أن نعمل مثله وليس بمقدورنا أن نكون مثله. وقد قال هو نفسه: «اَلا وَاِنَّكم لا تَقدِرونَ على ذلِك» (10). قال عليه السلام لحكامه وولاته وعماله على الأمصار إنكم لا تستطيعون أن تعملوا بالطريقة التي أعمل بها. علينا أن ننظر لهذه القمة. وقد قلنا مراراً إن هذه قمة ويقال لكم إن هذه القمة هي هدفكم الذي ينبغي أن تصلوا له فسيروا نحوها. واجبنا هو السير نحو القمة. خذوا بعين الاعتبار هذه الصفات التي يتحلى بها أمير المؤمنين، ينبغي أن نسير بهذا الاتجاه بمقدار استطاعتنا وقدراتنا، فلا نسير في الاتجاه المعاكس. لسير مجتمعنا باتجاه زهد الإمام أمير المؤمنين لا أن يزهد كما كان يزهد هو - فهذا ما لا نستطيعه ولم يطلبوه منا - ولكن لنتحرك بنفس هذا الاتجاه، أي ينبغي أن نتحاشى الإسراف والجشع والتحاسد والتكاثر، وهكذا سنكون شيعة لأمير المؤمنين.

خذوا بعين الاعتبار الصفات التي يتحلى بها أمير المؤمنين، ينبغي أن نسير بهذا الاتجاه بمقدار استطاعتنا وقدراتنا، فلا نسير في الاتجاه المعاكس

أعمالنا تجعل بعض الناس يؤمنون ويثقون بنا. يقول: «كونوا لَنا زَيناً وَلا تَكونوا عَلَينا شَيناً» (11). يقول كونوا زينة لنا. فما معنى أن نكون زينة؟ معناه أن نعمل ونتصرف بطريقة حينما يراها شخص يقول: مرحى مرحى، كم هم صالحون شيعة أمير المؤمنين! أن يطلب الإنسان رشوة فهذه ليست بزينة، بل هو عيب. والذي يريد من بيت المال أكثر ويأخذ أكثر فهذا عيب على الشيعة. والذي يغمض عينيه عن العيوب ولا يشعر بأية مسؤولية في هداية المجتمع نحو التقوى، فهذا عيب على النظام الإسلامي والمجتمع الإسلامي. والذي يسرف في حياته الشخصية فهذا عيب.

نحن للأسف مبتلون، مبتلون بالإسراف والاستزادة والتمادي. إننا ننصح أنفسنا والناس والآخرين في هذا الخصوص منذ سنين، ونقول دائماً ونكرر فيجب بالتالي أن نتقدم إلى الأمام ونقلل من الإسراف في المجتمع. رجالنا ونساؤنا وشبابنا وشيوخنا يجب أن يتركوا الإسراف في الملبس والمأكل وبهارج الحياة وزينتها. أو حالات التكاثر والتحاسد في هذا العرس أو تلك الضيافة، و هذه السيدة لبست كذا وعلقت كذا من الزينة وكذا من علامات التجميل وما إلى ذلك، ويجب عليّ أن لا أتأخر عنها. هذه هي الأخطاء والأخطار الكبيرة جداً. وهذه هي الأمور التي تخرّب الحياة، وهي أمور تبدد العدالة في المجتمع، و بالتالي فهي أمور تقضي على الاقتصاد. جانب مهم من دمار الاقتصاد يعود إلى هذه الأمور. إذا أراد مجتمع أن يصل إلى مستوى من القوة والمتانة الداخلية في الاقتصاد بحيث لا يكون اقتصاده هشاً ضعيفاً، فمن الأمور الواجبة التي ينبغي أن يقوم بها اجتناب الإسراف والتمادي والاستهلاك الزائد وما شابه. ولهذا طبعاً مصاديق كثيرة، وقد تحدثت كثيراً في هذه المجالات ولا أروم تكرار ذلك الكلام. في موضوع الماء، وفي موضوع الخبز، وفي موضوع الطعام، وفي مجال مختلف أنواع الاستهلاكات، لدينا الكثير من حالات الإسراف والتمادي والاستهلاك غير الضروري وسوء الاستهلاك وما شاكل. ينبغي أن نراقب هذه الأمور وندقق فيها.

