بسم الله الرحمن الرحيم

في البدء أرحب بكافة الإخوة و الأخوات الذين قدموا من شتى أرجاء البلد، و أخصّ بالذكر أسر الشهداء و المضحّين.
لا يخفى أنّ المناسبة التي نحن بصددها، أي الأسبوع الزراعي، تشير إلى أهمية العنصر الزراعي في بلدنا، لذلك كان من الضروري الإحتفاء بهذه الأيام.
و بهذه المناسبة أبارك لجميع الإخوة المزارعين و المسؤولين في مؤسسة الجهاد الزراعي الذين يتحمّلوا أعباء هذه المسؤولية الكبيرة.
و أودّ هنا أن أشير إلى أمرين: الأول يتعلّق بالواقع الزراعي و بشريحة الفلاحين الواسعة، و الأمر الثاني: يتعلّق بعامة الشعب الكريم و بضمنه الأخوة المسؤولين و هو حول احتياجات الشعب و البلد الفعلية.
أمّا بالنسبة للواقع الزراعي و الفلاّحي فإنّ أبرز الأولويات هو تحقيق الاكتفاء الذاتي على الصعيد الغذائي. و على شعبنا الكريم الاستغناء عن كل ما يرد من خارج الحدود. فمنذ مطلع الثورة الإسلامية و لحد الآن كانت الجهود منصبّة على تحقيق الاكتفاء الذاتي على صعيد الواقع الزراعي.
و لا يخفى أنّ الشعب الذي يتكئ على سواعده و يعتمد على كفاءته في الإنتاج، فيقوم بالإنتاج و الاستهلاك الذاتي، بل و يتمكّن من توسيع رقعة الإنتاج إلى ما وراء الحدود، سيتحوّل إلى قوّة مهمّة و مؤثّرة. إنّ بلدنا اليوم بحاجة ماسّة إلى هذا الأمر. و ما إصرار الجمهورية الإسلامية على تطوير الواقع الزراعي إلاّ من أجل تحقيق ذلك. فعلينا أن لا نمدّ أيدينا إلى الغير لتأمين حاجاتنا من الحنطة و الأرز و الزيت و الألبان و طعام المواشي و غير ذلك من عناصر الغذاء الأساسية. و الحمد لله أنّ بلدنا يزخر بالموارد الطبيعية و البشرية، و لذلك أرجو أنْ تكون هناك جهود و مساع بنيوية و صحيحة في هذا المجال، و لا أخفيكم إنّ بوادرها بدأت هذه الأيام تظهر للعيان.
لكن المهم هو إنّ على كافة الجهود التي يبذلها الشعب و القادة أن تتظافر. لا بدّ للعلم و التجربة و التقنيات الفنية و التكنولوجية و الاستثمار الأقصى للموارد الطبيعية و البشرية أن تمتزج بالشعور بالمسؤولية و الشعور بضرورة التنمية و التطوير و الخلاقية و المتابعة و التفاني في العمل. و أنّا كلّي أمل بما حصل مؤخراً من الاندماج بين وزارة الجهاد الصناعي و وزارة الزراعة و الذي انبثق عنه وزارة الجهاد الزراعي، إذ يمكن لهذه المجموعة أن تؤدي دوراً مهمّاً و حيوياً في هذا المضمار.
كما لا بدّ لعملية الدمج بين الوزارتين أن تكون سبباً للتفاؤل في تعزيز النقاط الإيجابية. فتأريخ الجهاد الصناعي حافل بالمنجزات الكبيرة التي بدأت مشوارها منذ مطلع الثورة الإسلامية و لحد الآن، و كذلك الحال بالنسبة لوزارة الزراعة السابقة التي أصبحت تشكّل خلية متكاملة من الكفاءات، عبر التجارب و الخبرات التي تراكمت فيها على مرّ السنوات السابقة. إذن وجود هذه العناصر له أهمية بالغة في دفع عجلة النهوض بالواقع الزراعي.
