بسم الله الرحمن الرحيم
كانت جلستنا اليوم جلسة جيدة جداً، و قد عرض الأعزاء و المسؤولون المحترمون جانباً من مساعيهم بلغة الإحصائيات و الأرقام. جلستنا هذه في شهر رمضان من كل سنة مع مسؤولي الحكومة و أعضاء هيئة الوزراء و رئيس الجمهورية المحترم و معاونيه لم ندرج فيها على تلقّي تقارير عمل، إنما كنا نذكر للأصدقاء الأعزاء عادة نصيحة أو عبارة من نهج البلاغة و نتبرك بكلام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
أما هذا العام و في هذا اليوم فقد أصررتُ - و اقترحتُ بنفسي على السيد رئيس الجمهورية - على أن يتحدث الأعزاء و يقدموا تقاريرهم، فالأيام هي الأيام الأخيرة لهذه الحكومة و هذه مناسبة جيدة لتقديم تقارير عن مجمل الأعمال و المشاريع التي تمّ إنجازها في هذه الحكومة، و التقارير طبعاً تبقى على نحو النماذج و الواجهة. و نرغب في أن تصل هذه التصريحات التي ذكرت اليوم هنا إلى أسماع الناس و أبناء شعب إيران الأعزاء، فيطلع الخواص و أهل الخبرة و الفن و الاختصاص - لأن الكثير من هذه النقاط التي تذكر لا يعلم بها الأعزاء و نجد أحياناً أنهم لا يتوفرون على معلومات كافية و وافية - و يطلع عليها كذلك عموم أبناء الشعب، مع أن بعض الأعمال و الإنجازات أمام مرأى الناس و أعينهم. طبعاً المعارضون و من ليس لديهم اطلاع - بعض الأجهزة الإعلامية المغرضة في الخارج و البعض في الداخل أحياناً - ينكرون حتى ما هو أمام الأعين و الأنظار. فهناك عمل أو مشروع قد تمّ و أنجز و هو أمام الأنظار و يراه الجميع و تم الإعلان عنه، لكنهم يميلون لإنكاره. لا شأن لنا الآن بأن البعض قد لا تكون لهم نظرة متفائلة أو متعاطفة أو منصفة.. يجب على كل حال ذكر هذه الإحصائيات في الأجواء العامة للبلاد و تسجيلها، فهذا الشيء على جانب كبير من الأهمية.
ما يجب أن أقوله للأعزاء اليوم قبل كل شيء هو: ساعدكم الله و قوّاكم. عملتم ثمانية أعوام و بذلتم مساعيكم و جهودكم و أنجزتم أعمالاً جيدة، و أبديتم استعدادكم للصبر على مشاق العمل ليل نهار، و هذا ما شوهد و شُعر به، و أدرك الجميع أن رئيس الجمهورية المحترم و زملاؤه في الحكومة يعملون عملاً مكثفاً جداً و سريعاً بالقياس إلى كل الدورات الأخرى. هذه نقطة ممتازة يجب عدم تجاهلها. كل الذين يريدون تقييم الحكومات و هيئات الوزراء و رؤساء الجمهورية - سواء كان هذا التقييم لأنفسهم أو أمام الملأ و الناس - و إبداء آرائهم في هذا الخصوص، من المناسب أن يتنبّهوا لهذه النقطة: الحجم الكبير من العمل و السعي الدؤوب بدون تعب أو كلل أو ملل، و الإعراض عن الراحة و الدعة و الإمتيازات التي يحصل عليها عادة مسؤولو البلدان في العالم، فهم يستريحون و يرفّهون عن أنفسهم و يأخذون الامتيازات.. عدم طلب هذه الامتيازات و تجاهلها يعدّ بحد ذاته ميزة كبيرة تمتعت بها و الحمد لله هذه الحكومة.