إذا أراد مجتمع أن يصل إلى مستوى من القوة والمتانة الداخلية في الاقتصاد بحيث لا يكون اقتصاده هشاً ضعيفاً، فمن الأمور الواجبة التي ينبغي أن يقوم بها اجتناب الإسراف والاستهلاك الزائد وما شابه

الكثير من هذه الأمور والأعمال ليست من اختصاصات الحكومة، بل هي من أعمالنا الشخصية نحن، في داخل عوائلنا وفي داخل حياتنا. هذا هو اتباع الإمام أمير المؤمنين والسير على خطاه.

عندما نقول: «اَلحَمدُ لله‌ِ الَّذي جَعَلَنا مِنَ المُتَمَسِّكينَ بِوِلايةِ اَميرِالمُؤمِنينَ وَاَولادِهِ المَعصومين» (12)، فكيف يحصل هذا التمسك بالولاية؟ نعم، جانب من هذا التمسك بالولاية تمسك قلبي، بمعنى أنكم تؤمنون بالولاية، وهو شيء حسن جداً ولازم جداً ومؤثر بلا شك، بيد أن هذا ليس التمسك كله. التمسك معناه أن ننظر لتلك الصفات التي يمكننا الاتباع والاقتداء فيها - ذلك الإيثار وتلك المعنوية وتلك المعرفة والمعرفة بالله والعبادة والآهات والتوجّه إلى الله وما شاكل لا يمكننا أن نصل إلى مستواه، ونحن متأخرون عنهم في هذه المجالات كثيراً كثيراً كثيراً - في مجال الصفات البشرية وفي الصفات المتعلقة بإدارة المجتمع والحكم وغير ذلك، وهو ما نستطيعه، طبعاً لا نستطيع الوصول فيه إلى مستوى ذلك الإنسان العظيم ولا أدنى منه، لكننا نستطيع السير في ذلك الاتجاه، ينبغي علينا العمل بهذه الأمور، وعندئذ سيكون هذا تمسكاً بولاية أمير المؤمنين.

الكلام كثير على كل حال. دققوا أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات. لاحظوا أننا نتحدث كثيراً عن العدو ومعرفة العدو والصمود بوجه العدو وما إلى ذلك، وكلامنا هذا حق وصحيح. أي إن هذه الشعارات التي ترفعونها ويرفعها الأصدقاء والكبار والمسؤولون فيقولوا إننا نقف ونصمد بوجه العدو، هذا الكلام صحيح وصادق. ونحن أيضاً نعلم أن هناك عدواً، ولكن لاحظوا أن العدو يستغل أحياناً نقاط ضعفنا من دون أن يبذل جهداً. علينا أن نصلح أنفسنا حتى لا يستغل العدو نقاط ضعفنا. يسمّر أعداؤنا اليوم أعينهم على الاحتياجات والنواقص والإرباكات الاقتصادية في داخل البلاد. حين نتحدث ونكرر الكلام دائماً عن القضايا الاقتصادية والاقتصاد المقاوم وما إلى ذلك طوال هذه الأعوام في بداية السنة وفي وسطها وفي نهايتها، فالسبب هو أن العدو يركز على هذه النقطة بشكل خاص. يريدون تدمير اقتصاد البلاد وأن يكون الوضع الاقتصادي والمعيشي للناس سيئاً، وتكون جيوبهم فارغة، وإمكانياتهم وقدراتهم قليلة، وأموالهم وعملتهم لا قيمة لها، وقدرتهم الشرائية هابطة حتى يتبرموا ويكونوا غير راضين. هذا هو الهدف. يريدون أن يجعلوا الناس غير راضين عن الإسلام والنظام الإسلامي. هذا هو هدف العدو. لذلك يشددون على الاقتصاد من أجل تخريب وضع الناس حتى يعزف الناس عن الإسلام والنظام الإسلامي بسبب الوضع السيّئ. طيب، واجب من أن يقف ضد هذا الوضع؟ إنه واجب الجميع، واجب الحكومة وواجب مجلس الشورى الإسلامي، وواجب مختلف المسؤولين والمدراء، وواجب كل أبناء الشعب. كلنا تقع على عواتقنا واجبات ومسؤوليات، وينبغي أن ننهض بهذه الواجبات ونؤديها.

الأعداء يريدون تدمير اقتصاد البلاد وأن يكون الوضع الاقتصادي والمعيشي للناس سيئاً، وتكون جيوبهم فارغة، وإمكانياتهم وقدراتهم قليلة، وأموالهم وعملتهم لا قيمة لها

طبعاً المسيرة العامة  للبلاد مسيرة حسنة وجيدة لحسن الحظ. إنني أعرف الكثير، والكثيرون يراجعونني ويكتبون لي الرسائل ويأتون ويبعثون الرسائل ويعرضون الأعمال، وأنا أتأنّى وأوسّع صدري وأطلع على الكثير من هذا. الشباب الذين يعملون بجد في الوقت الحاضر في هذا البلد من أجل إحياء الإسلام وإقامة الدين يزدادون والحمد لله يوماً بعد يوم. هؤلاء هم الذين سيفرضون بفضل من الله وبحول الله وقوته على كل عدو، بما في ذلك أمريكا والصهيونية، أن يركع. حين أكرر في كلماتي المختلفة وأقول دائماً إنني متفائل بالمستقبل فذلك لمشاهدتي هذا الواقع. لدينا الكثير من هذه الواقعيات والحقائق الحسنة التي يمكنها أن تتقدم بنا نحو الأمام وأن تكون المحرك لمسيرة المجتمع العامة. الشباب الصالحون المؤمنون المستعدون والذين يذرفون الدمع للتواجد في ساحات المجاهدة والدفاع عن البلاد وعن الدين، بأن يسمحوا لهم بالسير إلى الدفاع، والقضية ليست قضية شخصين أو عشرة أشخاص أو مائة شخص، بل هم كثر. هذه هي المحفزات التي ستنقذ البلاد، وينبغي تعزيزها (13). طيب، أنتم إذ تريدون التضحية فلم لا تضحون من أجل الإسلام؟ لماذا تضحون من أجل القائد، و من هو القائد؟ التضحية للإسلام و لهذا السبيل وللأهداف (14).

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‌

 

الهوامش:

1 - سورة المائدة، شطر من الآية 3 .

2 - سورة المائدة، شطر من الآية 67 .

3 - الكافي، ج 4 ، ص 466 ، بقليل من الاختلاف.

4 - سورة البقرة، شطر من الآية 124 .

5 - كاتب لبناني، صاحب كتاب «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية».

6 - بتاريخ 20 أيار 1996 م .

7 - أحد قادة جيش معاوية، و كان حاكم البصرة لفترة من الزمن.

8 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 27 .

9 - مصرع شعري لسعدي الشيرازي، ديوان الأشعار «إرفع الحجب والأستار فالغريب لن يرى هذا الوجه، كبيرٌ أنت ولا يمكن ظهورك في مرآة صغيرة».

10 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 45 .

11 - أمالي الصدوق، ص 400 .

12 - إقبال الأعمال، ج 1 ، الباب الخامس، ص 464 ، بقليل من الاختلاف.

13 - شعار الحضور: «إذا أمر القائد، أقدم الروح قرباناً له».

14 - ارتفاع أصوات الحضور بشعارات مختلفة.