إنّ الأعمال الكبيرة، تتطلّب همماً كبيرة، كما تتطلّب إيماناً عميقاً ـ إيماناً بالعمل، إيماناً بالشعب و بدعمه و إسناده، و الأهم من كل ذلك، الإيمان بالله تبارك و تعالى و ما يجزله من أجر و ثواب للعاملين ـ و عملاً جهادياً متواصلاً، و هذا هو معنى الجهاد. و عليه فالنهوض بالواقع الزراعي، يتطلّب منّا جهاداً حقيقياً كما أسلفت.
كما أنّ لتظافر هذه الجهود أثراً كبيراً آخر، يتمثّل في ما يعود على شريحة الفلاحين من مكاسب إزاء ما يتجشمونه من كدح و عناء مضنيين.
إنّ الطبقة الفلاحية لدينا تبذل الكثير من الجهد و تتحمل الكثير من المشقّات، فلا بدّ لها من أن تحصد ثمار تلك الجهود و المشقات، و أن تكافأ بالعطاء الجزيل الذي تعود منفعته على الفلاح من جهة و على البلد من جهة أخرى.
لا بدّ أن تكون السياسة العامة مبنية على: إعمار القرى و الأرياف، و جعلها ملائمة للسكن و الحياة، و تمكين القرويين الأعزاء ـ الذين يعدون من الطبقة المحرومة في البلد ـ من التوفّر على كافة مقوّمات الحياة الكريمة، عليكم أن تهيئوا لهم سبل المواصلات، من طرق و وسائط نقل و غيرها مما يسهم في خلق بيئة مناسبة لحياة كريمة.
ففي مطلع الثورة الإسلامية بدأ العمل على هذا النمط من المشاريع، في كافة أنحاء البلد و في أقصى نقاطه، يجري بعزيمة و إصرار منقطعتي النظير، و لا بدّ أن يستمر الآن على هذا المنوال ضمن استكمال للخطط و المشاريع المرسومة. و لا يخفى إنّ هذه الأعمال تعتبر من المهام الجسيمة التي تتطلّب همماً عليا و إيماناً راسخاً و عزيمة صادقة.
و السادة المسؤولين لدينا يتمتعون بالإيمان و العزيمة، لذلك وجب عليهم استثمار كافة الوسائل و الإمكانيات المتاحة. فبلدنا ليس بلداً فقيراً، فهو يزخر بالموارد الطبيعية و البشرية الأمر الذي يحتمّ على المسؤولين استثمار هذه الموارد لقشع صبغة الفقر و الحاجة، و الاعتماد على الغير إقتصادياً. و هذه المهمّة ـ كما أسلفت ـ تتطلّب من العاملين إيماناً و كفاءةً و تجربةً و خلاقية و عزماً، و ملخّص القول تتطلّب منهم عملاً جهادياً.
إنّ ما أودّ إلفات نظر الشعب الكريم بشكل عام و المسؤولين بشكل خاص إليه، هو أنّ الإهتمام بالزراعة يعد اليوم حاجة ملحّة و مطلباً أساسياً. إنّ كافة القطاعات في البلد ـ كالقطاع الصناعي و العقاري و الصناعات الحيوية، و الخدمية، و قطاع التربية و التعليم و غيرها ـ لا تنحصر مسؤوليتها بالجهاز التنفيذي فحسب، إنّما يتحمل عبئها كافة السلطات و كافة المسؤولين و كذلك سائر أفراد الشعب. مطلوب منّا جميعاً المساهمة في تحقيق هذه المنجزات الكبيرة كي نصل بالبلد إلى مرحلة من البناء و الإعمار نحفظ به كرامة الإسلام و البلد و الأمّة أمام أعين العالم و ناظريه. إنّ هذه مسؤولية عامة تقع على عاتق الجميع. فعلى مدى سنوات من الحكم الملكي الجائر الفاسد المستبد العميل، تمّ تقويض أسس هذه المشاريع و البنى التحتية و القضاء عليها. و مهمّتنا اليوم التعويض عمّا فات، فأمامنا طريق طويلة جداً، لكنّه في المقابل طريق موسوم بالعزّة و الفخر.
