«لا تزال الحرب تفرض علينا أثمانًا باهظة وموجعة جدًّا. فنحن فقدنا 10 جنود في أسبوع واحد فقط». هذا جزء من تصريحات «إسحاق هرتسوغ»، رئيس الكيان الصهيوني، بعد الضربة القاسية والقويّة التي وجهتها قوّات المقاومة الإسلاميّة في فلسطين إلى الجنود المحتلّين الصهاينة في «بيت حانون» الواقعة في شمالي غزّة. تكشف تصريحات هذا المسؤول الرفيع المستوى في الكيان الصهيوني بوضوح عن هذا الواقع بأنّ الصهاينة تلقّوا ضربات قاسية في المعركة مع قوى المقاومة الفلسطينيّة، وعلى نحوٍ خاص في الأسابيع الماضية. تفيد التقارير أنّ الصهاينة يتكبّدون الضربات الأكبر في منطقة مارسوا فيها أكبر مجازر الإبادة والتخريب للبنى التحتيّة، أي في شمال غزّة. لقد لوحظ هذا الأمر بصورة خاصة في «جباليا» و«بيت لاهيا» و«بيت حانون».

 

من «بيت لاهيا» إلى «جباليا»

في 23 كانون الأوّل/ ديسمبر 2024، تحدّثت وسائل الإعلام عن عمليّة معقّدة نفّذتها قوى المقاومة الإسلاميّة في فلسطين ضدّ الجنود المعتدين والمحتلّين الصهاينة في «بيت لاهيا» الواقع في شمالي قطاع غزّة. في هذه العمليّة، قُتل 3 جنود صهاينة وجُرح 3 آخرون، وأفادت التقارير بأنّ حالتهم جميعًا وخيمة. النقطة المهمّة التي تستدعي التأمّل بشأن العمليّة المذكورة كانت أنّ قوى المقاومة استخدمت فيها الأسلحة الباردة أيضًا، وتمكّنت من إيقاع الإصابات في الجنود الصهاينة.

المقاومة الإسلاميّة في فلسطين أطلقت على نحو متزامن في مدينة «جباليا» الواقعة في شمالي غزّة عمليّة أخرى ضدّ الجنود الصهاينة، استطاعت فيها قتل عددٍ منهم. أعلنت وسائل الإعلام في الكيان الصهيوني أنّ عدد الجنود القتلى بلغ ثلاثة جنود في العمليّة المذكورة. هذا بينما أولى الجهاز العسكري – الاستخباراتي للكيان الصهيوني اهتمامًا مستمرًّا لـ«التعتيم على أخبار الحرب» بوصفه مبدأ لا يتجزّأ عن سياساته الإعلاميّة. بعد العمليّة المذكورة نشرت كتائب «القسام» الجناح العسكري لـ«حماس» مقطعًا مصوّرًا حمل عنوان «كمائن الصّمود والتحدّي»، عرضت فيه مشاهد لعمليّاتها العسكريّة المباشرة ضدّ أفراد جيش الكيان الصهيوني وتجهيزاته في «جباليا».

تعود العمليّة الأخرى التي نفذتها قوى المقاومة الإسلاميّة في فلسطين ضدّ الصهاينة إلى العاشر من كانون الثاني/ يناير. هذه المرّة أيضًا، نجحت قوات المقاومة في «جباليا» في تفجير واحدة من المباني التي يسكنها المعتدون المحتلّون. في هذه العمليّة جُرح 8 جنود صهاينة، وأفادت التقارير بأنّ حالة 3 منهم وخيمة. جيش الكيان الصهيوني – وفقاً لتوجّهه الدائم – فرض التعتيم الإعلامي على الحدث القاسي الذي تعرّض له جنود هذا الكيان في «جباليا»، واكتفى بالإعلان عن أنّ الجرحى من لواء «غيفعاتي». في 13 كانون الثاني/ يناير 2025 أيضًا، فجّرت المقاومة الفلسطينيّة في عمليّة مباغتة مبنى آخر يتواجد فيه الجنود الصهاينة في شمالي غزّة، ونجم عن العمليّة مقتل 3 جنود وجرح 10 آخرين.

 

عمليّة استثنائيّة في «بيت حانون»

لن ينسى الصهاينة أبدًا يوم 11 كانون الثاني/ يناير 2025، لأنّهم بعد 15 شهرًا من ارتكاب مجازر الإبادة وأنواع جرائم الحرب غير المسبوقة ضدّ الفلسطينيّين في قطاع غزّة، تلقّوا ضربة لم يكونوا يتوقعونها حتّى. كانت «بيت حانون» في شمالي غزّة المكان الذي تحوّل إلى كابوس للصهاينة. جنود المقاومة رغم الهجمات المدمّرة التي شنّها الصهاينة على مرّ 15 شهرًا، نفّذوا عمليّة مركّبة استعرضوا فيها مرّة أخرى قوّتهم، وفي خضمّ المفاوضات الضاغطة لوقف إطلاق النار القائمة في «الدوحة»، بعثوا رسالة قوّتهم وحيويّتهم إلى العدوّ الصهيوني. ضمن هذه العمليّة المذكورة، تفجّرت قنبلة في مدخل نفق في «بيت لاهيا»، وبعد ذلك استُهدف الجنود الصهاينة الباقون برصاص المجاهدين الفلسطينيّين. رغم أنّ جيش الكيان الصهيوني أعلن أنّ خسائر عمليّة «بيت حانون» بلغت مقتل 4 جنود، ولكنّ الإحصائيات الأخرى تفيد مقتل 7 جنود وجرح 30 آخرين، 11 منهم بحالة وخيمة.

