وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

لقد شاهدت الفيلم؛ كان فيلماً جميلاً جداً (2). نحن لسنا خبراء في عالم السينما، ولكن يمكن أن يتكوّن لدى المستمع نوعٌ من الحسّ النقدي؛ من ناحية القصة، إحدى الأساسيات التي تفتقر إليها أفلامنا هي القصة الجميلة، والقصة الجذّابة، بينما إذا نظرنا إلى هذا الفيلم سنجد أنَّ قصته جميلة وجذّابة، وأنَّ فيه حبكة قصصية، وقد جرى عرض هذه الحبكة خلال الفيلم ببراعة؛ كذلك الأمر بالنسبة للإخراج، فقد أنجزته السيدة آبيار -الموجودة بيننا اليوم بالتأكيد- (3)؛ إضافةً إلى دور البطولة الذي لعبته السيدة زارعي -ولا أعلم إن كانت حاضرة اليوم بيننا أم لا- (4)، فقد لَعِبَتْ الدور على أكمل وجه، وكان عملها جيدًا جداً؛ أما بالنسبة للمحتوى، فهذا الفيلم يُعدّ فيلماً مُفعماً بالقيم. إني لأعَجَبُ كيف يمكن للبعض أن يتصوّر أن فيلم شيَّار 143 مخالفٌ للقيم وللدفاع المقدّس؛ لا أعلم كيفَ يمكن أن يُفهَمَ هذا مِنَ الفيلم (5).

مرّت ثمانُ سنوات من الدفاع المقدس ولم نسمع أي شكوى من الأمهات خلالها أو بعدها، بل على العكس، وجدنا الأمهات أشجعَ من كثيرٍ من الآباء.

نعم، لقد بحثت هذه الأم في كل مكان من أجلِ العثور على علامة أو أثرٍ لولدها؛ وهذا واضحٌ جدًا، وهو أمرٌ طبيعيٌ للغاية؛ وهنا تكمن أهمية موضوع الدفاع المقدس؛ الأم التي تحمل هذه الهوية، ولها هذه الكرامة، الأم التي تعيش هذا الشعور الذي لا يوصف. لأنَّ شعورَ الأم تجاه ولدها غير قابل للوصف على الإطلاق، ونحن [الرجال] الذين لا نستطيع أن نكون أمّاً، لا ندرك عظمة هذا الشعور، هذه الأم التي تحمل هذا الشعور، تتحمّل هجرة ولدها إلى جبهات القتال، وتتحمّل شهادته وتفتخر بذلك. مرّت ثمانُ سنوات من الدفاع المقدس ولم نسمع أي شكوى من الأمهات خلالها أو بعدها، بل على العكس، وجدنا الأمهات أشجعَ من كثيرٍ من الآباء. لقد وفّقني الله للقاء بعض عوائل الشهداء والجلوس على سجادتهم، وتحت سقف بيتهم، والتحدث معهم بصدق؛ ولم أرَ إلى الآن -لا أذكر ولو موقفاً واحداً من بين آلاف المواقف- أنَّ أُمّاً اشتكت من شهادة ولدها؛ بل على العكس تمامًا، كنا نرى الأمهات يعبّرن عن فخرهن، واعتزازهن ويرفعن رؤوسهن بشهادةِ أبنائهن؛ هذا الأمر مهمٌ جداً. هذه الأم المستعدة للتضحية من أجل ولدها، بحيث لا تتحمّل أن يجوع ولدها في مكان عمله أو ما شابه ذلك، هذه المرأة المفعمة بمشاعر الأمومة هي نفسها تصبر على شهادته، تصبر على هجرته، تصبر على فراقه ولا تتأفف ولا تشتكي؛ هذه برأيي أمور مهمة للغاية، وقد جرى تمثيل هذا الدور بصورة جيدة جداً، وكان الإخراج واختيار المشاهد جيداً جداً؛ لقد كان فيلماً جميلاً بحق.

