١ ـ تُقرّ وسائل الإعلام الدولية بقوة الصواريخ الإيرانية وقدرتها على اختراق طبقات الدفاع الجوي المتعددة للكيان الصهيوني، وقد أشارت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية صراحةً إلى هذه الحقيقة، وذلك رغم سنوات من الترويج الواسع لكون تلك المنظومات محصّنة وغير قابلة للاختراق. فكيف حدث هذا التحوّل؟ ومن جهة أخرى، فشل الكيان الصهيوني في صدّ ضربات إيران، ويعزو الخبراء هذا الخلل في طبقات الدفاع إلى اتساع رقعة الهجمات والتكنولوجيا المتطورة المستخدمة في الصواريخ. ما رأيكم في هذا التقييم؟
منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وكل منظومات الدفاع الجوي التي انتشرت من الحدود الإيرانية وصولًا إلى فلسطين المحتلة — سواء تلك الموجودة في القواعد الأمريكية المنتشرة حول إيران، أو البوارج البحرية المنتشرة في البحار، أو في بعض الدول العربية التي حاولت التصدي لهذه الصواريخ — بالإضافة إلى منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية المؤلفة من أربع طبقات (منظومة آرو، ومقلاع داوود، ومنظومة ثاد، والقبة الحديدية)، كل هذه المنظومات فشلت في التصدي للصواريخ الإيرانية. السؤال: لماذا؟ من الناحية التقنية، فإنّ الصواريخ الإيرانية الفرط الصوتية تبلغ سرعتها ما بين 14 إلى 16 ماخ، أي ما يعادل 16 ضعف سرعة الصوت، في حين أنّ سرعة صواريخ منظومتي "آرو" و"ثاد" لا تتجاوز 8 ماخ. هذا الفرق الكبير في السرعة يُعدّ أحد الأسباب الأساسية في فشل اعتراضها. إلى جانب ذلك، اعتمدت إيران في هجومها على الكيان الإسرائيلي عمليات مركبة، حيث بدأت بإطلاق مئات الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز في المرحلة الأولى. وبعد نحو ساعة تقريبًا — وهي المدة التي تحتاجها الطائرات المسيّرة للوصول إلى أجواء الكيان — بدأت إيران بإطلاق صواريخها البالستية الفرط الصوتية، بحيث يتزامن دخولها المجال الجوي الإسرائيلي مع دخول الطائرات المسيّرة. فعندما تبدأ الطائرات المسيّرة بالدخول إلى الأجواء، تُستنفَر منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية وتنشغل في التصدي لها، ما يفتح المجال أمام الصواريخ الفرط الصوتية للتسلل إلى أهدافها دون أن تُعترض. أولًا بسبب السرعة، وثانيًا بسبب تشتيت قدرات الدفاع الجوي وانشغالها الكامل بالطائرات المسيّرة وصواريخ كروز. هذا هو السبب الجوهري الذي أدى إلى فشل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وكذلك المنظومات الدفاعية المنتشرة في المنطقة، في التصدي للصواريخ الإيرانية الفرط الصوتية، ما سمح لمعظمها بالوصول إلى أهدافها وتدميرها بدقة.
