بسم الله الرحمن الرحيم
كانت الجلسة حتى هذه اللحظة جلسةً جيدة جداً برأيـي ، و قد استمتعت بها حقاً . السبب الرئيس لذلك هو شعوري أن شبابنا النخبة لديهم و الحمد لله الجرأة على الثقة بآرائهم . هذا مهم جداً بالنسبة لـي . من المهم جداً أن تكون للشاب الإيرانـي و الشاب المسلم الثقة بالنفس كي يعرب بقوة و متانة عن رأيه بشأن قضايا البلد العامة ، و قضايا التعليم العالـي ، و شؤون التربية و التعليم ، و أمور جامعته أو الجامعات الأخرى . علينا ترسيخ هذه الروح إلى جانب روح طلب العلم و النخبوية العلمية .
أعزائي ، أقول لكم : الذين جعلوا مسيرة العلم و البحث العلمي بطيئة منذ البداية ، ثم أوقفوها تماماً كان مشروعهم الأول القضاء على هذه الروح لدى الإنسان الإيرانـي ، أي أرادوا أن يشعر الإيرانـي أنه لا يملك شيئاً فـي الفكر ، و فـي العلم ، و فـي تشخيص طريق الحياة ، وفـي البحث حتى عن المفردات اللازمة للتعبير عن مراده . و هذا هو ما يُقعِد الشعب الذي لا يثق بنفسه إلى الأرض . أنا سعيد لأنـي أرى هذه الروح بينكم أيها الشباب فـي هذه السنة . و لحسن الحظ لاحظتُ فـي جلسات أخرى كانت لـي مع الشباب أن هذه الروح آخذة بالنمو يوماً بعد يوم . النقطة الدقيقة هنا طبعاً هي أن هذه الثقة بالنفس والتعبير عمّا يجول فـي خاطر الإنسان يختلف عن النزعة الصِدامية و العدوانية . نزعة الصخب موجودة فـي طبيعة الشاب ـ أنا لا أعتقد بهذا ـ إننـي أرى أنكم وغيركم من الشباب الذين اتصلت بهم طوال هذه الأعوام تستخدمون روح المنطق ، و البرهان ، و الاعتراض المنطقي و الإشكال العلمي ، و هذا شىء قيّم جداً بالنسبة لـي . الأمور التـي طرحتموها كانت نقاطاً جد جيدة و لافتة . لقد سجلتها على نحو الإجمال ، إلاّ أن مجموع كلامكم سيُنقل عن الأشرطة إلى الورق إن شاء الله و سيحظى بالاهتمام .
جانب من الأمور التـي أثارها الأعزاء قضايا تنفيذية مائة بالمائة فهي ترتبط بالسادة المدراء الحاضرين فـي هذه الجلسة و عليهم المتابعة بسرعة ، من قبيل قضية الغرامة المترتبة على النقاط الدراسية التـي يأخذها الطالب . هذه القضية غير مفهومة حتى بالنسبة لـي حالياً . لا أفهم لماذا . ما هو معنى هذا الإجراء ؟ أو الارتباط بالنخب الأجنبية مسألة تحتاج إلى اتخاذ سياسات معينة . ثمة مسائل أخرى أوسع بعض الشىء ، كأن تُعطي مؤسسات الدولة منحاً دراسية للنخب ، و هي اشارة صائبة . قضية الجندية التـي اثارها بعض الأحبة أعتقد أنها محلولة و لا تمثل مشكلة . غير أن القضية الأخرى التـي أعتقد أنكم أيها الأصدقاء لم تشيروا إليها فـي هذه الجلسة ، لكنها طرحت فـي جلسات سابقة و قد اتخذتُ الإجراء اللازم لأجلها ، هي قضية الالتحاق الأسهل للفائزين فـي الأولمبيادات والنخب العلمية بالجامعات . أطلبُ من السيدين الوزيرين المحترمين دراسة هذه القضية، و إذا شعروا أن لا إشكال فـي ذلك فليتخذوا اللازم لتطبيق هذه الفكرة الجيدة ، حتى تستطيع النخب إلى رتبة معينة ـ الرتبة الثانية أو الثالثة ـ الالتحاق بالجامعات . أمور أخرى طرحتموها أيها الأعزاء تحتاج إلى عمل ودراسة ومتابعة من قبل المؤسسات الحكومية ، و سنطلب إن شاء الله فرز هذه الأمور وإحالة كل واحد منها إما إلى المجلس الأعلى للثورة الثقافية أو المؤسسات المعنية .