نعم، رأيي أيها السادة متوافقٌ مع رأيكم، فأنا أيضاً أرى أنَّ مخزون [مجريات] الدفاع المقدس لم يستثمر في العمل السينمائي في بلدنا بعد؛ إن مستوى السينما عندنا عالٍ جداً، وهناك أشخاص من أهل هذا الفن وعارفون ومطّلعون وخبيرون به، وآرائهم موثوقة وتمثلُ مرجعية في فهم المسائل، وهم يرون أن السينما في إيران تتمتّع بمستوً عالٍ في الإخراج والماكياج ولعبِ الأدوار وما إلى ذلك، وأنها من الأوائل في العالم في هذا المجال؛ وهذا الأمرُ صحيح، ويجب أن يلتقي هذا المستوى الرفيع بهذا المخزون العظيم في الدفاع المقدس؛ وإلى الآن لم يحصل هذا الأمر بالشكل الصحيح. نعم، لقد شاهدنا موارد من هذا القبيل خلال هذه السنوات، إلا أنها قليلة بالنسبة إلى ما كان يمكن أن يُنجز.

هناك بعض الأشخاص ممّن لا أعرف كيف يمكن تحليلُ دوافعهم، يعارضون دخولَ السينما إلى معترك الدفاع المقدّس علناً! فلا أعرف كيف يفكرُ هؤلاء؛ يتذرعون بأن هذه حرب، وهذا عنف! لقد مرّ على اندلاع الحرب العالمية مائة عام (6) -هذه السنة هي المائة- ولا زالوا إلى الآن يصنعون الأفلام عنها وعلى نطاقٍ واسعٍ جداً! في أمريكا وفي أماكن أخرى كثيرة، حتّى أنَّ البعض أخبرني أنهم يُدخلون تلامذة المدارس والثانويات إلى عالم صناعة الأفلام ويطلبون منهم العمل ويوفّرون لهم الإمكانات ليصنعوها؛ لأنهم يعتقدون أن هذا العمل يمكن أن يعرّف الجيل الجديد على الدوافع الحميدة لحكامهم.

نحن نمتلك مفخرة عظيمة: لقد وقف العالم كلهُ ضدنا، اجتمعوا في جبهة واحدة وهذه حقيقة شاهدناها جميعاً بأم العين، لقد اصطف العالم كله ضدنا، لقد كانت كل القوى العسكرية حاضرة بنحوٍ من الأنحاء في الجبهة المعادية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران خلال الحرب المفروضة، واستمرّ حضورهم ثمانِ سنوات؛ ومع ذلك تفوّقت إيران عليهم وانتصرت؛ هذا أمرٌ عظيم جداً، هذا أمرٌ جليلٌ جداً، هذه ظاهرة مهمة جداً في تاريخ هذا الشعب.

لقد كان التجمّع الفاعل الذي انخرط في الدفاع المقدّس نسيجاً محبوكاً، وتركيباً عجيباً وغريباً؛ من النساء، والرجال، والآباء، والأمهات، والشباب، وأهل المدن والقرى، والتجار، وطلاب الجامعات والمدارس، ورواد المساجد، والحسينيات؛ فالجميع كان مشاركاً في هذه القضية؛ كل صنف من هؤلاء يصلح لأن يكون موضوعاً، وهذه الموضوعات يمكن أن تدخل إلى مختلف المجالات الفنية في بلدنا، وتتفاعل مع السينما في بلدنا، وهذا ما فعلتموه أنتم -المنتج والمخرجة المحترمان- نظرتم بمنظار الأم، ونجحتم. وهذا أمرٌ مميزٌ جداً وقد أنجزَ بصورةٍ جيدة.

حسناً، اذهبوا الآن إلى المساجد، وبيّنوا الأعمال التي قام بها الناس في المساجد من خلال نظرتكم الفنيّة، استخرجوا قصة واسردوها؛ اذهبوا إلى ثانوية [من الثانويات]، حيث كان المعلّم أحياناً يشجّع الطلاب على المشاركة في الجبهة، بينما يعارض ذلكَ معلمٌ آخر أو مديرُ الثانوية، وكيف كان هؤلاء يذهبون إلى الجبهة بشوقٍ عارم ويقدّمون التضحيات؛ ادخلوا إلى التجمعات التي كانت تؤمّن الدعم للحرب [للمتواجدين في ساحات القتال]، حيث كانوا يقدّمون أموالهم وإمكاناتهم المتواضعة؛ ابحثوا عن الذين كانوا يشيّعون جثامين الشهداء، إن موضوع تشييع جثامين الشهداء ظاهرة عظيمة، هذه الأمور العظيمة التي كانت تحدث عندما يأتون بشهيد أو شهداء ويدخلون بهم إلى مدينة ما؛ هذه جميعها مواضيع يمكن أن تكون محورية ومركزية في السينما عندنا، إلا أنَّ هذا الأمر لم يحصل حتى الآن.

