بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبى القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين.
إنه لمجلس جد طيب ومحبب يجتمع فيه عدد كبير من الفضلاء، والعلماء، والطلبة، والشباب، واليافعون الذين يعدون أنفسهم لكسب العلوم الدينية من أجل هداية عباد الله.وهذه محافظة ثرة وسخية بتربية وتخريج الطاقات العلمية وعلماء الدين. كلما راجعنا الماضي وجدنا أمامنا القدرات الهائلة لهذه المحافظة على تفجير المواهب الإنسانية المميزة؛ منذ القدم؛ منذ القرن الثالث للهجرة وإلى اليوم، أي طوال أكثر من ألف عام ومحافظة فارس تخرج أمثال سيبويه، وأبي علي الفارسي ، والفيروز آبادي، والبيضاوي وغيرهم من الشخصيات البارزة حتى نصل لغياث الدين الدشتكي، وصدر الدين الدشتكي، وجلال الدين دواني، وكل واحد من هؤلاء له قصته ويمكن التحدث عنه بمقدار كتاب كامل.
من الخطأ التصور أن العالم المشتهر بالفلسفة لم يبذل جهوده إلّا في فرع العلوم العقلية. أو إذا كان لأحد العلماء كتاب في التفسير أو اللغة فمعنى ذلك أن مساعيه تنحصر بهذا المجال؛ لا، هذا هو شكل الظهور التاريخي لشخصيته. وإلّا حينما يطالع الإنسان حول هؤلاء ويتتبع سيرهم يلاحظ أنهم كانوا ملمّين بمجموعة من المعارف العلمية الدينية من فقه وحديث وأدب و... الخ، حسب الاستيعاب العلمي لزمانهم. ومن النماذج على ذلك الملاصدرا الذي اشتهر بالفلسفة، لكن مساره العلمي، وعلمه بالحديث، والرجال، والعلوم النقلية كان في القمة دون أدنى شك. أو غياث الدين الدشتكي الذي كان فقيهاً وفيلسوفاً وعالماً في مختلف الفروع العلمية. ونصل إلى الأزمنة القريبة لنجد الميرزا الشيرازي، والميرزا محمد تقي الشيرازي، والمرحوم الشيخ كاظم الشيرازي، وعظماء ترك كل واحد منهم أثراً عن نفسه. إنها أرض موهوبة (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه).
وفي زماننا أيضاً خرّجت هذه الديار علماء كباراً، وقد زرت بنفسي المرحوم الشيخ بهاء الدين؛ والمرحوم آية الله دستغيب الذي كان نموذجاً ممتازاً حقاً للعالم الروحاني ورجل الدين؛ والمرحوم السيد نور الدين الذي كان نموذجاً فريداً في مجال آخر؛ والمرحوم السيد عبد الحسين لاري الذي لم يكن في الأصل من أهالي فارس بل من دزفول، لكن شخصيته العظيمة برزت في هذه المحافظة؛ وكل هؤلاء دلائل على القابلية الدينية والمعنوية لهذه المحافظة.
طيب، لا نغتبط بالتاريخ كثيراً، ولننظر إلى الحاضر والمستقبل. نحمد الله على أن الجلسة هذه جلسة جيدة وقد بدأت بتلاوة قوية وجزلة وجيدة جداً لهذا الشاب العزيز، ثم كانت كلمة السيد حائري دقيقة ومميزة كما هي كلماته دائماً والحمد لله حيث عطرت مناخ الجلسة.
أواصل الحديث من النقطة التي طرحها السيد حائري؛ الأمن. الركنان الذان ذكرهما للأمن صحيحان تماماً. الاقتدار إلى جانب المعنوية والدين. مع أن الوظيفة الأولية للدين والمعنوية هي الحفاظ على الذات، بيد أن تأثير الدين في حفظ عموم المجتمع ليس بأقل من دور الركن الثاني ونقصد به الاقتدار. إذا اجتمع هذان، وإذا انضمت المعنوية ويد الهداية المعنوية إلى الاقتدار المادي القادر على التحكم، وتعيين الحدود والقيود، وممارسة الأمر والنهي بحيث تكون أوامره ونواهيه نافذة في المجتمع؛ فهذا هو الشيء الذي بوسعه - طبقاً لتعبيره الدقيق - إهداء الأمن للإنسان بوصفه من احتياجاته الأولية. يمكن الصبر على الجوع، ويمكن الصبر على عدم تلبية الكثير من الميول النفسية، بيد أن انعدام الأمن مما لا يمكن الصبر عليه. إذا كان المجتمع مرفهاً وعامراً لكنه غير آمن، فسيكون العيش فيه أمرّ من السُّمّ. إذن الأمن مهم لهذه الدرجة وهو بحاجة إلى الهداية المعنوية المصحوبة بالاقتدار المادي، والذي يمكننا اليوم تلخيصه بالاقتدار السياسي.
