بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السّلام على سيّدنا و نبينا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المعصومين. سيما بقية الله في الأرضين. قال الله الحكيم في كتابه: ( و لو قاتلكم الذين كفروا لولوّا الأدبار ثم لا يجدون وليّاً و لا نصيراً سنة الله التي قد خلت من قبل و لن تجد لسنة الله تبديلا ). (1)
هذه الأیام التي تحمل ذكريات أحداث عظیمة و ذکریات مؤلمة للمسلمین و لا سیما الشیعة، هي أیام مهمة و ذكريات أحداث مفجعة و أليمة - أعني رحيل خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله و سلّم، و شهادة سبطه الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة و السلام و شهادة الإمام علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحية و الثناء - تصادف ذكرى مرّة و مفجعة أخری إلا و هي رحيل الإمام الخميني العظيم.
إنني أطرح اليوم موضوعاً لإيضاح شخصية إمامنا العظيم و هي بُعدٌ مهم من الأبعاد المتنوعة لشخصيته و في الآية التي تلوتها لكم - و هي إحدى آيات سورة الفتح - يوضح القرآن الكريم للمسلمين المؤمنين في تلك الأيام حقيقة مهمة. و هذه الحقيقة بعيدة عن الأذهان من حيث الأسباب الظاهرية، لكنها حقيقة بديهية من حيث التصور الإلهي. الموضوع هو أن جماعة من المسلمین في السنة السادسة للهجرة کانوا مجردین من الأسلحة و من عدّة الحرب، وجدوا أنفسهم فی مواجهة الکفار الذین کانوا قد أعدّوا العدّة، و كان يجب علیهم أن لا یستخدموا أسلحتهم. حدث ذلك في قضية الحديبية. عُرفت هذه القضية بـ غزوة الحديبية و بصلح الحديبية أیضاً. بالرغم من عدم نشوب الحرب بين الطرفين، فقد کانت نتائج هذه الحادثة أعظم من نتائج حرب عظیمة و آثارها، و کانت لها بركات استثنائية من حيث كيفية المواجهة، فلقد جاء كفار قريش بكل ما لديهم من معدات و سلاح و رجال و إمكانيات ضرورية، لقتال المسلمين الذين جاءوا مجردين من السلاح قاصدين العمرة و زيارة بيت الله الحرام. لكن لم تحدث حرب و ترتبت بركات عظيمة على هذه المواجهة السلمية. يخاطب الله سبحانه و تعالى المسلمين: لو نشب القتال بينكم و بين الكفار و المشركين لانتصرتم عليهم. هذه سنة إلهية، هذا هو قانون إلهي ثابت لا يتغير في عالم الخلقة. ( و لو قاتلكم الذين كفروا لولّوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً و لا نصيراً سنة الله التي قد خلت من قبل و لن تجد لسنة الله تبديلا ).
يظهر هنا أصل مهم و هو أصل قد تكرر في صدر الإسلام أكثر من مرة كما تكرر في الثورة الإسلامية، و في الأحداث المتنوعة أيضاً ، فالاهتمام بهذا الأصل يمثل أهمية بالغة لشعوب مثل شعبنا، و إن كان يبدو بعيداً عن الأنظار على الغالب. دور إمامنا العظيم - سماحة الإمام الخميني الكبير - هو أنه ثبت هذه الحقيقة. فما هي هذه الحقيقة؟ هذه الحقيقة هي أن القوى المؤثرة في التحولات الاجتماعية و السياسية تتعلق بالإنسان و طاقاته و إرادته و إيمانه. من هذا المنطلق، فإن مظهر القدرات و الطاقات المؤثرة في التحولات الاجتماعية ليس الشي ء الذي یرید أصحاب السلطة و مستكبرو العالم بیانه دائماً. أراد مستكبرو العالم و أصحاب الهيمنة على العالم أرادوا أن يثبتوا أن التحولات الكبرى و نتائجها تتعلق بأموالهم و قوتهم و سلاحهم و هيمنتهم المطلقة و دعاياتهم، و أن أيديهم هي التي تسیطر علی العالم و تتحكم فيه، و أن التحولات البشرية تحدث بأيديهم، لكن هذا الأصل الإلهي يثبت عكس ذلك و هو أن تحولات العالم و القضايا العالمية و الإنسانية الكبيرة، و الثورات العظيمة و التطورات العظمى، لا تحدث بيد القوى الكبرى و متغطرسي العالم العظماء - و لو أنهم أدّعوا ذلك - بل إنها مرهونة بأمور أخرى. كل هذه العناصر تتعلق بإرادة الإنسان و إيمانه و تضحيته و حركته و تجمعاته حيث تستطيع التحكم في مصير البلد و إيجاد الأحداث الكبيرة. هذا ما بينه و ثبته القرآن و الأحداث التاريخية مراراً، لكن الكثير من الشعوب تجاهلت هذه الحقيقة و بسبب هذا التجاهل ستكزن متأخرة و ستكون مقهورة أمام القوی المستكبرة. لا يستخدمون طاقاتهم و لا قواهم بشکل صحیح؛ لذلک یستغلهم ذوی القدرة في العالم و یفرضون علیهم أوامرهم و یستمرون في أهدافهم الحیوانیة و الشهوانیة و الشخصیة.