النقطة الوحيدة التـي أريد أن أقولها للتذكرة هي أن بعض هذه المشكلات التـي تذكرونها ممكنة الحل تماماً على المدى القريب أو على المدى البعيد . الإشارة إلى هذه المشكلات لا مؤاخذة عليها إطلاقاً ، لا سيما فـي هذه الجلسة الودية تماماً و المقامة فـي أجواء من المحبة و العاطفة . أنا أرحب بهذا تمام الترحيب حتى لو طرحتم جميعاً مشكلات من هذا القبيل ، ولكن لاحظوا أن لا يكون الطرح بطريقة تدعو إلى اليأس ، أي حاذروا من أن تكون الأجواء باعثة على الخيبة . أعزائي ، كل شىء يعتمد على الأمل . أي يجب أن تكونوا أنتم و مسؤولو جامعات البلاد ـ مسؤولو الحكومة فـي شتى المستويات ـ ممن يفترض أن تعملوا فـي كل المجالات بما فيها هذه المجالات التـي تذكرونها ، يجب أن تكونوا متفائلين بإمكانية التقدم و الوصول إلى المحطة المطلوبة . لا تجعلوا طبيعة التعبير بحيث يفهم منه هيمنة مناخ اليأس على نشاطكم ، لا ، لا داعي لليأس و الخيبة أبداً ، و أعتقد أنه لا مكان للرسائل المتشائمة .
ما أرى أنه مناسب لأقوله لكم فـي هذه الجلسة ـ و قد ذكرتم أنفسكم جانباً من الأمور التـي أردت أن أذكرتها ـ هو أن مهمتكم التطور العلمي و متابعة العقلانية العلمية . وهذه مهمة يرنو إليها الإسلام و يحض و يؤكد عليها . نحن باعتبارنا مسلمين و مؤمنين بهذا الدين ، من واجبنا متابعة الشؤون العلمية و الوصول إلى ذروة العلم فـي مسيرتنا الفردية و فـي تخطيطنا العام للبلاد . هذا واجب ، و ينبغي أن ننظر إليه بهذا الشكل .
طبعاً ، كان الواقع فـي الغرب و أوربا مختلفاً . ففي أوربا المسيحية تزامن مطلع حركة المعرفة العلمية مع نهاية المعرفة الدينية ، بمعنى أن شروع هذه المرحلة فُهم على أنه اختتام لتلك المرحلة . و ربما كان هذا هو الحق ، ذلك أن المعرفة الدينية فـي المناخ المسيحي كانت معرفة خرافية تعصبية و معارضة للعلم تماماً . الزمن الذي كانوا يسجنون فيه العالم فـي أوربا لجريمة الاكتشاف العلمي أو يجلدونه أو يحرقونه زمن بعيد جداً عن زماننا . ظلوا يحرقون العلماء لقرون عدة على اعتبار انهم سحرة ، و هذا ما يتسنى أن تلاحظوه بكل جلاء فـي آثار الأدبيات الغربية و فـي تاريخ العلوم عند الغرب . حين يكون هذا هو تعامل المناخ و البيئة الدينية للمجتمع و القائمين على أمور الدين مع العلم ، فمن البديهي و الطبيعي للعلم فـي مثل هذه الظروف ، إذا استطاع أن ينهض ، أن يسحق الدين و المعرفة الدينية فتنتهي تلك المرحلة تماماً . هذا أمر واضح .