2 ـ استخدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في عمليتها الصاروخية ضد الأراضي المحتلة، صواريخ ذات مديات وقدرات مختلفة، مما أربك المنظومات الدفاعية المتعددة للكيان الصهيوني، وجعل عملية التصدي لها معقدة ومكلفة للغاية. فقد وصلت الصواريخ غالبًا إلى أهدافها خلال دقائق معدودة. إلى أي مدى أسهمت هذه الاستراتيجية في زيادة الضغط اللوجستي على منظومات الدفاع متعددة الطبقات للكيان الإسرائيلي؟
في الاستهداف الأول، وردًا على العدوان المفاجئ الذي شنّه العدو الإسرائيلي على إيران في اليوم نفسه، استخدمت الجمهورية الإسلامية أنواعًا متعددة من الصواريخ. ومع حلول الليل، أطلقت إيران مئات الصواريخ الفرط صوتية، والتي كانت مزوّدة برؤوس متفجرة يصل وزنها إلى 500 كيلوغرام. وفي اليوم التالي، استخدمت إيران صواريخ تحمل رؤوسًا متفجرة أثقل، تصل إلى 1500 كيلوغرام، مع تنويع في نوعيات الصواريخ من حيث السرعة والمدى. وقد أُطلقت بعض هذه الصواريخ بشكل عمودي من منصاتها، لتخرج من الغلاف الجوي، وتسير خارجه متحررة من الجاذبية، ثم تهبط فوق أهدافها بزوايا تصل إلى 90 درجة، ما يصعّب على منظومات الدفاع الجوي اكتشافها أو التصدي لها. وقد كانت تلك الضربات مدمّرة بشكل كبير.
وقد استخدمت إيران، لأول مرة، صاروخ "خرمشهر" المتعدد الرؤوس، والذي ينفجر عند بلوغه ارتفاعًا معينًا، مطلقًا أكثر من 20 رأسًا صاروخيًا، يتّجه كلٌّ منها نحو هدف مختلف، وجميعها صواريخ دقيقة الإصابة. في المقابل، فرضت إسرائيل تعتيمًا إعلاميًا وأمنيًا صارمًا على الأهداف العسكرية التي استهدفتها إيران، إلا أن بعض الصحف الإسرائيلية وعددًا من الصحفيين أقرّوا بتعرّض عدد كبير من الأهداف العسكرية الاستراتيجية للتدمير. وقد أشاروا إلى أن المعلومات حول هذه الأهداف ستتكشّف تدريجيًا في وقت لاحق.
من جهة أخرى، تسبّبت الصواريخ الإيرانية الضخمة في تدمير أحياء سكنية ومدن كبيرة، مثل حيفا وتل أبيب، حيث كان صاروخ واحد كفيلًا بتدمير حيٍّ كامل. أما من حيث المدى، فقد استخدمت إيران صواريخ انطلقت من القسم الشرقي من حدودها، أي على مسافة تقارب 2200 كيلومتر من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد تنوّعت مدى هذه الصواريخ بين 1200، 1500، 1800، وحتى 2000 كيلومتر. ويُقال إن لدى إيران صواريخ يمكنها الوصول إلى قاعدة دييغو غارسيا، الواقعة على بعد نحو 4000 كيلومتر من إيران، ما يثير التساؤل: هل تملك إيران فعلًا صواريخ بمدى 4000 كيلومتر؟ كما أعلنت إيران أنّ لديها صواريخ تحمل رؤوسًا متفجرة تصل حمولتها إلى 2500 كيلوغرام من المتفجرات. وقد تميّزت هذه الصواريخ بدقّتها العالية، إذ أصابت أهدافها بشكل مباشر. ومن أبرز المشاهد التي وثّقت هذه الدقة، سقوط أحد الصواريخ في مجمّع المخابرات في "غاليلوت"، الواقع على بُعد 1500 متر فقط من تل أبيب، والذي يضم وحدة "أمان" ووحدة "الموساد". وقد سقط الصاروخ في وسط الباحة، ما أدى إلى تدميرها بالكامل، وتفيد بعض التقارير بأن عددًا كبيرًا من الضباط والعسكريين قد قُتلوا في هذه الضربة.