علينا أن نلقي نظرة إلى ما حدث في العالم و ما يحدث في العالم، لأن الشعب الإيراني بحاجة إلى إعادة تعريف هذه الحقيقة. على الشعب الإيراني أن يعیر أهتماماً أکبر لهذه الحقيقة الإلهية نظراً للرسالة العظیمة التي تقع علی عاتقه و العمل العظیم الذي یواجهه.
إخوتي و أخواتي الأعزاء! إن القرن العشرين الميلادي - أعني القرن المنصرم منذ عدة شهور - هو قرن التحولات الاجتماعية و السياسية العظيمة. لقد أنجزت جميع الشعوب تحولات كبرى في هذا القرن حسب مکانتها و ظروفها و وعيها عاجلاً أو آجلاً. طبعاً علي أن أقول بأن الشعب الإيراني كان في طليعة هذه الشعوب التي أنجزت تحولاً سياسياً و اجتماعياً عظيماً أي في عام 1905 أو 1906 م حيث اقترب الشعب الإيراني أکثر من باقي الشعوب إلی هذا التحول السياسي و اجتماعي، و هو ذلك التحول الذي حدث في الثورة الدستورية. أثبت الشعب الإيراني وعيه و تقدمه و جهوده و ظروفه المناسبة و ذلك بفضل عمله هذا. علماء الدين و مخلصو المجتمع كانوا رواد تلك النهضة. الغفلة من قبل الساسة المنتمين للبريطانيين آنذاك تسبّبت في استغلال القوى الغربية و الأجنبية لحركة الشعب المسلم، و تدوين صرخة عدالة الشعب الإيراني على أساس خطة أعدت سابقاً وفقاً لآرائها و تحريف حركة الشعب الإيراني، ثم جاءت تلك القوى بعائلة بهلوي و منحتها ولایة الحكم. و في الحقیقة کانت السبب في تخلف الشعب الإيراني عن حركته على مدى ستين عاماً. حدث ذلك کله على يد البريطانيين. و الحقيقة أن ما أبدوه من عداء تجاه الشعب الإيراني مدی أو سبعين سنة، هو عداء لا يمكن غض النظر عنه و هو مهم للغاية، و إلّا فإننا دخلنا ساحة التحول الاجتماعي قبل الهند و روسيا و الجزائر و سائر الثورات الكبرى في القرن العشرين، نحن جئنا لتطوير البلد و الحكومة و نظامنا الاجتماعي. لقد بذل شعبنا الكثير من التضحيات في طهران و تبريز و خراسان و فارس و في الكثير من مناطق هذا البلد، لكن الأجانب لم يسمحوا بذلك، و سببه هو وجود رجال السلطة المنتمين للغرب و الذين كانت لهم علاقات حميمة بالغربيين و الحكومة البريطانية، حرفوا حركة الشعب الإيراني عن مسيرها، ثم جاءوا برضاخان و نصبوه على کرسي الحكم، لهذا تخلفت حركة الشعب الإيراني لمدة ستين عاماً.