نقطة أخرى كانت في بالي حول هذه الحكومة طوال ثمانية أعوام، و قد أشرت لها مراراً، هي أن هذه الحكومة استطاعت و الحمد لله رفع شعارات الثورة و التفاخر بها و طرحها في المجتمع. من الممارسات المهمة التي قامت بها الجبهة المعادية للثورة - سواء ثورتنا أو الثورات الأخرى - على مرّ التاريخ و في كل العالم و لا تزال تمارسها، أنهم حاولوا التقليل من شأن قيم الثورة. و الأمر غير مقتصر على هذه التجربة. يقللون أولاً من شأن القيم ليمحوها تدريجياً، و إذا سنحت لهم الفرصة قلبوها إلى قيم مضادة. هذه ممارسة مألوفة في العالم، و قد شاهدناها في تاريخ الثورات في العالم، و في الثورات التي قامت في زماننا - على مدى هذا العمر الطويل الذي عشناه - و اطلعنا عليها و بلغتنا أخبارها. الجبهة المعادية للثورة لن تنسى أبداً شعارات الثورة، بمعنى أنها تعلم أن الشيء الذي استطاع في هذه المنازلة تحقيق النصر لجبهة الثورة و فرض الهزيمة على الجبهة المناهضة للثورة هو بالدرجة الأولى هذه الشعارات. و كلما كانت الشعارات ذات مغزى و عميقة و جذابة و واقعية و مفهومة و ملموسة من قبل الناس، كلما ساعدت على تقدم الثورة إلى الأمام أكثر. يحاولون محو و تبديد هذه الشعارات على نحو تدريجي.
و بخصوص بلد إيران و ثورة إيران بدأ العدو هذه الممارسات أيضاً، و لم ينجح طبعاً، و نحن نشكر الله على هذا. لم يستطع العدو تبديد شعارات الثورة و محوها. و أعتقد أن جزءاً كبيراً من هذا يعود ليقظة الإمام الخميني الجليل. ما تركه الإمام الخميني الجليل بيننا من تصريحات و كلمات و كتابات يمثل بيّنات و محكمات، و ليس متشابهات لا يفهمها أحد. و الكلام الأخير للإمام الخميني مدرج في وصيته. لقد أوصيت دوماً المسؤولين و الذين يتولون أعمالاً مهمة في الحكومة بمراجعة وصية الإمام الخميني. وصية الإمام الخميني لباب القيم التي آمن بها هذا الرجل و التي تركها لنا حيّة متوثبة. لذا فإن هذه القيم غير قابلة للتحريف و التغيير. نعم، تجاهلها أمر ميسور و ممكن للذين يريدون تجاهلها.
لقد طرحت هذه الحكومة هذه الشعارات و ركزت عليها و برّزتها و رفعتها و افتخرت بها، و لم تشعر في الأوساط و الأروقة العالمية بالخجل من الدوافع الثورية و الأهداف الثورية و الأساليب الثورية. هذا إنجاز كبير جداً.
ما عملتموه لله سجّله الله تعالى في صحيفة إعمالكم و سجّله الكرام الكاتبون لكم، و سينفعكم بلا شك. ما عملتموه، سواء شاهدته أنا و أمثالي و علمنا به و شكرناه أو لم نره و لم نعلم به و لم نشكره فـ «إن الله شاكر عليم» (1).. الله يعلم و يشكر. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى.
الشيء الذي يجب أن تعقدوا عليه الهمم هو أن لا تفلتوا زمام الخدمة و العمل. لا تنحصر كل المساعي في الوزارة الفلانية أو المسؤولية الفلانية في الحكومة، لا، ساحة البلاد ساحة سعي و جهد و عمل دؤوب و نشاط. و يمكن لهذا العمل أن يتمّ على نحوين: عمل يرمي للأهداف الثورية، و عمل لا يرمي للأهداف الثورية. سواء تواجدتم في الحكومة الآتية و الحكومات الآتية أو لم يكن لكم حضوركم هناك، فإن الأعمال التي تقومون بها و المسؤوليات التي تتولونها - و أمثالكم طبعاً مدراء أكفّاء جديرون - حاولوا أن تجعلوها منصبّة على تحقيق أهداف الثورة و سائرة نحو أهداف الثورة إن شاء الله. سوف يثيبكم الله تعالى و يجزل لكم الأجر، و نحن أيضاً في حدود مهماتنا نتقدم لكم بالشكر.