الحالة بالنسبة للإسلام مختلفة تماماً . ليس فـي الإسلام معنى للتعارض بين الدين و العلم و بين الدين و العقل بتاتاً . العقل فـي الإسلام أحد مصادر الحجية لتشخيص أصول الدين و فروعه . ينبغي التوصل إلى أصول العقيدة عن طريق العقل . و فـي الأحكام الفرعية أيضاً يعد العقل إحدى الحجج . لو نظرتم فـي كتبنا الحديثية ـ ككتاب الكافـي مثلاً الذي اُلِّف قبل ألف سنة ـ لوجدتم أن الفصل الأول فيه هو «كتاب العقل و الجهل» و هو أساساً فصل حول العقل و قيمته و أهميته و أهمية العلم و التعقل . وبالنسبة للعلم أيضاً أبدى الإسلام أقصى درجات الاهتمام و التشجيع و التحريض . الحضارة الإسلامية انبثقت بفضل الحركة العلمية التـي انطلقت فـي الإسلام منذ يومه الأول . لم يكن قد مضى على بزوغ الإسلام قرنان حينما كانت الحركة العلمية الإسلامية قد ظهرت كقفزة واسعة ، و خصوصاً فـي تلك البيئة . إذا أردتم مقارنة تلك الحركة العلمية بالحاضر ، عليكم ملاحظة الأقطاب العلمية فـي العالم اليوم ، ثم تفترضون بلداً فـي ناحية بعيدة من العالم يفتقر لأدنى مقدمات التحضّر ، و إذا به يدخل ساحة الحضارة و يتفوّق فـي مضمار العلم على كل تلك الحضارات خلال مائة أو مائة و خمسين عاماً . هذه حركة معجزة لا يمكن تصورها أصلاً . و هو ما لم يكن لولا حضُّ الإسلام على العلم و اكتسابه و تعليمه و على أن يعيش الإنسان حياة العلماء . بل لاحظوا الأحاديث المتداولة على الألسن والتـي لا يجري التعمق فيها أحياناً ، كم فيها من النقاط المهمة : « الناس ثلاثة : عالم و متعلم على سبيل نجاة و همج رعاع » . ثمة أساساً ثلاثة صنوف من البشر : العلماء ، و السائرون فـي طريق اكتساب العلم ، و البقية همج رعاع . الهمج الرعاع هم الناس التائهون عديمو القيمة و الوزن . تلاحظون أن الإسلام يخصص القيمة للعلم بالدرجة الأولى ، سواء حمْل العلم و تعليمه للأخرين ، أو تعلّمه و اكتسابه . هذه هي البيئة الإسلامية .
من هذا المنطلق دققوا أيها الشباب الأعزاء أن لا يعيقكم الولوج إلى ميدان المعرفة العلمية ـ أي علم كان ، العلوم الإنسانية ، أو العلوم القرآنية ، أو العلوم الطبيعية ، أو أنواع و صنوف العلوم التـي تبذلون اليوم مساعيكم و جهودكم فيها ـ و الخوض فـي حيّز البحث العلمي عن الغور و التقدم فـي ميدان المعرفة الدينية و الرياضة الأخلاقية و التحلي بالفضيلة . يجب أن تتوفروا على هذه الأمور إلى جانب بعضها . الآية التـي قرأها أخونا العزيز فـي البداية : ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ ، بعث الله تعالى الرسول ليعلِّم و يزكّي . إذن التعليم و التزكية إلى جانب بعضهما. لا تفصلوا بين هذين . الاعتقاد بأن من خاض فـي ميدان العلم ، ينبغي له بشكل طبيعي أن ينأى عن الفضيلة و المعنوية و الأخلاق ، فكرة مغلوطة تماماً و مستوردة و مرتكزة إلى الماضي الذي ساد فـي أوربا المسيحية ، و غير منسجمة بالمرة مع المناخ الإسلامي و الفهم و التعاليم الإسلامية ، إذ لو كان العالم ذا فضيلة و أخلاق ، لأتيح التفاؤل بإسهامه فـي رقي الإنسانية و رفعة بلده مهما كان فرعه العلمي . مثل هذا العالم يجعل الأهداف أهدافاً قيمة و سيكون تحركه تحركاً لصالح الإنسانية و العدالة و الفضيلة و فـي الاتجاه المعاكس للاعوجاجات العجيبة فـي العالم اليوم . حاولوا أن تكونوا هكذا علماء فـي المستقبل ، و أن تجعلوا هذه الأمور أهدافكم . كونوا أفراداً يستطيعون تحريك عجلة الدنيا بالاتجاه الصحيح . إجعلوا هذا هدفكم ، و هو أمر متاح و ممكن . طبعاً لا مندوحة من القيام بأعمال تمهيدية كثيرة للوصول إلى ذلك الهدف .