دخلت الشعوب الأخرى هذه الساحة أيضاً في هذا القرن و كان لكل منها طريقته. ففي الهند حدث هذا التحول بشكل، و في روسيا بشكل آخر، و في الجزائر بشكل آخر و كذلك في العشرات من البلدان في آسيا و أفريقيا و المناطق المختلفة في العالم بشکل آخر. هناك قواسم مشتركة بين هذه التحولات و هو أن الطاقات البشرية في جميع هذه التحولات انتصرت على القوى الاستكبارية، إلّا أن هذا الانتصار كان واضحاً و ساحقاً في بعض المناطق و خلف آثاراً خالدة، لكنه لم یکن هكذا في المناطق الأخرى، و كان أثره ضعيفاً و تلاشى بسبب الغفلة. هذه حقيقة واضحة أن الشعوب متی ما ارتكزت على قواها الإنسانية المؤثرة، تمكنت من التغلّب على الضغوط التي تمارسها القوى الغاصبة و الجائرة و الغاشمة و المتغطرسة و المعتدية.
مشكلة الشعوب اليوم هي الشعور بالعجز مقابل عداء القوى الاستكبارية. أنظروا أنتم الآن إلى المشهد الجغرافي للعالم في تقسيماته و ممارساته السياسية، لاحظوا أن الذين يتصورون بأن كل شيء في العالم عائد لهم و يحتقرون الشعوب و يسيطرون على الإمكانيات البشرية عن طريق الظلم أعني القوى الاستكبارية، على ماذا يستندون؟ أن أهم ما يستندون عليه هو الإيحاء للشعوب بأن قوتهم مما لا يمكن التغلب عليه. إنكم إذا ذهبتم إلى مثقفي البلدان المتخلفة - لا سيما البلدان الإسلامية - أو إلى الساسة و الجماهير و سألتموهم عن السبب في عدم اتخاذهم خطوة لتحقيق حركتهم الوطنية، فإنهم يجيبون نحن لا نستطيع و لا نتمتع بالقدرة، و القوى الكبرى سلبتنا كل شيء و ليس بإمكاننا التعبير عن وجودنا أمام القوى الجائرة! هذا منطق الذين يقفون في موقع الضعف بين بلدان العالم.
الحقيقة القرآنية تثبت عكس هذا. فالحقيقة القرآنية تقول: إن البشرية إذا ارتكزت على قواها الذاتية - أعني على الإيمان و الإرادة و وحدة الكلمة و تضحياتها - فلا يمكن لأي قوة الوقوف أمامها. ففي عهد الطاغوت نحن الشعب الإيراني ارتكبنا هذا الخطأ أيضاً. و لو كنا قد سألنا أحد لماذا لا تقفون صامدین إزاء هذه الحكومة الطاغوتية التي سلبت نفط بلدكم و طاقاته و هيمنت أمريكا عليه و سلبت دينكم و أخلاقكم و ثقافتكم الوطنية و الإسلامية و المحلية، و شوّهت تاريخ هذا الشعب، فإن جواب المثقفين و السياسيين هو أننا ليس بإمكاننا أن نقوم بشيء و لا نستطيع أن نتحرك! حركة الإمام و درسه العظيم و خدمته الكبيرة التي أسداها لهذا الشعب و الشعوب الأخرى أثبتت عكس هذا. قال الإمام الخميني للناس إنكم تستطيعون و تتمتعون بالقوة و هي تتعلق بكم و ما عليكم سوى التحلي بالإرادة و العزم و من ثم استخدام هذه القوة، و على النخبة و من يتمكن من التأثير على أذهان الجماهير الدخول في الساحة و على الجماهير أن تستعد للتضحية، فعندئذ يتحقق كل شيء و سیتحقق النجاح. كان الإمام أول من دخل الساحة. و منذ دخوله الساحة جاء النخبة و العلماء و المثقفون و طلبة الحوزات العلمیة و الطلبة الجامعيون، و شرائح الشعب المختلفة، و بمضي عدة سنوات انضمت كل الشرائح إلى هذه النهضة العظيمة و عندئذ لم تتمكن تلك القوة السياسية و العسكرية و الإعلامية من الوقوف أمام هذه الطاقات الشعبية الهائلة. قوة الإيمان و العزیمة و قوة القيادة الحكيمة و قوة المقاومة و الصبر و الصمود لم تنتصر على قوة حكومة الطاغوت فحسب بل إنها تغلبت أيضاً على قوة أمريكا التي كانت تدعمها.