أمّا بالنسبة لمتطلّبات هذه المرحلة، فعلى رأسها الحفاظ على وحدة الصف و وحدة الكلمة بين صفوف الجماهير و بين المتصدّين و المسؤولين. علينا أن نكون يداً واحدة، و على الجميع أن يؤلّفوا صفاً واحداً يصبو إلى غاية واحدة، كي يتسنّى تذليل العقبات و تحقيق المنجزات. فاختلاف الكلمة لا يحقق لنا أي شيء. فلو فرضنا أنّ هناك مجموعة تسير وسط طريق معبدة و تريد الوصول إلى نقطة محددة ـ فبالرغم من كون الطريق معبدة و خالية من العقبات و المشاكل ـ فإنّ هذه المجموعة لو تنازعت و تناحرت فيما بينها، فإنّها لن تصل إلى المقصد، فكيف لو كان الطريق محفوفاً بشتى المخاطر و العقبات، و كان هناك أعداء يتربصون، و فوق هذا و ذاك كان الطريق شاقاً و طويلاً! ففي هذه الحالة على الجميع أن يتكاتف و يتآزر و يزداد عزماً و إصراراً و لا يضع نصب عينيه سوى الغاية التي ينشدها، ليتسنّى طي هذا الطريق المتسم بالعز و الفخر و الكرامة، و الشاق و الطويل في الوقت نفسه.
إنّ هذا هو الشرط الأوّل لتحقيق أي فوز أو نصر. و هناك أمثلة على ذلك كثيرة، فبإمكانكم ملاحظة مصير البلدان التي كانت عرضة للاختلاف و التناحر.
إنّني أقول لكم يا أحبائي! أيّها الشعب الكريم، و خصوصاً أنتم شبابنا الأعزاء! إنّ أمل العدو، عدو الشعب الإيراني و النظام الإسلامي و الثورة الإسلامية، اليوم إنّما هو شيء واحد، و يتمثل في جعل الدولة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية يخفق في تلبية أبسط حاجات الفرد و المجتمع. لكن إلى اليوم، لم تفلح أي من محاولاتهم السياسية و الإعلامية اليائسة و إنّما باءت بالفشل.
لقد بنوا آمالهم على إجهاض المشروع الحكومي و تقويض الجهود التي تبذلها الدولة و النظام الإسلامي لتلبية حاجات الشعب، كي يقال إن النظام الإسلامي قاصر، و إنّ الإسلام عاجز، و بالتالي تصبح الأبواب مشرعة أمام عودة أولئك الذين ساسوا البلاد عشرات السنين بأدوات الظلم و الفساد بدعم من قوى الاستكبار، ليستحوذوا على مقدرات البلد من جديد. إنّهم يريدون إفشال النظام الإسلامي و جعله عاجزاً عن العمل. لكن يا ترى ما هو السبيل إلى ذلك؟ السبيل إلى ذلك يتحقق بالدرجة الأولى عبر: زرع الخلافات و تضعيف القوى الساعية و الطامحة و العاملة على استقلال البلد و سيادته.
إنّ أبرز ما يخطط له العدو و يعمل لأجله هو تجفيف مصادر البلد و إفشاء الفساد، تلك الآفة التي ما داهمت مجتمعاً إلاّ أنهكته. و لا يخفى أنّه ما من مجتمع أو بلد إلاّ و وجدت فيه عناصر يعقد عليها العدو آماله فتستحيل إلى أدوات تحقق له غاياته و مآربه، لذلك على الشعب و المسؤولين توخي الحذر قدر الإمكان.