إنني حسب الدارج - و لم يعد لدينا مجال و لا وقت - أقرأ عليكم عبارة من نهج البلاغة: «و اعلم أن أمامك طريقاً ذا مسافة بعيدة و مشقة شديدة» (2). هذه من وصايا الإمام علي بن أبي طالب للإمام الحسن المجتبى (عليه السلام). و الواقع أنه يجب القول إن الوصية من أكثر ما يمكن للمرء أن يقوله من حيث الصميمية، لأنه كلام يقوله الإنسان للآخر حينما لا يعود موجوداً في عالم المادة، و لا تكون لديه أغراض مادية بطبيعة الحال أو أن هذه الأغراض المادية تنخفض إلى أدنى المستويات و تكون ضعيفة. لذلك تطرح في الوصية أكثر الكلمات و الأقوال صميمية، و خصوصاً عندما يكون المخاطب بالوصية أعز الناس على الإنسان صاحب الوصية، من قبيل نجله، و لا سيما إذا كان هذا النجل شخصاً مثل الإمام الحسن المجتبى الولد الأكبر للإمام علي بن أبي طالب، و هو بلا شك أحبّ الناس إلى قلب الإمام علي (ع) و في عينه. طبعاً قال الإمام علي بن أبي طالب (ع) إن هذه الوصية لا تختص بكم بل هي للجميع، لكن المخاطب الأصلي بها هو الإمام الحسن المجتبى (ع). و عليه فهذا هو لباب كلمات الإمام علي بن أبي طالب و معارفه و ذهنياته. و بالطبع فإن كل كلمة من كلمات الإمام علي و كل جملة من جمله حكمة، و الأمر لا يقتصر على هذه الوصية. إننا للحق لا نفهم أعماق كلمات الإمام علي بن أبي طالب (ع). أمثالنا غير قادرين على الوصول إلى تلك الأعماق، إنما ننتفع بعض الشيء منها. نشاهد أناساً كلما كانت حكمتهم أرفع، و كلما كان تفكيرهم أرقى، و كلما كانت عمق أفكارهم أكثر استطاعوا اقتناص نقاط و فوائد أكثر من هذه الكلمات. هكذا هو نهج البلاغة. و هنا نحن أمام وصية الإمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة.
يقول: اعلموا أن أمامكم طريق فيه مسافة طويلة و مشقة شديدة. الطريق الذي أمامكم - طريق الوصول إلى جزاء الأعمال في يوم القيامة - طريق طويل. «و إنه لا غنى لك فيه عن حسن الارتياد» (3). في مثل هذا الطريق يجب أن تسير بمنتهى الاندفاع و الطلب. و «الارتياد» يعني الطلب و الإرادة و السعي المصحوب بالإرادة و النيّة. فلا مفرّ أمامك سوى الجدّ في العمل. أي إن هذا الطريق ليس مما يمكن للمرء أن يستهين به. نعم، نحن غافلون و قد نستهين بالأمور، لكن هذه الاستهانة إنما هي بسبب الغفلة . لنعلم ما هي حقيقة الأمر و إلى أين نحن ذاهبون و أين يتحقق مصيرنا الأبدي. إذا تنبّهنا لهذا فسوف نهتم للأمر و نأخذه مأخذ الجدّ. لذلك تلاحظون في دعاء كميل الشريف - و هو أيضاً للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) - أنه يقول: «و هب لي الجدّ في خشيتك» (4). يدعو الله و يسأله أن تكون خشيته لله خشية جادة و حقيقية، و ليست ظاهرية و ناجمة عن مشاعر زائلة و حدثان الحياة. إنه يسأل الله أن يكون خاشياً له خشية حقيقية بالمعنى الواقعي للكلمة.
«قدّر بلاغك من الزاد مع خفّة الظهر» (5). إنكم مضطرون لاجتياز هذا الطريق الصعب الطويل الذي هو الطريق إلى القيامة. إنكم تجتازون بالطريق إلى القيامة من وسط الحياة الدنيا. إنكم مضطرون للمرور من هذا المعبر المادي بكل ما للمادة من لوازم و مقتضيات و بكل الخصوصيات التي يشتمل عليها الإنسان بشكل طبيعي في هذه البيئة و الأجواء المادية. إذن، الشيء الذي ينبغي أن تفعلوه لكي تكون تلك النهاية سهلة و يسيرة عليكم، هو: «قدّر بلاغك من الزاد». أي قدّر و خمّن مقدار الزاد الذي يوصلك إلى المقصد، و اعلم كم تحتاج من العمل لتصل إلى مبتغاك. هذا هو الجزء الأول.