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! القضية لم تنته بانتصار الثورة. بعد انتصار الثورة، ساعد ذلك الدرس القرآني العظيم الذي لا ينسى - الذي جسده إمامنا العظيم و العزيز و أعاده علينا - الشعب الإيراني في الخبرات المتنوعة و الساحات المختلفة و الهجمات السياسية و العسكرية و الاقتصادية المختلفة. و استفاد شعبنا من هذا الدرس الكبير في الحرب المفروضة في مواجهته مع القوى الاستكبارية و كافة القضايا السياسية. لاحظوا أن نفس هذا الدرس تكرر اليوم في لبنان. عندما اجتاح الكيان الصهيوني جنوب لبنان و احتل هذه المنطقة، لم يكن يقصد الانسحاب منها يوماً ما. من أجل أن یحتاطوا تقدموا حتی وصلوا إلى بيروت، لكنهم لم يكونوا يريدون الحفاظ على تلك المناطق. كان عزم الكيان الصهيوني الراسخ هو الحفاظ على جنوب لبنان و ضم تلك المنطقة إلى الأراضي التي احتلها. كما أنهم احتلوا ذات يوم جزءاً صغيراً من فلسطين، ثم ما لبثوا أن ضمّوا إليها مناطق أخرى، و احتلوا كافة أنحاء فلسطين تدريجياً، ثم احتلوا جزءاً من الأردن و جزءاً من لبنان، لهذا فهم لم يكونوا يقصدون الانسحاب من هذه المناطق، بل إن خطتهم الأساسية كانت البقاء فيها. فمن الذي واجههم و وقف بوجههم؟ کانت الطاقة الشعبية الفقيرة و الناس العزل في لبنان، أعني قوات حزب الله و قوات المقاومة الإسلامية و قوة الجماهير الذين تحمّلوا قصف القوات الصهيونية اليومية. لقد استمرت هذه الحالة سنوات مديدة، لكنها انتهت بانتصار القوة الإنسانية المرتكزة على الإيمان و العزم و التي أفشلت مرة أخرى تلك الصورة التي كانت تريد القوى الاستكبارية إيحائها إلى الأذهان حول عناصر التأثير و اتضح أن الأمر ليس كذلك، ليس كل من يمتلك العتاد و القوة العسكرية و الإعلام الدولي و العالمي، سينجح حتماً. لو كان قد قيل لأفراد الشعب و نفس الصهاينة و حماتهم قبل عام أو قبل عامين، بأن هذا الشباب المؤمن من حزب الله في لبنان سينتصر عليكم، و سيخرجكم من هنا، و سيسترد أرضه منكم بالقوة، لما صدق أحد، لكن الأمر الذي لم يكن يصدقه أحد، تحقق! لم تشن حرب خاطفة، لكن حدث نضال و مقاومة استمرت على مدى سنوات طويلة. انتصرت قوة العزم و قوة الإيمان على الأشياء التي كانت تبهر العيون بمظاهرها.
إنني أخاطبكم أيها الشعب الإيراني الأعزاء! هذا الشعب الشجاع و المؤمن و صاحب الإرادة و الخبرة! كما أخاطب الشعوب الأخرى و أقول بأن تلك الحادثة و تلك الواقعة و تلك التجربة القرآنية العظيمة و المتكررة يمكن أن تتكرر ثانية. أين؟ في فلسطين نفسها. المحللون السياسيون اليوم يعتبرون هذا الموضوع أمراً بعيداً جداً. إذا قال أحد بأنه من الممكن أن تتغلب قوة الإيمان و قوة العزم الشعبية على الكيان الصهيوني الغاصب و المستكبر و الجائر، فمن الممكن أن يعتبره بعض الأشخاص أمراً بعيداً جداً، بل يعتبره البعض أمراً مستحيلاً، لكن ليس الأمر هكذا، و هو أمر ممكن الوقوع. و التجربة التي حدثت في صدر الإسلام تعید نفسها مراراً، كما حدثت في انتصار الثورة الإسلامية و الحرب المفروضة، و في الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي لنظام الجمهورية الإسلامية على مدی واحد و عشرين عاماً، كما حدثت هذه التجربة أخيراً في لبنان. هذا هو تكرار لنفس تلك التجربة. و ليس لها سوى سبب واحد، و هو أن يعتمد الشعب الفلسطيني على قوته الذاتية و أن لا يرضخ للکسل. و أن لا يسلب منه إيمانه و إرادته و أهدافه و آماله. كما تحرر جنوب لبنان بعد مضي اثنين و عشرين عاماً، فمن الممكن أن تتحرر أراضي فلسطين المحتلة ثم كافة أنحائها بعد مضي عدة سنوات. إن البعض يعتبرون ذلك اليوم أمراً مستبعداً جداً، كما كان يعتبر البعض بالأمس تحرير جنوب لبنان أمراً مستبعداً و محالاً، لكنه حدث!