هذه حقيقة ينبغي أن نضطرب لها أنا وأنتم بشدة. يجب أن نكون قلقين. لماذا؟ لأن الجمهورية الإسلامية هي ذلك النموذج الذي يمكنه الجمع بين ذلكم الركنين. الجمهورية الإسلامية تعني السلطة السياسية لأهل الإسلام والدين. هذه هي الجمهورية الإسلامية. ذات يوم كان لنا في هذا البلد حالة معنوية، وهداية، ومفكرون بارزون، وفقهاء وفلاسفة كبار؛ غير أن تأثيرهم لم يكن ليتجاوز بعض المنابر التي يرتقونها أو المحاضرات التي يلقونها على جماعة معينة من الناس.
وقد قام نظام الجمهورية الإسلامية اليوم، أي إن الله تعالى وضع أمامنا ساحة امتحان واختبار بوصفنا أناساً ندعي الهداية المعنوية. هذا امتحان كبير جداً. حين قلت إننا يجب أن نحمل هماً وقلقاً فذلك من باب أن نشعر بثقل أعباء هذه المسؤولية. ذات يوم كانت دائرة مسؤولية رجل الدين وطالب العلوم الدينية ودارس الدين ضيقة جداً وبحدود نفوذه، أما اليوم فإن دراسة الدين وطلب العلوم الدينية وتبليغ الدين ورفع راية الهداية وادعاء ترويج الدين تملي مسؤولية بعظمة مسؤولية الجمهورية الإسلامية، وهي مسؤولية موزعة بين الأفراد، فلا تختص بشخص معين أو مسؤول معين؛ كلنا مسؤولون. أنا مسؤوليتي أكبر، وقد تكون مسؤوليتكم أقل، لكننا جميعاً مسؤولون.
هذه النظرة المهمومة ترشدنا إلى ما يجب أن تهتم به حوزاتنا الدينية ورجال ديننا اليوم أكثر. ولو نظمنا لائحة بمسؤولياتنا - نحن المعممين والمسؤولين من رجال الدين، وقد التحق اليوم عدد كبير من نسائنا العزيزات بهذا المضمار - لكان بناء الذات على رأس هذه اللائحة. علينا بالدرجة الأولى أن نهتم لأنفسنا ونعزز بنيتنا المعنوية والدينية. صاحب البنية المعنوية القوية يستطيع حمل الأعباء الثقيلة على عاتقه أما الذي يعيش مشكلة مع نفسه فلن يستطيع حمل الأعباء الجسيمة. التقوى والورع وبناء الذات أول واجباتنا نحن المعممين. أنتم الطلبة والفضلاء الشباب اعرفوا قدر شبابكم بعمق. قلوبكم الطاهرة غير الملوثة تستطيع اليوم أن تصنع منكم شخصيات يبقى سراج المعنوية متقداً فيها على مر الزمن، فلا يستطيع أي شيء إطفاء ضياءها وتألقها. هذا هو درسنا الأول. درسنا الأول التوجه إلى الله واستذكار أننا في محضر الله. هذه مهمة سهلة بالنسبة للشاب. عليكم معرفة قدر فترة الشباب هذه. من أهم مصاديق معرفة قدر الشباب هو: اجتناب الذنوب، ومواطن الشبهة، والذكر المستمر. ولقد وفر الله تعالى لنا أدوات الذكر، وأهمها الصلاة. هذه الصلوات الخمس التي أوجبها الله علينا هي من أعظم نعم الله علينا. لولا الصلاة لغرقنا في الغفلة. الصلاة التي أوجبت علينا كفريضة تخرجنا من حيز الغفلة. أداء الصلاة بشكل جيد وبحضور قلب يعد بحد ذاته حد نصاب لصناعة الإنسان. هذه الصلاة، وتلاوة القرآن والاستئناس به وأرى لحسن الحظ أن الارتباط بالقرآن يزداد دوماً بين طلبة العلوم الدينية، والتلاوات الجيدة نشجعها ونعتز بها لأن التلاوة الجيدة تزيد من جاذبية القرآن وتقرب القلوب إليه وتذكّر الإنسان بالقرآن. يذكر السيد