 

الكارثة التي حلّت بالمعتدين؛ «كارثيّة» و«مرعبة»

تكفي ردود الأفعال الرسميّة للمسؤولين في الكيان الصهيوني على عمليّة «بيت حانون» الكُبرى لوحدها لإثبات كونها كارثيّة على الصهاينة، ولتُبطل المساعي كلّها الرامية إلى التقليل من حجم الخسائر التي أوقعتها هذه العمليّة. ضمن هذا الإطار، صرّح رئيس وزراء الكيان الصهيوني «بنيامين نتنياهو» بالقول: «نشعر بالحزن والألم لمقتل جنودنا في شمالي قطاع غزّة». من ناحية أخرى، وصف وزير الحرب في الكيان الصهيوني «يسرائيل كاتس» عمليّة «بيت حانون» قائلًا: «كانت ليلة قاسية جدًّا على إسرائيل». قال الخبير في الشؤون العسكريّة في «القناة الثالثة عشرة» للكيان الصهيوني أنّ عمليّة «بيت حانون» كارثة لهذا الكيان، وحمّل رئيس أركان الجيش المسؤوليّة عن ذلك الأمر. قال في هذا الصدد: «إنّ الهجمات المتتالية [العشوائية] أوصلتنا إلى هزيمة نكراء في شمالي قطاع غزّة» من ناحية أخرى، أذعنت صحيفة «معاريف» الصهيونية لكون أحداث «بيت حانون» أحداثًا «أليمة»، وجاء فيها: «إنّ الثمن الذي تدفعه "إسرائيل" في شمال قطاع غزّة باهظ ولا يمكن تحمّله». وأضاف الجنرال المتقاعد في جيش الكيان الصهيوني «أمير أفيفي» على ما سلف إعلانه بعد الإشارة إلى قوّة المقاومة الإسلاميّة في فلسطين أنّ مسار إعادة بناء قدرات «حماس»  قد تسارع، وصرّح قائلًا: «لقد فقدنا عمليًّا ورقتنا الأساسيّة للضغط على حماس».

كما أشار «أبو عبيدة»، الناطق العسكري باسم حركة المقاومة الإسلاميّة «حماس»، في 13 كانون الثاني/ يناير 2025 إلى العمليّة الناجحة التي نفّذتها المقاومة الفلسطينيّة رغم استمرار الهجمات الوحشيّة للكيان الصهيوني، وصرّح بالقول: «بعد أكثر من 100 يوم على عملية التدمير الشامل والإبادة الجماعية التي ينفذها جيش العدو شمال قطاع غزة، لا يزال مجاهدونا يكبدونه خسائر فادحة ويسددون له ضربات قاسية، خلفت في الساعات الـ 72 الأخيرة أكثر من 10 قتلى وعشرات الإصابات».

 

كيف يروي الجنود الصهاينة «جهنّم بيت حانون»؟

يروي مراسل «القناة 12» في تلفزيون الكيان الصهيوني شهادات جنود هذا الكيان بشأن وقائع «بيت حانون» كما يلي: «نحن نقاتل في بيئة يراقبها المسلّحون بعدسات الكاميرا. لقد زرعوا المتفجّرات في كلّ زقاق. شبكة أنفاقهم نشطة بالكامل. نحن لا نستطيع رؤيتهم بالعين غير المسلّحة. منذ أسبوع ونصف لم نتمكّن من استطلاع صفوفهم على نحو مباشر. الأزقّة والتقاطعات أيضًا مليئة بعدسات الكاميرا الحديثة، العدسات الحراريّة بزاوية 360 درجة». ثمّ ينقل عن الجنود الصهاينة قولهم: «هم يختارون أهدافهم بدقّة ويرصدون تحرّكاتنا كلّها عبر عدسات الكاميرا، كما إنّهم لا يشغّلون الأجهزة في حال تواجد المسيّرات، ولكنّهم يفعلون ذلك عندما تكون هناك قوّات عسكريّة. عندما يحدث تفجير وتتجه قواتنا لمساعدة الجنود، يُبادر المسلّحون فوراً إلى إطلاق الرصاص نحوهم».

لقد أثار هذا الأسلوب في القتال لدى مجاهدي المقاومة إعجاب الخبراء في الشؤون العسكرية والإستراتيجية. في هذا السياق، يوضح اللواء «إلياس حنا»، الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية في لبنان، قائلاً: «عملية بيت حانون، سواء من حيث التخطيط والتصميم أو من حيث التنفيذ، تعدّ فريدة من نوعها». ويضيف أيضاً: «هذه العملية أظهرت قوة المقاومة في إدارة المعارك المعقدة، حتى في جغرافيا صعبة جداً وتحت سيطرة العدو».

إنّ العمليات الفريدة للمقاومة الفلسطينية ضد جنود الاحتلال الصهيوني المدججين بالسلاح، خصوصاً في شمال قطاع غزة، التي تواجه منذ مئة يوم أشرس الهجمات المتعددة الأطراف منذ بداية الحرب، هي تجسيد واقعي لكلام قائد الثورة الإسلاميّة [مع التركيز على مثال فلسطين] إذ قال سماحته: «راية المقاومة ما زالت مرفوعة، والعدو... لم يتمكن من إسقاط راية المقاومة، سواء في لبنان أو فلسطين أو سوريا أو العراق أو إيران؛ لم يتمكن ولن يتمكن من ذلك».