لو قال أحد قبل ثلاثين عاماً في إيران، بأنه من الممكن أن يسقط النظام البهلوي على يد هذا الشعب و يزول، لما صدقهم أحد. لو قالوا بأن حكومة إسلامية ستحل محل النظام البهلوي الطاغوتي، لما صدقه أحد، لكن هذا الشيء الذي لا یُصَدّق حسب الظاهر تحقق و اتضح أن المظهر الحقيقي للقوى المؤثرة في التحول البشري سياسياً و اجتماعياً، ليس ذلك الشيء الذي تتطلع إليه عيون السطحيين و ما تحاول الدعايات الاستكبارية إظهاره على تلك الصورة. القوى المؤثرة هي الإرادة الإنسانية، الإيمان الإنساني، و اتخاذ القرار، و تضحية الطليعيين و القادة و عدم استسلامهم للفتور و الملل. نعم، إن الشعب الفلسطيني لو رضخ لهيمنة الذين أثبتوا أنهم ليسوا أهلاً للساحة الفلسطينية، و أنهم أحقر من أن يحملوا على عاتقهم قضية عظيمة كقضية فلسطين و ذهبوا للاستسلام و ليكونوا عملاء للكيان الصهيوني و أمريكا، طبعاً لن تتحقق نتائج. لكن لو دخل الساحة أناس مؤمنون، و شباب مؤمنون، و قادة مؤمنون و عناصر لا تعرف الملل و الذين تشع قلوبهم بنور الإيمان - الإيمان بالقرآن و الإيمان بالإسلام - كما نشهد اليوم في الساحة و إذا اجتمع حولهم الشباب و اقتبسوا منهم إيمانهم - كما يقومون بهذا الأمر الآن - فإن هذه الحركة ستتقدم، و اعلموا أن الناس سيشهدون بأن فلسطين ستعود في يوم من الأيام إلى أصحابها الأصليين سواء المسلمون أو النصارى أو اليهود.
علي أن أقول لشعبنا العزير: أيها الشعب الإيراني العزيز! أيها الشعب العظيم! أيها الشعب الذي كرر و حقق بوجوده و تواجده و عزمه و تضحياته تلك التجربة القرآنية المذكورة عن صدر الإسلام! أيها الشعب الذي تمكن باعتماده عليك أيها الخميني الكبير أن يبدل مفاهيم العالم السياسية و استطاع أن يقلب الموازين، و استطاع أن يشق و يفتح طريقاً جديداً أمام الإنسانية! أيها الشعب الكبير! إنكم لا تزالون اليوم بحاجة إلى نفس العزم و الإيمان حتی تتمكنوا من ترسيخ ما حققتموه. إن النظام الإيراني استقر اليوم و الحمد لله، لكن الذين وجهت إليهم الضربات بفضل ثورتكم، و السياسات التي قطعت أيديها بأيديكم القوية عن ساحة سلب إمكانيات هذا البلد، لم یقعدوا مکتوفي الأيدي، بل لا يزالون عداوتهم، و لهم خططهم. نحمد الله على ما بیّنه لشعبنا من كثير من النوايا السيئة لأعدائنا و انكشاف القناع عن وجه العناصر الأمنية و الاستخباراتية و السياسية لأمريكا و الصهاينة. طبعاً هناك أبعاد أخرى ستتضح لشعبنا و بفضل من الله سأوضح للشعب الصورة العامة لخطة العدو التي رسمها لنظامنا و ذلك في فرصة أخرى.