القاضي (رضوان الله عليه) هذه النقطة في التوصيات التي تركها بشكل تحريري لبعض تلاميذه. يوصي بقراءة القرآن بلحن عذب عند قيام الأسحار. هذه توصية رجل روحاني معنوي كالمرحوم الحاج ميرزا علي القاضي. وهناك الأنس والارتباط بالصحيفة السجادية، فالأنس بالدعاء عالم فسيح من المعرفة. لا شك أن العلم الديني من الأمور التي تقع في صدر القائمة. علينا أن نفهم الدين. جمهوركم اليوم بحاجة للاطلاع على الدين والمعارف الدينية. يكثر هذا الأيام ذكر المرحوم الشهيد مطهري بمناسبة ذكرى استشهاده. وقد كان نموذجاً للشخص العالم بمعارف الدين.... المعرفة الدينية.... انظروا إلى ما تركه الشهيد مطهري خلال فترة حياته التي لم تكن طويلة جداً، وسترون كم تلطف الله بهذا الرجل وكم رزقه رزقاً وافراً واسعاً من فضله. أوصي جميع الشباب توصية أكيدة بقراءة دورة كاملة من كتب المرحوم مطهري. كلام مطهري كلام جديد. حقائق الدين ومعارفه وتمحيص جوانب من المعارف والعقائد نحتاج إليها اليوم كما كنّا يوم طرحها لأول مرة.
على طالب العلوم الدينية أن يكون عارفاً بالفقه والعلوم العقلية. العلوم العقلية سبيل التوصل إلى ذهنية المتلقين. البعض في العالم اليوم يعملون على صياغة أذهان البشر في ضوء فلسفات قد لا تكون عميقة أحياناً لكن لشكلاً فلسفياً. والبعض منها يصب في خدمة السياسة. كان ثمة في الغرب في الوقت الحاضر والماضي القريب أشخاص يعدون فلاسفة لكنهم عملوا في خدمة السياسات الرأسمالية دون شك. لم يذكروا اسم الاقتصاد والرأسمالية، لكن ما طرحوه كفلسفة صب في خدمة النظام الرأسمالي. معنى ذلك أن الذين يعتبرون العالم فريسة لسياساتهم يستخدمون كافة السبل والوسائل ومنها تقريب ذهن المتلقين والأمم إلى مشاريعهم، لذلك فهم يحرفون الأذهان بهذه الطريقة. مواجهة مثل هؤلاء لا تصح عن طريق الصخب والتكفير والسباب والغضب؛ ينبغي حل العقد، رفس العقدة لا يحلها. هذا بحاجة إلى قدرات فكرية. حوزاتنا العلمية اليوم بحاجة إلى المعارف العقلية. عليهم دراسة الكلام والفلسفة هناك. طبعاً يبقى الفقه العمود الفقري للحوزات العلمية بلا شك. لكن هذه المعارف أيضاً ضرورية إلى جانبه.... علوم الدين... أدرسوا ما استطعتم أيها الطلاب الشباب .... فكروا وزيدوا من رصيدكم. أداء رسالة رجل الدين يحتاج إلى العالمية والتعمق والتفكير والتنظير. ينبغي العلم بالمعارف الدينية وفهمها وطرحها طبقاً لمنطق العصر.... منطق العصر ولغة العصر... بمجرد أن نقول تكلموا بلغة العصر ينصرف ذهن البعض إلى الإنترنت؛ يجب أن نتحدث بالإنترنت؛ يجب أن نتقن اللغة الأجنبية الفلانية. هذه أمور ضرورية طبعاً لكنها أدوات؛ ليس هذا معنى منطق العصر ولغة العصر. معناه أ ن تنظروا ما الذي يفعله المناخ الخارجي والأمواج المختلفة بذهنية مخاطبكم. معناه أن تعرفوا الداء والحدث والواقع، وعندها تتوجهون نحو العلاج. لذا تحتاج حوزاتنا العلمية إلى الدارسة والعلوم والأفكار. اقرأوا وفكروا ما استطعتم...... هذه ممارسة ضرورية.