هذه الأمور التـي ذكرتموها حول النخب كلامٌ يمثِّل عقيدتي أنا أيضاً . تمهيد الأرضية لإعداد النخب ، و تشخيص المواهب لدى النخبة ، و مساعدتهم للرقي إلى القمم العلمية و البحثية ، هذه كلها أعمال على جانب كبير جداً من الأهمية انطلقت طبعاً فـي بلدنا بعد ما لم تكن فـي الماضي ـ قبل الثورة ـ موجودةً فيه على الإطلاق ، بل كانت الحركة تجري فـي الاتجاه المعاكس ، أي كانت هناك فـي الواقع مجازر للنخبة ، و مساع لقتل روح الأمل عند الشباب . كان السعي القائم آنذاك هو تقديم الشخص الذي يستطيع قراءة و تطبيق الوصفة الغربية و الإيمان بها بنحو تام و بنسبة مائة فـي المائة . لم يكن ثمة تفتّق داخلي و استنبات و ترعرع داخلي أبداً . هذا معناه أن يكون بلدنا و شعبنا دوماً مضافاً إلى الآخرين ، و تابعاً يسير على خطاهم . واضح أن مثل هذا البلد لن ينال الرفعة.كان هذا هو واقعنا فـي الماضي . على أن الثورة بدّلت المعنويات و العزائم ، و غيرت الواقع . منذ سنوات و الاهتمام بالنخبة ضمن جدول الأعمال و الحمد لله ، بيد أن ما أنجز لحد الآن غير كاف . أياً كان ، الكثير من النقاط التـي أثرتموها أيها الأصدقاء أمور يجري الاهتمام بها و بذلت أعمال و جهود لأجلها و حصل بعض التقدم و يجب أن يحصل مزيد من التقدم إن شاء الله .
طبعاً أعتقد بخصوص النخبة أننا نحتاج إلى مؤسسة خاصة بهم . قبل سنوات عدة ـ قبل حكومة السيد خاتمي ـ قلتُ لرئيس الجمهورية فـي حينها افتتحوا مكتباً يتابع شؤون العلاقة بين الجامعة و الصناعة . وبنظرة أوسع ، يمكن لهذا المكتب أن يتابع مختلف قضايا النخبة ، و الإصغاء لكلامهم ، و معالجة مشكلاتهم الخاصة ، و النظر فـي اقتراحاتهم حول تطوير العمل ، و النظر عموماً فـي إعداد النخب فـي المجتمع . وبعد ذلك ، أي فـي زمن الحكومة الحالية ـ حكومة السيد خاتمي ـ ذكرتُ له هذا مرة أو مرتين و قد تمت بعض الأعمال إلاّ أنها لا تكفي . علينا تشكيل مؤسسة تخضع لإشراف رئاسة الجمهورية ، لأنها أفضل مكان . سمعتُ الآن أن بعض الأجهزة تريد القيام ببعض الأعمال ولكن ما من مكان أفضل لهذه العملية من رئاسة الجمهورية . حتى جهاز الوزارة لا يكفي لهذه المهمة ، لأنها أوسع من عمل وزارة بعينها .