تم استهداف عدد كبير من المواقع الاستراتيجية، مثل معهد وايزمان، ومركز الاستخبارات السيبرانية، وعدد من مراكز وزارة الحرب الإسرائيلية، ووزارة الداخلية، ومحطات النفط والكهرباء في ميناء حيفا، وحتى في بئر السبع. كان مشهد الدمار في إسرائيل ضخمًا، حتى إن نتنياهو قام بجولة في الأحياء السكنية المدمَّرة ليُظهر أن إيران تتعمّد استهداف المدنيين. ولكن تأمّل المفارقة: من يتهم إيران باستهداف المدنيين هو نفسه من دمّر غزة على رؤوس سكّانها، وقصف لبنان والضاحية! يريد أن يتهم إيران أنها تستهدف المدنيين. لقد استُخدمت في الهجوم صواريخ إيرانية ذات مديات مختلفة، ورؤوس متفجرة متنوعة، تتراوح زنتها بين 500 و1500 كيلوغرام، وكانت دقيقة جدًّا. وتمتاز هذه الصواريخ بقدرتها على المناورة أثناء الطيران، خصوصًا عند انفصال الرأس المتفجر عن الحشوة، ما يسمح بالتحكم به لتفادي صواريخ منظومات الدفاع الجوي. وهكذا، أثبتت هذه الصواريخ – وأثبتت معها القدرة الصاروخية الإيرانية – أنها تملك قدرة تدميرية هائلة، وهو ما دفع "إسرائيل" إلى المسارعة في طلب وقف إطلاق النار، بعدما رأت حجم الدمار وتَحقُّق إصابات مباشرة في أهدافها الاستراتيجية.
وصفت وسائل الإعلام العملية الصاروخية الإيرانية بأنها من أوسع وأدق العمليات العسكرية التي جرت في عمق الأراضي المحتلة، حيث استُهدفت خلالها مواقع حساسة وحيوية مثل مركز الاستخبارات "أمان"، ومبنى الموساد، ومعهد وايزمان، وقاعدة نڤاتيم، وقاعدة حتسريم، ومصفاة حيفا، وغيرها. فهل يمكن القول إن هذه العملية التي استمرت اثني عشر يومًا قد قوّضت نظرية الأمن التي يتبنّاها الكيان الصهيوني؟
مع فشل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية في التصدي لمعظم هذه الصواريخ، ووصولها إلى أهدافها بدقة، أصبحت القدرة الصاروخية الإيرانية تشكّل خطرًا وجوديًا على "إسرائيل". أظهرت إيران خلال هذه الحرب أنها تملك قدرة صاروخية مدمّرة خطرًا وجوديًا على هذا الكيان، بحيث أصبح كل كيلومتر مربع من أراضيه معرضًا للصواريخ الإيرانية الدقيقة التي تصيب أهدافها بدقة متناهية.
في اليوم الحادي عشر من المعركة، وردًا على التدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة ضد طهران، استهدفت جمهورية إيران الإسلامية أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، وهي قاعدة "العديد" الجوية في قطر. فما مدى تأثير هذه العملية الصاروخية في تغيير معادلات الاشتباك والردع؟ وهل كانت سببًا مباشرًا في دفع العدو إلى طلب وقف إطلاق النار؟
كانت إيران قد هددت كثيرًا أمريكا بأنه في حال شاركت في هذه الحرب، فسوف تستهدف القواعد الأمريكية في المنطقة.
وعندما قامت طائرات B2 الأمريكية باستهداف المفاعلات النووية في نطنز وفورد وإصفهان، ردّت إيران على هذه الضربة بشجاعة، واستهدفت قاعدة العديد في قطر، وهي أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة. ورغم إدعاء ترامب أن إيران أبلغته قبل الضربة، إلا أن عددًا كبيرًا من الصواريخ شوهدت تسقط في القاعدة عبر تسجيلات الهواتف الذكية للمواطنين القطريين.
الخطير بالنسبة لأمريكا هو أن إيران ردّت على أعظم قوة في العالم، واستهدفت قاعدةً كبيرة وأصابت أهدافها بدقة، مما وجه رسالة واضحة بأن استمرار استهداف إيران يعني أن كل قواعد أمريكا المنتشرة في المنطقة ستكون تحت مرمى صواريخ إيران. وقد أدى ذلك إلى مسارعة الرئيس ترامب، في نفس ليلة الضربة، إلى التصريح بضرورة وقف الحرب، مؤكدًا أنه سيتواصل مع نتنياهو لوقف الحرب في أسرع وقت ممكن.