وتأتي في رأس اللائحة أيضاً النظرة الصائبة للسياسة العالمية والتيارات السياسية في العالم. على رجل الدين اليوم أن يعرف أين هو وأين يقف، ليستطيع الدفاع بصورة جيدة. يجب أن تعرفوا أين يقع خندقكم وما هي ومن هي الجبهة المقابلة. من دون المعرفة بالسياسة العالمية والتيارات السياسية في العالم - ومثالها التيارات السياسية في بلادنا وبيئتنا - لا يستطيع رجل الدين المسؤول الواعي العالم أن يدرك أين هي مواطن الضلال وأين هي مواطن الهداية. الموطن الرئيس لإضلال البشر في العالم ودفعهم للخطيئة والفحشاء والظلم والحروب وقتل إخوتهم البشر هي السياسة التي تسود العالم. لا أن هذه السياسات وليدة اليوم، بل لقد كانت موجودة في العالم دوماً، لكن القوى التي تريد العالم كله لها وتروم السيطرة على العالم وكل جوانب الحياة البشرية تهيمن اليوم أكثر من السابق بفضل أدواتها ووسائلها الحديثة.
لذلك تلاحظون كل هذا التشديد على الاستكبار - الاستكبار العالمي - في شعارات إمامنا الجليل وشعارات الجمهورية الإسلامية. وحينما يرفع بلد راية مواجهة هذا النظام - باسم الدين، والإسلام، والمعنوية - ينهالون عليه بشدة. لا ينبغي حمل عداء الاستكبار لنظام الجمهورية الإسلامية على أنها لم تكن منذ البداية تجيد التعامل مع العالم. كلا، القضية ليست هذه. بل لقد سارت الجمهورية الإسلامية طوال هذه الأعوام الثلاثين في أفضل طريق وبكل دقة ومهارة وبهداية من الله. وهذا ما يشهد به أعداؤنا.
الأحاديث التي تدور في الأروقة السياسية العالمية حول دبلوماسية إيران الناشطة، وذكاء الجمهورية الإسلامية، والأساليب الناجعة للنظام الإسلامي، لا ينعكس عشرها في الداخل. هذا ما يقولونه ويتصورونه هم والحق معهم؛ لقد تحركت الجمهورية الإسلامية بشكل جيد خلال هذه السنين الثلاثين. ليست القضية قضية أن الجمهورية الإسلامية لم تحسن التعامل مع الأطراف والقوى. القضية هي أن القوى العالمية تعتمد النـزعة التوسعية والهيمنة على حياة الشعوب بالسبل الاقتصادية والثقافية التي تعد مقدمة للهيمنة السياسية، وقد اكتشفت الجمهورية الإسلامية هذا السر وأدركته ووقفت بوجهه؛ هذه هي القضية.
المعيار الأساس هو أن نستلهم الإسلام بوضوح ووعي ونعبر عنه بشجاعة، ونسير نحو الهدف بحكمة وتدبير. التدبير ضروري ولكن ينبغي عدم خلطه بالهدف. يجب عدم الخلط بين التدبير وبين تضييع الهدف وتحطيم الأطر. البعض يتصور أن التدبير هو الابتعاد عن الأصول والأطر الرئيسية والمؤشرات المبدئية.. هذا هو اللاتدبير بعينه؛ وهو الذوبان في معدة توسع الأعداء الطامعين. ينبغي أن يكون الهدف محدداً، ويجب متابعته بحسم وجزم. لابد أن يتحرك الإنسان في هذا المسار بتدبير »المؤمن كيّس«.. إنه متفطّن لما حوله. وهذا بدوره من مصاديق التقوى: أن يحذر الإنسان من الوقوع في شراك العدو، ومن أن يؤخذ على حين غرة، ويكون عرضة لغارات الأعداء؛ هذا هو الوعي؛ هذا هو الركن الثالث أو المادة الثالثة من المواد المكلفون نحن طلبة ورجال العلوم الدينية بها اليوم: أن نعزز مشاعر التقوى في داخلنا، ونطور أذهاننا وعقولنا بالعلم، ولا نكتفي بالتعلم في حيز الدراسة العلمية، إنما نمارس الإنتاج والاجتهاد أيضاً. ليتعلم طالب العلم منذ البداية أن يطلب الدليل على ما يسمعه حتى لو سمعه في الدرس، فيستقبل الدليل في ذهنه ويحلله. وهذا هو الشيء الذي تم تأسيسه في دروس الحوزة منذ البداية. القراءة ليست ملاكاً، إنما العلم هو الملاك. هذا ما علّموه لطلبة الحوزات منذ البداية. ثم يأتي دور الوعي، ومعرفة الساحة، ومعرفة واجبات رجل الدين.
يجب على حوزاتنا العلمية اليوم أن تهدف إلى تخريج رجال دين يستطيعون حمل جانب من هذا البناء العظيم كالأعمدة. الجمهورية الإسلامية يمكن أن تتسع، لا بمعنى التوسع الأرضي والتوسعية في الأرض، بل بمعنى الاتساع الكيفي والنوعي. نستطيع أن نتقدم نحو العدالة، والمعنوية، والأخلاق، وتطبيق أحكام الإسلام إذا كان لدينا رجال دين أقوياء، علماء، متقون، شجعان، واعون. تخريج طلبة العلوم الدينية ومضاعفة أعدادهم يجب أن تتم بهذا الهدف. ولاحظوا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء أنه لو كان هذا هو الهدف فستكون هذه الحالة سامية جداً.. إنها حالة فوق القضايا الشخصية والمهنية و...الخ. حاذروا من أن تنحرف بكم الحوافز الصغيرة عن هذا الهدف الكبير. وحاذروا من أن تباعد التصورات والأوهام بينكم. منظومة رجال الدين منظومة متجانسة. يجب أن لا تستطيع الاختلافات الجزئية والصغيرة تمزيق هذه المنظومة. ينبغي أن لا نهدر طاقاتنا في الجدال مع بعضنا.
لشيراز ومحافظة فارس سعة واستيعاب جيد والحمد لله. لديكم شخصيات كبيرة في التاريخ وفي الماضي القريب. ولديكم شخصياتكم المرجعية اليوم أيضاً.. لديكم علماء دين كبار، وفي هذا دليل على خصوبة هذه المحافظة من حيث الطاقات البشرية. ومتابعة الشؤون المعيشية التي ذكرها السيد حائري نقطة صحيحة نعترف بها ونتمنى أن يمن الله تعالى بتوفيقه ويتم إنجاز اللازم ضمن حدود الإمكانات. والحق أن كل ما ينفق على الطلبة الفضلاء لا يعد تكلفة، لأنه استثمار عائداته وفوائده أكبر بكثير مما يتم رصده. ضُرب مثال الشيخ الطوسي، وقد كان الشيخ الطوسي في زمن السيد المرتضى عالماً من الطراز الأول. صحيح أنه كان يحضر دروس السيد المرتضى، لكنه وضع كتاب »التهذيب« في زمن حياة أستاذه الشيخ المفيد أي إنه شرع بكتابته حينما لم يكن السيد المرتضى قد بلغ زعامة العلوم الدينية، وأتمه بعد وفاة الشيخ المفيد، لكنه بدأ بتدوين ذلك الكتاب الممتاز - وهو شرح روائي لمقنعة الشيخ المفيد - حينما كان المفيد أستاذ المرتضى والشيخ الطوسي لا يزال على قيد الحياة.
نتمنى أن يوفق الله تعالى المسؤولين إن شاء الله كي يستطيعوا تقديم الخدمة اللازمة لهؤلاء الفضلاء الأعزاء وعلماء الطراز الأول، ووفقنا الله وإياكم لمعرفة قدر الجمهورية الإسلامية، وتعزيز ركني الاقتدار والمعنوية الذين مَنَّ الله تعالى بهما علينا - أنا وأنتم - اليوم بهمم هذا الشعب وببركة الإمام المهدي، وأن نعدَّ أنفسنا لكي نستطيع النهوض بواجباتنا إن شاء الله.
استودعكم الله وأسأله تعالى التوفيق الدائم لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.