الخطر الذي يهدد هذا الشعب في مواصلته لهذه الحركة السامیة هو اليأس بالدرجة الأولى. لو استطاع العدو أن يبث في نفوس شعبنا و شبابنا و شرائحنا اليأس من مستقبل حركتهم هذه، فإنه سیکون قد ضرب ضربته. هذا هو الخطر الأساسي. لهذا أنتم تلاحظون أنهم يحاولون بكل ما لديهم من أساليب و خطابات و لغات أن یجعلوا القلوب تشعر بالشك و اليأس إزاء استمرار هذه الحركة الإسلامية الشامخة و تفقد أملها. فهذا خطر عظيم.
ثمة أخطار عظيمة تهدد أولئك الذين يمكن لهم التأثير على الشعب - الذين تؤثر أحاديثهم، و أعمالهم، و أساليبهم و كتاباتهم على الشعب - لذلك عليهم أن يراقبوا. أحد هذه الأخطار هو الاستسلام للتعب، و منها الركون إلى الراحة، و منها الرغبة في الاستسلام، و منها ترجيح المصالح الحالية العابرة، و هي تلك المصيبة التي حلت بأولئك الذين حرفوا مسير الثورة الفلسطينية، و هو نفس الخطر الذي مني به أولئك القادة الذين حرفوا شعوبهم عن طريقها الصحيح الذي كانت قد بدأته و منعوها من مواصلة مسيرها. ثمة مسؤوليات ثقيلة تقع على عاتق القوى المؤثرة على أذهان الجماهير، فعليهم تقوية إيمانهم و زهدهم، و أن يزيدوا من توكلهم على لطف الله و فضله، و ألا يحسنوا الظن متفائلين بالعدو حتى للحظة واحدة، فإن العدو يرسم الخطة لتوجيه ضربته. إن النخبة في أي بلد - أعني القوى المؤثرة في حركة الشعوب بأقوالها، و أقلامها، و تصرفاتها و توقيعاتها و امضاءاتها- لو رغبت في الاستسلام و الركون إلى الراحة و العيش الرغيد و حياة البطر و شعرت بالتعب من التواجد في ساحة الأخطار، فعندها سیکون الخطر محدّقاً. لهذا أنتم تلاحظون أن أمير المؤمنين عليه السلام في فترة خلافته القصيرة يوجه أكثر خطاباته و عتابه و توصياته و وصاياه إلى الذين ولّاهم على إدارة المناطق المختلفة من أقطار البلد الكبير التابع لحكومته. كما أن إمامنا العظيم كان كثيراً ما يوجه تحذيراته إلى مسؤولي البلد و إلينا و إلى تلاميذه و إلى من تربّوا في كنفه. و خلاصة هذه التحذيرات هي أن لا يعوّدوا أنفسهم على حلاوة العيش الرغيد و أن لا يتركوا الجهاد في سبيل الله.
اللهم إن هذا الشعب العظيم قد آمن بك و جاهد في سبيلك. و أنت القائل ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ).(2) اللهم دافع عن هذا الشعب العظيم في سبيل مبادئه الكبيرة و أهدافه الشامخة و دافع عنه إزاء أعدائه اللدودین و تفضل عليه بالنصر. اللهم و اجعل اسم الإمام، و سبيله و ذكره و دروسه الخالدة حيّة دائمة في أذهاننا و قلوبنا و أعمالنا. اللهم و أرض عنا الروح الطاهرة للنبي الأكرم و أوليائه و الأرواح الطيبة للشهداء و الروح الطاهرة لإمامنا العظيم. اللهم فجر عيون الأمل في قلوبنا. اللهم و أهلك أعداءنا، اللهم رسخ في نفوسنا وحدة كلمتنا و إيماننا و عزمنا و اعتقاداتنا يوماً بعد يوم. اللهم قرّبنا بفضلك و عونك و لطفك مما وعدت به المؤمنين و المحسنين و الصالحين يوماً بعد يوم. اللهم و اجعلنا من عبادك الصالحين، و اجعل موتنا و حياتنا في سبيلك، و اجعلنا من جنود الدين و الإسلام، اللهم و انصر جميع الشعوب المسلمة، و امنن بنصرك المبين على شعبي فلسطين و لبنان.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1) سورة فتح: الآية 22 و 23
2) سورة حج: الآية 38