بعض قضاياكم ، كما ذكرتم أنتم ، ترتبط بوزارة العلوم ، و بعضها بوزارة الصحة و التعليم الطبـي ، و بعضها بوزارة التربية و التعليم ، و ربما يرتبط شطر منها بوزارة الثقافة و الإرشاد ، و البعض بوزارات أخرى كوزارة الصناعة و وزارة النفط. أحد الأعزاء ضرب مثال البتروكيمياويات ، و هذا صحيح جداً . نعم ، أنا أدري أن فريقاً من النخبة التحقوا بوزارة النفط ، بيد أن العمل الذي كان يجب أن يطلب منهم لم يطلب و لم تحصل الاستفادة اللازمة . على كل حال ، لابد من مركز لتجميع هذه الأمور حتى يستطيع ذلك المركز بنظرته الصحيحة الصائبة ، و بنحو مستمر ، و غير سياسي على وجه الخصوص ، أي لا يكون ملوثاً بالنظرات و الأهداف السياسية ، حتى يستطيع متابعة قضية النخبة كقضية مستقلة فـي البلاد . وعندها ، ستُدرج فـي هذا الإطار كافة هذه الأمور التـي ذكرتموها ، أي تشخيص المواهب و الطاقات أولاً ، ثم تربيتها و إعدادها ، و من ثم توجيهها صوب المهام اللازمة و المناسبة .
ربما توظّف بعض المواهب الموجودة اليوم فـي أعمال ليست ضرورية جداً للبلاد . مثلاً قضية خروج النخب من البلاد ، لأن خروج النخب من البلاد ـ وقد قلت هذا عدة مرات لحد الآن ـ ليس حالة سلبية على نحو الإطلاق ، إذ من الممكن أن يخرج النخبة من البلاد يروم كسب العلم ثم يعود و يكون مفيداً لبلده . طبعاً الأفضل أن توفر له الإمكانيات اللازمة لازدهار موهبته و تناميها داخل البلاد ، أنْ تكون له ورشة عمل ، و بيئة للنشاط العلمي و البحثي . هذا هو الأفضل ، ولكن إنْ لم يتسنَّ ذلك فليذهب النخب ـ ففضاء العالم فضاء واسع ـ شريطة أن يكون هذا الذهاب وفق حسابات مدروسة ، بمعنى أن يعلم هذا النخبة لمَ هو ذاهب ، و ماذا يريد أن يفعل ، و ما الذي يروم أن يصنعه بعلمه بعد أن يكسبه ؟ هل يريد توظيف ذلك العلم لرفعة البلد و تقدم شعبه و مساعدة النخب الآخرين فـي بلاده ، أم لا ، يريد أن يستخدمه لصالح معمل أو شركة تعود لرأسمالـي كندي أو أمريكي أو أوربـي ؟ إنها أكبر إهانة لإنسان مميز علمياً أنْ يسعى و يكدّ و يعمل و تفضي كل إمكانيات بلاده إلى إيجاد هذا الإنسان النخبة ، لكنه يعمل لخدمة المعمل الفلانـي أو صاحب الشركة الفلانـي الذي لا يعلم شيئاً و لا يفهم شيئاً و المعادي للإنسانية فـي كذا منطقة من العالم ، فيستخدم ذلك الشخص هذا الإنسان النخبة كأداة و وسيلة فـي منظومته . الإنسان النخبة سيكون مرفوع الجبين و شامخ الرأس حينما يتمكن من ممارسة دوره فـي تحسين أحوال بلده و بيته و شعبه و تطوير حياة و مستقبل و تاريخ الناس الذين لهم حق عليه . ستكونون أسماءً متألقة حينما تمارسون دوركم فـي بلدكم . لاحظوا الآن الشاب الذي درس فـي دورة معينة و عمل عملاً ما بين آلاف الشباب الذين لم يعملوا شيئاً ، أنجز شيئاً فـي مجال الفيزياء أو الطب أو الأدب جعله اسماً خالداً فـي