و الجزء الثاني: «مع خفّة الظهر»، أي خفّف أحمال ظهرك. هذان إرشادان يقدمهما الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أولاً اعلم ما تحتاجه لاجتياز هذا الطريق. و في إيضاح ما نحتاجه لهذا الدرب يقول هو نفسه: اجتناب المحرّمات و أداء الواجبات. أي إن المقدار اللازم من الزاد لاجتياز هذا الدرب هو الواجبات. أداء الواجبات هو المقدار اللازم من الزاد. و كلما زدتم من هذا الزاد و أدّيتم مزيداً من الواجبات ستكون لكم إمكانات أكثر و فرص أوفر و ستنتفعون أكثر. لكن الواجب من الفرائض علينا هو الحد الأدنى مما نحتاجه لاجتياز هذا الطريق. و كذا الحال بالنسبة للمحرمات. بمعنى أن اجتناب المحرمات هو الحد الأدنى لتحاشي الآفات التي قد تعرض لنا في هذا الدرب. و عليه، إذا اجتنبنا المحرمات و أدّينا الواجبات لكان هذا ما يوفر و يسهّل العروج المطلوب لنا أنا و أنتم، و لا ضرورة لأكثر منه. البعض يسعون للتحلي ببعض الخصوصيات، كأن يعثروا على شخص يتعلمون منه ذكراً أو رياضة. هذه أمور غير لازمة و غير ضرورية. الرياضة الشرعية مرسومة و معلومة. إذا أدّينا هذه الصلوات بصورة صحيحة و في أوقاتها و أدّينا أركانها و بتوجّه إلى الله، أو إذا صمنا صيامنا بصورة صحيحة - نفس هذه الواجبات و الفرائض التي بين أيدينا - فإنها تكفي لعروج الإنسان و تحليقه إلى الأعالي.
و أقولها لكم: إذا أدينا هذا المقدار فسيكون هذا أرضية لاجتذاب الأنوار الإلهية بمقادير كبيرة. أي إن هذا الحد الأدنى اللازم لنا لا يتميز بمجرد أنه قادر على الأخذ بأيدينا لاجتياز هذا الطريق، إنما ميزته الأخرى هي أنه يمهّد الأرضية لنا لاجتذاب مزيد من الأنوار الإلهية و الفضل الإلهي. أي إن الإنسان إذا أدّى الصلاة الواجبة بصورة جيدة فسيميل بصورة طبيعية إلى النوافل. حين يتجنب الإنسان الكذب و الغيبة و القول بغير علم و التهمة و الإفساد و أكل أموال الناس و خيانة الأمانة، فإن هذا بحد ذاته سيعدّ قلبه لتلقّي الهداية و المعرفة الإلهية، و يتقدم بنا إلى الأمام. هذه هي الوصية الأولى.
الوصية الثانية هي قوله: «مع خفّة الظهر».. أي خفّف أعباء و أحمال ظهرك. نحن الذين تحمّلنا أعباء ثقيلة على أكتافنا نتمنى أن يوفقنا الله تعالى لحمل هذه الأعباء. إذا استطعتم إن شاء الله حمل هذه الأعباء و إيصالها لمقاصدها بسلام فسيكون لكم أجر جزيل. بمعنى أن هذه المسؤوليات الجسيمة الثقيلة مثلما تنحت للإنسان هموماً كبيرة، فإنها من جهة ثانية و إذا تم تحمّلها و إيصالها بسلام، تستوجب فضيلة عظيمة.
نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً و يؤيّدكم و تكونوا دوماً في خدمة الإسلام و الثورة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة البقرة، الآية 158 .
2 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 31 .
3 - م ن .
4 - مفاتيح الجنان، دعاء كميل.
5 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 31 .