نعم ما تفضّلتم به صحيح (7)، لا حاجة لدينا لاختراع الأساطير. فالآخرون مجبورون على اختراع الأساطير أو اكتشاف حالة خاصة والحديث عنها مئةَ عام ومئتي عام وخمسمائةِ عام! كأن يعثروا على امرأة مثلاً في مكان ما من العالم قدّمت تضحية ما، ويجعلوا منها إمرأةً مشهورة ليطرقَ اسمها مسامع البشريةِ جمعاء. لدينا المئات والآلاف من هذا النوع من النساء، والرجال، والشباب، هذا النوع من الأبطال، كل هؤلاء كانوا في بلدنا، وكان الدفاع المقدّس ساحةَ بروزهم وظهورهم. ويجب علينا أن لا نسمح بذهاب هذا التاريخ أدراج الرياح.

يجب أن نكتب ونتحدث ونصف ونشرح ما جرى في الدفاع المقدس لمدة خمسينَ سنةٍ أُخرى، وأن نستخدم الفنون على اختلاف أنواعها من أجل تبيين هذا الحدث العظيم.

ها هم السادة الكوريّون أمامكم. أعمالهم هذه تعجبني. فهم لا تاريخ لديهم؛ لذلك يقولون أسطورة جومونغ، أسطورة فلان. وهذا يعني أنهم واضحينَ معَ أنفسهم منذُ البداية؛ هذه أسطورة، ليست واقعاً. يخترعون شيئاً، يصنعون تاريخاً لأنفسهم، وعندما يشاهد الشاب الكوري هذه التضحيات وهذه التصرفات الشُجاعة، هذه الأعمال السينمائية العجيبة والغريبة، سيشعر بالحماس ويشعر بهويته، ويشعر بالفخر.

نحن نجد هذه الأمور في حياتنا الواقعية، فهذه أمور حدثت بالفعل؛ فلماذا لا نستثمرها؟ هذا برأيي تقصيرٌ كبير. لا نقول أنَّ هذا إهمال؛ وإنما بالحد الأدنى تقصيرٌ كبير ويجب تداركه. يجب برأيي أن نكتب ونتحدث ونصف ونشرح ما جرى في الدفاع المقدس لمدة خمسينَ سنةٍ أُخرى، وأن نستخدم الفنون على اختلاف أنواعها من أجل تبيين هذا الحدث العظيم.

على كل حال، أشكر المنتجين (8)، والمخرجة، والممثلين، وفريق العمل وكل من ساهم في إنجاز هذا العمل. فقد كان فيلماً جيداً؛ جلسنا وشاهدنا الفيلم واستمتعنا بمشاهدته، وتأثرنا بهِ كسائرِ الناس، ونسأل الله أن ينتفع الناس به أقصى ما يمكن.

والسلام عليكم ورحمة الله.

 

الهوامش:

1- الجرف أو الاخدود 143. اسم لمنطقة حربية، جرى اختياره كاسمٍ للفيلم.

2- حاز هذا الفيلم في مهرجان فيلم فجر الثالث والثلاثين على جائزة أفضل فيلم برأي الشعب وجائزة أفضل ممثلة دور رئيسي.

3- كانت السيدة نرجس آبيار (الكاتبة والمخرجة) حاضرة في اللقاء.

4- لم تكن السيدة مريلا زارعي (ممثلة الدور الرئيسي) حاضرة في اللقاء.

5- ذكر منتج الفيلم أن البعض قال إنَّ الفيلم ذو طابعٍ حربي ومخالفٌ للقيم، وقد قيل هذا في المراحل الأولى من تصوير الفيلم وخلال الإستحصال على رخصته.

6- اندلعت الحرب العالمية الاولى عام 1914م.

7- السيد محمد حسين قاسمي (أحد منتجي الفيلم).

8- منتجا الفيلم: السيد محمد حسين قاسمي، وأبو ذر بور محمدي.