البلاد ، هؤلاء هم الأسماء و الوجوه الخالدة . لدينا فـي حقول الطب ، و الفيزياء ، و الأدب ، و بعض فروع العلوم الإنسانية و الفلسفة شخصيات مميزة تفخر البلاد بهم . البلد لا يفخر أبداً بذلك المهندس أو الطبيب أو الخريج أو النخبة الذي ذهب وصار عضواً و جزءاً من منظومة رأسمالية تابعة للمجموعة أو الشخص الفلانـي . إنه ذهب ينتج المال لأولاد شخصٍ ما و بناته و أبنائه و كلابه و خدمه و حشمه . هذا ليس فخراً . الفخر هو أن يقدر الإنسان على تحقيق التقدم و الرفعة و الرقي و السمعة الحسنة و تعويض التخلف لبلده . إذن ، لو درس الإنسان بهذه النية سواء هنا أو فـي الخارج ـ أي درس كان و أي فرع علمي اختاره ـ فسيكون شخصاً قيماً . فـي كل الأحوال ، تعيين الأهداف و رسم الخطط و تنفيذ مثل هذه المقولات يمكن أن يتم فـي هذه المؤسسة التـي اُشيرَ إليها . سررتُ لأن بعض الأحباء أشار إلى أسبوع الدفاع المقدس الذي نحن فيه . أبنائي الأعزاء ، حاذروا أن تغفلوا عن قضية الدفاع المقدس التـي شهدها هذا البلد . انها عمل كبير تم إنجازه . أولئك الشباب كانوا مثلكم . معظم الشباب الذين لعبوا دوراً فـي الحرب كانوا من قبيل هؤلاء الطلبة الجامعيين و كثير منهم كانوا من النخبة . و سبب أنهم نخبة يعود إلى أن شاباً فـي الثانية و العشرين أو الثالثة و العشرين كان قائد لواء كامل و استطاع قيادة ذلك اللواء و رسم خطط حربية لم يَرسِم مثلها من قبل أبداً ، بشكل أثار دهشة لا الأعداء الذين يواجهوننا ـ أي الجنود البعثيين العراقيين المهاجمين ـ فحسب بل و الأقمار الصناعية للأعداء أيضاً . كانت لدينا (والفجر الثامنة) التـي عُدّت تحركاً مستحيلاً لا يصدّق ، بينما كانت الأقمار الصناعية الأمريكية تعمل للعراق ، و هذا شىء أظنكم سمعتم به و تعرفونه ، كانوا يزودون ذلك البلد بالمعلومات ، أي أن المقرات الحربية للنظام البعثي كانت مرتبطة دوماً بالأجهزة الاستخبارية الأمريكية و أقمارهم الصناعية . وكانت هذه الأقمار الصناعية تسجل تنقلات و تحشدات قواتنا و تخبرهم بها على الفور، أين تحشد الأيرانيون و أين وضعوا معداتهم . تعلمون بلاشك أن المعلومات فـي الحرب لها دور مهم و استثنائي جداً . ولكن تقدم عشراتُ الآلاف من الجنود تحت رصد هذه الأقمار الصناعية إلى أروندرود ، و لم ينتبه العدو ! إستطاعوا بأساليب عجيبة و غريبة أدري أنكم لا تعلمون شيئاً عنها ـ كانت واضحة لنا فـي حينها طبعاً ، و اتضحت للناس فيما بعد ، لكن معارف الحرب لا تنتقل من جماعة إلى أخرى للأسف ، و هذه إحدى مشكلات عملنا ، لذلك لا تعلمون أنتم بها ـ بالشاحنات و سيارات الپيكاپ ، و بأشكال متنوعة ، و كأنهم ينقلون الرقّي و البطيخ ، استطاعوا نقل عشرات الآلاف من القوات بتغطيات عجيبة و غريبة و فـي الليالـي المظلمة ، التـي لم يكن فيها حتى قمر ، إلى ضفة اروندرود ، و