إنّ الآلام التي يعاني منها البلد اليوم لا يداويها إلاّ شيء واحد، و هو أن تتعاون السلطات الثلاث و تتآزر و توحد كلمتها و تقوم بوضع خطط و برامج تهدف إلى تحقيق غايات النظام و أهدافه و رفاه المجتمع. إنّ هذه مهمة ملقاة على عاتقهم اليوم. على السلطات الثلاث تجنب التناحر فيما بينها و تضعيف بعضها البعض. كما على الصحف و الإعلام تجنّب تضعيف السلطات الثلاث ـ التي تمثّل دعائم النظام و أركانه ـ ، فعلى الإعلام توخي الحذر من التعميم السلبي، فعندما يجد جانباً سلبياً في هيكل سلطة من السلطات الثلاث، عليه أن لا يعمّم ذلك و يتهم السلطة بأسرها و بالتالي يضعف من موقفها. فلو فرضنا أنّ هناك مؤاخذة على نائب أو نائبين في المجلس، فهذا لا يعني أن يطال النقد المجلس بأسره. و إذا كان هناك اعتراض على حكم قضائي ما، فما من مبرر لاستهداف السلطة القضائية برمتها. و هكذا الحال بالنسبة لأداء السلطة التنفيذية، فلو كان هناك مؤاخذة على جانب منها فلا يشكل ذلك مبرراً لتضعيف السلطة بأسرها. إنّ تضعيف هذه الدعائم و الأركان، معناه تضعيف الثورة و النظام و تقويض الأهداف العليا التي ينشدها النظام. على الجميع أن يلتفتوا إلى هذا الأمر.
إنّ على الكتّاب و الإعلاميين و المتحدّثين و كل من يساهم في التأثير على الرأي العام، عليهم أن يحسبوا حساباً لكل فعل و كل قول يصدر منهم. فالمهمّة جسيمة. و المجال الذي يتحركون فيه خطير للغاية، فالزلاّت لا تغتفر، و التوبة عليها ليس أمراً هيناً، إذ الأمور هنا ليست شخصية.
و لقد تمكّنا خلال الإثنين أو الثلاث و العشرين عاماً المنصرم من إزاحة أضخم العراقيل عن طريقنا و ذلك من خلال وحدة الكلمة. كما إنّنا اليوم قادرون أيضاً على تجاوز كافة العراقيل التي تقف في طريق شعبنا عبر توحيد الكلمة بين المسؤولين و بين الشعب.
و لا يخفى، إنّ كل شعب أو بلد يمتلك مشروعاً أو رسالة يريد إيصالها، لا بدّ أن تظهر له مجموعة من الأعداء، و هذا أمر طبيعي جداً. و إذا أراد المرء أن يعيش دون أعداء فعليه أن يتحوّل إلى كائن عقيم منزو عديم التأثير، يتم استلابه و هو صامت، و يُعتدى عليه و لا يعترض.
إنّ الذي لديه رسالة يريد إيصالها، و لديه هدفاً ينشده و هو يعيش في خضم هذه الدنيا الكبيرة المليئة بالفوضى، من الطبيعي جداً أنْ يكون هناك من يتربّص له بغية الإيقاع به.
و بالنسبة لنا فنحن لا نتوقّع أنْ نستثنى من هذه القاعدة، فنحن لا نفترض أن لا يكون لدينا أعداء يتربصون بنا، لكن ما نرجوه هو أن نعمل على أنفسنا، و أن نتحلّى بالأمل و الشجاعة و العزيمة و الإرادة و الوحدة و التوكّل على الله، و نقوم بإزاحة الأعداء عن طريق هذا الشعب، و نردّهم على أدبارهم خائبين.
بفضل الله و قوّته، نحن قادرون على ذلك و سنقوم به، و المستقبل سيشهد على ما أقول.
إنّ أملنا معقود على إيمان هذا الشعب و عزمه و غيرته و مجده و بسالته الكبيرة التي تجسدت في مختلف مراحل الثورة، فاستطاع الشعب عبر حضوره و مشاركته و ثباته ووعيه إفشال مخططات العدو الواحدة تلو الأخرى. و سيستمر إن شاء الله على هذا المنوال، و لا بدّ للقادة و المسؤولين من استثمار هذه الطاقات الهائلة من الشخصيات العظيمة التي يزخر بها بلدنا، و القيام بمهامهم على أتم و أكمل وجه.
نسأل الله تعالى التوفيق لكم و إجابة دعاء المولى صاحب الزمان بحقكم إنّه سميع مجيب.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.