عبرت هذا القوات الهائلة إلى الضفة الثانية من أروندرود الذي يبلغ عرضه فـي بعض النقاط كيلومترين أو ثلاثة كيلومترات ، من تحت الماء و بتلك الظروف الخاصة لأروندرود و التـي أظن أيضاً أنكم لا تعلمون بها . لأروند تياران ، تيار من الشمال إلى الجنوب و هو التيار الأصلي لأروند ، و نهرا دجلة و الفرات يتصلان بأروند فـي هذا التيار ، و يتجهان معاً نحو الخليج الفارسي . و التيار الآخر على العكس من التيار الأول و يحدث أثناء مد البحر . فـي هذه الأحوال تتجه مياه البحر بقطر نحو مترين أو ثلاثة أو أربعة أمتار من جهة البحر أي من الجنوب نحو الشمال ، بمعنى أن البحر يصبُّ فـي النهر . و بهذا يكون لأروند تياران متضادان مائة و ثمانين درجة . على كل حال ، استطاع جنود الإسلام فـي تلك الظروف المعقدة ـ كنّا حينها مطّلعين على تفاصيل الأمور بكل ما لها من فزع و ملابسات ـ أن ينتقلوا إلى هناك و يفتحوا منطقة ما و ينجزوا عملاً مذهلاً . لقد كان ذلك من عمل هؤلاء الطلبة الجامعيين و هؤلاء الشباب و النخب الذين كانوا فـي قوات التعبئة و الحرس . كانوا ثلّة من الشباب المؤمن نهضوا بتلك المهمة فـي برهة حسّاسة للغاية ، ولو لم يفعلوا ذلك لكان جزء من بلدكم قد اجتزئ اليوم و لكانت الحكومة الموجودة فـي إيران حكومة مهزومة ضعيفة مهانة ذليلة مضطرة لتحمل كل ما يأمر به الآخرون ، ليس من الكبار و الأقوياء فـي العالم بل حتى هؤلاء الصغار القريبين هنا و هناك . بلدكم اليوم بلد عزيز قوي ، و شعبكم شعب مرفوع الرأس ، وفـي بلدكم حكومة مقتدرة ، أصحاب القرار فـي العالم يعترفون باضطرارهم لأن يلاحظوا و يراعوا رأي الجمهورية الإسلامية فـي القضايا العالمية المهمة و الحساسة . ما هذا إلاّ ببركة تلك التضحيات التـي بذلها أولئك الشباب . لا تنسوا أولئك الشباب .
لقد سجلت هنا بعض النقاط ، ولديكم الكثير من الكلام لم تذكروه ، و لدينا أيضاً كلام لم نقله نتركه حالياً . لا إشكال فـي ذلك .
على كل حال ، أقول لكم أيضاً : أعزائي ، أنتم نخبة ، و أعزاء ، و قرة عيوننا ، ولكن تذكروا أنْ تتواضعوا كلما زدتم علماً و نخبويةً . لا تنسوا هذا . حذارِ أن تبعث النخبوية فيكم النخوة . ليست النخبوية ملازمة للنخوة . أنا طبعاً لا أرى ذلك فيكم ، وجوهكم النيرة لا تنمُّ عن ذلك ، ولكن حاذروا منه على كل حال . مناخ النخبة فـي البلاد ينبغي أن ينفصل تماماً عن مناخ التكبر . كلما ازدادت نجاحاتكم العلمية ، و أينما قمتم ببحث جديد و أحرزتم توفيقاً أكبر ، كونوا أكثر تواضعاً و التحاماً بالناس ، و باختصار كونوا أكثر ترابيةً . هذا ما يمكنه جعل تقدمكم متواصلاً و يضاعف من فائدة وجودكم .
أتمنى أن يحفظكم الله لوالديكم ، و لعوائلكم ، ولبلدكم ، و أن تكونوا جميعاً قرة عين شعبكم و بلادكم .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته .